مسؤوليات الآباء تجاه أبنائهم في الشريعة الإسلامية
أيها الآباء.. ارحموا الأبناء
مسعود صبري
ربما يكون طرحا جديدا أن نتحدث عن عقوق الآباء والأمهات لأولادهم وذلك انطلاقا من مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: _كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيتهس وليس من الحكمة أن يمرض الإنسان ويخفي مرضه خشية منه فذلك يعني أنه سيستمر المرض ويستشري في جسده حتى يفتك به ومثله السكوت عن أمراض المجتمع فتركها يكاد يمزق بنية المجتمع ولحمته.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتشر مرض في المجتمع جمع الصحابة وخطبهم قائلا: _ما بال أقوام يفعلون كذا وكذاس حتى يلفت الانتباه إلى الخطر ويقدم العلاج للناس.
وحتى نقف على الظاهرة من الناحية السلوكية في المجتمع يجب ألا نقف موقف المنظر الذي يقول: هذا واجب وهذا حرام وهذا حلال وهذا خطأ وهذا عيب بل نحن في حاجة إلى الغوص في حالات المجتمع حتى تتكون لنا صورة قريبة إلى الصورة الشاملة لهذه الظاهرة.
صور عقوق الآباء للأبناء
ومن أهم صور عقوق الآباء للأبناء:
التفرقة في المعاملة : فبعض الآباء والأمهات يجد بعض الأبناء أقرب إلى قلوبهم فيظهرون هذا في معاملتهم وهو ما يولد حقدا وكرها من الولد للأم والأب والإخوة أيضا ولا يمكن لنا أن نحجر على الحب الزائد فقد كان يعقوب عليه السلام يحب ولده يوسف -عليه السلام- أكثر من إخوته وهو ما حدا بهم إلى محاولة قتله والتخلص منه فرموه في البئر غير أن يعقوب كان يدرك هذا تماما ولم يكن يظهره.
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتشر مرض في المجتمع جمع الصحابة وخطبهم قائلا: _ما بال أقوام يفعلون كذا وكذاس حتى يلفت الانتباه إلى الخطر
ولما رأى يوسف عليه السلام الرؤيا {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} قال له أبوه يعقوب عليه السلام {يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ثم فسر له الرؤيا فقد أدرك خطر معرفة إخوته للرؤيا وأن كيدهم سيزيد له فقدم الأهم على المهم ونصحه بإخفاء الأمر على إخوته أولا ثم فسر له الأمر ثانيا.
وإن كنا لا نستطيع مصادرة القلوب وأن نجعلها تقسم الحب بالتساوي فيجب أن يظهر هذا في الأعمال المادية من التسوية بين الأبناء في العطية والابتسامة والقبلات وغيرها قدر الإمكان وقد رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه وقال له: _إني لا أشهد على جورس. وهذا يعني أنه قد يكون في القلب حب زائد لولد دون آخر بشرط أن يبقى شيئا قلبيا _اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملكس.
طبيعة التعامل :
وبعض الآباء يرون أن تشديدهم على أبنائهم في بعض مظاهر الدين هو الدين كله مع أنهم يخطئون في حق أبنائهم فيتهمون أبناءهم في بعض السلوكيات على أنهم _فسقةس وأنهم _منحلونس وأنهم يريدون العبث واللهو وهذا حرام مع أن هذا الشيء قد لا يكون حراما فهذا التضييق والتشدد يجعل الأبناء في حالة تشتت لأن التشدد من الآباء يلقي بظلاله عليه.
وعلى الآباء أن يدركوا طبيعة المرحلة التي يعيشها أبناؤهم وأن يدركوا أيضا أن الأجيال مختلفة وأن التأثيرات في البيئة المحيطة تحدث نوعا من التغيير. ولهذا ما أحسن ما كان يعالج به النبي صلى الله عليه وسلم خطأ الناس .
ومثال ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنى وكاد الصحابة أن يجنوا من طلبه وأن يبطشوا به ولكنه قربه منه وكلمه بحوار العقل والقلب وطرح عليه أسئلة تهدم بالحوار البناء رغبته الهدامة فقال له:_ أترضاه لأمك؟س قال: لا والله يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: _فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهمس أترضاه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله؟ قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهمة وما زال به يذكر أقاربه من عمته وخالته ثم وضع يده على قلبه ودعا له بالهداية.
فخرج الشاب وهو يقول: والله يا رسول الله ما كان أحب إلى قلبي من الزنى والآن ما أبغض إلى قلبي من الزنى. فإن رأى الآباء شيئا يكرهونه من أبنائهم فليكن الحوار هو السبيل الأمثل للاقتناع لأجل ترك شيء أو فعل شيء.
لا للاستبداد :
ومن صور العقوق أيضا إظهار الآباء أنهم يملكون الحق الأوحد وأن الأبناء دائما على خطأ فيشعر الأبناء أن آباءهم وأمهاتهم لا يملكون القدرة على خطابهم وأنهم يسيئون إليهم دائما وهو ما يحدث فجوة كبيرة بين الآباء والأمهات.
رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه وقال له: _إني لا أشهد على جورس
إن احترام آراء الأبناء وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة أما أن يكون الآباء والأمهات ملائكة لا يخطئون فهذا هو الخطأ بعينه ولا يظن الآباء أنهم باعترافهم أنهم كانوا خاطئين في هذا الموقف أن صورتهم تهتز أمام أولادهم إنها إن اهتزت لأول وهلة ولكنها ما تعود لتثبت كالجبال الرواسي كما أنه يولد في الأبناء الاعتراف بالخطأ وما يتبع هذا من فوائد في حياة الأبناء.
