الجزائر

أول جزائري تحصل على شهادة الدكتوراه



أول جزائري تحصل على شهادة الدكتوراه
عندما أفكر في رحلتي إلى مدينة شرشال أتذكر عائلات مرت من هنا وفي نفس الوقت تظهر القرى والمداشر النائية في قمم الجبال المجاورة للمدينة تبين لي المسلسل التاريخي، كنت في وسط المدينة متجها إلى دار مناضل صلب وطني بجدارة وبشهادة الجميع بل هناك من أسماه الحكيم.نظرا لقلة المعلومات وبحكم العلاقة المتينة القوية التي تربطني به استقبلني استقبالا راسخا، رأيت أن اكتب عن الكولونيالية التي مارست التمييز العنصري والتعذيب على الأهالي.منهم الدكتور العلامة بن العرباي محمد الصغير، الذي يعتبر أول جزائري تحصل على شهادة الدكتوراه سنة 1884 في باريس، من مواليد مدينة شرشال سنة 1850 وبها درس في مسقط رأسه، إلى أن بلغ العاشرة من عمره، تربى تربية دينية، حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، فهو من عائلة محافظة عريقة متأصلة متمسكة بالدين والوطنية، تتميز المنطقة التي نشأ فيها بالتجدر الرافض للوجود الاستعماري، وكانت لنشأة العائلة الأثر الكبير على شخصية محمد الصغير .وقد تمكن الوالد من تسجيل أبنائه في المدرسة الفرنسية وسهر على إتمام دراستهمانتقل محمد إلى العاصمة الجزائر حيث أكمل دراسته الثانوية، ثم دخل كلية الطب ثم سافر إلى باريس محافظا على قيمه الوطنية.رفيق الفيلسوف فيكتور هيڤواستطاع إلى جانب تفوقه في الدراسة أن يقيم علاقات اجتماعية مع الكثير من المثقفين والذي كان في مقدمتهم ‘'فكتور هيڤو Victor Hugo إذ يقول أن “الوضع الاجتماعي من مرافقته متأبطا ذراعه في شوارع باريس ويقول علني أتشرف بمرافقة هذا الشاب المسلم وأبدى بعض الصحافيين تعجبهم من ذلك، قال لهم: أنني تعلمت منه مالم تعلمين إياه المدرسة الفرنسية “.وكذلك فإن محمد العربي الصغير أيضا كان معجبا بفكتور هيڤو .كان محمد يجيد عدة لغات أجنبية ولاتينية، اشتهر بلباسه الإسلامي الأصيل الذي كان يرتديه أينما حل، استطاع بفضل ثقافته الواسعة وعلمه المتين فهو يتميز بالإيمان القوي والتواضع الكبير والأخلاق الحميدة والتحلي بالصبر والحزم وحب الناس والصراحة والشجاعة، وكان أهل شرشال يصفونه بالشيخ لأنه موضع ثقتهم واحترامهم .كللت دراسته بالنجاح في فرنسا ناقش رسالة الدكتوراه يوم 16 جويلية 1884 بعنوان الطب العربي في الجزائر، وعقب رئيس لجنة الامتحان على نجاحه بقوله ها نحن أرجعناكم اليوم من كنا قد استلفناه من علوم عن أجدادك، وترجمت هذه الأطروحة إلى العربية بتونس سنة1891 على يد السيد علي بوشوشة .رجع إلى الوطن بدأ في مهنته، فتلك الثقة التي كان يتميز بها خاض غمار السياسة ولم يتخل عن مهنة الطب وكان يقدم خدمات جليلة للمجتمع الجزائري .مارس مهنته في المدن الساحلية منها بوركيكة، واحمر العين، العفرون، ومنها دخل إلى مدينة الجزائر حيث استقبله السكان بحفاوة كبيرة .بدأ في نطاق واسع لعمله السياسي بالتضحية من أجل الآخرين انتخب عضوا في مجلس بلدية الجزائر، كان نشاطه فعّالا في التصدي لمخططات الإدارة الفرنسية الرامية إلى هدم الجامعين الكبير والجديد وتخصيص مكانهما لبناء فندقين كبيرين.وبررت مواقفه الشجاعة وقوة الإرادة، عندئذ قررت الحكومة الفرنسية استبدال المحاكم الشرعية بمحاكم الصلح التي يرأسها قضاة غير مسلمين يومها لم يتوقف عن تنظيم الاحتجاجات وتعبئة المجتمع، ركز العمل على الكتاب والمثقفين والصحافيين حتى اهتز البرلمان الفرنسي، وفشل المشروع.قدم الدكتور محمد الصغير ومحمد بن رحال العرض، ضم جهده كانت النتيجة وثيقة رسمية ودسمة من 18 نقطة، وسميت آنذاك باسم عريضة الشيخين وهي جديرة بالدراسة الأكاديمية اشتملت على أفكار عالية ونيرة صاغها بحنكته السياسية، نقل الشيخان العريضة إلى باريس وعين البرلمان مجموعة من النواب لمناقشتها.كانت النقاط المدرجة في العريضة هي الشريعة الإسلامية ومحاكمها التعليم بجميع مراحله مؤسسات الوقف التملك وأنواعه، المصالح العامة، المسؤولية الجماعية، وهذه الوثيقة التي كانت مهمة كبيرة أثلجت صدر المواطن الجزائري.كان الدكتور لا يتخلف أبدا عن حضور الندوات والدروس والملتقيات، يناقش مناقشة الباحثين العارفين بكل عمق، كانت له مواقف بشجاعة بكل ثبات وجدية كان يحرج الإدارة الكولونيالية باهتمامه البالغ وكان يقوم مقام حركة ثقافية ناجحة حاول تسخير نفسه وقلمه ومنابره الثقافية للدفاع عن الإنسان وقضاياه، كان يرى الثورة فعلا مستمرا بعدما وقع الركود في الفعل .كم كانت الجزائر قادرة على أن تكون قوية ومتطورة ومنتجة ورائدة بأبنائها لأنها كانت تمول أوروبا بمنتجاتها.ورغم عمله الطبي اشتهر بالتواضع والصدق والإخلاص مما جعله محل ثقة إخوانه الجزائريين ظل مخلصا للعلم ولعمله إلى أن وفته المنية يوم 20 أكتوبر سنة تسع وثلاثين وتسعمائة وألف.دفن في مقبرة القطار رحمه الله.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)