تقطع الإجراءات الاستباقية التي اتّخذتها الحكومة تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، التي أسداها في اجتماع مجلس الوزراء، الطّريق أمام المضاربين والمحتكرين، الذين تعوّدوا استغلال شهر رمضان للمتاجرة والتلاعب ب «قوت الجزائريّين»، فأياما قليلة قبل حلول شهر الصيام، تتّجه أسعار أغلب المنتجات الغذائية خاصة الواسعة الاستهلاك إلى التعافي، في انتظار ضبط أسعار اللحوم بعد فتح باب الاستيراد، وسيأكل الجزائريون لحوما معروفة المصدر دون أن يثيروا إشكالية «اللحوم الحلال».تفطّن الجهاز التنفيذي مبكّرا، لمحاولات ضرب استقرار الجبهة الاجتماعية، أشهر قليلة قبل حلول شهر رمضان المعظم، برفع أسعار المواد الغذائية، واحتكار أخرى، وبادر بإجراءات مستعجلة لكبح «جشع» تجّار المناسبات تعوّدوا «النفخ» في الأسعار، والمضاربة بغذاء الجزائريين دون ضمير أو وازع ديني.
ضبط الأسعار واستعادة توازن السّوق
شهدت الأسواق الوطنية على غير العادة، «حمى أسعار» مبكرة، بدأت بمادة البطاطا الأكثر استهلاكا من قبل الجزائريين، وشملت اللحوم البيضاء، وزيت المائدة التي عرفت ندرة حادة وغابت عن رفوف المحلات والمساحات التجارية الكبرى، ليس بسبب نقص الإنتاج ولكن بسبب الاحتكار، ما جعل الدولة تحكم قبضتها، وتتدخّل بقوة عن طريق فرق الرقابة ومصالح الأمن، لتحرير عشرات الأطنان من الزيت المكدّسة في المستودعات والمخابئ، انتهت باسترجاع 58 طنا من الزيت، وحجز 29 طنا من مادتي اللحم والدجاج.
كما قام الديوان الوطني للخضر والفواكه واللحوم، بإخراج مخزون مادة البطاطا وطرحه في الأسواق في الوقت المناسب، كما وضعت وزارة الفلاحة نقاطا على مستواه لبيع المنتوج والخضر الأخرى مباشرة من المنتج للمستهلك لكسر سلسلة المضاربة، وإعادة ضبط الأسعار، وهو ما سمح باستعادة توازن السوق، ومحاربة الشائعات بنفاذ المخزون الوطني من المنتجات الفلاحية والمواد الغذائية.
وعرفت أسعار الديناراج انخفاضا، بعد إطلاق حملات مقاطعة لشراء المنتوج من قبل المواطنين، وصلت 370 دينار بعد أن تجاوزت 450 دينار منذ أيام قليلة، لعدة أسباب فسّرها المربون بغلاء الأعلاف التي تضاعف سعرها مرتين، وتجميد نشاط 50 بالمائة من مربّي الدواجن الذين تعرّضوا لخسائر بسبب جائحة كورونا.
وتوصّلت وزارة الفلاحة والمربون إلى اتفاق يقضي باستئناف النشاط تربية الدواجن، على أن تقوم بتسهيل حصولهم على الأعلاف مباشرة من المطاحن وبالأسعار المدعّمة، وتشديد الرقابة على نقاط البيع خاصة التي تشهد المضاربة والاحتكار.
البيع الترويجي و»الصولد» دون ترخيص
بهدف مكافحة ظاهرة المضاربة وتفادي أي اضطراب أو ندرة المنتجات الغذائية، واختلال سلسلة توزيع المواد الواسعة الاستهلاك حماية للقدرة الشرائية للمواطن، أقرّت وزارة التجارة عمليتي البيع بالتخفيض «الصولد» والبيع الترويجي، تنطلق يوم 7 أفريل من الشهر الجاري وتدوم إلى غاية ثاني أيام عيد الفطر، على أن يمارس هذا النشاط داخل المحلات التجارية وخارجها عبر المعارض والفضاءات التجارية المخصصة لذلك.
ويرى رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، في تصريحه ل «الشعب»، أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة «كافية لضمان الوفرة والمحافظة على استقرار الأسعار، والقضاء على الكثير من مظاهر المضاربة والاحتكار».
وقال «معلوم أنّ خلال شهر رمضان المبارك يزداد الطلب على المنتجات كما يقل الطلب على بعض المنتجات، بمعنى أنّ النمط الاستهلاكي للجزائريّين يتغيّر لذلك هذه المرة الحكومة من خلال وزارة التجارة أعدّت إجراءات ممكن القول إنها جديدة لضمان الوفرة بالنسبة للمواد الاستهلاكية عامة والمواد الغذائية خاصة، وكذلك لاستقرار الأسعار».
