الجزائر

أولياء يكتسحون ساحات المدارس خوفا على أبنائهم ظاهرة كرستها الاختطافات



أولياء يكتسحون ساحات المدارس خوفا على أبنائهم ظاهرة كرستها الاختطافات
باتت طوابير الأولياء على عتبة أبواب المدارس، منتظرين أبناءهم أو مرافقينهم إليها أمر جد عادي، حتى بات عددهم يصل أو يفوق عدد التلاميذ في بعض الأحيان. هذه الظاهرة التي كرستها كثرة الاختطافات، تفتح المجال للتساؤل هل مرافقة التلميذ يوميا تحميه من التعرض للاعتداءات فعلا، أم أنها تزيده خوفا وارتباكا وتفقده مفهوم الاعتماد على النفس؟؟.أدى تزايد الاختطافات وكثرة الجريمة التي مست أطفالا في مقتبل عمرهم، والتي راح ضحيتها أبرياء نُكِل بهم وسلبت منهم بعض أعضائهم، إلى خلق حالة من الذعر واللاأمن في نفوس الأولياء وأبنائهم على حد سواء. وبحثا منهم على حل يطمئن خاطرهم على سلامة أبنائهم، ارتأى أغلب الأهالي مرافقة أبنائهم يوميا وبشكل مستمر إلى المدارس، خوفا من أن يطالهم مكروه أو يعترضهم أذى، وفي رحلة روتينية تقودهم إلى المدرسة ذهابا وإيابا، أربع مرات يوميا وكل أيام الأسبوع، بات شغل الأولياء الشاغل اصطحاب أبنائهم مقابل التضحية بأشغال ومسؤوليات أخرى. سيناريو الاختطافات وراء تفاقم الظاهرة أدت كثرة حوادث الاعتداءات على القصر التي انتشرت مؤخرا بشكل مقلق إلى فرض حالة طوارئ لدى الأولياء، الذين بات شغلهم الشغل حماية صغارهم من أي اعتداء قد يصيبهم. ومع انطلاق العام الدراسي تحول دور هؤلاء إلى تفادي الاختطافات والاعتداءات من أمام أبواب المؤسسات التعليمية، من خلال اصطحاب أبنائهم يوميا إلى مدارسهم، رغبة منهم في حمايتهم من أي مكروه.
ومن أجل تسليط الضوء على الظاهرة قمنا بزيارة عدد من المدارس، والتي فاجأنا بها العدد الكبير للأولياء المصطفين أمام أبواب المدارس في انتظار خروج أبنائهم. وخلال حديثنا مع عدد منهم، كادوا يجمعون أن السبب الأساسي لتواجدهم هناك هو ظهور وتفاقم ظاهرة الاختطافات التي راح ضحيتها صغار لا يعرفون التفريق بين الجاني والبريء، فمن أجل تفادي ذلك اختار هؤلاء التوجه إلى المدارس من أجل حراسة أبنائهم أثناء دخولهم وخروجهم من المدارس. نوال، أم لطفلين، التقينا بها رفقة جارتها واقفة تترقب خروجهما من المدرسة، تقول:”خلال السنوات الماضية لم أكن ألتزم بمرافقة ابناي يوميا، غير أن كثرة الحوادث التي نسمع عنها باستمرار جعلتني لا أطمئن على أبنائي وهم خارج المنزل بمفردهما، لذا قررت مع زوجي أن تناوب على اصطحابهما للمدرسة كل وقت”. جارتها هي الأخرى كان لها نفس تفسير نوال، حيث أضافت قائلة:” لا يستطيع المرء أن يبقى مطمئن البال في المنزل وأبناؤه في الخرج، فمع كثرة حوادث الاختطاف التي تستهدف صغار السن لم يعد يهنأ لي بال إلا إذا اصطحبت ابنتي للمدرسة يوميا، ولأجل ذلك أقوم بالتناوب مع جارتي في إحضار الصغار حتى يتسنى لكلانا القيام بباقي الأعمال المنزلية”.
أخصائيون نفسانيون يحذرون..
