الجزائر

"أحزاب المحفظة".. اعتماد وختم وفاكس لا يوقظها لا مرض بوتفليقة ولا تعديل الدستور ولا الرئاسيات



رقميا، تعج الساحة السياسية ب52 حزبا سياسيا، 47 منها حصلت على اعتمادها بشكل رسمي، لكن الساحة لا تشهد نشاطا وتدافعا سياسيا يفسر هذا الرقم من الأحزاب المعتمدة في الجزائر، بالرغم من الرهانات المحيطة بالبلاد والملفات السياسية المطروحة.عدا عشرة أحزاب أو يزيد قليلا، تصنع لنفسها حضورا سياسيا وإعلاميا لافتا، وتستند إلى مرجعية فكرية وإيديولوجية وحضور شعبي، فإن كتلة كبيرة من الأحزاب المسجلة في قوائم وزارة الداخلية، تركن إلى الصمت ولا تسجل لنفسها أي حضور ولا تؤدي أي نشاطات ميدانية، وفي أقصى الحالات تكتفي بإصدار بيانات، ناهيك عن أن غالبيتها لا تملك مقرات وعناوينها في “محفظة”، وليس لها أي هياكل تنفيذية، ولا حتى دفاتر لتسجيل محاضر اجتماعاتها، وتحوّلت مع كل موعد للانتخابات المحلية والتشريعية إلى “دكاكين” لبيع توكيلات الترشح أو تفويضات العضوية في اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات، ناهيك عن أنها لا تقدم رؤى أو أفكارا سياسية أو مواقف، حتى عندما يتعلق الأمر بكبرى القضايا الراهنة والتطورات المتلاحقة اقتصاديا واجتماعيا في الجزائر.
فقبل تسعة أشهر عن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، مازالت الساحة السياسية في الجزائر مريضة “بالاحتباس السياسي”. وإذا كانت بعض الأحزاب الفاعلة قدمت مرشحا في حال رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، أو تقديم مبادرات سياسية والبحث عن توافقات سياسية في حال حركة مجتمع السلم والأرسيدي وجبهة التغيير، فإن كتلة “أحزاب المحفظة” مازالت تلتزم الصمت، وفي غالب الأحيان تكون بصدد تحضير بيانات مساندة لمرشح السلطة المحتمل، تحت مسميات مختلفة.
وكما لم يكن لقرب موعد الانتخابات الرئاسية أي مفعول لتحريض كتلة كبيرة من هذه الأحزاب الصامتة، لم يوقظ مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في هذه الأحزاب حمية المساهمة في طرح مقاربات تخص مستقبل الجزائر بعد 2014، أو التفكير في متغيرات ما بعد مرحلة بوتفليقة، كون أغلبها محكومة بحق “الولاء” وواجب “الطاعة” للسلطة، كما أن مسألة تعديل الدستور، لا تثير لدى الأحزاب الصامتة شهية التعبير عن مواقف ومقترحات، أو مغالبة السلطة والرئيس بوتفليقة فيما يتصل بالوفاء بالتزاماته الدستورية، وتحجم عن أي مبادرة سياسية تسمح لها بالانخراط الفعلي في العمل السياسي.
لكن هذه الأحزاب السياسية لا تتحمّل وحدها حالة الجمود التي رهن الواقع، فالسلطة تتحمّل الجزء الأكبر في حالة “التلوث السياسي” الذي تعيشه الجزائر. وشهدت مرحلة الرئيس بوتفليقة، أكبر عملية تدجين للأحزاب السياسية، وحالة الهيمنة على الفعل السياسي من قبل السلطة وأدواتها الحاكمة، لم تتح للأحزاب السياسية تطوير خطابها، وأخضعتها سياسة توزيع “الريع” لنزوات السلطة. كما شجعت السلطة حالة الانقسام الداخلي في أحزاب المعارضة، وتغليب جناح على آخر بأشكال إدارية مختلفة.
وأفضى سوء تفسير قانون الانتخابات الأخير الذي طرح في خضم الإصلاحات السياسية، والتعسف في استعمال الحق في إنشاء الأحزاب السياسية، إلى حالة من الفوضى في الساحة السياسية، ودفع بمشاريع جمعيات محلية أو لجان مساندة من قبيل “خمسة وأربط”، إلى مصف أحزاب سياسية تحوز على الاعتماد، بعد عقد مؤتمرات “مفبركة” باستدعاء طلبة من الجامعات وشباب بطال، وزاد هذا الوضع من غبش كبير في الساحة السياسية، وأهدر فرصة جادة في خضم الإصلاحات “لإعادة تطهير الساحة السياسية وتنظيم الأحزاب على أساس برامج وأفكار وطروحات، وليس على اعتبارات عددية”.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)