يقول خبراء علم النفس السياسي إن الذين يتمتّعون بمستوى عالي من الذكاء لا يفكرون، ولا يطمحون في تولّي مناصب السلطة والقيادة كرئيس للدولة مثلا، وإنّما ينصبّ اهتمامهم وتفكيرهم في تحقيق إنجازاتهم في مجالات البحث والإبداع والابتكار، وهذا هو الذي يحقّق المصلحة والمنفعة للإنسانية، لأن النسب العالية من الذكاء قد تخلق فجوة عميقة بين القائد والرعية، يصعب ويعقد عندها تسيير شؤون الدولة وفق مقاييس الرشد والتواضع اللازمين. فالإحساس المفرط بالذات وبالعظمة تترتّب عنه، بالتأكيد، مفسدة عظيمة في مجال السياسة وإدارة الشأن العام.
حينما نطرح هذه الوصفة أمامنا فهذا لا يعني أن يكون المسؤول غبيا أو أبلها، وإنما المطلوب هو القدرة على الاستفادة من عبقرية الأذكياء والعلماء، وصهر ذلك كله في مخطط وبرنامج عملي يُتّخذ، على أساسه، القرار الصائب والسليم الذي، ومن دون شك، يشارك في صياغته ''أهل الحل والعقد''، حتى لا يتغوّل القائد على الأمة التي ما جاء إلا لخدمتها. وفي هذا المقام يمكن القول بأن الذين حلّلوا شخصية الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد على أنها شخصية بسيطة وعادية، ولم تكن تمتلك ثقافة عالية وخارقة، قد جعلوا من خصائص الطيبة والإنسانية والتواضع هي القيم الغالبة في شخصية المرحوم الشاذلي بن جديد، وهذه الخصائص ''الصوفية'' هي التي افتقدتها، وللأسف، الأسرة السياسية عندنا، بما فيها تلك التي تدّعي أنها جاءت ''لتتمم مكارم الأخلاق''. فالإسلاميون، مثلا، الذين يحملون هذا الشعار، ترى أن النيران الأخوية فيما بينهم أشدّ حرا ولهيبا لمّا يتعلّق الأمر بالاستحقاقات الانتخابية، أو المشاركة في إدارة الحكم. ألم يعترض زعيم حمس، وبقوة، على التحاق أي فصيل سياسي آخر، حتى ولو كان إسلاميا، بالتحالف الرئاسي حينما كان يشكّل معهم ''الثلاثي غير المرح''؟؟ وقبل هذا ألم يدّعي أمير ''آيياس''، مدني مزراق، من أنه وجماعته صعدوا للجبل وهم على حق ونزلوا منه وهم على حق، بمعنى في كل الحالات هم على حق؟ ألم يفتِ جاب الله أن حزبه هو الوحيد الحريص على تطبيق الشريعة الإسلامية، وأن غيره ليس على المحجّة البيضاء؟؟ وأكبر من هذا كله ألم يلقّب إسلاميو التسعينيات الرئيس الراحل بن جديد ب''مسمار جحا''، الذي يجب إزالته من الطريق حتى يمكنهم الإقامة بالمرادية؟ ومؤخّرا ألم يطلّق غول إخوانه في الله بحجة أنهم زاغوا عن الطريق المستقيم، وهو القادر على رسم طريق الهداية والنجاة، كما استطاع إنجاز معجزة الطريق السيار؟؟
نعم لم يكن الشاذلي، رحمه الله، منظّرا أو مفكّرا عظيما، ولكن كان يملك شجاعة الاعتراف بالخطأ وتحمّل مسؤولية توابع القرارات التي كان يتّخذها في الفترات الصعبة من تاريخ الجزائر السياسي. هذا بالرغم من أن هذه القرارات شاركه فيها رجال كانوا من حوله، بدليل أن الشاذلي، وفي إحدى خطبه الشهيرة، لم يجد وسيلة ليعبّر بها عن الحصار الذي يعانيه سوى الاستشهاد بمقطع من أغنية لكوكبة الشرق أم كلثوم.. ''أعطني حريتي أطلق يديا.. فلقد أعطيت وما استبقيت شيا''. فالرجل لم يكن حرّا، كما يبدو، في تسيير شؤون البلاد، ومع ذلك لم يتّهم غيره ويتهرّب من المسؤولية. وهذه كذلك من الأخلاق التي افتقدتها الساحة السياسية عندنا، ومع ذلك تجد من هؤلاء من يدعو إلى الربيع العربي بالجزائر، رغم ارتكابهم لجناية القيام بجرم ''النيران الأخوية والصديقة''، والمثل يقول ''فاقد الشيء لا يعطيه''.
* برلماني سابق
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 00/00/0000
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عدة فلاحي
المصدر : www.elkhabar.com