الجزائر

أين نحن من نوم عمر؟



أين نحن من نوم عمر؟
عبّر العقلاء عن مفهوم العدل بأنه أساس الملك وجوهر الدولة وركيزتها، فإذا غاب انحلت عراها وتفككت أواصرها.. والعدل بمفهومه الفلسفي هو أوسع من حق يعطى لرعية أو مواطنين، بل هو الشعور بالأمن والأمان، على أن الحقوق تصان وأن الكرامة محفوظة للجميع دون الحاجة إلى واسطة أو تدخل من أصحاب الحظوة والامتيازات، حينها فقط، يطمئن المواطن العادي بأن حقوقه مصونة وأنه لا خوف عليه من غد لا يعلم ما ينتظره فيه، المواطن العادي لا يمكن أن يدرك كيف ولماذا لا يحق له أن يستفيد من نفس الحقوق الأساسية من مواطن أرادت الأقدار ربما بأن يكون فوق الناس أو فوق رؤوسهم عنوة، وأن يكون لهؤلاء ما للآخرين، بمجرد أنه فلان أو ابن فلان أو علان. آخر التقديرات تفيد بأن الفارق في توزيع الدخل والثروة في الجزائر يزداد اتساعا كل عام، وأن ما يمتلكه أقل من ربع سكان هذا البلد يمثل أكثر من 60 بالمائة من الدخل والثروة، فكيف تقر عين الضعفاء. مؤشر آخر مقلق يضاعف من الخوف من غد لا يطمئن. تقديرات الاحتياطات النفطية وحتى الغازية الجزائرية تكشف عن إمكانية استغلال لا يمكن وفق ما هو متاح حاليا أن يتجاوز 25 سنة بالنسبة للنفط و40 سنة بالنسبة للغاز، في وقت يمكن أن تصبح الجزائر في ظرف أقل من ربع قرن في مصف الدول المستهلكة للنفط وغير المصدرة له.. فكيف سيكون مصير توزيع الريع حينئذ، خاصة وأن تقديرات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي تفيد بأن عدد سكان الجزائر سيصل حدود 50 مليون نسمة على الأقل آنذاك. لقد قال أردشير بن بابك بن ساسان، مؤسس السلالة الساسانية، التي حكمت أجزاء كبيرة من إيران والدول المجاورة لها، يوما ''إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن طاعته''، فالمنطق يقول إن المواطن كلما تجلى إليه واقع ينحو باتجاه الظلم واللاعدل والجور وانتقاص الحقوق، كلما سعى بكافة الطرق المتاحة إلى التمرد وعلى جميع المستويات، فلا عجب أن نرى مع تضييق مساحات التعبير والحرية أن يقوم البعض بقطع الطرق أو حرق البلديات، كإحدى طرق التعبير، فيما يختار البعض الآخر الانتحار كصرخة يائسة بائسة أمام الأبواب الموصدة، وما ظاهرة ''الحرفة'' إلا مظهر من مظاهر التحدي والتمرد لواقع مزر لم يتغير ولن يتغير ما دام منطق الريع قائما مطبقا على الرقاب، ومن المفارقات أن يجتمع المجتمعون حول مائدة واحدة لتدارس أسباب نفور الشباب وهجرتهم القسرية، وبعد مخاض عسير تمخض الجبل فولد فأرا.. لقد نسي المجتمعون يوما أن ينصتوا لصوت الأنين الخافت، وظل الاجتماع منحصرا على الرسميين الذين لا يمكنهم أن يدركوا كنه وجوهر هذا الأنين الخافت، فكان الجواب على شاكلة اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس من خلال قانون ردعي يحبس كل من يحاول الهروب، أو من شاكلة مقولة ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر، التي نسبها إليها جون جاك روسو تجاه الشعب الثائر في باريس ''إذا لم يكن هناك خبز للفقراء.. دعهم يأكلون كعكا''.. فجوهر العدل لا يكمن فقط في ضمان القسط بل أن يشعر الناس بأنهم في أمن وأمان حقا، وأن حقوقهم لا يمكن أن تخرج من دائرة مقولة عمر بن الخطاب ''متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا''.. وهذا ما دفع العدو قبل الصديق يشهد يوما عدلت.. فأمنت.. فنمت يا عمر.. فأين نحن من نوم عمر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)