صغار يتحملون مسؤوليات الكبار.. هذا هو الوصف الذي ينطبق بشكل كبير على العشرات من أطفال ولاية المسيلة. أطفال في عمر الزهور ولجوا علم الشغل مبكرا رغم صغر سنهم وهشاشة بنيتهم، إلا أن الظروف الصعبة التي تعيشها عائلاتهم جعلتهم مجبرين على مغادرة مقاعد الدراسة من أجل إعالة أسرهم الفقيرة.فئة أخرى تستغل عطلة نهاية الأسبوع لكسب بعض الدنانير لضمان مورد مالي لمساعدة أسرهم، فهم حرموا حياة الراحة ودخلوا عالم الشقاء في سن مبكرة بينما يستمتع أقرانهم بالألعاب والرحلات، فالظاهرة انتشرت بشكل رهيب في الآونة الأخيرة بولاية المسيلة والأكيد أن عواقبها كبيرة على المجتمع المسيلي، فالقوانين التي تحارب الظاهرة موجودة غير أنها مجرد حبر على ورق لتبقى حقوق الأطفال الغائب بامتياز عن انظار السلطات بولاية المسيلة.كانت بداية جولتنا من أسواق الخضر والفواكه بعاصمة الولاية، وبالتحديد سوق الكدية، وهي سوق يومية غير مغطاة معروفة بكثرة روادها لانخفاض الأسعار مقارنة بالأسواق الأخرى. وبمجرد دخول السوق لفت انتباهنا العديد من الأطفال، حيث حاولنا الاقتراب منهم وهم يتجولون ذهابا وإيابا وسط السوق، وكانت ملامح الفقر والشقاء تظهر عليهم من خلال ملابسهم المتسخة والرثة. والملاحظ أن أغلب نشاطاتهم هي بيع الأكياس البلاستيكية إضافة إلى بيع المعدنوس.أطفال في عمر الزهور تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و15 سنة، يعمدون إلى كسب قلوب المتسوقين عن طريق بيع الأكياس البلاستيكية وكسب بعض النقود بعرق الجبين، حسبهم. اقتربنا من أحدهم وقمنا بمصافحته سائلين عن حاله فرد”لا باس الحمد لله تشري صاشي ولا؟”، فأردنا طرح بعض الأسئلة عليه لكنه تركنا وراح ينادي ”صاشي صاشي”، حيث كانت السرعة والتنافس في كسب الزبائن سمتهم الأساسية، فالتوقف للحظات قد تكلفهم فقدان زبائن، فبمجرد ملاحظة أحدهم مثقل بالخضر والفواكه يسرعون إلى دعوته إلى شراء ”الصاشي”.استمرت”الفجر” في التجول داخل سوق الكدية من أجل الظفر بالحديث مع أحد الأطفال وطرح بعض الأسئلة، حيث التقينا بأحد الأطفال وكان السؤال ما اسمك؟ فرد:م حسن، كم عمرك؟ 12 سنة. لماذا لا تدرس؟ فأجاب ”خليني ربي يسترك رايح نكمل خدمتي واش من قراية، بطلت العام الماضي” ثم ضحك.. كان يرتدي نظارات طبية وعلامات التعب بادية على وجهه، ثم رجع باتجاهنا ليقول ”كاش ما خلاونا نقراو.. وهاني خدام على دارنا، تشري الصاشي ولا لا؟”. بالرغم من صغر سنه إلا أن ملامح المسؤولية كانت بادية من حديثه، على غرار العديد من التقيناهم.الشوارع ومحطات نقل المسافرين.. أماكنهم المفضلةبعد خروجنا من سوق الخضر والفواكه بالكدية، توجهنا مباشرة لمحطة حافلات النقل الحضري باتجاه وسط المدينة، وأول ما لفت انتباهنا طفل ينادي قائلا ”هيا بن طبي،500، الجامعة، إشبيليا”، فعرفنا أن الظاهرة قد مست كل القطاعات دون استثناء دون وجود رقابة حقيقية من الجهات الوصية.وبوسط أحد أحياء ولاية المسيلة توقفنا عند إحدى الطاولات لبيع المأكولات السريعة، حيث كان يبيع ”الحمص” والبيض. تقدمنا منه فرحب بنا قائلا تفضل خويا، جلسنا بجانب الطاولة وسألناه عن اسمه وسنه، فرد رمزي، 16 سنة.. لماذا تسأل ؟.. فصرحنا بهويتنا وعن سبب توجهنا له بالتحديد فصرح قائلا: ”أنا المهم ندخل المصروف لجيبي وأنا لست صغير”. واصلنا جولتنا عبر شوارع الولاية، حيث وقفنا على العديد من حالات عمالة الأطفال بالمقاهي والمطاعم والمحلات.