تنظم وكالة الإشعاع الثقافي ومندوبية والوني بروكسل بالجزائر العاصمة، دورة سينمائية مرحلية، يتم في كلّ مرحلة تسليط الضوء على المسيرة الفنية لسينمائي جزائري تكوّن في مدارس السينما البلجيكية وساهم في إثراء الفن السابع الجزائري.
وفي هذا السياق، تمّ اختيار المخرج الجزائري وكاتب السيناريو إبراهيم تساكي لتسليط الضوء على مسيرته الفنية في المرحلة الأولى لهذه الدورة، حيث ستعرض خمسة من أفلامه في تظاهرة ''زوم حول إبراهيم تساكي''، وهذا ابتداء من 26 ديسمبر إلى غاية 30 من الشهر نفسه، وذلك بدعم من متحف السينما والمركز الوطني السينمائي الجزائري، علاوة على مساهمة الجمعية الفنية للسينمائيين ''أضواء''.
وسيكون السينمائي إبراهيم تساكي حاضرا عند عرض أفلامه، وهي بالترتيب الفيلم القصير ''محطة الفرز'' (1975)، والأفلام الطويلة ''أطفال الريح'' (1980)، ''قصة لقاء'' (1983)، ''أطفال النيون'' (1980) و''آيريون'' (2007)، وهكذا سيقترب محبو الفن السابع من بصمة تساكي واكتشاف أعماله.
كما سيتم أيضا في هذه الدورة، تنظيم ورشتين؛ الأولى مخصصة لكتابة السيناريو من تنشيط إبراهيم تساكي، والثانية تخصص لتركيب الفيديو من تنشيط حبيب تساكي وهومخرج سينمائي وخبير في برامج التركيب، بالمقابل، تنتقل هذه الطبعة ''زوم حول إبراهيم تساكي'' إلى سيدي بلعباس من 5 إلى 9 جانفي المقبل، وإلى وهران من 5 إلى 9 فيفري القادم بعد مكوثها فترة إضافية في السينماتيك بالعاصمة.
للإشارة، ولد إبراهيم تساكي سنة 1946 بسيدي بلعباس، تكوّن بمعهد الفنون والبث ببروكسل، تحصل على شهادة مخرج سنة ,1972 عيّن سنة 1978 بالمعهد الوطني للتّجارة والصناعة السينمائية بالجزائر العاصمة، لينطلق في كتابة وإخراج أفلام خيالية تحصل من خلالها على العديد من الجوائز مثل ''الجائزة الأولى في مهرجان ليل ووغادوغو'' عن فيلمه ''علبة في الصحراء''، ''جائزة النقد في مهرجان لوكارنو'' عن فيلمه ''أطفال الريح'' والجائزة الكبرى لإيسني نورغ بأغادير، و''جائزة الفوتوغرافيا في مهرجان الفيلم العربي لوهران ''عن فيلمه ''آيريون''.
أما عن أفلامه التي ستعرض في هذه المناسبة بقاعة السينماتيك، فهي بالتفصيل؛ الفيلم القصير ''محطة الفرز'' ويحكي قصة طفل صغير يدرس في بلجيكا، تنهار أحلامه بسبب توجيهه إلى التكوين المهني، فيقوم باختطاف المسؤول الأول عن الشرطة في المدينة. أمّا الأفلام الطويلة، فهي ''أطفال الريح'' هوعبارة عن ثلاثية مكونة من قصص للأطفال المنحدرين من الأوساط الفقيرة، وهي ''علبة في الصحراء'' و''البيض المطبوخ'' و''جمال في بلاد الصور''.
''قصة لقاء'' الفيلم الثالث، يحكي قصة طفل أبكم وأصم ابن فلاح جزائري وطفلة بكماء وصماء ابنة مهندس أمريكي يلتقيان قرب قاعدة لاستغلال البترول وتنشأ بينهما صداقة وثيقة، أما فيلم ''أطفال النيون''، يتناول قصة شابين جمال وكريم، أصمان وأبكمان من أصل مغاربي، يعيشان في حي متاخم للمدينة، وفي يوم من الأيام، ينقذ جمال شابة من محاولة الاغتصاب فتنمو قصص حب تهددها الكراهية العنصرية، بينما يعد فيلم '' آيريون'' (كان يا مكان)، أول فيلم روائي طويل مصور بالترقية، ويحكي قصة حب جميلة بين الفاتنة أماياس والسائح الأوروبي كلود في المدينة الساحرة، جنات.
