يتعرض المطربان الجزائريان ولا أقول القبائليان، آيت منڤلات وإيدير إلى حملة شعواء، لا لشيء إلا لأنهما حضرا مراسيم تدمير مليوني قرص مضغوط، في إطار مكافحة الغش الفكري والإلكتروني، والتقيا بالوزير الأول عبد المالك سلال بعد خطابه الذي أمر فيه وزير الإعلام بتطهير الفضاء الإعلامي السمعي البصري.الحملة يقودها ”متشددون” قبائل، رأوا ربما في حضور هذين الفنانين لقاء رسميا، هو خيانة ”للقضية” القبائلية والمتمثلة في قضية ”ربراب-الخبر”.نعم، قضية ربراب-الخبر، التي قال عنها وزير الإعلام إنها قضية تجارية، هي قضية عادلة، ما دامت الصفقة تمت وفق قوانين الجمهورية، ومن واجب كل الأحرار، وليس فقط القبائل الدفاع عن احترام القانون، قبل الدفاع عن ربراب، والدفاع عن حرية التعبير، لا تمر بالضرورة بحق ربراب في امتلاك الخبر.فلا يجب أن يغيب على أذهاننا أن الظروف التي قتلت زميلنا عمر أورتيلان رحمه الله، هي نفسها التي صنعت ربراب، ومع ذلك من حق ربراب مثلما من حق الشركاء في مجمع الخبر عقد هذه الصفقة بكل حرية، ما دامت تتوفر في كل الأطراف الشروط القانونية.أعود لقضية آيت منڤلات -إيدير، وما يتعرضان له من هجوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب لقائهما وتبادلهما الحديث مع الوزير الأول، ورأى فيها البعض أنها رسالة إلى ”ماك” فرحات مهني، وينسى المنتقدون الذين يسمون أنفسهم بالرجال الأحرار، أن إيدير وآيت منڤلات، الذي أعشق أغانيه، هما أيضا حران في تصرفهما، وقد سجلا من خلال هذا الموقف تمسكهما بجزائريتهما، العنوان الكبير الذي يجمعنا جميعا تحت رايته، وهذا لا يعني أنهما يتنكران لهويتهما الأمازيغية، رغم محاولات البعض اتخاذها سلاحا سياسيا، أحيانا على حق، وأحيانا كثيرة عن خطأ!لماذا يعاب على إيدير الذي تربينا على أغنيته الشهيرة ”أفافا ينوفا” وكنا نرددها في حفلاتنا المدرسية، لأنها تحمل رسالة وهوية؟ولماذا يعاب على المطرب الرصين ذي الرسالة الإنسانية والمدافع عن الهوية الأمازيغية بأجمل الطرق، الشعر والطرب، أنهما لم يتنكرا لجزائريتهما، عندما قبلا حضور نشاط الوزير الأول، القبائلي هو الآخر، وإن كنت أمقت أن أحدد هوية أي جزائري، غير الهوية الجزائرية بكل أبعادها؟ لماذا يحصران انتماءهما في قمم جرجرة الشماء، مع أن كل شبر في الجزائر على شساعتها هو ملك لهما ولنا جميعا! بل هما فنانان عالميان ذهبا بالأغنية والثقافة القبائلية إلى حيث لم يتمكن من يطلقون عليهما اليوم سهامهم المسمومة.الحملة التي تستهدف هذين العظيمين ليست بالجديدة، فقط جاءت لتؤكد ضيق أفق أيتام ”فرحات مهني”، وهم يرون قبائليين أصيلين يكسران الحدود الضيقة التي يريد بعض سكان منطقتهما سجنهما فيها، ولأنهما حران مثل طربهما وأشعارهما العريقة، فقد رفضا هذا التصنيف المبني على الجهوية الضيقة والعنصرية المقيتة وأثبتا* من جديد أنهما جزائريان، وأنهما أحرار، يكونان حيث يشاءان، وقصر الثقافة حتى وإن كان رمزا لحكومة فيها ما يعاب عليها هو مكانهما الطبيعي، وليذهب منتقدوهما إلى الجحيم!حدة حزام************** تأجيل رحلة إلى الجنوب! جاء السائق باكرا هذا اليوم إلى شقة شارع ديدوش مراد، حيث يقيم الرئيس العائد، وهو يحمل حزمة من الصحف، وأيضا خبرا قد يقلق ضيفه، فقد قرر تأجيل الرحلة إلى الجنوب حالما تتضح الرؤية في هرم السلطة هذه الأيام، فقد ظهرت في الأفق صراعات وصدامات، وبدأت أجنحة السلطة تتصارع فيما بينها، عبر وسائل الإعلام وعبر التسريبات المغرضة.لكنه تفاجأ لما وجد الرئيس على اطلاع وفهم عميق لإفرازات هذه الصراعات، فمن غيره يحسن فك شيفرة هذا النوع من الحروب التي يخمد جمرها تحت الأرض قبل أن تفجر إلى العلن في إخراج سياسي قابل للهضم.”