الجزائر

أسئلة الحراك العربي


أسئلة الحراك العربي
تمارس الكثير من التحليلات نوعا من التبسيط أو التسطيح للحراك العربي حين تقتصر في مناقشته على الحقل السياسي، وكأن معاناة الإنسان العربي سياسية فقط، فبالرغم من أن الشعار الذي ظهر بقوة في مختلف البلدان هو: الشعب يريد إسقاط أو تغيير النظام.بعد أربع سنوات من الحراك العربي هل من حصيلة يمكن رصدها؟لا يخفى على أحد ما عرفته المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة من أحداث غير معهودة ولا متوقعة من قبل أغلب الخبراء والمحللين، والتي اختلفت الآراء حول طبيعتها وكيفية وصفها، تبعا لنظرية المركز والأطراف أو موقع المتحدث من الأنظمة الحاكمة، فقد اعتبرها المعارضون ثورات شعبية وربيعا عربيا وآفقا للانعتاق وللتغيير الإيجابي.. بينما وصفتها بعض الأنظمة السياسية القائمة بالعمالة والمؤامرة وتنفيذ أجندات أجنبية وغير ذلك مما اعتادت هذه الأنظمة على تسويقه في كثير من الحالات المشابهة، ورغم أن ثلاث أو أربع سنوات في تاريخ المجتمعات ليست بالشريحة الزمنية التي تسمح بالتقييم الموضوعي واستخلاص النتائج الدقيقة حول هذا الحراك، إلا أنه من الضروري طرح مسألة التقييم للنقاش والمدارسة قصد المقاربة ومحاولة الفهم لما يحدث، ومن خلال متابعتنا للأوضاع العربية منذ بداية الحراك الاجتماعي يمكننا تسجيل الملاحظات العامة التالية:- أولا: اختلفت حدة هذا الحراك من دولة لأخرى فما حدث في تونس يختلف عما حدث في ليبيا والأمر نفسه بالنسبة لسوريا ومصر والعراق والبحرين.. فلكل قطر عربي معطياته التاريخية والاجتماعية والسياسية الخاصة التي تجعل مسار الحراك فيه يتمايز عن غيره.- ثانيا: اختلاف حدة الحراك من دولة لأخرى تختلف معه بالضرورة النتائج والمآلات، ولئن كان التغيير في بلداننا مطلبا شعبيا مشروعا ولا يختلف حوله اثنان، فإن طريقة هذا التغيير وحجمه وإمكانية حصوله والهدف المرجو منه تطرح العديد من الإشكاليات التي تترتب عنها مجمل الاختلافات المولدة للخلافات، والتي قد تصل –ووصلت بالفعل في بعض البلدان- إلى الصراع المسلح والاقتتال وما رافق ذلك من تخريب واضطهاد وفساد وتهديد للوحدة الترابية لهذه البلدان، كما يحدث يوميا في العراق، سوريا، ليبيا واليمن، على خلاف المسار الإيجابي والفعال الذي اتخذه التغيير في تونس والدروس المفيدة التي صنعتها هذه التجربة الديمقراطية الفتية من خلال التغيير السلمي والانتقال السلس للسلطة ثم مؤخرا تجاوز المرحلة الانتقالية بانتخاب مختلف الهيئات التشريعية والتنفيذية وفقا للإرادة الشعبية.- ثالثا: إن ما حدث في بعض البلدان العربية لا يعني أن البلدان الأخرى غير معنية بمثل هذه الأحداث، فالتغيير سنة كونية، وأمر ضروري لتحسين الأوضاع لاسيما المتعلقة منها بالحريات والممارسة الديمقراطية، ذلك أن هذين المطلبين ملحين في مختلف البلدان العربية، ولا مجال للمزايدة حولهما، فكل البلدان العربية دون استثناء تعاني من نقص فادح بشأنهما، ففي أحسن الأحوال هناك ديمقراطية شكلية وحريات محاصرة، وهشاشة كبيرة لمؤسسات المجتمع المدني، ومن ثم فما حدث في تونس والعراق وسوريا وليبيا والبحرين ومصر، كان يمكن أن يحدث، وقد يحدث مستقبلا في الجزائر أو المغرب أو الأردن أو حتى في دول الخليج العربي، ولا توجد دولة عربية يمكن اعتبارها بمنآى عن المطالبة الشعبية بالحريات وحقوق المواطنة.- رابعا: تمارس الكثير من التحليلات نوعا من التبسيط أو التسطيح للحراك العربي حين تقتصر في مناقشته على الحقل السياسي، وكأن معاناة الإنسان العربي سياسية فقط، فبالرغم من أن الشعار الذي ظهر بقوة في مختلف البلدان هو: الشعب يريد إسقاط أو تغيير النظام، إلا أن قراءة التاريخ الحديث لهذه البلدان- أقصد منذ استقلالها- تجعلنا ندرك حجم النقائص التي يعانيها الإنسان العربي في مختلف الميادين بداية بأبسط الحقوق كالحق في التعليم، السكن، العلاج، الشغل، التعبير بحرية عن الرأي والمعتقد، حتى وإن حصل مواطنو بعض الدول خاصة ما يعرف بدول البترو- دولار أغلب حقوقهم المادية إلا أنهم يعانون نقصا فادحا على المستوى الفكري، فهم يعيشون حداثة مادية في أرقى صورها، دون ما يفترض أن يرافقها من حداثة في التصورات وطرائق إنتاج الأفكار، وما يترتب عن ذلك من تغيير في الأحكام والمواقف من مختلف قضايا الإنسان والطبيعة.