في إطار آخر، تنظم في هذا السياق، اليوم بدار عبد اللطيف ابتداء من الساعة العاشرة صباحا، ندوة صحفية حول هذه التظاهرة.
تخلد دار الثقافة مولود معمري بولاية تيزي وزو، ابتداء من غد الأحد 25 ديسمبر وعلى مدار يومين متتاليين، ذكرى الفنان الحاج مريزق واسمه الحقيقي أرزقي شايب، أحد أعمدة أغنية الشعبي، التظاهرة التي دعت إليها مديرية الثقافة لولاية تيزي وزو ولجنة النشاطات الثقافية والفنية تعد الأولى من نوعها.
وسطر القائمون على تنظيم هذه التظاهرة الثقافية، برنامجا متنوعا يستهل بمعرض حول مسيرة وحياة الفنان وكذا عرض المقالات الصحفية التي تناولت شخصية الفنان الذي يعد مدرسة للأجيال المتعاقبة، إلى جانب عرض صور عميد الأغنية الشعبية الحاج مريزق فنانا مجددا للأغنية الحوزية ومطربا عرف كيف يحافظ على أصالة هذا الطبع الموسيقي. وتحتضن قاعة المسرح الصغير بدار الثقافة ''مولود معمري'' محاضرة تحمل عنوان ''حياة ومسيرة الحاج مريزق'' من إلقاء السيد عبد القادر بن دعماش، ومحاضرة أخرى تحمل عنوان'' الحاج مريزق، وبعث الذاكرة'' متبوعا بعرض صور الفنان. فيما سيكون جمهور عاصمة جرجرة على موعد بقاعة العروض مع حفل، مرفوق بشهادات تبرز شخصية الحاج مريزق، فضلا عن مساره الفني مع وقفة عند بوجمعة العنقيس، دفلي طارق، حسين دريس، رباح حوشين، وغيرها من النشاطات التي تخلد حياة والمسيرة الفنية لشايب أرزقي المعروف على الساحة الفنية ''بالحاج مريزق'' الذي ولد بالقصبة سنة 1912 وينحدر من أزفون ( تيزي وزو)، دخل عالم الموسيقى على يد أخيه غير الشقيق محمد خيوجي الذي أصبح مدير أعماله. وبدأ بالعزف على آلة الغيتار ثم الدربوكة قبل تفرغه لأداء الأغنية، وبعدها الطابع الحوزي الذي مزج خلاله بين الأغنية الشعبية والموسيقى الكلاسيكية.
وقام الفنان بتشكيل فرقته، حيث بدأ سنة 1929 بتنشيط العديد من الحفلات العائلية في القصبة، وفي سنة 1951 تمكن من الغناء بقاعة ''ابن خلدون'' مع ليلى بونيش، حيث أدى ''الفراجية''، ''روحي تحاسبك''، وفي سنة 1952 سجل مع شركة ''باسفيك'' أغنيته الناجحة جدا ''المولودية'' (78 د) التي كانت من كلمات الشيخ نور الدين، وضم الألبوم أغاني منها ''ناوي نشا الله نتوب'' و''ياربي سهلي مرة'' وكذا''القهوة واللاتاي'' للشاعر سيد التهامي المدغري، لتليها تسجيلات عديدة من بينها ''يا طه الأمين'' و''يا القاضي''. توفي الفنان ليلة 11 إلى 12 فيفري 1955 بالجزائر عن عمر يناهز ال43 سنة بعد مرض عضال. ويبقى الحاج مريزق ذا شعبية كبيرة، حيث كان مطلوبا جدا لإحياء الحفلات التي كانت تنظمها العائلات بحي القصبة العتيق''، حيث لا يزال في ذاكرة ممن عايشوا هذا الفنان فريد الموهبة وعنصرا من ذاكرتنا الثقافية التي يتعين علينا الحفاظ عليها لفائدة الأجيال القادمة.
