الجزائر

أزمة الأحزاب السياسية في الجزائر .. الأمية الحزبية في مسرحية ديمقراطية



أزمة الأحزاب السياسية في الجزائر .. الأمية الحزبية في مسرحية ديمقراطية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإصلاحات السياسية في الجزائر وما هو أفضل دستور؟ ومن هو أفضل حزب يمكنه أن يحكم؟ وما هو أفضل نظام سياسي يمكن انتهاجه؟ وكيف سيكون مصير الشعب الجزائري بعد هذه التعديلات وهل ستتحقق العدالة الاجتماعية التي يحلم بها المواطن الجزائري منذ الاستقلال؟
المسار الديمقراطي في الجزائر هو مثل المسرحية التي تجري وقائعها على خشبة مهترئة في غياب الجمهور، والمشكلة أن لا المخرج المسرحي ولا الممثلين يملكون القدرة على الترويج بأهمية هذه المسرحية الديمقراطية، وذلك رغم الإشهار الكبير الذي يقدمه المخرج من إعطاء الانطباع بأن العملية الديمقراطية فيها من الحيوية ما تبعث على التفاؤل خصوصا بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن رغبته في إجراء ''ترسيخ ديمقراطي''.
إن الملاحظ لعمل الأحزاب السياسية في الجزائر إن جاز تسميتها كذلك يمكنه أن يتبين بسهولة حقيقة الأزمة التي تعاني منها هذه الأحزاب وهي غياب المعنى الحقيقي للحزب سواء على مستوى الممارسة أو على مستوى الإطار القانوني الذي ينظم عمل الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى غياب اللغة السياسية والاجتماعية المبدعة والمقنعة في الخطابات المتماثلة والمتكررة والمملة التي ترددها الأحزاب، خصوصا في المناسبات الانتخابية، تلك الخطابات الكارثية ''الأضحوكية'' التي لم توضح للناخب أهمية مشاركته في الحياة السياسية وإحساسه بالمواطنة وحقه في إبداء رأيه بكل حرية وبمنتهى الصراحة تجسيدا للديمقراطية التي هي حكم الشعب، أحزاب تخاطب الشعب بلغة لا يفهمها من خلال الخطابات الهزلية المنفرة الخالية من اللغة الصحيحة وفنيات الخطابة وتوظيف المصطلحات والأفكار العلمية، تلك الخطابات الحماسية القديمة الخالية من الإبداع، تلك الخطابات المليئة بالعقليات والأفكار المتحجرة المتجمدة وكأنهم يعيشون في عالم آخر، تلك الخطابات التي تدخل في إطار التسول السياسي المترشح وكأنه متسول يتسول من أجل صوت يمنحه له أحد المواطنين هنا وهناك تلك الخطابات البدائية الجاهلية التي لا تبين للمواطن مدى أهميته وقدوسية مكانته وصوته مما كرس عزوف المواطن عند كل موعد انتخابي خاصة موعد الانتخابات البرلمانية، بل هي خطابات بعيدة كل البعد عن الواقع، خطابات خرافية تحمل وعودا كاذبة كما قال أحد المترشحين إنه إذا أصبح ''نائما'' عفوا ''نائبا'' في البرلمان سيفوز المنتخب الوطني لكرة القدم بكأس العالم، أو ذلك المترشح الذي وعد بتزويج كل شباب الجزائر دفعة واحدة.. بعيدا عن الوعود الكاذبة والواهية كجعل التصويت للأحزاب ''ذات المرجعية الدينية'' عبادة وواجب ديني وليس وطني بل إن الانتخاب من الإيمان، أو تلك الوعود المتعلقة بعقد معاهدات دولية حول السكن والعمل بالخارج لكل من يريد الهجرة (فهل بإمكان نائب في البرلمان أن يقضي على أزمة السكن والبطالة؟ وهل بإمكان نائب في البرلمان أن يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ وهل بإمكان نائب في البرلمان أن يحقق العدالة الاجتماعية؟!!) وغيرها من الوعود الكاذبة التي لا يمكن أن تتحقق حتى في جمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي الفاضلة.
أولئك الذين يطمحون أن يكونوا في يوم من الأيام (إن كان للحياة بقية) قادة هذا الوطن العملاق وهذا الشعب الأبي وهم غير قادرين على التواصل ومخاطبة الشعب بلغة واضحة يفهمها الجميع، بل هي مجرد ''هدرة وثرثرة'' وكلام فارغ دون معنى ''لغة هجينة'' لا أصل ولا فصل لها، لغة غريبة لا يفهمها إلا أصحابها.
حملة انتخابية من العصر الجاهلي
أما الحملات الانتخابية لتشريعات 10 ماي 2012 فهي الكارثة الأكبر، حملات انتخابية كارثية بعيدة كل البعد عن أدبيات التسويق السياسي ابتداء من صور المترشحين التي هي في أغلبها صور معدلة بال ''فوتوشوب'' إضافة إلى الملصقات المتواجدة في كل مكان ضاربة بالقانون عرض الحائط، ملصقات لا يمكن حتى النظر إليها ليس فقط بسبب الأشخاص الذين ترشحوا والذين لا يملكون أي مؤهلات تسمح لهم بالترشح، ربما لأننا نعيش في وقت أصبحت فيه السياسة وظيفة ومنصب عمل لمن لا عمل له، بل من كثرة الألوان والصور غير المعبرة التي لم ير علماء السيميولوجيا مثلها من قبل.