ومن صور العقوق أيضا الاستبداد في الرأي وخاصة إذا كان هذا الرأي متعلقا بالأولاد وأخطر هذا الاستبداد أخذ قرار بتزويج فتاة دون رضاها فهذا من أشد العقوق وقد جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن والدها أراد أن يزوجها قريبا لها ليرفع به خسيسته فرد الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج فلما رأت الفتاة أن الأمر لها قالت: يا رسول الله قد أجزت ما أجاز أبي غير أني أحببت أن أعلم من ورائي من النساء أن ليس للآباء في هذا الأمر شيء.
وهو درس للآباء أن من يتقدم قد توافق عليه الفتاة وتراه مناسبا لها غير أنها حين تشعر بالإجبار ترفضه وموافقتها حق شرعي يسبق موافقة الأب نفسه لأن هذه معيشتها وعشرتها لا معيشة أبيها ولا عشرته ولكن يشترط موافقة أبيها لأنه الحارس الأمين عليها.
ومن مظاهر العقوق أن يدخل الوالد ولده -أو بنته- كلية لا يرغب فيها أو أن يفرض عليه عملا معينا لا يحبه أو مهنة لا يهواها كل ذلك نوع من الاستبداد المرفوض والذي يجب أن ينتهي الآباء عنه فورا.
عوامل خارجية
العلاقات المحرمة من أهم مظاهر العقوق فعدد غير قليل من الآباء المتزوجين لهم علاقات حب وعشق مع نساء أخريات وهذا -فضلا عن حرمته- فإنه يؤثر سلبا على تربية الأولاد بل يكتشف الأبناء -في بعض الأحايين- هذه العلاقة فتنهار كل المثل العليا التي يرونها في أبيهم وتتحطم في عيونهم الصورة الجميلة للأب وقد يؤثر هذا عليهم سلبا فينشئوا هم علاقات محرمة لأنه عند غياب التربية قد يقع الأبناء في معاصي الآباء.
العقوق من أمراض المجتمع والتي يجب الانتباه لها وأن توظف لها الطاقات المتنوعة من دور العلماء في الدعوة وخطب الجمعة ودروس العلم ومن الإذاعة والتلفزيون
ومثل تلك العلاقات يجب أن تكون واضحة إما أن تكون في إطار حلال أو ترفض وما أبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال:_ اتق المحارم تكن أعبد الناسس.
ومن مظاهر العقوق الاهتمام بالمظهر دون المخبر فكثير من الآباء يعتقدون بالخطأ أن دورهم محصور في توفير الطعام والشراب لأبنائهم فيسعى للسفر حتى يعيش أبناؤه في معيشة أفضل وهذا أمر لا بأس به لكن لا بد من دراسة الأمر جيدا من كل النواحي فالسفر له موازناته وقبل اتخاذ قرار بالسفر وترك الأولاد والزوجة يجب أن يقع حوار ومشورة بين الزوجين كما لا بد من دراسة أثر ذلك على الأولاد فمن الناس من سافر لجلب المال فقامت الزوجة بدورها وحافظت على أبنائها ومن الناس من أضاع أبناءه بسفره بل ربما ضاعت زوجته مع أولاده أيضا.
ومن أشد الخطر في السفر غربة الروح والجسد حين يسافر الوالد مع أبنائه إلى بلد غير بلده فيبيع دينه لأجل دنياه.
ومن قصص الواقع أن والدا من إحدى الدول العربية سافر إلى بلد أوربي ليقضي هو وأسرته الصيف فيه فإذا بهم يقضون الليل في أماكن لهو وعبث ذهاب هنا وهناك الحرية ممنوحة للجميع مشاهدة كل الأفلام التي لا تتناسب مع مجتمعنا وقيمنا وديننا وبينا البنت تشاهد إحدى القنوات العربية فإذا بها تسمع شيئا لم تسمعه منذ زمن إنه الأذان من الحرم فهز كيانها وصرخت في وجه أبيها: لماذا أتيت بنا إلى هنا؟ أردت أن تضيع ديننا؟ وبعد هذا المشهد الذي أخرجت فيه الفتاة كل ما في قلبها قرر الوالد العودة فورا بعدما أفاق من غفلته.
وإن كان من الناس من يستثمر في الأموال ولكن هناك من العقلاء من يستثمر في أولاده وكم تفوق أبناء الفقراء بحسن رعايتهم واهتمامهم فالتفوق وحسن التربية لا علاقة لها بفقر أو غنى ولكن لها علاقة بالتربية والبذل.
أخيرا: العقوق من أمراض المجتمع والتي يجب الانتباه لها وأن توظف لها الطاقات المتنوعة من دور العلماء في الدعوة وخطب الجمعة ودروس العلم ومن الإذاعة والتلفزيون ولعله قد يكون من المفيد أن يتبنى بعض الكتاب تأليف بعض الروايات عن هذه القضية وأن تتحول هذه الروايات إلى مسلسلات وأفلام حتى نستخدم الفن الهادف في علاج قضايانا ولا شك أن الطرح الإعلامي من أبرز الوسائل تأثيرا في حياة الناس خاصة في ظل العولمة التي نعيشها والتأثيرات المتبادلة بين الحضارات من جراء ثورة الاتصالات.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/10/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com