حذر الكثير من أهل الاختصاص من تداعيات مرافقة الأبناء من طرف أوليائهم، والتي لم تعد تخص تلاميذ الابتدائي فحسب، فقد شملت كذلك أصحاب المتوسطات والثانويات.. الأمر الذي اعتبرته الأخصائية النفسانية، نسيمة ميغري، خطيرا على نفسية التلاميذ الذين يعتادون على التواجد المستمر لأوليائهم إلى جانبهم، ما يبعث فيهم إحساسا بعدم السلامة والأمان في أول غياب لهم عنهم. وتقول محدثتنا في سياق ذي صلة:” إشعار الطفل أنه في حالة خطر مستمر، ومحاولة البقاء رفقته طوال الوقت تبعث في نفسه إحساسا بعدم الأمان الذي يؤثر سلبا على بناء شخصيته، فالطفل الذي نعوده على الحماية الزائدة يولد لديه الاتكالية وضعف الشخصية”.
وعن وصول هذه الظاهرة لتلاميذ المتوسطات والثانويات، استنكرت الدكتورة ميغري الأمر الذي اعتبرته جد ضار لشخصية الأبناء التي تبنى على الخوف وانتظار الأسوأ دائما، ناهيك عن كم المضايقات التي قد يتلقاها الطفل من زملائه المتهكمين.
.. وأزواج يشتكون الإهمال
باتت مرافقة التلاميذ إلى مدارسهم وانتظارهم قبيل خروجهم منها، تضايق الكثير من الأزواج الذين سئموا من إهمال زوجاتهم لواجباتهن المنزلية، هذه الأخيرة التي تعرف تراكما مستمرا من قبل الأمهات اللواتي فضلن الخروج لمرات عديدة رفقة أبنائهن على حساب القيام بما ينبغي عليهن فعله، فأعمال التنظيف والترتيب وحتى الطهي.. وغيرها من الأشغال لم تعد تنجز في أوانها، ما جعل الوضع يتأزم ويلاقي الكثير من شكاوي الأزواج.
جمال الدين، أب لثلاثة أطفال، قال أنه أشار على زوجته تقليل التوجه إلى المدرسة عدة مرات، لاسيما في الفترة الصباحية التي قال أنها الأهم طيلة النهار من حيث الأعمال التي من عادة زوجتها القيام بها خلالها، فبعد انتظاره رفقة أبنائه لعدة أيام ساعات طويلة لتناول الفطور المتأخر، أعرب جمال عن انزعاجه لزوجته من الوضع الذي آلت إليه الأشغال المنزلية مؤخرا. أما مراد فهو الآخر لاحظ إهمالا واضحا في المنزل بسبب غياب زوجته المتواصل عن البيت أثناء مرافقتها لابنه، لذا فقد أبدى امتعاضه من حالة البيت خلال الفترة الصباحية.
اجتماعهن وأحاديثهن المطولة تسبب الإزعاج للجميع..
من بين المشاكل التي يتسبب بها اصطحاب التلاميذ لمدارسهم باستمرار هي خلقهم لمصدر إزعاج للجميع، بدءا بالقائمين على المؤسسة التربوية، وصولا إلى الأساتذة والمدراء، ومرورا بسكان الأحياء والعمارات المجاورة للمؤسسات التربوية.
وفي حديثنا عن هذه النقطة التقينا بالأستاذ مرواني خالد، مدير مدرسة ابتدائية بباب الزوار، الذي أشار إلى أنه يقوم شخصيا عدة مرات بالخروج أمام باب المدرسة لفض اعتصام النساء اللواتي تأبين الانصراف رغم دخول أبنائهن إلى أقسامهم، متسببات في ضجة كبيرة بأحاديثهن المطولة التي لا تنتهي عادة إلا بخروج التلاميذ بعد مضي 3 أو 4 ساعات، ما يزعج التلاميذ داخل الأقسام وكذا الأساتذة أثناء تقديم دروسهم. ومن جهتهم فقد أعرب الأساتذة عن انزعاجهم من كثرة تردد الأولياء على المدارس، والذي يجعلهم يكثرون من التحدث مع الأساتذة عن واقع أبنائهم ومدى تجاوبهم مع المواد العلمية كل هذا خارج أوقات الاستقبال، ما يعطل التلاميذ عنه الالتحاق بالأقسام. ومن جهته فقد اشتكى الكثير من سكان العمارات المحاذية للمدارس من إزعاج هؤلاء النسوة خلال تجمعاتهن المستمرة طيلة اليوم أمام أبواب المدارس، والتي ترافقها فوضى عارمة بسبب أحاديثهن المطولة، والتي تدفعهم في أحيان كثيرة إلى فض اعتصاماتهن من خلال إبعادهن عن مساكنهم، أو مطالبتهن بالحد من الفوضى التي تتسببن بها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)