الجزائر

أنصح الشباب بالتعلّم والمثابرة وحبّ الوطن



«فريق جبهة التحرير الوطني ساهم في إسماع دويّ الثورة عبر العالم"«كسبنا احترام كلّ المنتخبات التي لعبنا ضدّها "
شمعة انطفأ نورها إلى الأبد، برحيل أيقونة الكرة الجزائرية عبد الحميد زوبا، الذي غيّبه الموت عنّا في عمر 87 سنة بعد صراع طويل مع المرض ألزمه الفراش لفترة طويلة، الخبر نزل كالصاعقة على الجزائريين ككل والأسرة الرياضية على وجه الخصوص، التي حزنت لرحيل اسم بارز ولامع في الساحة الكروية أمسية 2 فيفري 2022، كيف لا وهو الذي ربط بين أفواج فريق جبهة التحرير الوطني الثلاثة، خلال عملية التنقل إلى تونس مجابها خطر انكشاف المهمة.
ومن جهة أخرى، عمل على تعبيد الطريق للوصول في أمان بالرغم من الحصار المفروض من طرف المستعمر الفرنسي الغاشم، رفقة مجموعة من رفقائه الذين كانوا في مقتبل العمر، وتركوا كل الامتيازات والأموال ولبوا نداء الوطن دون تردّد ودعموا الثورة التحريرية.
وإنّنا اليوم وبحزن كبير نعرض عليكم الحوار الذي خصّنا به الراحل قبيل وفاته، والذي سرد لنا خلاله قصة ما قام به مع ثلة من خيرة ما أنجبت الجزائر لنيل الحرية حتى لا تنسى الأجيال القادمة صناع التاريخ إبّان الثورة المجيدة في الشق الرياضي.
«الشعب ويكاند": اروي لنا قصة طفولتك وكيف أصبحت لاعب كرة قدم؟
عبد الحميد زوبا: أنا مولود في بولوغين بتاريخ 2 أفريل 1934، عائلتي تنحذر من ذراع الميزان بتيزي وزو، الطفولة كانت صعبة لماذا.. لأنه في سنة 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية هرب الأشخاص والعائلات هنا في الجزائر نحو القرى البعيدة عن المعارك وأهلي أخذوني إلى الجبل في القرية التي أنحدر منها بسبب الظروف الصعبة هنا في العاصمة، حتى نهاية الحرب .. وفي سنة 1947 عدنا لبولوغين وفي ذلك الوقت كان قد تجاوزني سنّ الدخول للمدرسة، في تلك الفترة كانت الحياة صعبة جدا بسبب الجوع والأوضاع المعيشية الناتجة عن ظلم المستعمر الغاشم ..وكان الحل الوحيد لإنقاذ حياتي، تلك الكرة التي كنت أمارسها في الشارع وهي مصنوعة من الأوراق لأننا لم نكن نملك الإمكانيات لشراء كرة حقيقية، كنا نلعب في الشارع وكان أناس كبار يراقبوننا من بعيد ولاحظوا أننا نملك الموهبة وأخذونا إلى الفريق وقبلها قاموا بتهيئتنا من خلال أشخاص سياسيين خططوا لكل شيء، بداية من سنة 1947 إلى غاية 1949، من أجل تجسيد الفكرة التي كان يطمح لها حزب الشعب في دعم القضية الوطنية بالفرق الرياضية في كرة القدم.
- متى كانت انطلاقتك الحقيقية في عالم كرة القدم؟
الإنطلاقة كانت مع نادي مسلم لأنّ القياديين في الجبهة قرروا أن تكون أندية مسلمة لتمثيلها وأنا انضممت إلى فريق بولوغين الذي كان بمثابة البوابة التي جعلتني أحقق حلمي في لعب كرة القدم، وبعدها واجهنا إحدى الفرق وأعجب المسيرون فيه بإمكانياتي، ما جعلهم يتصلون بي وأنا قلت لهم سأستشير والدي، وبما أنّني كنت شابا طموحا أردت أن أقدم يد المساعدة لأسرتي في الجانب المادي حتى نتجاوز الوضع الصعب، لأنّ الكرة كانت تغلبت علي وتنقلت إلى فريق فرنسي، وبالفعل تغيّرت الأمور الاجتماعية لأنني أصبحت أتقاضى أجرا كنت أرسله لعائلتي، إلى غاية سنة 1956 الوقت الذي قررت فيه جبهة التحرير الوطني توقيف كل الأنشطة الرياضية.
