قال الدكتور أمين الزاوي إن العالم العربي يشهد، حاليا، بروز ما يمكن تسميته بالمثقف المتذمر، الرافض لنفاق خطاب الأنظمة بغض النظر عن كونه من اليمين أو من اليسار أو الوسط.. مثقف يريد التغيير. معتبرا أن الشارع العربي أعلن القطيعة مع قوائم العار من المثقفين العرب، الذين سوّدوا وجه الثقافة العربية، وباعوا أنفسهم للطغيان، بقبولهم مناصب سياسية أو بهرولتهم وراء دولارات الطغاة بمدح أعمال أدبية منسوبة إليهم. ومن جهته اعتبر الدكتور عمر بوساحة، أن العالم العربي مقبل على وطنية جديدة تقوم على قيم كونية، وترتبط بالإبداع بدل الدوغمائية المُسيجة التي تقصي روح الإبداع.
الدكتور أمين الزاوي لا يتصور وطنا دون مواطن
المواطنة شرط أساسي لبناء الديمقراطية
اعتبر الدكتور أمين الزاوي أن المثقفين الذين شاركوا في إحداث الحركية والتغيير في جزء من العالم العربي، هم المثقفون الشباب، من الجيل الذي تعامل مع وسائط تكنولوجية جديدة، والذين لهم مفهوم جديد للعمل السياسي. فالتجمعات والمسيرات بمفهوم الخمسينيات انتهت كما انتهى التجنيد القديم. موضحا: ''أعتقد أن العلم خدم الثورة لأول مرة في العالم العربي وأصبح بإمكان التكنولوجيا أن تقوم بتمرير خطاب سياسي تغييري صحيح''.
ويعتقد ضيف ندوة ''الخبر''، أن التكنولوجيا كانت في ما مضى استهلاكية، لكنها تغيرت اليوم، وتحولت من حالة استهلاكية إلى حالة حداثية فعالة تروم تحقيق التغيير، وهذا هو الجانب الإيجابي فيها''.
وعن سؤال حول مرجعيات التغيير في الوطن العربي، قال ضيف ندوة ''الخبر'': ''أعتقد أن المرجعية الوحيدة المتفق عليها حاليا، هي مرجعية القطيعة مع الخطاب الذي كان سائدا منذ الخمسينيات. وهي عبارة عن قطيعة مع الفكر التنظيمي التعبوي. لقد حدثت قطيعة مع أساليب عمل الخمسينيات، وفتحنا مدرسة الألفية الجديدة، وهي مدرسة جديدة للسياسة ظهرت مع جانفي .2011 وها نحن ندخل موسما سياسيا وثقافيا جديدين، وأصبح المجتمع والشباب العربي يطلب قيما خاصة وجديدة تتمحور بالخصوص حول قيم المواطنة. والملاحظ أن هذه الثورات تطالب بالمواطنة قبل الديمقراطية. أصبح الإنسان العربي واعيا بأنه لا يمكن بناء الديمقراطية دون المواطنة والكرامة''.
وحسب الزاوي، فقد تمكن الإنسان العربي من خلق قطيعة بينه وبين الرموز التقليدية. ونتج عن ذلك مطالبته برموز جديدة، تشكل اليوم رأسمال جديد من الرموز التي لها صبغة عالمية وإنسانية.
ويعتقد الزاوي أن العالم برمته بدأ يبحث عن بنك لرموز مشتركة بين الجميع، ترفض الاعتداء والاغتصاب وتؤسس لدولة القانون. وقال: ''لا يمكن تصور وطن دون مواطنة. كنا نعتقد أن تونس كانت تعرف حالة من الحداثة والتنمية، وإذا بنا نكتشف العكس تماما، فهذه الأنظمة التي ادعت الحداثة وهي تحارب المتطرفين، واستطاعت أن تكسب ود حكومات الغرب، هي في المحصلة أنظمة تقليدية وسلفية في عباءة معاصرة''. مضيفا:'' قدم الشارع العربي فصاحة سياسية جديدة، وقال يكفينا شعارات اللعب على مفهوم الديمقراطية، نحن نريد ونطالب بتحقيق المواطنة''.
وفي خضم هذه التحولات التي يشهدها العالم العربي، يعتقد الزاوي أن الشباب العربي بإمكانه أن يؤثر ويحدث التغيير حتى في منظومة التفكير الكونية، من منطلق أن العالم العربي عبارة عن خزان كبير للشباب القادر على تقديم دروس في الثورة. في وقت نجد الغرب العجوز قد أدرك أنه لم يعد قادرا على الثورة.