الورشات السكنية.. الكارثة التي تهدد الأطفال حسب العديد ممن التقيناهم، فإن الكارثة الحقيقية التي تشكل تهديدا لأطفال الولاية هي ورشات بناء السكنات الخاصة أو العمومية، حيث أكد بعض من التقتهم ”الفجر” أن المقاولين يعمدون إلى سد نقص اليد العاملة في هذا المجال عن طريق استغلال أطفال في عمر الزهور وتحميلهم مشقة أكثر من أعمارهم وبأثمان زهيدة، مبدين سخطهم من انعدام المسؤولية سواء لدى أصحاب المشاريع أوالآباء الذي يعمدون إلى حث أبنائهم على العمل في مثل هذه الورشات، التي تنعدم فيها وسائل الحماية والوقاية حتى لدى العمال الكبار، فما بالك بالصغار. محملين المسؤولية للجهات الوصية على مثل هذه المشاريع التي تعاني من نقص الرقابة.القمامة وجمع المخلفات المنزلية مصدر رزق البعضكما تعرف ولاية المسيلة عبر بلدياتها، ظاهرة انتشرت في السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة جمع بعض المخلفات المنزلية من القمامة على غرار قارورات المياه المعدنية، وكذا الحديد والنحاس والالمنيوم من أجل بيعها لمجمعي هذه الأشياء الذين يعمدون إلى استخدام شاحنة تجول عبر البلديات وجمع المخلفات والأشياء المستعملة من الأطفال لإعادة تصنيعها، مثل مادة الحديد التي يعاد تصنيعها في مركب الحجار، حيث يقوم الأطفال بجمع الحديد وبيعه بأثمان زهيدة لأصحاب الشاحنات الذين يقمون بإعادة بيعه بأثمان تفوق بكثير سعر الشراء، حيث يتعرض الأطفال الممارسون لهذا النشاط لمخاطر عديدة، خاصة من الجانب الصحي بفعل تجولهم داخل القمامات، ويتعرضون لشتى الأمراض على غرار الربو والحساسية.. وغيرها من الأمراض.التسرب المدرسي.. وراء انتشار الظاهرةبالرغم من الإجراءات والتدابير الجديدة التي اتخذتها الحكومة الجزائرية في مجال محاربة التسرب المدرسي، إلا أن هذا الأخير يعرف تزايدا مستمرا بولاية المسيلة. ويرجع ذلك إلى الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعرفها المجتمع المسيلي بسبب الفقر والبطالة التي تنتشر بشكل رهيب بالولاية، خاصة في بعض المناطق الريفية التي أصبحت لا تؤمن بتدريس الأطفال من أجل ضمان منصب عمل مستقبلي، وترى أن مستقبل الأطفال في الزراعة والفلاحة ولا سبيل آخر لهم سوى حرفة الأجداد، فتلجأ إلى دفع الأطفال إلى الخروج من المدارس في سن مبكرة من أجل ممارسة النشاط الفلاحي، فأغلبهم لا يتعدون التعليم الابتدائي، وهو ما يستدعي يدق ناقوس الخطر.الأستاذ شين الخثير:”الفقر والاحتياج وراء عمالة الأطفال”تبقى الأسباب الاقتصادية من أقوى الأسباب التي أدت الى انتشار الظاهرة، حسب شين الخثير أستاذ بثانوية هواري بومدين ببلدية برهوم، فالحالة المزرية التي تعيشها العائلات المسيلية من فقر واحتياج بسبب البطالة وانعدام مناصب عمل توفر مداخيل كافية لإعالة الأسرة، ما يضطر الآباء إلى دفع أبنائهم إلى العمل في مختلف القطاعات والأنشطة لمساعدتهم في كسب موارد مالية تلبي حاجياتهم اليومية من مأكل ومشرب وملبس، فيبقى عمل الأطفال من استراتيجيات الأسرة الفقيرة، وهو ما يفسر الارتباط الوثيق بين عمالة الأطفال وحالة الأسرة الاجتماعية. فيما يفضل البعض من الأطفال العمل لتلبية احتياجاتهم حتى وإن لم يطلب منهم الآباء ذلك من أجل فك الضغط المفروض على آبائهم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/05/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com