ليس من السهل أن تقدم تعريفا محددا لفعل الكتابة ولكن من الصعب أكثر أن تتناول حال الكاتب قبل وأثناء وبعد الكتابة، فهي فعل حميمي جدا وشخصي، وليس من اليسير أن تقتحم عالم الكتابة أمام تشنج الكتاب ورفضهم هذا الاغتصاب بفعل حاجتهم الملحة إلى العزلة والحفاظ على تقاليدهم في الكتابة، وكذا لهول الرحلة التي يخوضونها في كل مرة يكتبون فيها ويقصدون بها أعماقهم بكل ما تحمله من مناطق مجهولة وأخرى مخيفة وثالثة قد تكون مفرحة، فكيف سيكون مصيرهم بعد العودة؟
وفي هذا السياق، ارتأت ''المساء'' أن تقترب من بعض الكتاب الجزائريين و''تستنطقهم''، علّهم يكشفون لها عن بعض محطات سفريتهم هذه، فكان ذلك مع الكاتب ومدير نشر دار الاختلاف بشير مفتي (خرائط شهوة الليل، دمية النار، أرخبيل الذباب وغيرها)، الإعلامية والكاتبة المقيمة بالقاهرة ندى مهري (أميرة النجوم والعديد من المقالات في أشهر الصحف والمجلات العربية)، الكاتب والشاعر ابراهيم قرصاص (جنازة الوردة، انجراف الرأس في شارع فايسبوك، أولاد لارمونط وغيرها)، والكاتب والناقد والمسرحي عز الدين جلاوجي (النص المسرحي في الأدب الجزائري، الفراشات والغيلان، البحث عن الشمس وأم الشهداء، حورية ورحلة البحث عن المهدي المنتظر وغيرها)...
بشير مفتي: الكتابة امرأة نعشقها بجنون وألم أيضا
ليس سهلا أن يتحدث الكاتب عن علاقته بالكتابة، فهو يشعر دائما بأنها مثل امرأة يعشقها بجنون تسكن قلبه ولا تفارقه أبدا وحتى لو فارقته بعض الوقت فهي سرعان ما تعود، وهو دائما في حالة شوق لأن تعود إليه وتكون بداخله لكي يستطيع أن يعيش ويستمر في هذه الحياة، أظن بأننا نولد فنحب الكتاب فنكتب ولا أظن أن الكتابة تأتي لشخص لا يحبها، لأنها مرتبطة بمن يشعر بأنه في علاقة عشق معها أي العشق الذي يحمل نار الإلهام ونار التدمير، وهذا يعني أن الكاتب لا يسعد في هذا الحب، بل يعيشه بقدرية بحب وبألم.
كل كتابة يتصارع فيها الضدان النور والظلام، الخير والشر، الحب والكراهية، لا توجد كتابة بيضاء بلا نقاط سوداء، ولهذا كلما كتبنا حاولنا أن نصل إلى تلك الذروة التي ينتفي فيها الصراع أو يتوقف على أن يكون صراعا لكنه من النادر أن نصل، ولهذا نبقى نكتب ونحن نحلم باليوم الذي نكتب فيه الكتاب الأخير، كتاب الذروة ذروة الحلم ونهاية الصراع وانتصار الحياة والإنسان في داخلنا وخارجنا، طبعا عندما تكتب في بلاد كالجزائر لها تاريخ خاص وعنيف وحالم، تجد نفسك متوّرطا داخل هذا التاريخ، فأنت لا تكتب فقط لتبرر معنى وجودك الفردي، ولكن لتعطي المعنى أو تبحث عنه في خراب هذا التاريخ العنيف.
ولهذا رواياتي هي أسئلة عن واقع يدمرّ في الفرد العلاقة الجمالية مع الحياة، لأن الفرد ملغى ومقصى، ويجب أن تكون تحت حماية الجماعة العائلة المؤسسة الدولة الجامع وتشعر أنّ الكلّ يطالبك بحقوق تخصّه منك وأين أنت؟ حقك وحلمك لا داعي لذلك، نعم أنا أكتب في هذا الوضع التراجيدي وضده ولكن هذا لا يعني أنني منفصل عنه أو أكرهه أو أريد أن أنتقم منه، بالعكس أنا أكتب عنه لكي أخفف من ثقله على دواخلي، فالكتابة إحساس بالأشياء تشبه الشمس التي تضيء وتجرح العينين عندما تحدق طويلا فيها.
