أطلقت ولاية تيبازة “خلية عملياتية لمساعدة الأشخاص دون مأوى”، يترأسها ضابط من مصلحة النشاطات الاجتماعية والرياضية بأمن ولاية تيبازة، وتضم ممثلين عن مديرية النشاط الاجتماعي، مديرية الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، مديرية الحماية المدنية، مديرية الشؤون الدينية والأوقاف والهلال الأحمر الجزائري، تُنظم خرجات ميدانية يومين في الأسبوع للبحث عن هؤلاء الأشخاص دون مأوى لإسعافهم أو نقلهم إلى مراكز الإسعاف الاجتماعي أو مدّ يدّ المساعدة لهم في حال رفضهم دخول تلك المراكز.
فمن باب الإنسانية، يعدّ التكفل بالفئات الهشة والضعيفة في المجتمع مسؤولية إنسانية جماعية، تستدعي تضافر جهود الجميع للتكفل بها وإنقاذها من مختلف الأخطار التي تُهدد حياتها وتحرمها من الحق في العيش بكرامة في سكن لائق وبتوفير أبسط ضروريات العيش من أكل وشراب ودفء وتغطية صحية، غير أن هذه الحقوق نجدها في بعض الأحيان مهضومة لا سيما إذا تعلّق الأمر بحرمان الوالدين منها أو الأبناء والأمهات وحتى الآباء، كل واحد منهم ضحية لشخص ما في ظرف معيّن.
“البلاد” رافقت وفد هذه الخلية خلال خرجتها ليلة أول أمس إلى شوارع وأحياء دائرة بواسماعيل شرق ولاية تيبازة، حيث انطلقت عملية البحث عن الأفراد دون مأوى ليلا في حدود الساعة السابعة والنصف مساء، تضم كل الفاعلين من قوات الشرطة وسيارة إسعاف للحماية المدنية ومسؤولين من مديرية النشاط الاجتماعي بالولاية ومن مديرية الشؤون الدينية وأيضا من الهلال الأحمر الجزائري.
باشرنا عمليات البحث شارعا شارعا وكل الأحياء التي يُحتمل أن نجد فيها هؤلاء الأشخاص، مع العلم أن مثل هذه الخرجات تكون منظمة ويتم التحضير لها مسبقا، بحيث تقوم مصالح الأمن بعملية أولية بترصد أماكن تواجد هؤلاء، قبل قدوم وفد الخلية لإنقاذهم من قساوة الطبيعة وخاصة خلال التقلبات الجوية.
فبينما كانت الساعة تشير إلى حدود الثامنة والنصف ليلا وتحت تأثير درجة حرارة لا تتعدى ال10 درجات، التقينا أول حالة وسط مدينة بواسماعيل، رجل في العقد الخامس تقريبا، اتخذّ منذ مدة طويلة الشارع مأوى له رغم مظهره اللائق، تقدم إليه مسؤول الخلية ليسأله عن حالته وعن مكان إقامته، فأجاب بأن حياته أصبحت في الشارع لم يتطرق إلى الأسباب التي جعلته في هذا الوضع، مكتفيا بالإشارة إلى أنه ينام ليلا في شوارع وسط مدينة بواسماعيل وفي النهار اتخذّ من إحدى المزارع مأوى له. وعندما سأله رئيس الخلية ما إذا كان يريد التنقل إلى مركز للإسعاف تتوفر فيه ظروف الحياة والدفء أو منحه مساعدة مادية على الأقل أغطية، رفض الفكرة رفضا قاطعا واعتبر ذلك مساسا بحقوقه، مؤكدا أن الفكرة المعروضة عليه تمسّ بكرامته، خاصة أن هذا الشخص كان إطارا ساميا وابن شهيد وينتظر منحه حقوقه.
وأمام رفضه وتمسكه بموقفه وإظهاره نوعا من العنف في حديثه، تركناه متوجهين للبحث عن فئات أخرى باتجاه أحياء الكتيبة العمارية، حيث وردت معلومات إلى أفراد الخلية عن وجود ثلاث فتيات يعشن في الشارع منذ مدة، غير أننا لم نجدهن، لنواصل المهمة على مستوى الأحياء الأخرى وأمام الأماكن التي يتخذنها مأوى لهن على غرار المساجد.
عندما تغيب الضمائر تطرد الأمهات والأبناء من المنزل!
