تستجيب التحولات الجديدة التي تشهدها مصالح الاستخبارات منذ عودة الرئيس بوتفليقة من العاصمة الفرنسية التي كان يعالج فيها، لحاجتين أساسيتين، تتعلق الأولى بمستقبل المؤسسة العسكرية، والأخرى بحسابات الظرف السياسي ومتطلبات تحضير الانتخابات الرئاسية.في الظروف العادية لأي بلد، من الطبيعي أن تكون مهمة أمن الجيش مثلا تحت وصاية أعلى هرم القيادة العسكرية، باعتراف أصحاب الاختصاص، كما يعد طبيعيا أن تكون للقيادة العسكرية مصلحة واحدة للاتصال بدل أن تقسم هذه المهمة بين عدة دوائر ومصالح. أما بالنسبة للشرطة القضائية التابعة لمديرية الاستعلامات والأمن، فحلها (إن صحت الأخبار الواردة في الصحافة الوطنية حول الموضوع) يعد مطلبا أساسيا من مطالب حقوق الإنسان في الجزائر، وإذا حولت إلى القضاء العسكري (حسب أخبار أخرى) فهذا أيضا سيسمح بتحديد هوية هذه المصلحة أكثر.
فيمكن من الناحية النظرية إذن اعتبار أن هذه القرارات تسير في اتجاه تحديد مهمة مديرية الاستعلام والأمن واقتصارها على العمل الاستخباراتي ومكافحة التجسس كأي جهاز استخباراتي في العالم. خاصة وأن هذه المديرية ظلت محل جدل في الساحة السياسية الوطنية منذ عقود بسبب مجال تدخلها الواسع الذي يصل حد تعيين أبسط موظف في أجهزة الدولة، ناهيك عن دورها في تسيير الساحة السياسية والإعلامية... بل وبلغت هذه المديرية بفعل صلاحاياتها المتشعبة درجة من السلطة جعلتها أعلى حتى من المؤسسة الوصية عليها الممثلة في المؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع. ومن المتاعب التي سببتها هذه الوضعية، كثرة مراكز القرار في أجهزة الدولة إلى أن أصبحت الجزائر تعرف بالدولة التي يقرر فيها الجميع ولا يقرر فيها أحد. وغالبا ما تؤدي هذه الوضعية أيضا إلى تعطل أبسط الإجراءات عن الصدور وتعطل العديد من القوانين المصادق عليها عن التنفيذ، وزادت العطل أكثر مع مرض رئيس الجمهورية وقلة نشاطه الرسمي وعدم عقده الاجتماعات الرسمية كمجلس الوزراء... هذا على المستوى النظري إذن وعلى مستوى مستقبل المؤسسة العسكرية في بلادنا ومستقبل علاقتها بباقي مؤسسات الدولة. أما على المستوى الميداني، فانتظار الدورة الأخيرة من سباق الرئاسيات لإدخال هذه التعديلات تثير الكثير من المخاوف حول طبيعة الصراعات القائمة بين مختلف مراكز القرار، وما إن مالت موازين القوى بصفة مطلقة إلى جهة واحدة. بمعنى أن النظام الجزائري الذي ظل يعاب عليه السير برأسين أو أكثر سيسير في المستقبل ليس برأس واحد بل بصوت واحد لا يعلو عليه أي صوت معارض أو ناقد. وهذا هو الحكم الفردي بعينه، وأخطر من ذلك أن يكون الحكم الفردي الجديد مدعما بسلطة المال، وننتقل بذلك إلى ما يصطلح عليه عند السياسيين ب«الديكتاتورية الرأسمالية” التي انهارت في مصر وتونس وليبيا وسوريا... وتستعد للإعلان عن ميلادها في الجزائر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/09/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : م إيوانوغان
المصدر : www.elkhabar.com