إن التحول الفكري والمعرفي الذي أحدثه الإجراء اللساني الحديث بتنوع توجهاته، انطلق أساسا من مبدأ تخليص البحث اللغوي من سلطة المناهج السياقية، المنفتحة على الوصف والارتهان إلى أحكام المقام والحال، إلا أن هذا المنطلق اللساني لم يستطع أن يتملص من حقيقة القيد الاجتماعي الذي لازم كينونة اللغة واللسان، من حيث هو مجموع القوانين النطقية والمنطقية التي يتحرك فيها الكلام والمتكلم والمكلم، ليؤدي لغة خطابية في مجتمعه حيث تُفتقد حرية توظيف الملكة التلفظية، التي لن تتأت إلا وفق الأسيقة والأنساق التي تفرضها الجماعة والعرف، ولنا أن نستدل على ذلك في هذا المقام بقوله تعالى : ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾(1)، فالفصاحة في هذا السياق، سمة فارقة تلحق بطبيعة التوظيف والتنظيم اللساني لدى المتكلم وفق تواضعات وضوابط تحددها الجماعة في آنية زمنية معينة ومعلم مكاني محدد.
ولئن كان البحث الفيلولوجي قد التفت إلى هذه الحقيقة، وأسس لعُدةٍ بحثية، تتقفى أثر التغيرات والتحولات التي تلحق ببنى اللغة بمنأى عن سكونيتها، فإن البحث الأنثروبولوجي سعى دائما إلى تكشف الجينات اللفظية التي تتعاضد مع الكينونة الإنسانية، في بعدها الثقافي والاجتماعي، بوصفها شاهدا ماديا ومعنويا يدلل للوقوف على الكثير من الحقائق الجادة التي تتوثب حدود فهم الخطابات والنصوص إلى فهم حياة المجتمعات الإنسانية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/02/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - ابراهيمي بوداود
المصدر : أبحاث Volume 2, Numéro 2, Pages 70-80 2014-12-01