هذا ما كنت سأقترحه عليك”، قال الرئيس ردا على سائقه، ”بقائي في العاصمة في هذه الفترة مهم، وبإمكانك أن تتجه إلى أشغالك، اترك لي مفتاح الشقة لأخرج بنفس أقتني الجرائد مبكرا، ولا تخف لن يعرفني أحد، صحيح أنني لن أرتدي برنوسي في هذا الحر، لكن لا تخف سأجد طريقة للتمويه حتى لا يعرفني الناس”.”هل أنت متأكد؟ ألست في حاجة إلي لنتناقش في بعض القضايا؟”.”ههه! أين هي القضايا التي تستحق أن نناقشها؟ هل بقيت في هذه البلاد قضية، أو مشروع؟”.”ماذا تريد قوله سيدي الرئيس؟ ألهذا الحد أصابك اليأس من هذه البلاد؟ ثم ما دام لم يبق لنا مشروع ولا قضية لم يعد لبقائك فائدة، هيا عد إلى مرقدك، واتركنا لحالنا، فرحتلك هذه لم تفدنا في شيء!”. قالها السائق بشيء من الإحباط، وهو الذي يثق في ذكاء الرئيس العائد وقدرته على تقديم حلول ولو نظرية لعملية ليّ الذراع التي طالت كثيرا في هرم السلطة.”لدي الكثير من الحلول لو تدري، لقد كانت هذه الأسابيع كافية لأفهم ما يحدث في البلاد، فأنتم لم تنجحوا في تغيير أساليب الحكم ولا العقليات كل هذه المدة، ما زال إسناد المسؤوليات يمر عبر معيار الجهوية، وما زالت منطقة القبائل شوكة في يد فرنسا، تغرزها في جسدكم كلما حاولتم التحرر من سطوتها، لا! لا أتحدث عن زيارة وزيرها الأول، وما تبعها من بلبلة إعلامية، فالخطأ ليس خطأ فرنسا، فأنتم وحكامكم من مكنتموها من التدخل في خياراتكم السياسية، وصارت هي الناخب الأول لأي رئيس يحكم البلاد، أنتم من رهن الاستقلال، ورهنتم التأميمات التي افتككناها بالتضحيات من الشركات الفرنسية. رهنتموها من جديد بين يدي المعمر الذي ما زال يتصرف بعقلية المعمر وبأبخس الأثمان. فهل البقاء في الحكم يستحق أن ترهن البلاد ويداس على دماء الشهداء، ويرهن مستقبل الشعب الجزائري الذي ذاق الويلات؟”.”لا تجبرني على القول سيدي الرئيس أن كل هذه المآسي التي تعيشها البلاد اليوم هي إحدى نتائج سياستك، والرجال الذين وضعت فيهم ثقتك، فكيف تريدنا أن نحافظ على الاستقلال ونتحرر من سطوة فرنسا، وأنت من وضع الثقة في رجال كان ولاءهم لفرنسا أهم من ولائهم للجزائر، ألست أنت من مكن الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، من المسؤوليات في الجيش الوطني الشعبي؟”.”لا! لا تعدني إلى النقاش البيزنطي من جديد، ألم نتحدث في الموضوع، وسبق وقلت رأيي بوضوح في هذه المسألة، أنتم لا تقرأون التاريخ، مثلكم مثل مسؤوليكم، لو قرأتم مذكرات الجنود الفرنسيين التي كتبوها سنوات الاحتلال الأولى، لكفرتم بفرنسا واسمها ولغتها وكل ما له علاقة بها، اقرأوا ”توكفيل” لتحيوا الذاكرة الميتة. أما أنا فقد فارقت منذ قرابة الأربعين سنة، فلماذا لم تغيروا مجرى الأمور؟”.”نعم، في كلامك شيء من الحقيقة، لكن الركبة راحت مايلة، مثلما يقول المثل الشعبي”، يعترف السائق.”هيا! حدثني عن فضائح المال التي تسربها الصحافة العالمية، فمن منكم قادر على إجبار العدالة على اتخاذ مسؤولياتها تجاه أبناء المسؤولين المتورطين؟ هل كان من يجرؤ في عهدي على فعل هذا؟ هل كان من قادر على نهب الملايير مثلما فعلوا اليوم؟ نعم لم تكن في عهدنا حرية تعبير، ولا تعددية سياسية، لكن لم يكن من يجرؤ على تهريب سنتيم واحد إلى الخارج”!”ربما! لكن ماذا عن بن جديد الذي ضربك بجواز سفره، لأنه لم يقبل بمبلغ 15 مليون فرنك كمنحة سياحة التي سمحت له بها؟ بينما كان الجزائريون محرومون من السفر إلا بترخيص أمني، وبمنحة بضعة فرنكات، حتى في وقتك كان هناك تمييز، هل كنت تخاف الجيش؟”، يسأل السائق ضيفه، وتفاديا للمزيد من الحرج، غادر الشقة عائدا من حيث أتى!- يتبع -
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/05/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حدة حزام
المصدر : www.al-fadjr.com