الجزائر

إسرائيل ترتب أوراقها لما بعد الأسد



لم نسمع موقفا واضحا من إسرائيل بخصوص الإنتفاضات والإحتجاجات التي تهزّ العالم العربي، بل إننا وقفنا نسجل بدهشة كيف أن الصهاينة تركوا واحدا من أكثر الحكام العرب عمالة لهم يسقط ويُسجن دون أن يمدّون بقشة النجاة على الأقل ردا لجميله، وهوالذي خدمهم برموش عيونه بل وتفانى في جرّ العالم العربي إلى الإنبطاح لتَرْكََبَهُ الدولة العبرية وتسحقه بغطرستها وجورها.لم نسمع إسرائيل تهلل أو تتأسف لسقوط هذا الزعيم أو ذاك ولم نرها تبدي قلقا مما ستحمله الأيام من مفاجآت للعالم العربي الذي حشرت نفسها فيه وغرستها شوكة في خاصرته.إسرائيل لم تبدِ موقفا لرحيل بن علي ولا تحركت شعرة من رأسها لسقوط نظام مبارك رغم ما تعنيه مصر من أهمية استراتيجية وسياسية لها، ربما لاقتناعها بأن أي نظام سيحكم أرض الكنانة مستقبلا، لن يعارض إتفاقيات كامب ديفيد.
ولن يفرط في علاقته المتميزة معها، وقد اطمأن قلبها بعد أن تعهدت القيادة العسكرية التي تتولى السلطة بصفة مؤقتة في مصر بالإلتزام بكل الاتفاقيات الموقعة مع الخارج، وعلى رأسها إتفاقيات السلام.
لكن، إذا كانت اسرائيل قد أظهرت شيئا من اللامبالاة تجاه ما جرى ويجري في تونس ومصر وبلدان عربية أخرى، فإن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالوضع في سوريا، بالنظر إلى العلاقة العدائية التنافرية القائمة بين الطرفين، وأيضا التأثر الحتمي لإسرائيل بأي تغير قد يحصل في الجارة الشمالية التي تقيم معها علاقات ردع متوترة وتحتفظ بقوة عسكرية كبيرة منذ بدأ الاحتجاجات العربية.
فما هو الموقف الإسرائيلي مما يجري في سوريا، وهل ترغب تل أبيب من رحيل الأسد أم في بقائه، ثم وهو الأهم هل لإسرائيل دخل في الأزمة السورية؟ في الواقع الجواب ليس بالسهولة التي نعتقد خاصة وأن اسرائيل لم تبد أي مواقف رسمية واضحة مما يجري عند جاراتها العدو اللدود، لكننا نستشف موقفين إسرائيليين متناقضين وذلك من خلال تحليلات وقراءات خبراء وسياسيين صهاينة.
أما الأول فأصحابه لا يرغبون في سقوط نظام الأسد، بل يريدون استمراره لأنه مستقر ومعروف الهوية، وهو بالنسبة إليهم بمثابة صمام الأمان من عمليات عنيفة قد يقوم بها حزب اللّه، فنصر اللّه حسبهم إذا رحل الأسد لن يضطر إلى مراعاة موقف سوريا من وضع قيود على المواجهة مع اسرائيل.
ويعتقد هؤلاء، بأن الأسد أبدى محاولات جدية لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، لكن نتنياهو لم يتجاوب معها وضيّعها كما أنه لم يرغب في التصعيد عندما قصفت الطائرات الاسرائيلية مفاعلا نوويا سوريا.
أصحاب هذا الموقف يخشون المجهول ويتمسكون بالأسد ويحذرون من أي تدخل اسرائيلي، سواء بالأقوال أو الأفعال فيما يجري خلف حدودها الشمالية، ويحذرون من وقوع مخازن الصواريخ والأسلحة في أياد خطيرة ؤذا ما حاول الحكم المنهار تشديد المواجهة مع اسرائيل في سبيل البقاء.
لكن مقابل هؤلاء الذين يفضلون حاكما سوريا يعرفونه عن المجهول الذي قد يأتيهم بمن يذيقهم العلقم، هناك رأي اسرائيلي يهلّل لما يواجهها النظام السوري ويستعجل رحيل الأسد الذي حوّل سوريا حسب قولهم خلال 11 عاما من الحكم إلى جزء من محور الإرهاب الدولي الذي تقوده إيران وهو محور حسبهم يمرّ في دمشق.
ويعمل بحرية في لبنان ويعارض المسيرة السلمية، ويبادر بالعدوان على اسرائيل، ويقول المتشفون النظام السوري بأن سقوطه لن يكون الخاسر فيه الأسد وحده وإنما حلفاءه الأشداء والذين هم أشد أعداء اسرائيل، وعلى رأسهم إيران، فسوريا كما يضيف هؤلاء هي الحجر الأساس في المحور المؤيد لنظام الملالي، ما يعني أن ضعف نظامها، وناهيك عن سقوطه سيكون ضربة شديدة لإيران ومن خلالها لحركات المقاومة الفلسطينية ولحزب اللّه الذي يكون حسب ما يشيرون يشد على قلبه خشية سقوط أكبر حلفائه، في حين يكون خصوم المعسكر الإيراني والسوري في لبنان من أكثر المهلّلين لما يجري في سوريا وأكبر المتحمسين لسقوط نظامها الذي حوّل حسبهم حزب اللّه إلى دولة داخل دولة.
وبالموازاة مع من يفضل بقاء الأسد ومن يستعجل رحيله هناك في اسرائيل موقفان متناقضان أيضا بخصوص التدخل أو عدم التدخل فيما يجري في سوريا، ففي حين يصرّ البعض على ترك الشعب السوري يحدد مصيره، فالكثير من الإسرائيليين يعتقدون بأنه على بلادهم أن لا تبقى مكتوفة الأيدي غير مبالية بما يحدث في سوريا، بل يجب عليها كما يضيفون أن تتخذ موقفا سياسيا قادرا على القراءة السليمة للتطورات، هناك وأن تتأهب أمنيا لانتهاز الفرصة التي لا يمكنها أن تتكرر.
وبين جميع هذه التناقضات والتباينات، الأمر المؤكد بالنسبة إلينا أن إسرائيل حتى وإن كانت تتظاهر باللامبالاة تجاه ما يجري في سوريا وغيرها من البلدان العربية، فهي غير بعيدة عما يجري، ولو سلّمنا بأن الانتفاضات العربية من صنع الشعوب ولها دوافعها المشروعة، فهذا لا يمنع من الجزم بأن إسرائيل ستعرف كيف توجهها لخدمة مصالحها وضرب أعدائها وفرض بقائها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)