انطلاقا من هذا الوضع، فإنه من الخطأ تقزيم مطالب الإنسان العربي ورميها في الحقل السياسي دون سواه لأن هذه المطالب تتعلق بالاقتصاد، السياسة، الدين، القيم والتربية وغير ذلك من كل ما من شأنه تحديث الوضع الاجتماعي العربي ماديا وفكريا.- خامسا: نسجل بكل أسف ما حصل ويحصل في بلداننا من عنف وعنف مضاد تسبب في إزهاق أرواح أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم طالبوا برفع الغبن والاستبداد والظلم عنهم، فقد قدمت الشعوب العربية تضحيات جسيمة للخروج مما هي عليه، إذ فقدت كثيرا من أبنائها وفقدت ممتلكاتها التي دمرت، وعانت طويلا –ولا تزال تعاني- من الفساد والاضطراب والخوف واللاأمن ..الخ، ذلك أن طريق التحرير والتنوير طويل عسير ولكن نتائجه آتية لا محالة حينما تتوفر الإرادة الخيّرة والعمل الدؤوب والفكر المسدد، وهي شروط ضرورية لنجاح العملية التغييرية وتحقيقها لأهدافها النبيلة، وفي المقابل فالثورات التي لا تقودها الأفكار أو النصوص المرجعية يستولي عليها اللصوص-كما يقول الدكتور عبد الرحمن بوقاف- والذي حدث للأسف الشديد في الحالة العربية هو نوع من التلاعب بالقضايا الحقيقية للشعوب واستغلالها من قبل جهات أكبر من هذه الدول، فالمشكلة السورية أضحت أكبر بكثير من سوريا بالنظر لمختلف الأطراف الأجنبية المتدخلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيها، وما قيل عن الوضع في سوريا يقال عن باقي الدول العربية ..الخ.إن هذه الملاحظات العامة لا تقدم إجابات بقدر ما تؤسس لمشاريع أسئلة قد تمكّن الإجابات عنها من فهم الوضع، وقد قال أحد المفكرين: ”إذا أردت أن تسيطر ينبغي أن تفهم أولا”.علينا أن نتساءل: لماذا سلكت التجربة التونسية مسلكا سلميا هادئا مقارنة بالدول العربية الأخرى؟ ألا يمكن تبرير ذلك بالتوجه الذي انتهجته تونس خلال فترة حكم الحبيب بورڤيبة؟ وفي المقابل أليس ممكنا تفسير العنف الفظيع الذي تعيشه ليبيا بالتسلط الذي عاشه الليبيون طيلة حكم القذافي؟ وما يحدث في مصر ألا يمكن عده استمرارا لحكم العسكر الذي لم تعرف مصر منذ استقلالها غيره إذا استثنينا طبعا فترة حكم الرئيس محمد مرسي التي لم تتجاوز سنة واحدة؟ ثم لماذا لم يستطع الإخوان الصمود في حكم مصر؟ مثلما لم تستطع النهضة في تونس تكرار سيناريو فوزها في الانتخابات التي أعقبت هروب الرئيس بن علي؟ هل يرجع فشل الأحزاب الإسلامية لأسباب خاصة بها كنقص الخبرة في الممارسة السياسية أو حاجتها إلى اجتهادات فقهية جديدة لتطبيق برامجها السياسية؟ أم أن الفشل ناتج عن تخوف دهاليز الأنظمة الحاكمة وفلولها من الإسلاميين وبالتالي العمل على عرقلتهم بأية طريقة كإلغاء المسار الانتخابي أو الانقلاب على الإرادة الشعبية..؟ أم أن فشل الأحزاب الإسلامية مرده قناعة وإرادة شعبية مثلما حدث مع ما سمي بالتكتل الأخضر في التشريعيات الجزائرية الأخيرة، ومع حركة النهضة في تونس خلال التشريعيات والرئاسيات الأخيرة واعتراف ممثليها بالهزيمة؟ ثم كيف نفسّر نفاق الغرب ومكاييله المختلفة في التعامل مع هذا الحراك العربي؟ كيف ينبغي أن نفهم تدخله العسكري المباشر في العراق وليبيا وإحجامه عن التدخل المباشر في سوريا واليمن؟ هل الأمر يتعلق بقدرة الدول التي تدخل فيها عسكريا على دفع مصاريف هذا التدخل أم أن هناك توازنات أخرى؟ الوضع معقد وخطير والمستقبل باهت ومفتوح على ممكنات كثيرة، وهذه الممكنات يمكن أن تصب في مصلحة الشعوب وفقا لدرجة الوعي والإرادة الذين تمتلكهما هذه الشعوب المطالبة بالصبر والثبات وترشيد حركتها حتى لا يحيد بها الانتهازيون عن أهدافها، أما الأنظمة الحاكمة فهي مطالبة بالإصغاء أولا لصوت الشارع واعتبار المجتمع عبر مختلف ممثليه شريكا أساسيا، ومن ثم الاستماع لانشغالاته وتفعيل دوره في مختلف القضايا والسعي في تحقيق هذه الانشغالات بصورة سريعة وجادة، والتوقف عن سياسة القفز على المشكلات بدل مواجهتها، واستصغار الشارع واستغباء الشعب لأنها سياسة لم تعد مجدية ولا ممكنة، والوقائع المؤكدة كثيرة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)