- من ساعدك على التنقل للعب في الخارج؟
عندما جاء قرار الجبهة بتوقيف كل الأنشطة الرياضية نحن أيضا معنيون بذلك، إلا أنه كان هناك أحد المسيرين الأجانب الذي قام بما عليه من أجل انتقالي للعب في فرنسا وهو السيد ميلودو من إيطاليا وتواصل مع مسيري فريق نيم أولمبيك، كان يشرف عليه المدرب الجزائري الكبير عبد القادر فيلود – رحمة الله عليه - وهو من وهران، وبقيت في فرنسا إلى غاية صدور قرار مسؤولي جبهة التحرير الوطني بتكوين فريق لكرة القدم من أجل تمثيل الجزائر، لبلوغ الهدف المباشر يكمن في التوقف عن اللعب مع الفرنسيين بسبب "النار الكبيرة" التي كانت في الجزائر جراء الظلم والتعذيب والحرمان وأبشع أنواع التجويع، وبالرغم من أننا كنا بعيدين إلا أنّ الأخبار كانت تصلنا ولهذا كان لابد من أننا كجزائريين نتوقف عن اللعب معهم، وهناك رسالتين من هذا القرار، أولى موجهة للجمهور الرياضي الفرنسي والثانية للحكومة الفرنسية، خاصة أننا كنا نعاني من التفرقة ولا نستطيع المطالبة بحقوقنا لأنّنا مستعمرين ونحن ضعفاء وليس لدينا خيار لأننا كنا نساعد أهلنا بالأموال التي نتقاضاها، إلى أن طلب منا الالتحاق بفريق جبهة التحرير الوطني في تونس.
- كيف تلقيت الاتصال للالتحاق بفريق جبهة التحرير الوطني؟
قبل ذلك سأتطرق إلى الهدف الرئيسي من الاتصال بنا والمتمثل في تشجيع الشباب الجزائري للالتحاق بجبهة التحرير الوطني ودعم القضية الوطنية، لأنهم لما سمعوا بالتحاق المحترفين في أوروبا بفريق الجبهة وتركوا كل الإمكانيات، أكيد أنّه حافز قوي وإعطاء بعد أكبر للثورة التحريرية.. لأنه كان هدف المسؤولين الكبار الذين خططوا لهذا المشروع لأننا حملنا الثورة الجزائرية إلى كل بلدان العالم، أما عن التحاقي تلقيت الدعوة عن طريق رسالة في آخر الموسم بالضبط في شهر جوان حينها انتهت البطولة في فرنسا وأنا كنت أحضر نفسي للعودة إلى الجزائر للقاء أهلي، جاء عندي محمد وعلي وهو قيادي كبير في الجبهة من مدينة الأبيار بالعاصمة يتقن التفاوض أعطاني موعدا في مقهى "لوغلاصيي" وذهبت لهذا اللقاء وتحدثت معه وأوضح لي الفكرة التي جاء من أجلها، وبالرغم من أنّ الأمر لم يكن سهلا بالنسبة لي أن أترك كل شيء وأنا لا أعرف إلى أين سأذهب، إلا أنني لما اكتشفت فيما بعد أنّ ما يقوله حقيقة وطلب مني الجواب فورا بنعم أو لا قائلا "لأنّني لا أملك الوقت من أجل الالتقاء معك مرة ثانية قد أموت أو لا تسعفني الظروف، ولهذا يجب أن تتخذ القرار فورا" فجاء ردي كالتالي "أنا لم أولد في فرنسا بل ولدت بالجزائر وتربيت بها والأمر الذي قمتم أنتم من أجله والوضع والحرمان الذي عشناه ونحن صغار يجب علينا اليوم أن نكمل معكم".
- ماذا عن الرحلة التي قادتكم إلى تونس مقر تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني؟
لما تحدث معي محمد وعلي واتفقنا على كل الأمور، قال لي "سنلتقي بمقهى لوديبار في سان ميشال بالعاصمة الفرنسية باريس، بداية من الساعة منتصف الليل في بداية شهر جويلية، وكنا سبعة لاعبين معنيين بالأمر وهم كل من الأخوين بوشاش والأخوين سوكان، عبد القادر معزوزة، وإبرير، أعطى لنا عنوان الشخص الذي سنتنقل عنده في الرحلة التي إنطلقت في ذلك اليوم، بداية من الساعة الثانية ليلا وطلب منا أن نحفظ العنوان حتى لا نكتبه لأنه خطر علينا إذا تم إلقاء القبض علينا من طرف الفرنسيين، وبالضبط مثلما تم التخطيط له وصلنا إلى المنزل المقصود واستقبلنا الشخص المكلف بذلك إسمه إبراهيم توفي، حيث استقبلنا ومهّد لنا الطريق من أجل التنقل من مدينة بون إلى روما الإيطاليا وتركنا له السيارتين من نوع "سيمكة" لمعزوزة و«رونو" لسوكان على أن يتم التعويض لنا عندما نصل لتونس.. لكنّ الوضع لم يكن مواتيا للحديث عن هذا الأمر لأننا كنا في مهمة تمثيل الوطن، وفي روما استقبلنا مسؤول كبير اسمه الطيب ووفر لنا كل الظروف هو الآخر من مبيت وطعام وفتح لنا الطريق للدخول إلى تونس بعد الرحلة التي كانت شاقة ومليئة بالمخاطر ولم تكن سهلة بتاتا على متن القطار حيث إلتقينا فور وصولنا لتونس بكل من كريم بلقاسم، علي بومنجل واللاعبين الذين سبقونا والأمر يتعلق بكل من بن تيفور، بوبكر، عريبي، معوش، براهيمي، بوشوك، كرمالي الذين كانوا رفقة الفوج الأول الذي إلتحق في أفريل 1958، فيما كنت أنا في الفوج الثاني في جويلية من نفس السنة لأنّ الفريق لم يكتمل كان ب10 عناصر فقط والمطلوب 11 ويجب أن يكون احتياطيين، ووصل التعداد بعد التحاقنا ل 17 لاعبا أما الفوج الثالث إلتحق في سنة 1961، حيث بلغ عددنا بعدها 32 وكانت لنا عديد الجولات التي مثلنا فيها قضية وطننا.