من بين هذه الإجراءات تنظيم معارض تجارية محلية تقدر بأكثر من 500 معرض محلي على المستوى الوطني، يشمل المواد الغذائية، الألبسة، الأحذية، الأجهزة الكهرومنزلية والأواني المنزلية والأثاث المنزلي والمكتبي، بالإضافة إلى إجراء ثاني يتعلق بالسماح لأول مرة بالبيع الترويجي والتخفيض خلال شهر رمضان المبارك، وهذه المرة لا يلزم التاجر بدفع الملف لدى مديرية التجارة الولائية من أجل الحصول على الترخيص، وإنما يسمح لأي تاجر يريد المشاركة في هذا العرض مباشرة نشاطه تلقائيا.
كما تمّ اتخاذ إجراءات أخرى تخص ضمان تموين الأسواق خلال شهر رمضان، وأكّد ممثلو أسواق الجملة والدواوين المهنية الحليب، الخضر، اللحوم والحبوب، أنّ المخزون المتوفر من المواد الغذائية المختلفة يكفي لشهر رمضان وما بعده.
وتحدّث بولنوار عن عمليات تحسيسية تقوم بها جمعيته وسط التجار من أجل إبقاء الأسواق مفتوحة طوال أيام رمضان لمحاربة جميع أشكال الاحتكار والمضاربة، وهو ما طالب به رئيس الجمهورية.
رفع الحظر عن تسويق اللّحوم من الجنوب
كما سبق وأن وعد به رئيس الجمهورية، انطلقت أول عملية تزويد الأسواق الوطنية باللحوم الحمراء من ولاية أدرار، كما منحت التراخيص استثنائيا للمتعاملين الاقتصاديين لاستيراد اللحوم «المبرّدة»، وبعد عمل مشترك بين وزارة التجارة ووزارة الفلاحة والتنمية الريفية، تمّ ذبح أول دفعة من الماشية بولاية أدرار والموجهة للتسويق بالمدن الشمالية للبلاد، ستليها عدة عمليات بباقي الولايات الجنوبية تباعا.
وحسب وزير التجارة، كمال رزيق، في تغريدة له على صفحته بالفيسبوك «هي المرة الأولى في تاريخ الجزائر التي يتم فيها تسويق مادة اللحم من الولايات الجنوبية إلى باقي ولايات الوطن بعدما كان ممنوعا في وقت سابق».
وستعوّض رؤوس الماشية المستوردة من دول الجوار والمذبوحة على الطريقة الإسلامية بولايات الجنوب، اللحوم «المجمّدة» التي أثارت جدلا واسعا وسط الجزائريين السنوات الماضية وتساؤلات إذا كانت هذه اللحوم «حلال» وصالحة للاستهلاك.
وأكّد عضو اللّجنة الوطنية للإفتاء، امحند إيدير مشنان، ل «الشعب»، أنّ «الدولة الجزائرية تحرص على إدخال كل ما هو حلال إلى الأسواق الوطنية، وهذا أمر مفروغ منه، لا يحتاج إلى فتوى وهو تحصيل حاصل وواضح وبيّن، ولم تتأخّر يوما عن ثقافة المجتمع الجزائري».
وأضاف «حتى اللّحوم المجمّدة أو المبرّدة لا نستورد إلا ما هو حلال، ولا يمكن القول إنّ ما يستورد غير حلال، فهذا طرح غير معقول».
ترشيد الإستهلاك..ثقافة غائبة
غالبا ما توجّه أصابع الاتهام إلى السلطات العمومية كلّما طفت إلى السطح ظاهرة «حمى الأسعار» أو المضاربة في المواد الغذائية، وتصوّر دائما على أنّها المسؤول الوحيد على مجابهة السلوكيات اللاأخلاقية لتجار المناسبات، لكن المواطن ينسى أنه طرفا مهما في المعادلة، ويتحمّل هو الآخر مسؤولية كبح جماح التجار والمضاربين، ب «عقلنة» مشترياته، أو على الأقل «مقاطعة» شراء المنتجات حينما يرتفع سعرها، فلا يعقل كلّما «يشتهي يشتري» مثلما قال عضو اللجنة الوطنية للفتوى امحند إيدير مشنان ل «الشعب».
وأوضح أنّ اللهف وكثرة الشراء والتبذير، سبب من الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي ترشيد الاستهلاك في شهر رمضان ضرورة، وينبغي أن يقلّل المستهلك من النفقات في هذا الشهر، مستدلاّ بقول عمر رضي الله عنه حينما جاء إليه أحدهم يشتكي ارتفاع الأسعار، «أرخصوه بالترك»، بمعنى الإنسان يقلل من الطلب، حتى نصل إلى التوازن بين العرض والطلب، ومن ثمة المسؤولية مشتركة بين التاجر والمستهلك معا لضبط الأسعار، وينبغي أن يتعاون كل من جهته وفي دائرة صلاحياته بالشّيء الذي يجعل هذا الشّهر شهر رحمة.
وقال مشنان «على التجار المموّنين والصّناعيّين، أن يستحضروا خلق الرحمة بينهم وبين سائر المواطنين من المستهلكين، بحيث يتفادون الاحتكار لأنه حرب، ولهذا التاجر يستطيع أن يختار أن يكون جالبا مرزوقا أومحتكرا ملعونا».
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 05/04/2021
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : زهراء
المصدر : www.ech-chaab.net