الجزائر

أي مقياس لأي جمهور ثقافي؟؟ فرق الحماية المدنية تتدخل لإنقاذ النشاط الثقافي من العزلة



   في أول انتباه لمشكل جمهور النشاط الثقافي بداية سنة الثقافة العربية بالجزائر ,2007  ذهبت كي أحضر عرضاً مسرحياً، وإذا بي أشاهد أفواج الحماية المدنية ''بلباس الخدمة'' تملأ الصفوف الأمامية للمسرح.. بعدها قالوا لي أن مدير الحماية الوطنية آنذاك وقد لا يزال؛ رجل مثقف يريد أن يشارك فئته - الحماية المدنية - العملية الثقافية، لكنني بقيت أضحك.. لأن النشاط الثقافي يحتاج فعلاً لفرق إنقاذ تعيد له جمهوره الغائب. ثقافة مدعمة وجمهور ''فايق'' إشكالية الجمهور بدأت بعدما فقد الشاعر سلطته النضالية والمسرحي إيديولوجيته الحزبية، ولو أنني أحبذ بدء الحكاية من ذلك الوقت.. من أيام الحايك الذي كان يملأ قاعة محي الدين بشطارزي، وطلبة - البادليفو- والشعر المسترسل في أمسية شعرية بقاعة ابن خلدون.. لماذا كان هؤلاء يواظبون على النشاطات الثقافية رغم نفاقها وميلها الأحادي؟؟ بالتأكيد هو عنصر الإيمان بالشيء.. هؤلاء اعتنقوا في ذلك الوقت مبادئهم حد النخاع وبالتالي صدقهم المتلقي.. حتى ولو كانت الردة في ما بعد.. على الأقل كان هناك صدق اللحظة الذي أضاف للعمل الفني ديمومته فيما بعد.. وإن لم يكن عنصر الإيمان هو السبب فإن السبب لا محالة هو سذاجة جمهور يكتشف شعرا ومسرحا بعد ظلام استعمار.  نشاطاتنا الثقافية الآن كلها تحت رعاية وزارة الثقافة وكلها بالمجان.. حتى المدفوع أجره يشبه ثمن الحليب والخبز المدعم، وعليه لا تكاد تخرج من وصاية ''البايلك'' الذي يعني إيديولوجية ما.. غير أن الجمهور ''فايق'' وليس ذاك الذي يفتح فاهه ويصدق خطابات السياسات  المتسترة، الجمهور بعد كل ما حدث ويحدث يعرف أين يضع رجله. ثلاثة عناصر..وثلاث خسائر الجمهور الثقافي عندنا يتكون من: المثقف نفسه، والصحفي، والعوام.. وبالإعتماد على هذه العناصر الثلاث تبدأ معالم الخلطة السحرية بالظهور، لكل منهم شروط معينة لكي يقدم تنازلاته ويبدى موافقة مبدئية بالحضور. المثقف مثلاً شخص منعزل ليس يحب الصخب الاجتماعي ولا يفقه الإتيكيت الإعلامي، هو بعد لم يتخلص من عقدة المثقف المستباح دمه.. وينعم بهدوء نسبي وراء مكتبه كما أنه لا يملك  صداقات بين أقرانه، وربما القرين الثقافي هو بالنسبة له عدو مؤكد.. المثقف نوعان: الذي يكتب كتابا واحدا ويتفرغ بعده لعملية التسلق السلطوية، والثاني لا يزال مجتهدا غير أن نصف جهوده تذهب للسب والنعيق، فهو يلعن الجميع ولا قرابات ثقافية لديه.. وبالتالي النوع الأول هو من يملأ قاعات النشاطات الثقافية طبعا مع ضرورة دعوة الرسميين كي يستعمل ''الشيتة''، وإلا فإنه يفضل موائد أخرى ونشاطات شفافة ليست تبدو للعين المحايدة. أما الصحفي فهو رهان القائم بالنشاط الثقافي.. لأن البوق الإعلامي هو من يحدد في النهاية نجاح النشاط أم لا.. وصحفي الثقافي حكاية أخرى بائسة حد التنكر له.. وقد فهم بعض القائمين على هذه النشاطات هرموناته الضعيفة لذا هو يتغذى جيدا كي يعمل جيدا.. الصحفي الناجح عندنا هو من يلخص العمل الميداني في سنة أو سنتين على أقل تقدير، وبعدها يدخل المكتب ولا يخرج. وعليه هؤلاء الذين يقومون بالتغطية الثقافية أصحاب حرفة جديدة، ومع ذلك تجد بينهم من يخطف اللعبة ويفككها لصالحه حتى يصبح القائم على النشاط الثقافي تحت رحمته. العنصر الثالث، والمتعلق بالعوام الذين يدخل بعضهم مقر الجاحظية إذا اشتد هطول المطر في الخارج.. وهم على دراية جيدة بمختلف النشاطات.  نسيم 21 سنة، سنة ثانية أدب عربي يقول:'' نعرف وين نحط رجلي.. الندوات والمحاضرات كلشي خرطي.. حتى والا تزير على روحك وتروح ما يبداوش حتى يخرجولك قلبك وبعد ما يهدرو شويا ينوضو يداوسوا.. يرحم باباك علاش نصدع راسي'' رفيقته ليندا، 20 سنة، تبرر الموقف بـ'' أدرس أدب عربي ولكن لا أطيق السماع لهؤلاء البؤساء أفضل حضور كونسار الجزمة والفناوي على حكايات فارغة من طرف مثقف ما يعرفش يلبس حتى''.. ولكن نحن دائما نرجع عزوف العوام عن الحضور بعدم إشراك الجامعة غير أن الجامعة ليست سوى شريحة من الشرائح العازفة.. لمَ لا نطالب البطال بالحضور..؟؟ رفيق31 سنة :'' زيديني همك أنت ثاني.. غير ارواح وفهمهم.. يا اختي أنا سنة التاسعة أساسي''. عصام 19 سنة: '' ما جربتش.. عمري ما حسيت بيلي نقدر ندخل معاهم هاذوك البلايص.. طول عمري دايرهم كبار..'' قاعدة من تعب.. دور الواعظ  مبحوح الصوت ولا يكاد يسمع له همس عندنا.. نحن نفقه الأشياء بمنطقنا الذي يصرخ في كل مرة ''كلشي بالفوسطو''، غير أن المنطق الثقافي يصرخ بصوت أعلى ''كل شيء في الرصيد'' كل مسرحية.. كل محاضرة.. كل أمسية هو رصيد حقيقي قد لا تحتاجه في حينه، ولكنه يتراكم ويتجمع ليقدم لنا في النهاية عملة ثقافية يمكنك أن تشتري بها قامتك.  Hadlay@hotmail.com      بقلم /هاجر قويدري     


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)