- ما هي أبرز المحطات في المشوار ضمن فريق جبهة التحرير الوطني؟
المسؤولون في الجبهة علمونا أنّه لا وجود لبروتوكالات واستقبالات وأنّ مهمتنا هي إعطاء دفع للثورة التحريرية وفتح الطريق للسياسيين وكانت لنا لقاءات عندما ننتهي من كل دورة، لأننا كنا نبقى في كل بلد نتنقل له حوالي شهر ثم نعود لتونس، وكان يقول لنا فرحات عباس أنتم تفتحون لنا الطريق رياضيا ونحن نأتي من ورائكم سياسيا ..وقال أيضا أنّ الفريق قدّم الثورة بمدة 10 سنوات كاملة بالنظر للشهرة التي نالها خلال المواجهات التي لعبها والنتائج الإيجابية التي حققها وهذا لم يكن سهلا، لأنّ العلاقة وقبل وبعد لعبنا لأيّ مباراة تتغير بصفة جذرية وهذا هو الهدف المباشر من دورنا في الثورة التحريرية، ومن هذا المنطلق أصبحوا يؤمنون بالجزائر وبوجودها .. ومن أجل هذا كنا نحارب بطريقتنا لمدة ساعة ونصف بالعقل والروح الرياضية حتى يصبح الجميع يعلم بما يحدث في الجزائر من ظلم إبان الحقبة الاستعمارية والحمد لله قمنا بدورنا لأننا أهل عزم وثبات وكسبنا احترام كل الذين لعبنا ضدهم لأنّ المسؤولين كانوا يقولوا لنا أنتم لا تلعبون بل تحاربون من أجل نيل الاستقلال، للإشارة، فإنّ تأسيس الفريق كان بعد تفكير من بومزاراق، عريبي، بن تيفور، محمد معوش، لأنهم كانوا قريبين من مسؤولي الجبهة في باريس.
- ماذا عن أهم اللقاءات التي لعبتموها؟
أبرز الدوارات عندما كنا في بولونيا طلب منا عدم رفع العلم الوطني لأنّ الفندق الذي كنا فيه كان يتواجد معنا المنتخب الفرنسي لألعاب القوى، لكن أصرينا على رفع العلم الجزائري وأسمعنا النشيد لأنه أمر ضروري بما أنّ الأمر يتعلق بقضية وطن سلبت منه الحرية، وهناك حادثة عندما كنا في رومانيا حيث هبت ريح قوية أسقطت كل الرايات إلا الراية الجزائرية بقيت ترفرف.. وفي يوغوسلافيا فزنا على فريقها الوطني بخماسية مقابل هدفين وهناك عدد كبير من اللقاءات، حيث كنا نشق طريقنا من ليبيا مرورا بمصر وهذه الأخيرة قدمت لنا إمكانيات كبيرة، ووصلنا إلى الصين والبلدان الصديقة وكل الدول الاشتراكية وساعدنا مصطفى فروخي لأنه كان المسؤول السياسي للفريق، قام بإزعاج المستعمر الفرنسي لأنه كان يأخذ منهم أصدقاءهم والبلدان الأوروبية أصبحت تساند القضية الجزائرية.
وللإشارة، فقد تداول على تدريب فريق جبهة التحرير الوطني كل من بومزراق، بن تيفور، وبعدها الثنائي ايبرير وسعيد حداد، وبعد الاستقلال واصلنا المشوار الكروي كل لاعب عاد إلى النادي الذي كان ينشط به وأنا بعدما انهيت مسيرتي باشرت مهمة التدريب وحققت ألقاب مهمة مع مولودية الجزائر، وأشرفت على العارضة الفنية للمنتخب الوطني في عدة مرات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)