لم أكن أعرف في تلك الليلة المجنونة والممزوجة بالحزن والغبطة اسماعين مثلما عرفته فيما بعد، فقد فاجأني وأنا عائد من التواليت بسؤال لم أكن أنتظره، ولم أكن على استعداد لأن أناقشه، حيث قال لي وهو ملتصق بذلك الشاب الناعم ما هي نظرتي إلى مثلهما من المثليين الجنسيين. وما أربكني هو ليست المثلية في حد ذاتها، بل الجرأة التي تصل إلى درجة الوقاحة التي واجهني بها، فتلعثمت وقلت له ليس هذا وقت مثل هذه المناقشة يا اسماعين.فكأنه أصر على التمادي في محاولة معرفة رأيي في المثلية الجنسية، وبشكل خاص تجاه ما كان يحدث أمامي، فقبّل صديقه من فمه وهو يكرر علي السؤال، ولقد أربك مثل هذا السلوك من كانوا معنا على الطاولة.. فاكتفيت بابتسامة وقلت له لكن بشكل من التهرب، هذه حياة شخصية لكل شخص.. وكل شخص حر أن يعيش كما أراد..
- أن يعيش كما أراد؟!
- أجل أن يعيش كما أراد، كما تمليه عليه نظرته إلى الحياة
- لكن أين هذه الحرية التي تتكلم عنها.. أليس المثليون مجرمون في نظر المجتمع، ونظر القانون؟!
- قلت لك، لا الوقت ولا المكان يسمح بمناقشة حول هذه المسألة الحساسة..
- تقول الحساسة؟! لماذا في رأيك أضحت مثل هذه القضية حساسة؟!
- هل أنت مقتنع بحياتك المثلية؟!
- المسألة ليست مسألة اقتناع، بل المسألة أصبحت بالنسبة إلي وإلى أصحابي مسألة حياة أوموت. لماذا أنتم الكتاب، أنتم الصحفيون.. لم تكن لكم الجرأة على طرح مثل هذه المسائل التي نعيشها في الظلام وفي الصمت؟.
- لأن المسألة معقدة...
- معقدة؟!
- أجل معقدة، مثل المسائل الأخرى التي ظلت معقدة، لأننا لم نملك القدر الكافي في طرحها ضمن المجال العام..
- لكن أنت؟! هكذا، ماذا تفكر فيّ بداخلك، الآن في هذه اللحظة.. كيف تنظر إليّ.. إلى صديقي؟! أرأيت؟! ها أنت تنظر إلي دون القدرة على قول شيء...
- أنت شربت كثيرا يا اسماعين.. دعنا الآن نستمتع بمثل هذه اللحظات الليلية.. وغدا، وغدا، ممكن أن نتناقش..
ضحك اسماعين، ثم نهض وصديقه باتجاه حلبة الرقص..
وفي اليوم الموالي استيقظت على الساعة الحادية عشر والنصف صباحا.. كانت الشمس ساطعة وحارة وتنفذ خيوط دفعة واحدة من النافذة نصف المفتوحة المطلة على زرقة البحر.. فتحت عيني بتثاقل وأنا أتساءل بيني وبين نفسي أين أنا؟! كنت عاريا تماما وبجنبي كانت امرأة، امرأة؟! أجل امرأة، من هذه المرأة؟! من جاء بها إلى هذا السرير الذي أنام عليه؟! وبسرعة استعدت صور البارحة، تلك الصورة الضاجة والمجنونة.. كانت عارية مثلما ولدتها أمها.. تذكرت اسمها، إنها جازية، لكن وجهها كان منتفخا وعيناها ملطختين باللون الأزق والأحمر الخاتر، وشعرها مبللا بالعرق البارد. ناديت عليها، وحاولت إيقاظها وأنا أنادي جازية، جازية، لكنها التفتت على الجهة اليسرى ودمدمت وجذبت الغطاء الأبيض إلى جسدها العاري، عندما ألححت عليها دمدمت من جديد وقالت بصوت مسفر أن أدعها تنام. نزلت من على السرير، بحثت عن ملابسي التي اكتشفت أنها كانت ملقاة على الكرسي المحاذي للخزانة، نظرت إلى وجهي في المرآة، كنت عبارة عن شخص آخر.. شخص مسودة، منفر، كالح الوجه، أحمر العينين، علامات الكد والسهر الأصفر مرتسمة في كامل الوجه.. دخلت إلى الحمام، حاولت أن أفرغ ما في بطني من فضلات، وضعت مؤخرتي على فوهة المرحاض الإنجليزي ورحت أجهد النفس لأَخرى، وفي الوقت ذاته أستعيد اللحظات التي مضت وكيف وصلت إلى الفندق، وأين ذهب الآخرون.. وشيئا فشيئا راحت الصور تعود إلى ذاكرتي، وتذكرت كيف رفضت أن نعود رفقة اسماعين إلى سيدي بلعباس على متن السيارة وهو على تلك الحالة الشديدة من السكر.. وتذكرت كذلك أنني عنفته عندما أصر أن يعود لوحده إلى سيدي بلعباس، بعد أن تركه صديقه الذي كان برفقته طيلة الليلة في الملهى، وأننا في نهاية المطاف قررنا أن نتجه رفقة أولئك الفتيات إلى الفندق، إلا أن أولئك الفتيات سرعان ما اعتذرن أن يبقين معنا، بعد أن دفعنا لهن بعض النقود.. لكن فتاتي تخاصمت مع صديقاتها ورفضت أن تذهب معهن.. وفضلت الصعود معي إلى الغرفة..
ملأت البسان بماء دافئ، ثم غرقت فيه وكأنني أرمي بجسمي في جب عميق، بينما كان صوتها يناديني أن أفتح الحمام لتدخل معي الباسان، ونغرق معا في جبنا العميق، تظاهرت وكأنني لا أسمعها.. وكان صوتها يتعالى بحدة وعنف، كانت تزعق.. بينما كنت أسعى لاستعادة جلدي في قلب تلك الرغوة الفياضة من الصابون، مثل أفعى تسعى لاستعادة جلدها..
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/09/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : احميدة عياشي
المصدر : www.djazairnews.info