عددهم فاق 300 مصاب مع كل إشراقة شمس تسود الفرحة في القلوب، لكن بعض الناس يحمل لهم الشروق رعبا حقيقيا، جلدهم لم يتصالح مع الشمس، والليل فرصتهم الوحيدة في البقاء، أطفال القمر أعداء الشمس يعيشون بيننا ويموتون في صمت.
لا يخرجون إلا بعد غروب الشمس، فيما يلازمون أربعة جدران طيلة النهار... حياتهم ليلية، ونمط عيشهم منزلي بامتياز. يعيشون في الظلام الدامس فقط، وحين تختفي أشعة الشمس تماما تسمح لهم الطبيعة بمغادرة حبسهم الاضطراري. لا يتعلق الأمر بمصاصي دماء أو خفافيش، لكنهم من بني البشر لا يختلفون عنهم كثيرا، فقط في مظهرهم الخارجي، إذ أن بشرتهم تعلوها نقط سوداء، مما جعلها سهلة الالتهاب.
اسمهم "أطفال القمر" ويسمون أيضا " أعداء الشمس"، قدرهم أن الشمس اختارتهم ضحايا تقترن حياتهم بمدى هروبهم منها، وكل ما تفادوا أشعتها كلما ازداد رصيدهم من دقائق الحياة.
ملابس من "النازا"
"حياة هؤلاء الأطفال محكوم عليها بالموت ولا يتعدى عمرهم 20 سنة على أقصى تقدير، فلا يوجد لحد الآن علاج ناجع ضد المرض، لكن تبقى الاحتياطات المتخذة أهم بالنسبة للمريض" يقول الدكتور عبد الحق السقاط المتخصص في الأمراض الجلدية. أهم هذه الاحتياطات هي عدم التعرض لأشعة الشمس ( الأشعة فوق البنفسجية )، سواء كانت طبيعية أو اصطناعية. وهو ما يفرض على المصاب نمط عيش خاص وقاسي، إلا أنه ضروري لتخفيف وتيرة تطور المرض بشكل سريع. كما يلزم المريض استعمال مرهمات مركزة وحمل نظارات شمسية وأقنعة، وكذلك ملابس خاصة تصنعها وكالة الفضاء الأمريكية (النازا). بيت أو سيارة المريض يحتويان على مانع من تسرب الأشعة الخطيرة عبر النوافذ. كما يجب قياس معدل هذه الأشعة المنبعثة من مصادر الضوء الطبيعية أو الاصطناعية في الفضاء الذي يتواجد فيه المريض، وتبقى زيارة الطبيب المختص في الأمراض الجلدية ضرورية كل شهرين أو ثلاثة أشهر لمعالجة أي مشكل صحي على الفور. مشاكلهم النفسية تزداد تعقدا بعد تزايد السن. تقول الرياضي "حالتهم النفسية جد متدهورة لأننا نحرمهم من ليلهم الوحيد الذي يستطيعون عبره رؤية العالم الخارجي، فعوض أن يلعبوا، نقوم بتدريسهم، كما أنهم ومع تزايد سنهم تزداد وضعيتهم النفسية تأزما لإحساسهم بحالتهم وعدم قدرتهم الاندماج مع الآخرين" تقول الرياضي بتحسر باد في نبرات صوتها. أحلام بسيطة لكنهم عاجزون عن تحقيقها كالسباحة في البحر أو الركض مع الأصدقاء وسط ساحة المدرسة وفي المقابل مجبرون على العزلة والبقاء في الفصل بعد إقفال نوافذه، وإسدال ستائره، وانعدام النور فيه.