وبخصوص تأثير المثقفين قال الزاوي: ''الكتب تأثيرها بطيء. والكتاب يسهرون على استمرار الثورات أكثر من تحريكها. وتعود الآن صورة الروائي صنع الله إبراهيم، كواحد من الروائيين الذين ساهموا في صناعة المقاومة ببطء، لما رفض استلام جائزة الدولة التقديرية التي يمنحها نظام الرئيس السابق حسني مبارك، منذ أكثر من عشر سنوات. كما أن هشام جعيط ظل مقموعا في تونس من قبل نظام الرئيس السابق بن علي، وها هي أفكاره قد هيأت الأرضية للثورة. أعتقد أن الكتاب هم حصانة الثورة لأنهم يؤثرون ببطء في جيل يشتغل بسرعة''.
الدكتور عمر بوساحة
المثقف النقدي هيأ الأرضية للتغيير
قال الدكتور عمر بوساحة إن تأثير المثقف النقدي الذي أسس للثقافة النقدية في الوطن العربي، على مدى سنوات طويلة، بداء بعصر النهضة، بدا واضحا وجليا خلال الأحداث التي يعرفها العالم العربي.
يعتقد عمر بوساحة، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر، أن المثقف النقدي وبالأخص المثقف الحداثي، هو من أشعل شرارة الثورات العربية، وهيأ أرضيتها العامة.
أما المثقف التقليدي، فقد اهتم، حسب ضيف ندوة ''الخبر''، بإشكالات خارجة عن اهتمامات الجيل الجديد. ومنه انحصر دور المثقف التقليدي المتعارف عليه وتراجع، ليفسح المجال أمام مثقف جديد ينهل من مرجعيات كونية، ويعيش عصر ما بعد الحداثة التي تقوم على المواطنة.
كما سقط المثقف التنويري الحداثي على شاكلة الدكتور جابر عصفور، بمجرد قبوله منصب وزير الثقافة في آخر حكومة أعلن عنها الرئيس المصري السابق حسني مبارك. هذا النوع من المثقف الذي كان يترصد السلطة انتهى. وهو نفس المصير الذي عرفه كل مثقف عربي له أيديولوجية معينة، لقد همشته هذه الثورات مثلما همشت الأحزاب السياسية.
ويعتقد ضيف ندوة ''الخبر'' أن الجيل الجديد الذي يريد تغيير الأوضاع في العالم العربي له مرجعيات ثقافية غير محلية، لقد أثرت فيه العولمة بشكل لافت للانتباه، فأتى بأفكار أخرى من جهات أخرى، كما أخذ رموزا غير محلية للتعبير عن مدى انفتاحه. مردفا: ''الثقافة الجديدة الآن هي ثقافة ما بعد الحداثة، وقد تمكنت من إسقاط المراكز والمرجعيات التقليدية، وحتى الأحزاب السياسية، وهي ثقافية اتصالية أفقية تتغلغل على مستوى الشارع، وليس على مستوى عمودي نخبوي، مثلما كان عليه الحال في السابق''.
ولدى قراءته لثورتي مصر وتونس، قال الدكتور بوساحة: ''هي ثورات خالية من الرموز الوطنية التقليدية، واعتمدت بدلها على قيم المواطنة، وهذه القيمة هي التي جعلت الشباب العربي يقول إنه يريد الاهتمام بحياته وبمصيره بنفسه. لقد برزت هذه الثورات في وقت جديد، حيث أصبح بإمكان التكنولوجيا أن تنقل لك مجتمعا علمانيا وحداثيا رغما عنك، يجمع الناس خارج الأديان والأيديولوجيات''.
''لقد سقطت الحدود القديمة، حسب الدكتور بوساحة، وأصبح الشباب العربي يعيش عصره. المثقف العربي بنضاله القديم تجاوزه الزمن، حتى الأطروحات القديمة لم يعد لها معنى. أصبحنا اليوم نتكلم عن عولمة الديمقراطية، لأن الشباب العربي دخل عصره ودخل التاريخ''.
ويعتقد ضيف ندوة ''الخبر'' أن مفهوم الوطنية قد تغير، حيث يتم الانتقال حاليا من وطنية مسيجة، يُعتبر كل من حاد عنها خائنا، إلى مفهوم جديد للوطنية أصبح مرتبطا بالإبداع.
وقال: ''تحققت هذه النقلة النوعية بفضل التكنولوجيا والوسائط الجديدة التي سهلت الانفتاح على قيم كونية. أصبحنا نستهلك قيم المواطنة المبدعة التي تكسر المواطنة المُسيجة، وتُدخل الإنسان العربي عصر المواطنة من بابه الواسع، ليصبح كائنا صانعا للتاريخ، وليس كائنا يعيش على هامش التاريخ''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/03/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : أعد الندوة: حميد عبدالقادر
المصدر : www.elkhabar.com