حملات انتخابية تبدأ بعد منتصف الليل وكأنها حرب عصابات بين الأحزاب من خلال تمزيق ملصقات الأحزاب الأخرى وتوزيع الملصقات في كل مكان حتى في الأملاك الخاصة للمواطنين، بالإضافة إلى استعمال الأطفال من أجل توزيع الصور والمناشير.
إن عمل الأحزاب السياسية ليس تقديم أطروحات وأفكار منتهية الصلاحية أو تقديم أفكار لا فائدة منها وتقديم خطابات طوباوية مثالية غير صالحة للتطبيق، فما يهم الشعب الجزائري ليس تلك الملصقات وتلك الخطابات المملة وتلك الوعود الكاذبة وتلك الشعارات الزائفة، بل ما يهمه هو كيف ومتى يتحقق مشروع المجتمع وكيف ومتى تتحقق العدالة الاجتماعية وكيف ومتى يصبح المواطن مواطنا حقيقيا يتمتع بكل حقوقه من أجل القيام بواجبه تجاه الوطن.
أحزاب سياسية أم جمعية أشرار؟!
قبل أن تتحدث الأحزاب السياسية في الجزائر عن الديمقراطية يجب أن تتحدث عن إتاحة الفرصة للشباب وأصحاب الكفاءات التي أصبحت طعما لسمك القرش في عرض البحار، فالديمقراطية في غياب وجود أحزاب سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع، أحزاب سياسية أشبه بجمعية أشرار ليس لها خارطة طريق، أحزاب سياسية مناسباتية تظهر كل استحقاق انتخابي ثم تختفي، أحزاب سياسية تنادي بالتداول على السلطة وهي لا تعرف ما معنى التداول بل يعرفون معنى التجذر في الحكم، أحزاب سياسية وكأنها حزب واحد متعدد أو الحزب الواحد ''المتكاثر'' فكل الأحزاب متشابهة في شكلها وخطاباتها بل حتى تسمية بعض الأحزاب هي تسمية مستوردة من الخارج، أحزاب سياسية لا تفرق بين المقدس والمدنس بين الدين والسياسة بل ترى أن الدين هو السياسة والسياسة هي الدين، يقول أرسطو إن ''الكل يتكلم في السياسة لكن لا يفهمها أحد'' وهو ما ينطبق على هذه الأحزاب فهي أحزاب لا تدري ما تفعل مع أنها تدري أنها لا تدري، أحزاب سياسية وكأنها جمعية أشرار دستورية معترف بها قانونا، أحزاب تتحارب وتتقاتل من أجل مناصب عليا على حساب راحة المواطن الذي يجري وراء لقمة العيش، أحزاب سياسية ترفع شعار ''ديمقراطية دون ديمقراطيين''، أحزاب في سبات وعطلة سياسية طويلة الأمد ومدفوعة الأجر، أحزاب انعدم فيها التداول حتى تحولت إلى أحزاب شخصية تزول بزوال الأشخاص، أحزاب عاطلة عن النشاط السياسي تتحين ظهور استحقاقات انتخابية لتنشط وتدخل ''مسابقة التسول من أجل المناصب''، أحزاب تعاني من تصدعات وانشقاقات داخلية نظرا لغياب رؤية واستراتجية وبرنامج حزبي واضح، وما أكثر الأمثلة على هذه الانشقاقات والتصدعات الحزبية على غرار حركة النهضة وحزب جبهة التحرير الوطني الذي برزت فيه الحركة التصحيحية بداية من 2003، أو مع حزب حركة مجتمع السلم وغيرها من ''شبه الأحزاب ذات الطابع السياسي'' أو تلك الأحزاب التي ظهرت قبل يومين من الانتخابات التشريعية وأرادت أن تصل إلى الحكم، أحزاب موجودة على الورق فقط، أحزاب ليس لها تمثيل على مستوى كل التراب الوطني، فمن أبسط سمات الحزب أن يكون ممثلا في جميع أرجاء الدولة التي ينشط فيها وأن يشمل نشاطه كل التراب الوطني.
يمكن القول إن السعي نحو الديمقراطية المشاركاتية في الجزائر قائم على نظام جودة سياسية وهندسة سياسية مؤسساتية تكرس حقوق الإنسان وأمنه، وتكرس حق المواطن في التغيير والتعبير وبناء شبكة من المؤسسات المساعدة على تكريس التعددية المدنية والحزبية الحقيقية من أجل إنتاج تمثيل وطني ومحلي يتميز بالاستقلالية والمبادرة بشكل يضمن فعالية المواطن، لكنها عملية صعبة، طويلة ومعقدة، قائمة على التسيير العقلاني والفعال لخلق الشروط الكفيلة بضمان المتطلبات المجتمعية والسياسية وأولويات حقوق الإنسان وقدسية مكانة المواطن، مع ضرورة تغيير الأفكار والمعتقدات المنغلقة والمتحجرة من أجل أن تبقى الجزائر قوية والتذكير بأن الشعب الجزائري مازال شعبا حيا يرزق قوي الشخصية ثابت الهوية ومتجذر الوطنية بعد خمسين عاما فقط من الاستقلال.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)