إن استضافة الجزائر لتظاهرة تحتفي بالعرب والعروبة والعربية يشكل في نظري أمرا ناشزا لا يتناسب مع ما يُرى ويُسمع في جزائر الألفية الثالثة، وعلى بُعد أزيد من خمسين عاما عن استرجاع السيادة وطرد الفرنسية والفرنسيين. فالذين نظموا هذه التظاهرة من رسميين وإعلاميين وفنانين وإداريين ومستثمرين لاشك أنهم اعتمدوا في كل ما بذلوه من تحضير على الكثير من المصطلحات التي لا علاقة لها باللغة العربية ولعلهم بحكم التعامل مع الوفود العربية اضطروا لاسترجاع ما تبقى في ذاكرتهم من بعض الكلمات والعبارات العربية التي تعود بالواحد منهم إلى مقاعد الدراسة الأولى، واجتهدوا في إزالة ما علق بها من غبار الفرنسية الكثيف والتي تلهج بها ألسنتهم طوال اليوم في مختلف مناحي حياتهم الرسمية والمهنية منها وحتى تلك المرتبطة بأبسط حاجياتهم اليومية.إن المتتبع للخطاب الرسمي في الجزائر يلاحظ مدى الصعوبة في التلفظ بالكلمة العربية، فالألسن سرعان ما تنزلق وبكل سهولة ويسر في أحضان لغة فولتير التي أصبحت عمليا اللغة الرسمية في الجزائر خطابة ومراسلات وتصريحات ولم يتبق سوى أن تعتلي منابر المساجد (لا سامح الله)، ومع ذلك تستقبل عاصمة ابن باديس قسنطينة وفودا عربية ذكرتنا بأننا لا نزال عربا وما زلنا ننتمي للأمة العربية .فلقد دأب العرب في التعامل مع الجزائريين على توقع ما يمكنهم مواجهته من صعوبة في التحاور مع إخوانهم الذين كثيرا ما كانوا مصدر افتخار واعتزاز لهم كما حدث مؤخرا في البرازيل التي احتضنت كأس العالم وسجلت نتائج رائعة بأقدام لاعبين لا يحسنون العربية، فهل مفهوم العروبة الذي تحتفل به قسنطينة لا يشترط احترام اللغة العربية التي لا يلتزم بها كثيرا حتى غيرنا من العرب وذلك تحت تأثير العاميات هنا وهناك، وإن كان الاعتقاد السائد بأنه لا يستطيع أحد من الإخوة العرب التفوق علينا نحن الجزائريين في الرطانة اللغوية التي تخلط بشكل عجيب بين العربية والفرنسية لتصنع لغة جديدة يمكننا نحن الجزائريين تسجيل براءة اختراعها باعتبارها (علامة مسجلة) وهي (اللغة العرنسية) والتي تمكنت في المدة الأخيرة أن تنتج اشتقاقات لها وهي (اللغة السلالية) و(اللغة الغبريطية) وغيرها من الإفرازات اللغوية التي يمكن تعدادها بتعداد المسؤولين الذين يجدون أنفسهم محرجين في المنابر الإعلامية بإبداع هذيان لغوي تبقى مسألة فهمه واستيعابه متوقفة على جهد المستمع وذكاءه وصبره واحتساب أمره لله .لم يبق إذن سوى توقع الاحتفال بهذه التظاهرة العربية بالفرنسية أو على أحسن تقدير بالعرنسية التي أنخرط صحافيونا الشباب عبر محطاتنا الشابة والفتية في الإمعان في إذلالها من خلال السباحة فيها من العامية إلى الفرنسية والإنجليزية والعبور السريع على العربية سواء منها (الواعرة) أي الفصحى أو البسيطة، كيف لا والجزائر فشلت في استرجاع مكانة اللغة الأم على الرغم من منحها لقب اللغة الرسمية أي اللغة التي تستند لتشريع قانوني يحميها ويدافع عنها بل ويعاقب من يستهين بها سواء في المناسبات الرسمية أو في الإشهار والتعليم وعبر الشوارع وأثناء المداولات والاجتماعات الرسمية ناهيك عن الخِطابات الموجهة للشعب وبحضور وسائل الإعلام المحلية والدولية، مما جعل هوَان هذه اللغة على أهلها يصل إلى الحد الذي يقف فيه المسؤول الجزائري العسكري أو المدني مطأطئ الرأس أمام فصاحة نظيره الأجنبي وهو (يرتل) على مسامعه المذهولة لغة عربية في قمة الفصاحة والجمال.ومن هنا يمكننا التساؤل عن المغزى من تنظيم هذه التظاهرة التي لا تروق للكثير من الجزائريين الحاقدين على الحرف العربي وعلى العروبة وهم ليسوا بالضرورة من الأمازيغ الأحرار الذين هم من أكثر الجزائريين استماتة في الدفاع عن اللغة العربية تأسيا بابن باديس الأمازيغي الصنهاجي ومرورا بمولود قاسم (رحمه الله) وعثمان سعدي الأوراسي وأحمد بن نعمان وغيرهم ممن أحبوا العربية عندما أحبوا قرآنها ودينها ورسولها (صلى الله عليه وسلم)، فهل نيتنا صادقة في استرجاع مجد العمق العربي للجزائر ضمن نسيجه الثقافي الذي يَعتبر عربيا كل من تكلم العربية وأحبها طالما أن العربية ليست عرقا بل مجرد لغة بداية ونهاية ؟ وهل بعد مرور هذه الاحتفالية التي رُصدت لها أموال طائلة سيكون للغة العربية في قلوب وعقول مسؤولينا وكل فئات شعبنا مكانة أفضل وغيرة أقوى كتلك التي دفعت العالم بأكمله إلى وضع سماعات الترجمة عندما ألقى المرحوم (بإذن الله) صاحب البرنوس المسعدي الراحل (هواري بومدين) كلمته أمام رؤساء وملوك منظمة الأمم المتحدة باللغة العربية وهو الذي يتقن الفرنسية (كغنيمة حرب)؟ أم أننا لن نتعامل مع هذه التظاهرة سوى كفرصة لتشجيع السياحة كما قالت وزيرتها عندما تدخلت للإدلاء برأيها حول في هذه المناسبة أم أنها تظاهرة للتوظيف السياسي لإغاظة غيرنا من بني يَعرُب الذين راهنوا على اشتعال نيران الربيع العبري في الجزائر واقناعهم بأننا ننعم بالاستقرار و (كلشي لا باس) (وشنانة في العديان) ؟ أم أنها مجرد فرصة للمستثمرين والمقاولين وأصحاب المشاريع الضخمة لاستغلال الدمار الذي حل بقسنطينة في المدة الأخيرة حتى غزت المزابل مطارها ومظاهر الترَيف أزقتها العريقة، وذلك بهدف الإجهاز على ما تبقى من ميزانيات برنامج فخامته ؟ كل هذه وغيرها من التساؤلات تبقى مشروعة، وموعدنا بعد نهاية هذا العرس العربي، ومرة أخرى أهلا وسهلا بكم يا أبناء العمومة، و يا هلا و يا ألف مرحبا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/04/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الرحمن بن شريط
المصدر : www.djelfa.info