الفرق بيننا وبين الجيل الحالي أنه لم يكن يوجد ''الفايسبوك'' للدفاع عنا نبيل عبد المجيد المغربي أقدم سجين في السجون العربية، ألقي عليه القبض في العام 81 قبل مقتل الرئيس الراحل أنور السادات بشهرين. ورغم ذلك، اتهم في قضية اغتيال السادات، فحكم عليه بالمؤبد ليقضي في السجن 30 عاما.
لم يكن هذا الحكم الوحيد الغريب في حياة المغربي، ولكن أثناء سجنه حكم عليه في قضيتين أخريين، الأولى بثلاث سنوات، بينما كانت الثانية بالمؤبد في العام 95 في قضية تنظيم طلائع الفتح الثانية، وكانت التهمة إمداد خلية جهادية بمعلومات من أجل قلب نظام الحكم.
وفي داخل بيته المتواضع بمنطقة عين شمس، غربي القاهرة، التقت الخبر الشيخ نبيل المغربي بعد الإفراج عنه بالعفو الصحي بعد ساعات من خروجه من السجن.
لماذا اعتقلت رغم أنك كنت ضابطا سابقا في المخابرات الحربية؟
كنت مثل أي شاب طموح مكافح في الحياة أسعى إلى تحقيق ذاتي، وأحمد الله على ذلك. فقد حصلت على لقب الطالب المثالي في الكلية وحصلت على بكالوريوس اللغات والترجمة ترجمة فورية ، لغة أولى إسبانية ولغة ثانية فرنسية، إضافة إلى اللغة الإنجليزية، وكنت أجيد الثلاث لغات. وعقب تخرجي اختارتني المخابرات العامة للعمل ضمن صفوفها.
فالتحقت بالجيش كضابط احتياطي في المخابرات الحربية أيضا لسد العجز الذي حدث بعد حرب 73 وتعويض خسائر القتال، بعد إجراء بعض الاختبارات كنت فيها أول الدفعة، وتم إلحاقي مع أربعة آخرين، كنت أنا أولهم، بمكتب ضباط الشفرة، وكان هذا المكتب يعد أعلى درجة في المخابرات.
هل صحيح أنه تم اعتقالك بسبب رأيك في الرئيس الأسبق أنور السادات؟
نعم
كيف ؟
حينما بدأ طارق زعتر، زوج شقيقة الرئيس السادات، العمل معنا بعد أن جاء إلى هذا المنصب بالواسطة، أما أنا فجئت إليه بمجهودي وكفاءتي، بدأت أعرض رأيي في السادات، حيث كنت أرى أنه عميل وخائن، فحدث نوع من الاحتكاك بيننا، وبالمناسبة ليس هذا رأيي وحدي وإنما هو رأي أناس مقربين من السادات مثل الدكتور محمد إبراهيم كامل الذي كان وزيرا لخارجية مصر.
وبعد خروجي من المخابرات عملت في ثلاث جهات مدنية، وهي وزارة الثقافة ثم وزارة الشباب ثم دار الاعتصام، وكانت وقتها أكبر دار للطبع والنشر، وكنت أعمل مترجما فيها، وقد اعتقلت نهاية شهر جويلية 1981 من منزلي.
لكن لماذا تم اعتقالك ؟
كنت ثائرا مثل شباب التحرير اليوم، أرفض الظلم والإجرام واللصوصية والمطالبة بالحريات على كافة المستويات المشروعة، ورفض إجرام السلطة والنظام الحاكم، ورفض الخيانة للشعب والوطن، وتغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة هي نفس أفكار الجيل الحديث، لكن الفرق بيني وبينهم أنه كان لديهم الفايسبوك فحماهم الشعب ووقف إلى جوارهم وتكاتف معهم أثناء المواجهة. أما نحن الجيل الثائر القديم لم يكن هناك من يقف معنا ويحمينا، فتم القبض علينا ولم يسمع عنا أحد في ظل التعتيم المتعمد من الإعلام الحكومي.. وسجنت في القضية رقم 462 أمن دولة عليا عام 81 والتي عرفت إعلاميا باسم تنظيم الجهاد.
هل كان انتقادك للسادات سببا في اتهامك بمقتله رغم أنك كنت معتقلا في تلك الفترة ؟
من ينظر لقائمة المتهمين بمقتل السادات والبالغ عددهم 24 لن تجدوا اسمي بينهم، ولكن تم الحكم عليّ بالمؤبد رغم أنه مثبت لديهم في الأوراق أنه قبض عليّ قبل الأحداث والأوراق الرسمية تثبت ذلك وتؤيده.
لكن ما السر في إدراج اسمك في القضية رغم أنك اعتقلت قبلها؟
كما قال وزير الداخلية الذي أتى بعد الثورة، اللواء محمود وجدي، إن التهم كانت تلفق في ظل النظام الإجرامي السابق، وكانت تصدر الأحكام التعسفية الجائرة. والآن بعد الثورة عرف العالم بأكمله أن مبارك وعصابته هم المجرمون الحقيقيون في مصر وهم اللصوص الحقيقيون، وأن من سجنهم نظام مبارك الإجرامي هم أشرف شباب مصر. والحمد الله أن تخلصت المنطقة العربية من عدد كبير من الأنظمة الإجرامية وأشكر كل من ساهم في خروجي.
كيف كنت تنظر إلى الثورة وأنت داخل السجن؟
كنت أشعر بأنني واحد من الناس الذين يفتخرون بانتسابهم إلى هذا الشعب المصري العظيم، وكنت على يقين بنصر الله وفرجه.
وصفت بأنك أقمت في كل سجون مصر كعب دائر فكيف كانت تتم معاملتك؟
جميع أنواع الإجرام التي تتخيلها والتي لا تتخيلها كانت تمارس بسبب وبدون سبب، ومعاناة 30 عاما في السجون لا يكفي أن تسردها في دقائق معدودة، فعقب القبض عليّ تم اقتيادي إلى سجن القلعة حيث التعذيب الغريب والشديد، ولم نكن نسمع وقتها عن غوانتانامو، ولكن ما فعله مبارك ونظامه بنا أبشع من الوصف أو الحكي. فقد كانت فترات التعذيب اليومي تمتد إلى 10 ساعات وأكثـر، والتجريد التام من الملابس وتغميض العينين وربط الأيدي خلف الظهر لفترات طويلة، تؤدي أحيانا في النهاية إلى كسر الذراع أو خلعه.
وبعدها تم اقتيادي إلى سجن الاستقبال الذي قضيت فيه سنوات كثيرة، كانت كلها معاناة وتعذيبا، وبعدها أعادوني مرة أخرى إلى سجن القلعة ومنه إلى طرة والمرج ووادي النطرون. ومن كثـرة التعذيب نسيت ملامح زوجتي وأولادي.
ما الذي تنوي فعله في الفترة المقبلة؟
أنا رجل كبر سني ووهن عظمي وخرجت بعفو صحي، فلا أملك إلا الدعاء أن يحفظ الله مصر وأهلها ويقيها من كل شر وأن يخلص الوطن العربي من كل طاغية.
ما الذي فعلته عندما سمعت نبأ الإفراج عنك؟
سجدت شكرا لله تعالى وعاهدته بالدفاع عن إخواني، وإيصال صوتهم إلى كل الجهات المعنية حتى يفرج عنهم.
تاريخ الإضافة : 12/06/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : القاهرة: مراسلة ''الخبر'' إيمان عبد المنعم
المصدر : www.elkhabar.com