الجزائر

أوراق اعتقالية ..


في مثل هذا اليوم وقبل 40 عاما بالضبط 17 تموز 1980 ذكرى سقوط الباستيل أعلن 73 أسيرا فلسطينيا هم طليعة السجناء في سجن نفحة الصحراوي الإضراب المفتوح ع الطعام احتجاجا على ظروف الحياة اللاإنسانية داخل جدران السجن.وكانت إدارة السجون تنتظر هذا الإضراب لحظة بلحظة لتنفيذ برنامجها القمعي للاستخدام ضد الأسرى المضربين لكسر شوكتهم ولقتل عزيمة الصمود في صدورهم واستخدام سجن نفحة كأداة تخويف وردع لباقي الأسرى في السجون الأخرى لردعهم عن الإقدام بأي فعالية نضالية مطلبيه لتحسين شروط حياتهم لأن مصيرهم سيكون كمصير المساجين في سجن نفحة وكذلك لإخافة الكادر النضالي في المعتقلات الأخرى لأنه سينقل إلى سجن نفحة إذا أقدم على أي عمل لا ترضى عنه إدارة السجون .
ومن جانب آخر كان الأسرى ينتظرون هذا اليوم 17 تموز وهو يوم الهدف المحدد لبدء الإضراب وقد اتفق عليها بين اللجنة النضالية وكافة الأسرى حيث تناقش الجميع في هذا التاريخ وكانت الفترة الممتدة من 1-5-1980 إلى 14 تموز فترة كافية للإعداد للإضراب حيث تمت مخاطبة جميع الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتم التنسيق مع السجون الأخرى في فلسطين المحتلة حول الفعاليات التضامنية التي ستتم في سجن نفحة وكذلك تم التنسيق مع قيادة منظمة التحرير في الخارج ووضعها في صورة الإضراب لتقوم بالفعاليات الإعلانية والسياسية اللازمة لحشد التضامن الدولي الشعبي والرسمي لفعالية الإضراب المفتوح للأسرى في سجن نفحة وتم إرسال رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية وإلى جميع المؤسسات الناشطة في مجال حقوق الإنسان
. وكذلك سبق الإضراب عملية اعداد نفسي معنوي للأسرى المقدمين على الإضراب واللذين لم يسبق لهم أن خاضوا إضرابا طويلا عن الطعام قبل ذلك مثلي أنا حيث لم يسبق لي أن أضربت عن الطعام سوى إضراب تضامني لمدة يومين سنة 76 تم في جميع سجون الأرض المحتلة للاصطفاف خلف أبونا حارس القدس المطران إيلاريون كبوجي والتضامن مع مطالبه العادلة .
فقد كان الإخوة الذين سبق و خاضوا إضرابات طويلة عن الطعام يروون لنا تجاربهم الشخصية وأنواع المعاناة التي مرو بها وكيف كانوا يتغلبون عليها وقد ساعد في ذلك المتابعة اليومية للإضراب المفتوح عن الطعام الذي كان يخوضه المناضل الأممي (بوبي سانس) القائد في الجيش الجمهوري الإيرلندي والذي استمر إضرابه عن الطعام لمدة 63 يوما توفي في اليوم الأخير منها وكانت وكالات الأنباء تبث يوما بيوم المراحل التي يمر بها والتغيرات التي تطرأ على جسده حيث لا يوجد في بريطانيا نظام تغذية اجباري كما هو الحال في إسرائيل وكذلك كان من مراحل الإعداد لإضراب الطعام الحوار المفتوح الذي قامت به اللجنة النضالية مع جميع الاسرى فردا فردا ولم يسجل أي أسير أي تحفظ على خوض الإضراب نهائيا
. وقد كان لافتتاح سجن نفحة في صحراء النقب صدى كبير في الإعلام الإسرائيلي والفلسطيني والإقليمي على حد سواء فقد كان الإعلام الإسرائيلي الموجه من قيادة الاحتلال يدافع عن سجن نفحة والحياة فيه وقد قام مراسل جريدة هآرتس (عكيفا إلدار) بزيارة سجن نفحة قبل الإضراب بفترة وجيزة ووجه أسئلة إلى بعض المعتقلين عن ظروف السجن والحياة فيه وأنها زيارته للسجن باشتباك كلامي مع جبريل الرجوب الذي كان يقوم بعملية تنظيف في الغرفة 1 في القسم 2 حسب الدور أثناء الفورة وبعد عدة أيام حضر وفد من الكنيست الإسرائيلي لزيارة السجن وعندما فتحو باب الغرفة رقم 1 قسم 2 قامت عضو الكنيست (تمار ايشل) بسؤال الأخ القائد أبو علي شاهين بالعبري قائلة كيف هي شروط السجن عندكم ؟ فقال لها بالعبري أيضا الاسم نفحة والشروط أوشفيتس , فرددت كلمات غير مفهومه في اللغة الألمانية او الإيدش وخرجت من القسم والسجن مسرعة , وبعد نصف ساعة استدعوا الأخ أبو علي شاهين إلى مدخل قسم ألف عند بوابة السجن وكانت عضو الكنيست (تمار ايشل) والوفد المرافق لها بانتظاره وكشف عن ساعدها وارته رقما مطبوعا على يدها وقالت له هنا أوشفيتس وغادرت , وأعيد الأخ أبو علي إلى غرفته . في هذه الفترة كانت إدارة السجن وممثلة بضابط أمن السجن يبذلون كل جهودهم لجمع معلومات عن التحضير للإضراب , وقد تنوعت تلك الجهود بين إحضار سجانين من أصول عربية ليتناوبوا على العمل داخل الأقسام والتظاهر بعدم معرفتهم للغة العربية تماما مع انهم يتقنونها وحتى وضع أجهزة تنصت على الشبابيك الموجودة على سطح الغرفة لأنه كان يوجد في سقف كل غرفة شباك في الأعلى عرضه 17سم وطوله 60 سم ومصفوف من أعلى بالباطون , اكتشفنا ذلك من خلال الحديث مع ضباط السجن بأنهم يملكون أداة للتنصف على أحاديثنا خاصة من بين الغرف , فقام الأسرى بالمعتقل باللجوء إلى لغة خاصة قام الأسير جمال ربايعة أطال الله في عمره بتعليمها لعدد من الأسرى في الغرف المختلفة ليتم التخاطب بها بين الغرف ولا يفهمها السجانون وبعد استخدام هذه اللغة أغلق على إدارة السجن باب التصنت على الأحاديث بين الغرف , وقبل اندلاع الإضراب بأيام قليلة قامت إدارة السجون بنقل ثلاث من القادة من السجن , على رأسهم الأخ أبو علي شاهين والرفيق القائد محمد حمدان القاق والشيخ جبر عمار , وكانوا قد نقلو الى سجن نفحة بعد عزل انفرادي في سجن شطة استمر عدة سنوات وعند المناداة على أسمائهم للاستعداد للنقل حدثت حالة هيجان هي اقرب للتمرد داخل السجن حيث قام السجناء الموجودين داخل السجن وفي الساحة جميعهم بالهتاف والصراخ على السجانين للتعبير عن غضبهم لنقل هؤلاء الإخوة اعتقادا منهم أنه يمكنهم التشويش على خطة الإضراب أو تأجيله .
ولا زلت أذكر حالة الغضب التي تملكت الأخ يحيى أبو سمرة أبو أيوب أطال الله عمره عندما وضع ظهره في باب غرفة ألف وأخد يرفع قدمه ويضرب بها الباب وكانت ضرباته اقرب إلى صوت المدفعية منها إلى الطرق على الباب فكان ما خلق حالة إرباك لدى السجانين والقوة الخاصة بنقل السجناء وفي تلك الإثناء اشتبك الأخ جبريل رجوب مع قائد قوة نقل السجناء بالكلام وقام بشتمه وتحقيره وعندما قاربت عملية اخراج المعتقلين الثلاث من السجن لنقلهم عاد هذا الجندي إلى الأخ جبريل رجوب وكنت واقفا بجانبه وقال له يا أخي أنا عربي مثلك أنا ابن الناصرة فرضت علي الخدمة في شرطة السجون كي لا أخدم في الجيش أنا عربي مثلك لا تظلمني , فقام الأخ جبريل بتطييب خاطره بكلمات قليلة شكره ذلك الضابط عليها . في ليلة 13-14 تموز قام الاسرى بتفريغ أمعائهم من كل ما فيها من بقايا طعام بواسطة تناول زيت الخروع الذي كانوا يخزنونه في الفترة السابقة استعداد لهذا اليوم لأن أي شخص يوجد في معدته بقايا طعام لا يمكنه الصمود عن الإضراب عن الطعام لان بقايا الطعام تجف في المعدة وتصبح مصدر إزعاج شديد داخل الأمعاء لا يستطيع المضرب إخراجها. المهم في صباح 14 تموز وعند حضور طعام الإفطار والضابط المناوب لإجراء التعداد الصباحي تم إبلاغه ببدء الإضراب عن الطعام وتم إرجاع الطعام , هز الضابط المناوب لافيت كتفيه لا مباليا وغادر الأقسام بعد اكتمال عملية العدد , في اليوم الأول للإضراب لم يسجن أي احتكاك مع طاقم السجانين ولم يسجل أي شيء استثنائي لدى السجناء كل في حارته ، في اليوم التالي صباحا بدء