الجزائر

أحلام تطور التبادل العربي



أحلام تطور التبادل العربي
كانت ليلة عيد من الأعياد حين سوّدتُ قائمة طويلة للأقارب والأصدقاء، وألّفتُ نص تهنئة، ورحت أضغط على زر الإرسال، وماهي إلا ثوان حتى قمت بتهنئة الكل في انتظار مناسبة أخرى للقيام بنفس المهمة وبنفس الطريقة، واعتقدت بذلك أنني أديت واجبي وأرحت ضميري مقابل دينارات معدودة. بعد دقائق أخذت الرسائل القصيرة تتهاطل عليَّ بنفس العبارات التي دبّجتها...
قرأت بعضها وأهملت الباقي، ونمت أردد أسماء المهنئين وعباراتهم المستنسخة.. ورأيت نفسي فيما يرى النائم بين أقوام لا يبدون غرباء عنا في صفاتهم ولغتهم لكنهم غرباء في سلوكهم، حيث لا يتعاملون إلا بالهواتف النقالة.. كل تعاملاتهم وتهانيهم وتعازيهم وتهاديهم بالأسماس.. اختفت كل وسائل الاتصال المعروفة والمألوفة عندنا واستُبدلت بأخرى لا روح فيها ولا حياة، يترحمون على أمواتهم بالأسماس، يختارون آيات من القرآن الكريم ويرسلونها «ميساج» قرآنيا لقبورهم، استحدثوا وزارة للأسماس.. وأنشأوا مؤسسات وشركات كبرى عابرة للبلدان العربية، متخصصة حصريا في تبادل النكت والألغاز، كل ذلك بتشجيع ودعم من بعض البلدان الغربية الصديقة، التي تعمل على «تطوير» شعوب هذه البلدان وبعث روح الفكاهة والضحك فيهم وتوريثها لأبنائهم.. تطورت الفكرة لديهم، وأضحت شعوب العالم العربي لا همَّ لها سوى بث واستقبال النكت، كانوا في السابق يتندّرون بمسؤوليهم ورؤسائهم، ولكن بعد تطوير هذه البرامج العصرية أصبحوا يتندّرون وينكتون بأنفسهم، حتى صار الواحد منهم ينظر إلى نفسه في المرآة فينفجر ضاحكا حتى يُغمى عليه، ويأتيه آخر مقهقها ويرشه بالماء، فينهض ضاحكا من نفسه ومن خياله.. يضحكون ويضحكون ولا يملّون، مما تسبب في اتساع أفواههم وتمطط شفاههم.. غطت النكت والنوادر والألغاز المحلولة سماء البلاد، فحجبت عنهم الشمس ونجومها الهادية، وكتمت أنفاسهم بعد أن شبعوا منها وسكروا حتى أصبحوا لا يتنفسون إلا بصعوبة فائقة، ثم أمطرت السماء بماء النكت العفن، وسقت الأرض البوار بمستخلص النوادر والطرف، وعاش الناس من يومها في سباة وحياة شبه برزخية؛ لا هي حياة ولا هي موت، ولما أفقت من النوم عدت إلى النوم دون تعليق!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)