الجزائر

أحلام في الصين



وصلت إلى موقف الحافلات التي كانت ذات يوم حمراء، فور وصولي، بدأت القطرات الأولى من مطر ذلك اليوم تبلل صلعتي .. ترددت قليلا في الذهاب، لكن طيف صديقي ألح علي، ولابد من خوض المعركة.. انتظرت قليلا، ثم عاودني التردد، وأخذ البرد يهزني، ودخلت على الخط الحسابات المادية: عين الله، ثم بن عكنون، ثم ساحة الشهداء، ثم الحراش.
ثم ... كم يلزمني من النقود حتى أقطع هذه المحطات كلها؟! ثم ... تكدر الجو أكثر، وتواصلت خيوط المطر واشتد البرد أكثر، و ضاقت بي الأرض .. كيف السبيل إلى زيارة صديقي.. لا سيارة، لا مال، لا مظلة، لا ...؟! عدت إلى البيت أجر خيبتي، غير أن اليوم كان يغري بالنوم.. ضمني الفراش بدفئه، وغبت في نوم عميق جميل، ووجدت أحلامي الوردية مشرعة جناحيها مرحبة بي، تجسدت لي في صورة امرأة عطوف حنون، وقالت لي في كبرياء وشموخ: لا تخف، سأنتقم لك وأي شيء ترغب فيه سيكون بين يديك ... نقلتني بين جناحيها إلى الصين، نعم إلى الصين الشعبية القارة، استغرقت الرحلة حوالي ثلاثين ثانية، صعدت إلى صور الصين العظيم، قست ارتفاعه وعرضه، وصلت إلى منتهاه، كنت منبهرا فعلا، التقطت صورا تذكارية كثيرة هناك، نزلت وتجولت في سفوح تلك الجبال التي جعلت من الصور نطاقا جميلا يزين تضاريسها ويحميها في ذات الوقت .. تجولت في عواصمها ومدنها، كانت لها عواصم كثيرة وآلاف من المدن والقرى، كل قرية تحوي دولة، أنا الذي لم أر يوما أو أعد المليار، ها أنا اليوم أتجول داخل المليار، بل أرى مليارا ونصف المليار يتحرك ويمشي أمامي بلحمه ودمه، كانت وسيلة تنقلي شيء غير معروف لدى البشر، بل كنت أتنقل دون وسيلة، لا أدخل يدي في جيبي، لا أنتظر في المواقف ولا أقف في محطات بن عكنون وعين الله، و ... لا ازدحام ولا تدافع، لا شيء من ذلك على الإطلاق .. أتجول مجانا، وأتسوق بالمجان، كنت أحرج أحيانا عندما أحاول أن أدفع ثمن بعض المقتنيات، فيعتذر لي صاحب المتجر مبتسما منحنيا، كنت أتحدث مع الصينيين دون عناء أو تلعثم كما أتحدث مع عائلتي، أفهم لغتهم ويفهمون لغتي، نتحاور ونتناقش بلغة طيعة طليقة، لا مستحيل عند الأحلام، بت لا أحاول تعليل ما يحصل، فلا طائل من وراء ذلك .. عجزت في نهاية الرحلة عن حمل الهدايا والمشتريات، فاستأجرت شاحنة متوسطة الحجم لتحملها، وركبت أنا الطائرة، وكانت وجهتي هذه المرة دولة أخرى لأنتقم أكثر لجيبي ومن سوء استقبال المحطات.. أزعجني اهتزاز الطائرة بين المطبات الهوائية، فاستيقظت راضيا منتشيا بروح النصر على الواقع، وقررت بعدها ألا أتنقل أو أسافر إلا في المنام.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)