بعد تتويج فيلم "برد يناير" للمخرج سعد روماني، وحصوله على 4 جوائز في "مهرجان المساحة" للأفلام القصيرة عن أحسن إخراج وأحسن تمثيل التي كانت من نصيب الفنانة "إيمى" بالإضافة إلى أحسن موسيقى تصويرية كما فاز مؤخرا وعن جدارة بجائزة مهرجان الإسكندرية، يشارك في الطبعة السادسة لمهرجان وهران للفيلم العربي ضمن منافسة الأفلام الروائية القصيرة.
ومن أول لقطة في هذا الفيلم الذي يتطرق إلى ثورة 25 يناير التي ألهبت الشارع المصري وأدت إلى إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، ننتبه لهذا الإبداع السينمائي الفريد والموهبة النادرة للمخرج رومانى سعد الذي صنع من كل لقطة ونقلة وكلمة وأعطى لكل إيماءة معنى.
يزخر العمل بالتفاصيل ويتشبع بالأحاسيس ولا تغيب عنه روح الصراع بأنواعه ولو للحظة واحدة، حيث يصعب القفز فوق بعض الأحداث أو اختزال بعضها الآخر المناطق في هذا الفيلم الذي تم بنائه بمنتهى المهارة والإحكام.
ننتقل إلى زمن أكثر إشراقا مع استمرار اللقطات العامة القصيرة لجموع المتظاهرين مع هتافات جماعة "تغيير، حرية، عدالة اجتماعية" تلك الأصوات التي تصنع إيقاعا متناغما مع حركة الكاميرا والانتقال بين المشاهد والوقوف عند تفاصيل الوجوه، وتنتقل الصورة بحسابات دقيقة تدريجيا إلى إظلام الليل مع لقطة للدخان الذي يتصاعد حتى تكتشف أنها إعادة توضيحية أقرب لشرح أو تفسير للولوج إلى المشهد الأول من الفيلم. وعن طريق توظيف الصورة بفهم سليم وبتعاون مثمر بين المخرج الذي يدرك ما يريده والمصور والتي تصنع علامات استفهام تجبر المشاهد على التأمل والتلهف على مشاهدة المزيد من سيل تلك الأحداث.
من حرارة النيران التي تشبعت بها الصورة ننتقل إلى برد الحجرة الفقيرة التي تكاد تخلو من الأثاث في انتقال ذكي من العمل التسجيلي في المشهد الأول ورصد الأحداث إلى النسق الدرامي ضمن لقطة شمولية تكشف عن مدخل ذلك البيت البائس الذي يخلو من الباب بينما تتكرر شكوى الطفلين من البرد، فلا تجد الأم بدا من الخروج للسطح بحثا عن حل، نتابعها وهى تتلفت في المكان ثم تتوجه نحو السور وتخلع لوحة معلقة على الجدار تحملها في حرص وتضعها مكان الباب، لنكتشف أنها صورة مبارك في حملته الانتخابية المستفزة، لا تكفى الصورة لسد فراغ الباب كله ولا ينسى المخرج الذي لا تفوته تفصيلة أن يجعل الأم تضع الصورة بالمقلوب، ومع لقطات أفقية ورأسية تستعرض صورة مبارك، يتوالى الحوار عن الأب الغائب لتمتزج صورة مبارك مع سيرة الأب "لماذا باع أبونا الباب والأثاث؟".. فترد الأم في غضب وانفعال، وكأن الكلمات تسدد طلقات نحو مبارك مع أنات الناي الحزين "من باع الأثاث ولم يفكر في مصير أولاده لا يستحق أن ينادى بهذا اللقب "، فتمتزج اللقطات الحية مع خطاب قديم لمبارك في فاصل من أكاذيبه المفضوحة "يظل هدفنا هو المواطن المصري في رزقه ودخله وحقوقه وكرامته.. ونجتهد لنخفف عنه أعباء المعيشة ولندعم ثقته في مستقبله ومستقبل أولاده".
ويعود المخرج للدراما من جديد وبأسلوبه المعتاد في توظيف حركة الكاميرا الأفقية للتأسيس نرى الأم تلجأ لصاحب كشك الجرائد، فيما يختزل السيناريو بمهارة الكثير من الثرثرة والتكرار حيث تشير الأم لأعلام مصر الموضوعة فوق الجرائد وهي تتساءل في استنكار "أطفالي لا يحتاجون لعلم بل يحتاجون لباب يحميهم من البرد".تستسلم البطلة إلى عرض صاحب الأعلام الذي يقترح عليها شراءها منها وإعادة بيعها للحصول على ثمن شراء الباب. ولا ينسى المخرج أن يركز على الطفلة وهى تتأمل الصور، فهي جزء أساسي من المشهد العام للفيلم، سوف تنصت لأمها وقد زاد استنكارها وهى تتساءل في عفوية واستنكار.
مع نهاية هذا المشهد يكون السيناريو قد استكمل كل مراحله التمهيدية دون أن تفلت منه لحظة واحدة أو جملة واحدة بلا دلالة أو قيمة وبعد أن تكون خلفية الشخصيات قد اكتملت وبذرة الصراع بمستوييه قد تحددت، فالصراع الأول مادي بحت حول تدبير المبلغ المطلوب لشراء باب والذي ارتبط تحقيقه في ذهن البطلة بوجود مبارك الذي تتلخص أهمية بقائه في ذهنها باستمرار إقبال الناس على شراء الأعلام.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/12/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : القسم الثقافي
المصدر : www.essalamonline.com