الجزائر

أيها المتنكر.. تحرر أو اندثر بكل هدوء


أيها المتنكر.. تحرر أو اندثر بكل هدوء
قبل سنوات، شاركت في ندوة حول التربية والإعلام من تنظيم حزب جبهة التحرير الوطني بقصر الثقافة، وأثناء مداخلتي التي تكلمت فيها بكل صراحة عن الوضع الذي آل إليه التعليم في الجزائر، لاحظت بعض التململ في القاعة فتوقفت عن الاسترسال في المحاضرة وقلت: ”أنا هنا أتكلم بقلب مفتوح لأني في بيت الأفالان.
أنا لا أحمل بطاقة الحزب، ولست مناضلا في صفوفه، لكني أعتبر نفسي منتميا للجبهة التي قادت الثورة التحريرية” وتابعت محاضرتي. لما انتهت الندوة، وبينما أنا أهم بالانصراف تقدم مني أحد مناضلي الحزب ليطلب مني أن أزورهم بمقر الحزب في يوم الغد ولما سألته عن السبب قال: لتأخذ بطاقة النضال وشريط الفيديو الذي سجلت عليه محاضرتك، فأجبته سأزوركم لكن لأخذ شريط الفيديو فقط أما بطاقة النضال فلست في حاجة إليها.
لم أكن في حاجة لبطاقة النضال في حزب جبهة التحرير الوطني لأن الجبهة التي أعادت خلق الشعب الجزائري من عدمية الاحتلال وقادت واحدة من أعظم الثورات التي عرفتها البشرية، والتي تغنينا بها وأعطيناها عهدنا ونحن أطفالا، هذه الجبهة التي أصبحت حزب الجبهة لم تعد كما عرفها من قادتهم إلى النصر.
طوال نصف قرن كامل من حياة الدولة الجزائرية المستعيدة لسيادتها لم تتمكن جبهة التحرير الوطني من استعادة روحها إلا في فترات جد قصيرة لعل أهمها تلك التي تولى شؤون أمانتها العامة المجاهد المرحوم عبد الحميد مهري.
حزب الجبهة تنكر لمبادئ الجبهة فلم تعد أدبياته تهتم بالوطن وأمنه واستقلالية قراره ولا بالفقير والضعيف والمسكين من أبناء هذا الشعب، ولا غدت برامجه تحتوي على تلك الشحنة الثورية التي تجعل المناضل يقول كلمة الحق ويناضل من أجل جزائر العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين.
حزب الجبهة تحول إلى مجرد وسيلة تركب، وشكارة تنهب ومواقع توزع على الأهل والأقارب. ارتكبت باسمه الجرائم وفصلت القوانين الجائرة والفاسدة ؛ يكفي التذكير بما تعلق منها بقوت الجزائريين (البترول) فنفس الحزب، وفي نفس العهدة البرلمانية، صادق على قانون للمحروقات يستبيح حقول الجزائر وثرواتها المعلومة وغير المكتشفة ليعود بعد فترة فيصادق على قانون آخر للمحروقات يتراجع فيه أصحاب القرار عما كانوا يريدونه من تدمير لقدرات الجزائر.
حزب الجبهة ارتكبت باسمه كل الموبقات السياسية وغير السياسية ورفضت، باسمه أيضا، كل المبادرات الرامية لتمجيد ثورتنا وإبراز تضحيات شهدائنا. باسمه بيعت ممتلكات الدولة بالدينار الرمزي، وبددت الملايير من المال العام في مهرجانات الرقص وفي المشاريع الفالسة، ولم نسمع يوما أن الحزب الحاكم أو السلطة التي تحكم باسمه كرمت كاتبا أو ميزت أستاذا أو باحثا أو عاملا مجدا.
حزب الجبهة الذي قال بعض مناضليه إنه خلق ليكون في الحكم وأنه لا يمكن تصوره خارج مخدع الحاكم، هذا الحزب الذي ليس ككل الأحزاب، تولى أمره أناس لا يتحركون إلا بالمهماز ولا يقررون إلا إذا جاءتهم الأوامر من فوق. أي حزب هذا الذي لا يستطيع إبعاد أو انتخاب أمينه العام إلا إذا أمر مناضلوه بذلك؟
اللوم لا يوجه للسلطة في ما يحدث للأفالان فهي وجدت مطية فركبتها، بل اللوم هو لشباب الحزب الذي يقبل بأن يسير هذا الهيكل من خارجه وأن يتحكم في أموره الداخلية شيوخ ”طاب جنانهم” منذ زمن بعيد. شيوخ يتصرفون كالقطط التي تأكل أبناءها فلا هم بالشجاعة التي تمكنهم من حماية حرية الحزب في اتخاذ قراراته ولا هم بالقوة التي تساعدهم على فهم المستجدات الحاصلة في العالم وإدراك الأوضاع الخطيرة التي تمر بها الجزائر والمهددة اليوم عبر كل حدودها. شيوخ يرفضون الرحيل وترك أماكنهم حتى ولو تعلق الأمر بفلذات أكبادهم.
أي بؤس هذا الذي أصبح عليه حزب الجبهة؛ فهل ينجح حزب فشل في اختيار أمينه العام في أن يسير أمور البلد عبر المجالس المنتخبة والوزارات المسندة لمناضليه. وهل يرقى بلد يسعى ”الحزب الحاكم” فيه إلى رهن مستقبل الأجيال من أجل فوائد آنية.
لما علمنا بأن الاتفاق وقع على أن يتولى المرحوم عبد الرزاق بوحارة أمور الحزب شعرنا، نحن المواطنين الذين لازالت الجبهة الحقة تسكننا وتستهوينا، بالبهجة لأن الرجل معروف بنظافة يده ورجاحة عقله بالإضافة إلى كفاءته وهدوئه وتفتحه، وقلنا إن الحاج عبد الرزاق هو أمل الحزب في استعادة الجبهة لروحها؛ لكن يبدو أن الله تعالى لم يشأ أن يلوث هذا المجاهد النظيف والنزيه بتسيير هيكل فقد كل قدرة على التغير وعلى التحرر وعلى التحدد ولم يبق أمامه سوى أن يتبدد، كما قال الشاعر عمر آزراج منذ أكثر من ربع قرن. يتبدد كحزب ليستعيد الشعب روح الجبهة وبرنامجها الذي لم يستوف بعد.
قد لا يعجب هذا الكلام الكثير من أصدقائي ومعارفي بحزب جبهة التحرير الوطني، لكن ما قيمة رأيهم أمام غضب الشهداء ونقمة الله على من سهل لأبناء الحركى والفاسدين والمفلسين وبائعي المخدرات و”الترابنديست” وأسوأ خلق الله من أن يتواجدوا ويرشحوا وينتخبوا باسم حزب جبهة التحرير الوطني.. ألا يعد هذا انتقاما من الشهداء ومن الثورة؟
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)