الجزائر

أستاذ القانون الدستوري و نائب عميد كلية الحقوق بجامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس الدكتور محمد الأمين بولوم ل " الجمهورية



أستاذ القانون الدستوري و نائب عميد كلية الحقوق بجامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس الدكتور محمد الأمين بولوم ل
هل يمكن في البداية أن تعقد لنا مقارنة حول مكانة المرأة الجزائرية في بعض الدساتير السابقة ؟ و ما هو الدستور الذي بدأ بإنصافها ؟ و الذي أثرىحقوقها ؟ في البداية تحية خالصة لكم في جريدة "الجمهورية " التي تعتبر صرحا إعلاميا رائدا في الجزائر ونتمنى لكم التوفيق في عملكم النبيل . بالعودة إلى سؤالكم الذي تفضلتم به الواقع أن حقوق المرأة في الجزائر لم تعرف طفرة كبيرة كتلك التي عرفتها في الآونة الأخيرة خصوصا بعد التعديل الدستوري لسنة 2008 و كذلك المراجعة الدستورية الأخيرة في 2016 وإن كان هذا لا ينفي قيام الدولة بمجهودات كبيرة على هذا المستوى منذ فترة وإن تخلفت الدساتير الجزائرية في السابق عن الإشارة لحقوق المرأة إلا أن وضع المرأة في الجزائر لم يكن أبدا محل نقاش خاصة من حيث الاعتراف لها بمكانتها الهامة والمتميزة داخل المجتمع الجزائري لأن المرأة كان دورها حاسما وقويا في مختلف المحطات التي مرت بها بلادنا سواء قبل الاستقلال أو بعده فقد شاركت إلى جانب الرجل وحملت معه السلاح في مقارعة الاحتلال و بعد ذلك ساهمت في مسيرة البناء والتشييد للدولة الجزائرية الفتية حيث تقلدت المناصب والمسؤوليات ووضعت بصمتها بكل فخر و اعتزاز في عملية إرساء أسس الدولة المتينة والقوية وأثبتت كذلك وقوفها إلى جانب وطنها لما مرت الجزائر بسنوات الأزمة ، إذن كل ذلك يؤكد أن المرأة الجزائرية كانت دائما حاضرة وبقوة إلا أنه بالمقابل ينبغي الاعتراف بأن المرأة الجزائرية وعلى الرغم مما قدمته للجزائر إلا أن حقوقها كانت منقوصة كذلك في بعض الأحيان خاصة من جانب حمايتها وكذا الضمانات القانونية التي يتعين أن تصان من خلالها هذه الحقوق وهي مطالب رفعتها المرأة في أكثر من مناسبة وفي مختلف المحافل الوطنية خاصة عن طريق المنظمات والجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة وقضاياها ، والحقيقة أن ذلك شكل عبئا كبيرا على عاتق الدولة خاصة أمام تعدد الأولويات وبالخصوص التحدي الأمني ومن ثم الاقتصادي والاجتماعي وربما يمكن أن نسجل أول التفاتة رسمية عندما تم إنشاء وزارة تعني بشؤون الأسرة وقضايا المرأة وإن كانت نوعا من الحماية السياسية لحقوق المرأة وتأكيدا من الدولة على هذا الاهتمام إلا أن ذلك كان كذلك إشارة قوية على أن الدولة بدأت تفكر بحق وبجدية في الاعتماد على المرأة في المراحل القادمة بالقياس على نسبة تمثيلها الكبيرة داخل المجتمع وما التعديل الدستوري لسنة 2008 إلا انطلاقة حقيقية للتأكيد على هذه الحقوق ليس فقط من خلال الاعتراف بها بل أكثر من ذلك ترقيتها من خلال توسيع حظوظ المرأة داخل المجالس المنتخبة وهو الأمر الذي تجسد في الواقع بعد الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة . معلوم أنّ التعديل الدستوري ل 2008، أكد إرادة الدولة في العمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة، وقد أحال على قانون عضوي تحديد الآليات التي يتحقق بها ذلك. فما الذي أضافه الدستور الجديد علما أنها تمكنت سابق من الاستفادة من صندوق النفقة و أيضا تجريم العنف ضدها ؟ في الحقيقة سؤالكم في غاية الأهمية لماذا لأنكم انتهيتم بالإشارة إلى صندوق النفقة وكذا تجريم العنف ضد المرأة وهنا لا بد من القول أن الدولة وحتى تؤكد عزمها وحرصها الكبيرين على تدعيم وحماية العنصر النسوي لم تكتف فقط بدسترة حقوق المرأة وخاصة السياسية منها بل أمتد الأمر إلى أبعد من ذلك من خلال وضع آليات اجتماعية وكذا قانونية لأجل إثبات هذا الاهتمام ، في حين لابد من التأكيد أن التجربة الجزائرية التي أرسى أسسها التعديل الدستوري لسنة 2008 وكذا المراجعة الدستورية لسنة 2016 تبقى مهمة ورائدة عموما مقارنة بتجارب الآخرين حتى في أنظمة الدستوريات الغربية التي طالما نتغنى بها ونحاول كثيرا تقليدها واليوم لما نطلع على نص المراجعة الدستورية كذلك سندرك مباشرة أن التزام الدولة تجاه هذه الفئة أصبح أمرا واجبا بحكم أن أعلى نص في المنظومة القانونية الجزائرية وهو الدستور أصبح يفرض تطبيق هذه الحقوق ميدانيا ولعل الإضافة الجديدة التي حملها الدستور مؤخرا هي توسيع حظوظها كذلك في مجال التشغيل ومساواتها بالرجل ودون تمييز خاصة تلك المهن والوظائف التي ظلت دائما حكرا على الرجل وهنا دعيني أبشرك ومن خلالك المرأة الجزائرية عموما أن القادم سيكون أحسن وأكبر مما تتوقعون فالمكاسب القانونية المنتظرة للمرأة في المستقبل خاصة على المستويين القريب والمتوسط ستكون دون شك كبيرة لأنني أرى أن المنظومة القانونية التي تخدم المرأة و تتناول انشغالاتها ستتعزز أكثر وأكثر وهو ما يفهم من أحكام الفقرة الثانية من المادة 31 مكرر عندما تنص على أن الدولة " ستشجع ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات " إذن النص واضح ولا لبس فيه فالشكل الذي وردت به صياغة المادة 31 مكرر في فقرتها الثانية تؤكد الطرح الذي ذهبنا إليه في هذا الصدد . نظام الحصص الإجباري الذي تبناه المشرع الجزائري في القانون العضوي رقم 12-03، المؤرخ في 12 جانفي 2012 مكّنها من المشاركة الواسعة في المجالس المنتخبة لكن يبدو حضورها ضعيفا نوعا ما فهل هذا مرده إلى قلة معرفة المرأة بالقوانين ؟ أم أن هذه القوانين لم تجد التطبيق الفعلي حتى داخل الأحزاب مثلا ( فرص الترشح على سبيل المثال و تقديم الرجال عليها )؟ لو عدنا مثلا لهذه التجربة عند بدايتها أي عندما تم تفعيل النص الدستوري عن طريق القانون العضوي 03-12 الكثير من المتابعين للشأن القانوني وحتى السياسي بشكل عام لم يكونوا متحمسين كثيرا للفكرة خاصة أن القانون العضوي المتضمن ترقية الحقوق السياسية للمرأة أجبر الأحزاب السياسية على ضرورة تمثيل المرأة تمثيلا حقيقيا وفعالا بنسبة 30 % داخل القوائم الانتخابية سواء في المحليات أو التشريعيات إذن التجربة في بدايتها كانت مثيرة لكنها أثارت بالمقابل التخوف لا من حيث الخصوصيات الاجتماعية ولا من حيث جرأة المرأة السياسية وتقدمها للانتخابات إلا أن الواقع العملي خالف كل التخمينات وكانت المر أة موجودة وأثبتت بكل جدارة وعيها السياسي الكبير وأدركت حجم التحديات التي باتت تواجهها في عالم اليوم الذي بات يفرض الاهتمام بهذه الفئة المهمة داخل المجتمع وهي ممثلة كما تعلمون بشكل واقعي في مختلف المؤسسات الوطنية كالمجلس الشعبي الوطني أو المجالس المحلية البلدية والولائية وهي تشارك مثلها مثل الرجل في مختلف الهياكل واللجان ... الخ ، إلا أن الملاحظة التي تقدمتم بها حول ضعف حضور المرأة قد يكون ذلك صحيحا لكنه يبقى بالمقابل نسبيا فعلينا أولا أن ندرك أن التجربة هذه مازالت في مرحلة انطلاق ولا بد لها من وقت وعمل ومجهود إضافي كذلك حتى يمكننا القول أننا حققنا الهدف المطلوب من هذه الثورة القانونية التي تهدف لضمان حقوق المرأة وحمايتها وإنصافها قانونيا واجتماعيا ، إذن علينا أن لا نستعجل الأمور ونترك عامل الوقت ليحكم في النهاية وبنظري الأمور تمشي بشكل طبيعي بالشكل المنتظر والكثير من الأشقاء والأصدقاء حتى في الديمقراطيات التقليدية يحسدوننا على هذه التجربة . أما بخصوص تسبيق الرجل على المرأة داخل الأحزاب السياسية فقد لا أشاطركم الرأي في ذلك فالواقع يقول أن الجزائر لديها الكثير من الأحزاب السياسية التي تقودها نساء وهو الأمر الذي يعزز الطرح الذي قلنا به سابقا وهو أن المرأة أصبحت تدرك فعلا أن دورها لا يقل أبدا عن دور الرجل في الحياة العامة وعلى مختلف الأصعدة وعلينا كذلك أن نشير إلى أن مسألة الترشيح في القوائم بالنسبة للمرأة هي مسألة إجبارية وليست اختيارية بالنسبة للحزب السياسي ، فوجود تمثيل معين للمرأة داخل القائمة شرط جوهري لمرور القائمة تحت طائلة رفضها وبالتالي علينا ألا نقلل من النتائج المسجلة بل علينا تثمينها والتشجيع على المواصلة في هذا الطريق .رغم ما تحقق للمرأة في مجال المشاركة السياسية فإن تمثيلها في المجلس الشعبي الوطني لا يتعدى 8 بالمائة فبرأيك ما مرد ذلك علما أن بعضا من المتتبعين لشؤون المرأة يقولون أنه رغم ما تضمنه الدستور من حماية لحقوقها فإن الأمر لا بد أن يتبع بقوانين تطبيقية تحصن هذه الحقوق في نظرك كيف يمكن للمشرع إضافة هذه النصوص القانونية و آليات تطبيقها ؟ الواقع أن تفعيل النصوص الدستورية التي تخص المرأة قد تم تفعيلها والدولة بنظري لم تتراخ قيد أنملة في هذا الشأن وسبق وقلت أن القوانين المنتظرة في هذا الإطار سترى طريقها إلى حيز الوجود دون شك وفق ما يفيد به آخر تعديل ل 2016 و الذي يدعم هذا الطرح لكن كذلك علينا أن ندرك أن عملية وضع النصوص موضع التطبيق كذلك تستدعي وقتا ومجهودا وكذلك إجراءات سواء على مستوى الحكومة التي ستعكف على إعداد مشاريع القوانين أو على مستوى البرلمان بغرفتيه أي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة ، ثم النظر في مدى مطابقتها للدستور خاصة إذا كانت من صنف