وفي حدود الساعة التاسعة تنقلنا عبر الشارع الرئيسي لمدينة بواسماعيل وبالضبط أمام ملعب المدينة، حيث صادفنا شخصا في العقد الرابع أو الخامس، يجوب الشارع الخالي من الحركة يمينا وشمالا ملامحه تبيّن أنه شخص معرّض لخطر ما، فاقتربنا منه وسأله أفراد الخلية عن حالته فكان يُجيب في كل مرة بأجوبة متضاربة وسريعة وعيونه تتحرك شمالا ويمينا، أبدى رغبته في التوجه إلى مركز الإسعاف الاجتماعي، غير أنه كان يقول إنه يُفضلّ التوجه إلى منزل عائلته، كان يقولها بنبرة تأثر وحزن تقشعّر لها الأبدان. استفسرنا عن منزل أقاربه، فأجابنا بأن عائلته هربت أو رحلت في يوم من الأيام عندما كان غائبا عن البيت وتركوه دون أن يتركوا عنوانهم، وأخبرنا أنه منذ ذلك الوقت وهو يبحث عنهم لكن دون جدوى، ملّحا على رغبته في البحث عن أفراد عائلته، فسلّمت له أغطية على أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقله إلى أحد مراكز الإسعاف للرجال بالعاصمة أو عين الدفلى.
تركنا هذه الحالة الإنسانية المؤثرة التي كان فيها هذا الشخص ضحية هجره من طرف عائلته لأسباب تبقى مجهولة، لنلتقي بحالة إنسانية أكثر تأثيرا وتحطيما للمشاعر، انتابت جميع أفراد الخلية مشاعر الأسى حتى إن بعضهم بدأ يذرف دموعا عندما وجدنا عجوزا في العقد السادس، تتخذّ من أحد الأماكن بوسط المدينة مأوى لها، قالت إن أبناء زوجها طردوها من البيت بعد أن تُوفي زوجها، مطالبة بمنحها سكنا يقيها الحر والبرد. بدأت تسرد معاناتها في الشارع خاصة أمام الظروف الطبيعية القاسية، فهي تقول إن المواطنين وأصحاب القلوب الرحيمة لم يتركوها، يوفرون لها الأكل والشراب دائما، لكنها منذ فصل الصيف وهي تعيش في الشارع. قصتها أثرت فينا جميعا وحتى شباب المدينة الذين تجمعوا حولنا أبدوا حماسا كبيرا للمبادرة الإنسانية وبدأوا يقدمون معلومات عن أماكن تواجد مثل هذه الفئات في أنحاء المدينة، مبدين وعيا كبيرا وشعورا إنسانيا تجاههم وأكدوا تعاونهم في مثل هذه القضايا والتبليغ عن أية حالات في إقليمهم، خاصة أمام إلحاح مسؤول الأمن عن الخلية للتبليغ حتى يتم التكفل بهم عاجلا.
تركنا العجوز التي أبكتنا حالتها بعد أن قدمت لها الأغطية الضرورية بعد أن رفضت التوجه إلى مركز الإسعاف للنساء بحجوط رغم محاولات إقناعها. وواصلنا البحث إلى غاية حدود الساعة العاشرة ليلا بعد تأكدنا من عدم ترك أي شخص في حاجة أو خطر معنوي أو مادي، على أن تتواصل العملية على مدار الأسبوع لتشمل مناطق أخرى بالولاية.
جدير بالذكر أن إنشاء خلية مساعدة الأشخاص دون مأوى جاءت بناء على تعليمات قيادة المديرية العامة للأمن الوطني بالتنسيق مع جميع الجهات على مستوى التراب الوطني، وعلى غرار باقي الولايات شرعت الخلية في عملها بولاية تيبازة خلال منتصف شهر جانفي، كانت الانطلاقة على مستوى بلدية تيبازة ولم يتم خلالها إحصاء أي حالة دون مأوى، مع العلم أن مصالح الخلية أحصت حوالي 17حالة بكل من دوائر حجوط، بواسماعيل والقليعة يجري البحث عنهم لمدّ يدّ المساعدة لهم، في حين أن 14 شخصا يتم التكفل بهم حاليا على مستوى ملحقة ديار الرحمة بحجوط تتمثل في 12 حالة من فئة النساء وطفلين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/02/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فاطمة الزهراء أ
المصدر : www.elbilad.net