الجوع يتسلل إلى الاسرى وعند الظهر تحول الجوع إلى صداع واستمر الصداع حتى المساء ، في صبيحة اليوم الثالث من الإضراب بدء الصداع يخف وبدء الاسرى يتحدثون في مواضيع اجتماعية شتى لا تمت إلى الإضراب أو إلى السجن بصلة ، هجرت الكتب ، توقف الجميع عن القراءة والكتابة فالجائع لا يستطيع التعامل مع الثقافة ، وفي اليوم الرابع بدء الهزال والضعف يظهر على أجسام الشباب ، في اليوم الخامس 19/7/1980 للإضراب حضرت قوة كبيرة من حراسات السجون وطاقم السجن وطلبوا من 26 سجين التحضر للنقل وتمت مغادرتهم للسجن دون أن يصلنا أي معلومات عنهم تم تجميع باقي السجناء في قسم واحد من أقسام السجن وبقي القسم الأول فارغا ، في نفس ذلك اليوم تم استدعاء الاسرى من الغرف واحدا واحدا بالدور وتم إعطائهم (الزنده) وهي التغذية الإجبارية وتتكون من كاس من الحليب فيه قطع صغيرة من المرغارين غرام واحد من الملح غرام واحد من السكر بيضة واحدة نيئة يتم وضعها في كوب وخلطها ويدخل بربيج من أنف المضرب عن الطعام او فمه حتى يصل إلى معدته ويكون الطرف الأخر من البربيج موصولا بإناء معدني ويقوم السجان بسكب هذا الكأس في الإناء (الإناء المعدني والبربيج يشكلان الحقنة الشرجية التي كانت تستخدم في بلادنا زمان لعلاج من يصيبه الإمساك )ويطلب من السجين أخذ نفس عميق إن أخذ النفس العميق يؤدي إلى تفريغ محتوى الإناء في معدة الأسير بسرعة فائقة وفي أغلب الأحيان كان الكأس يحتوى على الماء الملون ببعض الحليب. تم إعطاء التغذية الإجبارية لجميع السجناء وقد التزم السجناء جميعا بذلك حسب الخطة المتفق عليها مسبقا، وفي يوم 22/7 لمسنا تحسنا في معاملة طاقم السجون ولم نكن نعلم أن هناك مجزرة قد ارتكبت بحق ال26 اسيرا الذين نقلوا إلى سجن الرملة، وسمح للسجناء بتناول الزنده بالكأس بدلا من البربيج حسب قرار سابق من محكمة العدل العليا في قضية السجين اليهودي يحيى المشهور في سجن الرملة ، في يوم 7/8 تم نقل كل من (يونس رجوب ، جبريل رجوب ، عمر القاسم ،ومحمد كينغو شركس هلال) إلى سجن الرملة لينضموا الى مجموعة الاسرى الذين نقلوا سابقا وأعيد 17 شخص من الذين تم نقلهم إلى سجن الرملة وارتكبت المجزرة بحقهم وقام الرفيق القائد رأفت النجار الذي أدخل الى غرفتنا غرفة رقم 1 بإبلاغنا بتفاصيل المجزرة التي حدثت في سجن الرملة وحجم التعذيب الذي لاقوه هناك وهذا أدى الى شحذ الهمم وزيادة الإصرار لدى الاسرى حتى تحقيق مطالبهم . خلال هذه الفترة كان الضغط الشعبي والرسمي محليا وإقليميا على الحكومة الإسرائيلية في أوجه، فقام وزير الداخلية الإسرائيلي (يوسف بورغ) بالظهور على شاشة التلفزيون الإسرائيلي موعدا بحل جميع مطالب السجناء في سجن نفحة وطلب منهم فك الإضراب ، وفي اليوم التالي وبعد المشاورات المعمقة بين السجناء تم إنهاء الإضراب عن الطعام بعد 33 يوم من بدئه وتم تحقيق أغلبية المطالب التي طالبنا بها خاصة الرئيسية منها ، ولو أن ذلك كان بثمن باهظ جدا وهو عبارة عن ثلاثة شهداء من الاسرى هم ( علي الجعفري ، وإسحاق مراغة ، وراسم حلاوة ) رحمهم الله وأحسن مثواهم . إن إضراب نفحة سيبقى شاهدا على عمق العنصرية وقوة القمع التي تعاملت بها دولة الاحتلال مع مناضلي الشعب العربي الفلسطيني في سجونها ويبقى شاهدا على حجم التضحيات والمعاناة التي قدمتها الحركة الوطنية الأسيرة في سبيل انتزاع حقوق الاسرى والعيش بكرامة شخصية ووطنية داخل السجون حسب ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية والتي يتنكر لها الاحتلال.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)