ترى المختصة في علم النفس العيادي هدى مخلوفي، أن هناك ضعفا في التكفل النفسي بالأطفال من دون هوية، الأمر الذي يتسبب لهم في الكثير من المشاكل التي سرعان ما تظهر في شكل تصرفات عنيفة، مرجعة ذلك إلى الخطأ الذي ترتكبه العائلات التي تقرر التكفل بهذه الشريحة، والمتمثل في عدم إبلاغها بالحقيقة، وترك المسألة مخفية إلى أن تُكتشف بالصدفة، مما يتسبب في خلق صراع نفسي داخلي، ومن هنا تبدأ المشاكل النفسية عند هذه الفئة. وعن أهمية إبلاغ الأطفال المتكفل بهم بحقيقتهم وما يتطلبه الأمر من خطوات، تحدثت "المساء" إلى المختصة النفسانية، فكان هذا اللقاء.تقول المختصة النفسانية في معرض حديثها إنه عند الحديث عن التكفل النفسي وأهميته لا بد من التطرق للعائلات التي تقرر التكفل، فعلى الرغم من أنها تقوم بعمل إنساني كبير كونها تؤمّن لهم الدفء العائلي، غير أنها ترتكب خطأ كبيرا لا تقدّر جسامته إلا بعد وقوعه وما يترتب عليه من آثار نفسية عميقة من باب الجهل أو رغبة في إخفاء الحقيقة لعدة اعتبارات، مردفة: "هذه العائلات لا بد لها أن تعلم أن الأصح عند التكفل بهذه الشريحة انطلاقا مما تثبته الدراسات، إخبارهم قبل مرحلة المدرسة بحقيقتهم، أي بين سنتين وثلاث سنوات، لأنها المرحلة العمرية التي يتمتع فيها الطفل بشيء من التقبل اللامشروط والتعاطف، إذ يبني توجهه حسب التعامل المقدم من الوالدين الكفيلين".
من جهة أخرى، ترى المختصة النفسانية أن عملية تبليغ الأطفال بحقيقتهم تحتاج إلى مراعاة جملة من الخطوات المهمة التي تبدأ بضرورة اختيار الوقت المناسب، الذي يتطلب توفر شرطين هامين، وهما متابعة الحالة عند مختص نفسي أسري ذي خبرة، وعلى الاطلاع بعناصر المرحلة العمرية للطفل وإشكالاته النفسية ونوعية أفكاره ونضجه وتفادي الفجوات أو المشاكل داخل الأسرة، حتى لا يؤثر ذلك على الحالة النفسية للطفل المتكفل به، وهو عادة ما لا نجده حاضرا في الأسر التي تتكفل بهذه الشريحة للأسف الشديد.
وفيما يتعلق بعملية الإعلان عن حقيقة المتكفل به، تؤكد المختصة النفسانية ضرورة تجنب عملية الإعلان الفجائية. وتقول إن هذه الخطوة غاية في الأهمية، ولا بد أن تتم بالتدريج وعلى المدى الطويل، مشيرة إلى أنه لا مانع من الاستناد إلى أمثلة ونقاشات متكررة لصنع حالة تعاطف وإيجابية مع العائلة البديلة باستخدام القصة أو الرسوم المتحركة أو نماذج واقعية.
وحول تفشي ظاهرة الإقبال على التكفل بالأطفال من دون هوية من طرف العائلات الجزائرية، ترى المختصة النفسانية أن هذا العمل الإنساني مؤشر إيجابي أيا كانت الأسباب، فمنهم من حُرم نعمة الأطفال، ومنهم من تزوج على كبر أو لعقم أحد الطرفين، ومنهم من يريد أن يحقق زادا لآخرته عملا بالحديث الشريف: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وأشار الرسول "ص" إلى أصبعيه السبابة والوسطى، مشيرة إلى أنه يجب على من يريد التكفل بهذه الفئة أن يكون شخصا متزنا في ذاته وأسرته ومع المجتمع ويتمتع بالصحة النفسية، لأن قرار التكفل ليس بالأمر الهيّن؛ تقول: "خاصة أن النفس البشرية مجبولة على الخطأ والنقص؛ لذلك يحتاج القرار لقناعة عميقة واتفاق من الطرفين واستعداد لمختلف العقبات التربوية التي تواجه أي أبوين وأي أسرة، وليس لها علاقة بكون الطفل مجهول الهوية". واقترحت بالمناسبة أن يتم إخضاع من يرغبون في التكفل بطفل مجهول النسب، لدورات تأهيل حتى لا يقترفوا أخطاء قد تخلق أزمات نفسية لا تعالج، والواقع يعطي الكثير من الأمثلة في هذا الشأن، كالتدليل الزائد بدافع الرحمة أو الشفقة أو الحب المفرط أو حتى الخوف عليه، الذي يخلق عنده الأنانية والنرجسية والعديد من الاضطرابات السلوكية، أو من خلال الحماية المفرطة؛ فيتحول إما إلى شخصية ضعيفة خوافة، أو يتمرد على القيود للاستقلال بكينونته ويطور نوعا من العناد والتحدي.
❊ رشيدة بلال
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/01/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com