الجزائر

أحمد بن محي الدين الأغريسي


السيد أحمد بن السيد محي الدين بن السيد مصطفى الحسني إمام لا يدرك شأوه و لا يجاري في حلبة اللطائف خطوه، طلع في جبهة عصره غرة و أضحى غنيا عن الوصف بالشهرة.
ولد رحمه الله تعالى في شعبان سنة 1249 في القيطنة من ضواحي وهران و تربي في حجر أخيه العلامة السيد محمد السعيد لوفاة والده قبل فطامه و لما بلغ سن التمييز شرع في حفظ القرآن الكريم حتى حفظه عن ظهر قلب و هو دون البلوغ، ثم اشتغل بطلب العلم، فقرأ على أخيه المنوه به طرفا من مبادئ الفقه و غيره، و قرأ على ابنه السيد مرتضى جانبا من النحو و الوضع و حضر في علم الكلام على أخيه العارف الجليل الأمير الشهير السيد عبد القادر قدس سره، و في الفقه أيضا على الشيخ محمد بن عبد الله الخالدي و لما قدم الأمير إلى فرنسا سار المترجم مع إخوته إلى عنابة من أعمال الجزائر و أقام هو و إخوته بها نحو من خمس سنين ثم قدموا دمشق سنة 1273 و أخذ المترجم في تكميل تحصيل العلوم و الفنون، فحضر في فن نحو و الكلام و البيان و المنطق و الوضع و الأصول عند العلامة المحقق الشيخ محمد الطندتائي الأزهري، ثم الدمشقي و لازمه سنين و قرأ في النحو أيضا على ابن عمته العلامة السيد مصطفى ابن التهامي إمام المالكية بالجامع الأموي، و حضر في التجويد و غيره على العلامة الشيخ يوسف المغربي مدرس دار الحديث الأشرفية و حضر في التفسير على أخيه العلامة السيد محمد السعيد المتقدم و تلقى الحديث على العلامة الشهير الشيخ قاسم الحلاق، و سمع منه "صحيح البخاري" بطريقة بعد العصر في جامع السنانية في شهر رمضان و حضره في أوائل التفسير البيضاوي و في حجرته بجامع حسان و سمع على أخيه الأمير " صحيح البخاري و مسلم" في مدرسة دار الحديث الآشرفية، و حضره في مواقفه الشهيرة و في "الفتوحات المكية" في داره لما قرئت بحضوره بعد تصحيحها على نسخة مؤلفها، و ولع المترجم بفن التصوف و انكب على النظر فيه و تلقن ذكر طريقة القادرية من السيد محمد على أفندي الكيلاني و من أخيه الأمير أيضا، و اشتهر فضله و صلاحه و نبله و أقرأ في داره في فنون متنوعة و كذا في الجامع العناية في جواره من قسم باب السريجة درسا عاما بين العشائين مدة.
و كان محافظا على أوقاته قسمها على الذكر و التلاوة و مطالعة العلم و التأليف و زيارة الإخوان وصلة الأرحام و الرياضة و كان له ميعاد بين العشائين ليلتي الإثنين و الجمعة في داره يجتمع عنده فيهما بعض مريديه، يذكرون الله تعالى قعودا إلى العشاء و كان شديد المحافظة على القيام الليل سفرا و حضرا يطيل القيام و الركوع و السجود في ابتهال و تضرع زائد.
و كان مجللا عند الخاصة و العامة محببا للكافة، مقصودا لحل المشكلات سمحا بجاهه فيه دعابة تشف عن رقة حاشية و له ذوق عربي يقدر قدر البليغ من الكلام و يقضي بما هو من رقة و انسجام مشربة الحديث الصحيح، و العمل به و الدعوة إلى التمسك به والحث عليه، ألوفا و دودا متواضعا حسن المحاضرة غزير النادرة و كان لا يجيب دعوة من يعلم أن مكسبه حرام و إن اضطر إلى الحضور فلا يأكل بل يجلس على المائدة و يعتذر بأنه اضطر إلى طعام قبل حضوره و إن أكل في بعض الأحيان فيتقلل منه ثم يتصدق بقيمة ما أكل هكذا عادته يتأثر بها بعض الصوفية عليهم الرحمة و الرضوان.
و له كتاب حسنة في مسائل فقهية و غيرها. كما أن له رسائل لطيفة يتخلل مباحثها شذرات من أصول الصوفية، و جمع أخيرا تاريخا في سيرة أخيه الأمير، و لم يزل على طريقته المثلى إلى أن ألم بمزاجه مرض أعيا نطس الأطباء و اسلم معه الروح الطاهرة صباح الأربعاء 17 ربيع الثاني سنة 1320، و صلى عليه في الجامع الأموي في مشهد حافل ثم واروه جدث الرحمة في تربة الباب صغير قريبا من المرقد المنسوب لبلال الحبشي الصحابي الجليل رضي الله عنه و أرضاه اهـ. ما وجد بصدر رسالته المسماة "نشر الدر و بسطه في بيان كون العلم نقطة" التي طبعت بنفقة نجله السيد محمد بدر الدين الحسني الجزائري حفظه الله في المطبعة الأهلية ببيروت سنة 1324، وقد استعرتها من قريبة السيد أبي بكر بن أحمد المجاهد قاضي البليدة في التاريخ، و وجدتها غريبة في بابها لم يسبقه إليها سابق من أهل فنها، فشكرا لمن نشرها و أفاد بها و رحم الله مؤلفها و طابعها آمين.
و من عجيب الإتفاق أنها اتصلت بي قبل الفراغ من باب الألف و الحاء بقليل فكان العناية الإلهية ساقتها إلى لأنقل منها ترجمة السيد في هذا الكتاب الخاص بعلماء قطر الجزائر، إشارة إلى جمع شمله بهم و عدم بقاء ذكره غريبا عن ذكرهم. ذكر مقيدها أنها ملخصة من كتاب "تعطير المشام في مآثر دمشق الشام" في ذكر طبقات المشاهير القرن الرابع عشر

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)