ندى مهري: الكتابة تعيدينا إلى التوازن لأنها لحظة نور
لحظة الكتابة تتعثر بك دون تخطيط، قد تكون هواية أو عناء وقعت علي من شباك القدر، هي تشبه لحظة الحب وتدعوك إلى الإبحار نحو الداخل في زورق التأمل والصمت وفرح مستتر يغويك بميلاد نسخة أفضل منك، الكتابة تخطفك وتفصلك عن العالم الواقعي الذي تهزم فيه يوميا بسبب وعي إبداعي يجعلك مختلفا عن المألوف جراء المتفق عليه، وعي في مواجهة وعي مضاد، قد نحتاج إلى هذا الوعي المجتمعي إذا كان حقيقيا وإذا كان زائفا يرتطم به المبدع فيحاول مواجهته، وهنا تدخل لعبة الكتابة وهي عملية متعبة ومضنية وصعبة تشبه شخصا يحبك ولكنه يزعجك وهي إشارة منه لتهتم به، ففي لحظة الكتابة تعقد صفقة داخلية مع ذات مليئة بالأفكار والهواجس موصدة في شرنقة اللاوعي والكتابة هي مفتاح الشرنقة، فحين تأتيك بارقة الفكرة لن تعرف كيف تنهيها، تشعر بما قبلها وبما بعدها ومعها تشعر بالتوحد. وغالبا ما أتوقّف عن الكلام ويسكنني الصمت والحاجة إلى العزلة للإمساك بتلك اللحظة والاحتفاء بها فتكون بالنسبة لي أهم من الأكل والرجل والسياسة والغوايات كلها.. لحظة الكتابة حالة تفرض عليك طقوسا هي فاصلة بين وجع وآخر وفرح وآخر، هي لحظة سحرية تسلب قدراتك وتكون فقط صديقة للحروف، فالكتابة حالة امتلاء تعيدك إلى التوازن لأنّها ظاهرة من نور.
أمّا كوني امرأة كاتبة تواجه الطابوهات.. فهناك مقولة تقول: ''الجرأة في الطريق هي التي تقود إلى الطريق''، ومنذ زمن هدمت تلك المسلمات المفروضة على كوني أنثى لها خصوصيتها في المجتمع الذي يفرض الوصاية ويكرس ما هو حقيقي وما هو خاطئ من منظور المتفق عليه.. وانتقلت إلى كوني أنثى أحبني واحتفي بخصوصيتي كما تليق بي وتوحّدت مع فكرة الإنسان وليست فكرة النوع، وهنا يكمن الاختلاف الذي يوضح رؤى مغايرة وأفكارا مختلفة، ومن هنا لا يلتصق التطرق إلى التابوهات من منظور أنثوي، بل إلى منظور أشمل يعتمد على فكرة التغيير في المفاهيم، وكما يقول الروائي باولو كويلو ''في الواقع إنّ عددا من القواعد التي نخضع لها في أيامنا هذه ليس له أساس ومع ذلك إذا أردنا أن نتصرف بصورة مختلفة فإننا سنعد من المجانين أو من غير''.
إبراهيم قرصاص: أنا كاتب روبوتيكي لا أهتم بأحاسيس الخوف ولا اللذة
الكتابة هي طمع الإنسان في الحياة وهي كذلك مأساة كلّ سعادة يتوق إليها الإنسان الكاتب، وأنا كاتب فقدت هذه الأحاسيس من اللحظة التي ولد فيها الشّر والظّلم، إلى درجة أنني أتعامل مع الكتابة بتقنية باردة من كلّ مراد إنساني، خاصة بعدما رأيت كيف يستطيع الإنسان أن يلعب بقيم الخير والجمال من خلال ما توصّل إليه من تقنيات تتيح له تحقيق نزواته الفاسدة فوق الأرض بطريقة سهلة، تجعل خطاب العقل أكبر أكذوبة في عالم يجعل من العقل سلاحه لتدمير الإنسان، أو بالأحرى تدمير ما لا يتوافق مع أهوائه في تحقيق السعادة.
سأكون صادقا - وهو الإحساس الوحيد الذي أعترف به هنا - عندما أقول أنّني أصبحت كاتبا روبوتيكيا وما يميزني عن الروبوتيك هو ''نوعي الآدمي''، بحيث كلما حاولت أن أنفعل تحت أي عامل داخلي أو خارجي أو الإثنين معا، لا أعير لذلك اهتماما، لأنّ الإنسان لم يعد هو نفسه ذلك الإنسان الرومانطيقي أو السريالي أو الواقعي حتىّ .