وفي الوقت الذي تدخلت وكالة الفضاء الأمريكية في الغرب من أجل صنع بدلات خاصة بأطفال القمر ليستطيعوا التجول بكل حرية، ومتابعة أنشطة حياتهم اليومية في إطار الاستثمار في الأبحاث العلمية والطبية، تعاني جمعية أطفال القمر بالعيون من التهميش وغياب الدعم وإهمال مطالبهم، تقول الرياضي " نطالب بمركز خاص يتوفر على الشروط الضرورية لاستقبال هؤلاء الأطفال من جميع مناطق المغرب". وتضيف مفصلة أكثر " أن يتوفر على طائرة خاصة لنقلهم إلى مكان الدراسة، إضافة إلى البدلات الوقائية والمراهم والنظارات الشمسية الباهظة الثمن."
بصيص ظلمة
مرض "كزينوديرما" أو مرض أطفال القمر، مرض وراثي نادر تم اكتشافه لأول مرة سنة 1870 من طرف الدكتور "موريتس كابوزي". حساسية جلد شديدة ضد أشعة الشمس، التهابات في العين وخطر الإصابة بسرطان الجلد والعين مضاعف 1000 مرة، هي أهم أعراض هذا المرض الناتجة عن فقدان ADN الذي يقي من الطفرات الناتجة عن اختراق الأشعة فوق البنفسجية للجلد، وغيابه يؤدي في النهاية إلى الإصابة بسرطان الجلد. يقول عبد الحق السقاط " الأعراض تبدأ في الظهور على شكل احمرار في الجلد وظهور هالات سوداء في كل أنحاء الجسم، تتكاثر وتكبر بسرعة كلما تعرض المريض إلى الشمس أو لأشعة الضوء الاصطناعية من دون أي حماية"، ومع تقدم السن تتزايد سماكة الجلد ويصبح جافاً وتتخلله بقع مختلفة الألوان، تصاحب هذه التطورات التهابات بصرية وترقق شديد في الجفون وفقدان الرموش، كما أن ثلث الأشخاص المصابين يعانون من أمراض عصبية من بينها فقدان السمع والبصر.
نصف المصابين بالمرض يتميزون بالتهابات واحمرار في الجلد عند تعرضهم لأشعة الشمس، ومع التقدم في السن يتزايد سمك الجلد ويصبح جافا وتتخلله بقع مختلفة الألوان.
تختلف نسبة المصابين بهذا المرض حسب القارات، ففي أوروبا وأمريكا يوجد مولود واحد ضمن مليون شخص، فيما نجد في اليابان والبلدان المغاربية وفي الشرق الأوسط، مولودا مصابا ضمن 100.000 شخص. في المغرب تشير التقديرات إلى ما يقارب 300 حالة تؤطرهم جمعية وحيدة.
هو مرض جيني وراثي ينتقل إلى الأطفال في حالة إذا كان أحد الوالدين يحمل الجينة المشوهة، المسببة للمرض من دون أن يصاب بها، ولكن بعد الزواج تكون هذه الجينة سببا في تعرض بعض الأولاد للمرض، مثل حالة خديجة المتزوجة من ابن عمها، والتي عكس خولة ابناها الآخران سويان. يقول الدكتور السقاط " زواج الأقارب هو أول مسبب لهذا المرض، إذ ينتشر الزواج داخل العائلة وخصوصا أولاد العم، مما يسهل انتقال جينات مشوهة إلى الابن".
ينتظر أطفال كثيرون فصل الصيف أجمل الفصول، حيث الاستمتاع بالراحة والعطلة والاستجمام، وفرصة الذهاب إلى الشواطئ والتعرض لأشعة الشمس التي تزود الجسم بالطاقة وبفيتامين (د ) الأساسي، هناك آخرون قابعون في الظلمة، حيث كل ذرة ضوء تجعل حياتهم كابوساً حقيقياً، ليتحول فيتامين "د" إلى سم خطير وقاتل. يكابدون في صمت من أجل بصيص أمل للشفاء. لطالما اقترن بصيص الأمل بشعاع ضوء، لكن " أطفال القمر" ملزمون من أجل تجاوز عقبات الحياة، أن يبحثوا عن ذلك البصيص وسط السواد.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/01/2018
مضاف من طرف : timoucha27
صاحب المقال : /
المصدر : موقع الكتروني