الجزائر

أيام فاتت.. صفحة من أيام النضال



أيام فاتت.. صفحة من أيام النضال
عندما دخلت الكوكاكولا والبيبسي كولا والكتي كولا للبلاد العربية، أثارت كثيرًا من النقاش. فرأى البعض أنها تحتوي على مواد مضرة وسامة. وقال آخرون بل وتحتوي على مادة مخدرة يجعل شربها حرامًا على المسلمين. وقال بعض القوميين إن فيها مواد مستوردة من إسرائيل وعليه يجب إدراجها ضمن قوائم مكتب مقاطعة البضائع الإسرائيلية، الذي استولت عليه ”داعش” مؤخرًا كما سمعت. وتعددت الاجتهادات. كانت أيام خير، أيام التعددية. وفي ذلك الزمن كانت الفتاوى في العراق لا تصدر من المرجعيات الدينية وإنما من المرجعيات السياسية والأدبية والفكرية. كانت أيام خير كما قلت.وكان من هذه الفتاوى فتوى صدرت من الحزب الشيوعي العراقي تقول إن الكوكاكولا بضاعة إمبريالية من إنتاج الرأسمالية الغربية ويجب مقاطعتها. فتح ذلك الأبواب لشتى المواقف والمفارقات العجيبة. من ذلك أن المخابرات العراقية أخذت تبث وكلاءها لمراقبة محلات المرطبات في شارع الرشيد ليتربصوا ويلاحظوا من يشرب الكوكاكولا ومن يمتنع عن شربها. ثم يسجلوا أسماءهم بدقة. لا أدري كم من الرفاق قضى جل حياته في سجن نقرة السلمان بسبب رفضه شرب قدح من الكوكاكولا.يروي الزميل نوري عبد الرزاق أن هذه الفتوى وصلت إلى لندن فتحير المبتعثون العراقيون الشيوعيون بشأنها. هل هذه الفتوى إقليمية محصورة بالعراق أم يسري مفعولها على بريطانيا أيضًا. دخل الرفاق في مناقشات ديالكتيكية طويلة في الموضوع دون أن يتوصلوا إلى حل. قرروا أخيرا استفتاء زملائهم الرفاق في الحزب الزميل، الحزب الشيوعي البريطاني، في أيام هاري بوليت. لاحظوا أن رفاقهم الشيوعيين الإنجليز يشربون الكوكاكولا بكل شوق وسهولة. قالوا يظهر أن الإنجليز لم تصلهم بعد فتوى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.العراقيون مثل سائر العرب لا يقنعهم شيء ويصدقونه حتى يسمعوه من الإنجليز والأميركان. وهو موقف حكيم في رأيي. وهكذا طرح الرفاق العراقيون الأمر المختلف فيه على الشيوعيين الإنجليز. فما إن سمع هؤلاء بالفتوى حتى استغرقوا بالضحك، مثلما فعلت أنا تمامًا عندما سمعت بالحكاية من زميلي نوري عبد الرزاق، وكما أرجو أن يفعل القارئ الكريم عند قراءته لهذه الحدوثة البريئة.بيد أن هذه الحدوثة لم تنته هنا. فبعد أشهر قليلة من صدور تلك الفتوى في بغداد، أصدر الحزب الشيوعي العراقي فتوى جديدة تنسخ الفتوى السابقة وتقول إن الكوكاكولا صناعة وطنية من صنع وإنتاج أيدي البروليتاريا العراقية في معامل قائمة داخل الوطن. وليس على الشيوعيين وسائر الوطنيين الشرفاء أي حرج في شرائها وشربها، مثلجة أو غير مثلجة. ولكن الفتوى قد أثلجت صدور الرفاق المبتعثين في لندن فانغمروا باستهلاك الكوكاكولا عن طيب خاطر وقناعة ماركسية لينينية ثابتة. وما زالوا يفعلون. وكانت أيام وفاتت يا سيدي. أيام خير وفاتت.خالد القشطيني – عن الشرق الأوسط




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)