هذه المتغيّرات جعلت منّي ككاتب لا أهتم لأحاسيس اللذة والخوف التي كنت أستمتع بها وهي تلازمني أثناء الكتابة وهي لم تعد تلازمني فعلا، بعدما سقطت الأوثان الإيديولوجية وكشّر الإنسان في العالم عن أنيابه وقبل لنفسه أن يعود إلى بداياته في الكهوف المظلمة والعصور الوحشية للإنسان البدائي الأوّل، لذلك فإنّ الكتابة، ليست مهنة فقط، بل هي مركز السلطة الدائمة، تلك السلطة التي تأتي أو لا تأتي عن طريق الشرعية أو اللاشرعية، فهي تبدو أكبر مهنة خداع، كونها متاحة للجميع، للجهلة والأميين والمتعلمين والعلماء والمهندسين والأطباء والسياسيين والأدباء والاقتصاديين.
عزالدين جلاوجي: الكتاب.. مولود أفرح به وأشعر بالمسؤولية تجاهه
لا أكتب في العادة حتى يتملكني الموضوع ويثير فيّ كل الهواجس التي تتملك الإنسان، يبدأ الأمر باهتمام قد يكون عابرا وبسيطا، ولكنه ما يفتأ يلح في الحضور ويقوى ويتعاظم ككرة الثلج، حتى يشكل لدي هاجسا كبيرا، يزعجني في كل أوقاتي، وكثيرا ما يوقظني ليلا مرات ومرات، ولذا لا يفارقني كراس أعده خصيصا، أسجل فيه كل ملاحظاتي عن الموضوع، أحمله معي إلى العمل وفي السيارة وينام إلى جانبي، وكثيرا ما يدفعني ذلك إلى قراءة الكم الكبير من الكتب ومجالسة العدد الكبير من الناس، خاصة ممن أتوسم فيهم شبها بشخوصي، والكثير من الأماكن والأزمنة التي أحتاجها في كتاباتي.
حين أبدأ التحبير أنعزل عن الناس من حولي حتى ولو كنت بينهم، وكثيرا ما أغلق حجرتي على نفسي فلا يجرؤ أحد على إزعاجي، ربما تدخل الزوجة أحيانا لتلبي بعض ما أحتاج من طعام أو شراب، تفتح الباب بهدوء، وكثيرا ما تشير بيدها دون أن تنطق، قد أحدثها وربما أرد عليها بإيماءة من رأسي أو يدي.
يشكل لي القارئ المفترض هاجسا كبيرا كيف ما كان هذا القارئ، ويشكّل لي رصيدي الإبداعي السابق هاجسا آخر، ولذا أصرّ أن يكون عملي الجديد أرقى، أحسّ دوما بمسؤولية كبيرة فنية جمالية أولا وأساسا وفكرة ثانيا، أحب أن أكون دوما صادقا فلا أكتب ما لا يقنعني ولا أكتب إلاّ ما أطمئن إلى أنه راق، لأني من الذين يؤمنون بأن الأدب رسالة فنية سامية.
تأخذ الكتابة لدي مراحل عديدة، وتمر بطبقات مختلفة، وأنا أكتب في العادة على الجهاز مباشرة، فلم أكتب بيدي إلا روايتي الأولى ''الفراشات والغيلان'' ومازلت أحتفظ بمخطوطها إلى الآن، وكلما أنهيت الكتابة قمت بسحبها وقراءتها، فثانية فثالثة وهكذا، وحين أنهي العمل وأضع آخر البصمات عليه أجدني مرهقا جدا إرهاقا نفسيا بالأساس، تمتزج فيه الفرحة بالمولود الجديد والإحساس بالمسؤولية تجاهه، فأنا في أغلب الأحيان من يعده للطبع ومن يطبعه ومن يوزعه ويشهر له، والمشكلة أن العجلة تصر على الدوران دائما ما أكاد أنهي عملا إلا ويتهيأ لي عمل آخر، بل أعمال أخرى.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/12/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : لطيفة داريب
المصدر : www.el-massa.com