القوانين العضوية ومن ثم تجد طريقها للإصدار من طرف رئيس الجمهورية ، وبالنتيجة نشرها ليتم أخيرا وضعها موضع التنفيذ وعليه لا بد لنا كذلك ألا نستسهل الأمور بل علينا أن ندرك أن الرغبة في الدفع بحقوق المرأة قدما موجودة ولا مواربة فيها لكن بالمقابل علينا أن ننتظر قليلا حتى يتسنى وضع النص في إطاره الصحيح بما يخدم الفئة الموجه إليها بالشكل المطلوب . يؤكد فريق آخر أن الجزائر رائدة عربيا في مجال حقوق المرأة و رعايتها ، فهل ما يتحقق للمرأة في الجزائر مرتبط بالتحولات الحاصلة في العالم العربي؟ أم اجتهاد جزائري لم يتأثر بالتحولات الحاصلة في الإقليم ؟ أولا علينا أن ندرك أنه مخطئ من يعتقد لبرهة أن الجزائر لا تتأثر بما يحدث من حولها ومن يشك في ذلك أنصحه بالعودة لما قاله فخامة السيد رئيس الجمهورية في خطابه الموجه إلى الأمة في أبريل 2011 والذي أشار فيه إلى أن الجزائر " تؤثر وتتأثر بما يحدث حولها " وهذا بنظري طبيعي جدا لأن الجزائر ليست منعزلة عن العالم بل هي جزء لا يتجزأ منه ولها دورها ومكانتها و كذلك لها تجربتها الخاصة ، لكن من يقول أن التحولات التي حصلت في العالم العربي كانت سببا في ذلك هو مخطئ تماما وبعيد كل البعد عن الواقع وغير مطلع جيدا على تاريخ الجزائر فسبق أن أسلفنا أن المكانة والحظوة التي تعنى بها المرأة في الجزائر ليست وليدة اليوم أو وليدة أحداث وإنما وليدة مسيرة بأكملها من قبل الاستقلال وبعده وإلى يومنا هذا وعليه ما يتم اليوم ما هو إلا استكمال لما تم الانطلاق فيه منذ عقود و الحقيقة تقال أن الكثيرين معجبون بتجربتنا ويحاولون تطبيقها في دساتيرهم وقوانينهم وندرك جيدا أن الجزائر ساهمت في مساعدة كثير من الأشقاء في تطوير تجاربهم الدستورية وهم لا ينكرون ذلك وعليه يمكننا أن نقول ربما نحن من أثرنا في غيرنا وليس العكس .تشريعيا و قانونيا أي صورة ترسمها للمرأة الجزائرية مستقبلا و هل لا تزال أمامها حقوق أخرى ( و أنت أدرى بالقانون) يجب أن تناضل من أجلها ؟ دعيني أطمئن المرأة الجزائرية لأقول لها أن المستقبل لن يكون أبدا بدونها بل من خلالها و بها كذلك والمنتظر من المرأة الكثير لوطنها فهي قدمت ولاتزال تقدم وستظل كذلك لأن المرأة شئنا أم أبينا ستبقى دائما وأبدا هي الركيزة الأساسية التي تبنى عليها المجتمعات ، أما من حيث الحقوق فقد نالت كثيرا وأعتقد أنه ما زال ينتظرها الكثير من الحقوق التي ستنالها مستقبلا.وبالقابل دعيني أقف على ملحوظة مهمة في هذا الإطار وهو أننا لا ينبغي فقط أن نركز على الجانب التشريعي بل أيضا الممارسة والإرادة السياسية كذلك والتي أعتقد أنها موجودة ومصممة على المضي بخطى ثابتة في هذا الإطار خصوصا أن المرأة الجزائرية حققت الكثير لصالحها من 1999 إلى يومنا هذا بفعل السياسة الرشيدة لفخامة رئيس الجمهورية ، ومن هنا أظن أن الأمور تسير في الطريق الذي ينبغي أن تكون فيه وكذلك النضال يبقى دائما مطلوب مادام الهدف المنشود والمبتغى هو تحقيق الصالح العام .




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)