انعكس مستوى النشاط الاقتصادي والتجاري للدولة في فترات تاريخية مختلفة على طبيعة الأسواق في تلمسان وتنوع السلع المعروضة فيها وتعددها. لقد حرص تجار المدينة على توفير كل حاجيات المجتمع الحضري والبدوي والزائرين لها من طلبة العلم أو الرحالة أو المسافرين أو التجار. علما أن تلمسان قد بلغت كثافة سكانية كبيرة في عهد الملك الزياني أبي تاشفين الأول (718-738هـ) حتى بلغ تعدادها حوالي ستة عشر ألف كانون (دار) في عهده حسب ما ذكره حسن الوزان في كتابه 'وصف إفريقية'.
تعددت أسواق الدولة الزيانية بين أسواق المدن وأسواق الأرياف، وبين الأسواق الي
ومية وأسواق الأرياف، وبين الأسواق اليومية والأسواق الأسبوعية، وبين الأسواق الكبيرة والأسواق الصغيرة. عرفت الأسواق الكبرى بـ'القيساريات' وكانت تستقطب كبار التجار من مختلف الأحياء والمدن، ومن الأجانب، وهي تحتل مواقع متميزة في مدن المملكة الزيانية.
كانت القيساريات تحتوي على عدد هائل كبير من الدكاكين والمحلات والحوانيت والرحب (جمع رحبة، وهي الساحة)، غالبا ما تكون مبنية ومسورة، ومغطاة، باستثناء رحبها التي كانت مكشوفة. والقيساريات تشكل أماكن لتخزين البضائع والسلع ولتسويقها بالجملة للتجار في غالب الأحيان، بينما يتجه عامة الناس إلى أسواق صغيرة قريبة من القيساريات لاقتناء حاجاتهم.
كانت القيساريات التلمسانية بجانب المسجد الكبير، وحوله تمتد سوق لصغار التجار تتميز بنشاطها اليومي وحيويتها، فيتردد عليها الكثير من الناس والباعة الذين تتعالى أصواتهم عارضة مختلف السلع والبضائع ملوحين بها، وأخرى مطروحة على الأرض، وبعضهم متجول يعرض سلعته على المارة محاولا جلبهم بتحسين طريقة عرض سلعته. وكان أبو عبد الله الحلوي، الولي الصالح نزيل تلمسان، يبيع الحلوى للصغار والكبار بحملها على طبق من عود ويطوف بها السوق عدة مرات في اليوم الواحد.
وقد أكد المازوني أن ' هذا العمل كان شائعا ذائعا بأسواق الدولة الزيانية، فيتفق أن يأتي أحدهم فيعرض سلعته للبيع فيكون بالسوق قوم من غير التجار يطلبون أن يشتروا من النداء'. وكانت بأقادير سوق يومية تعرف باسم 'سويقة أقادير' تباع بها مختلف السلع والبضائع، وقد ذكر الزيات أن الحبّاك مر بسويقة أجادير فوجد الخبز يباع بها، فأخذ خبزة من بائعها وعرضها مناديا على من يريد التصدق عليه فيشتريها له، وكان آنذاك قد تجرد من الدنيا وعاش عيشة الفقراء والمساكين.
وهناك أسواق عرفت بنوع النشاط المزاول فيها ، كسوق الغزل وسوق منشر الجلد، وسوق النخاسة، غير أن أشهر هذه الأسواق سوق الدواب الذي كان يمول من طرف مربّي الحيوانات من مختلف المناطق. وذكر حسن الوزان أن ' سكان مدينة وجدة [ قبل سقوطها في قبضة المرينيين] كانوا يمولون هذه السوق بأعداد معتبرة من الحمير الجيدة والبغال المهجنة'. وقد بيعت هذه الدواب في السوق إلى جانب الخيول والجمال، وقصدها كل من كان في حاجة إلى حيوانات لأشغال الفلاحة أو نقل البضائع أو السفر.
أما سوق النخاسة لبيع العبيد والإيماء، فقد اشتهرت بها مدينة وهران. وكان طهور مثل هذه الأسواق نتيجة لتطور الجهاد البحري في البحر المتوسط من جهة، وتجارة الرقيق مع السودان من جهة أخرى. وصف الوزان هذا الوضع بقوله ' أن التجار كانوا يجهزون على الدوام سفنا شراعية، وأخرى مسلحة يمارسون بها القرصنة يجتاحون سواحل قطلونيا، وميورقة، حتى أصبحت المدينة تزخر بالأسرى المسيحيين' 1.
1 : أنظر: ابن الزيات، أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي، التشوف إلى رجال التصوف، تحقيق: أحمد توفيق، الرباط: منشورات كلية الأداب والعلوم الانسانية، ط 2، 1997.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com