الجزائر - Patrimoine Culturel

أجوبة قاسم العقباني على أذكار المتصوفة بتلمسان



أجوبة قاسم العقباني على أذكار المتصوفة بتلمسان
مساهمة الأستاد/
الحسين يختار .....مستغانم

أجوبة قاسم بن سعيد العقباني عن حلقات التصوف بتلمسان

مقال منشور بجريدة صوت الغرب بتاريخ جويلية 2013
رسالة أبو الفضل قاسم بن سعيد العقباني واحدة من أوجه النقاشات البارزة التي طفحت على المشهد الثقافي بتلمسان خلال القرن الهجري التاسع على الخصوص ، وهي تعكس مدى الخلاف الدي شاع في هده الفترة حول التصوف وحدوده ومدى مشروعيته.
وقد ضمن هده الرسالة الإمام أبو العباس الونشريسي كتابه المعيار الكبير في الجزء الحادي عشر منه في معرض الحديث عن حلقات التصوف والخلاف فيه ، ونسبها للعقباني ، كما أثبت نسبة هده الرسالة للعقباني كل الدين ترجموا له واهتموا بحياته حتى لم يعرف في دلك مخالف – على حد تقديرنا – بل اكثر من دلك صارت عنوان شهرته كما في بعض المصادر .
صدرت هده الرسالة عن إمام عصره قاسم بن سعيد العقباني جوابا عن سؤال ورد إليه حول مشروعية حلقات الدكر والدعاء والتصوف التي انتظمت بجوامع تلمسان خلال هده الفترة والملاحظ فيها السائل إلتزم الوصف الدقيق والموضوعي لجميع الأقوال والأفعال التي يقوم بها المريدون وأشياخهم عقب صلاة الجمعة بالمساجد ، ولأهمية هدا السوال وقيمته العلمية من جهة ولتشابه الحال مع ماجاء في صلب السؤال من جهة أخرى إرتأينا نقل نص السائل الدي وردكما يلي:
//وسئل الشيخ الفقيه الإمام العالم الفاضل أبو الفضل سيدى قاسم بن سعيد بن محمد بن محمد العقباني رحمه الله عن جماعة كبيرة وافرة الفقراء،جرت لهم ولمن تخلق بمثل خلاقهم عوائد يفعلونها،وطرائق يقتفونها،يجتمعون بإثر صلاة الجمعة في مجلس على شيخ يختارونه ، هو أقواهم على أذكار الذاكرين،وأكثرهم إستنباطا وفهما لأداب المريدين ،يجلس هذا الشيخ على يمين الداخل لمجلسهم ، ثم يجلسون على حسب تواردهم ، بعد مصافحة الشيخ المذكور، كل واحد منهم يتساوى في ذلك ، أكبرهم وأصغرهم ويخرج خديم الشيخ بإثر ذلك بسبحة منظومة في خيط ، بها عدد معلوم قصد به الإحصاء للتسبيحات والتهليلات والضبط، ليكون انتهاؤهم في ذلك إلى عدد معلوم ،ثم ينتقلون إلى الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلون ، ثم يختمون دلك بالسلام على سائر المرسلين والحمد لله رب العالمين ، ثم يقرأ منشدهم شيئا من كتاب الله، ويختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فيصلون أيضا عند ذلك في مرة ،ويقرأ قارئ أخر مثله كذلك ، ولم تكن بينهما فترة،ثم يقرأ الشيخ وطائفة منهم دفعة أيات من القرأن ، تتضمن طلبهم من الله عز وجل العفو الغفران ، مثل : ًربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرينً .ًومثل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ً.ويذكرون بعد ذلك أنواعا من الأذكار ، ثم فالدعاء مم والإستغفار،ثم ينشد بإثر ذلك منشدهم قصيدة :إما في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ،وإما في الحض على فعل الخيرات،أو ميا يحذرون من الوقوع في الزلات ، فيوجب سماع ذلك عند بعضهم بكاءا وخضوعا ، ويظهر على ظواهرهم سكونا وخشوعا ، ويقرأ قلرئ أخر كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ، فيسمعون مايجب له من تعزيز وإعظام ، ويقرأ أخر مثله بعض مجالس الواعظين ، يذكرون فيها بأخلاق الصالحين ،وأعمال المجتهدين ،ثم يقوم مذكر أخر بإملاء الشيخ بأنواع من التذكيرات ، وصنوف من حسن المقالات ،فيصافحونه في تلك الأقوال ،ويبنون بمصالح الأعمال ، ثم يحضر الخديم بأمر الشيخ ماحضر من الطعام ، فيأكل منه الحاضرون إلا الصوام ، ثم يحمل الخديم بقيته لنفسه،ويشاركه فيه من هو مثله من أبناء جنسه ، وذلك من مال الشيخ وخالص كسبه ويرتجى بذلك غفران ذنبه ،لا يوظف على أحد منهم في ذلك قليلا ولا كثيرا ،بل يحسن إلى الغني منهم ،ويقضي مطالبه ، ويجزل العطاء إلى من كان فقيرا منهم ، ويقضي مطالبه،ويجزل العطاء إلى من كان فقيرا منهم فإذا فرغوا من الأكل حمدوا لله عز وجل وشكروه،وعظموه على إسداء نعمه،ثم يجيء الخديم بإناء فيه من الطيب مايتيسر،فيتطيب منه الشيخ ،ثم الذي عن يمينه، ثم جميع من حضروهم في أثناء ذلك ، على النبي صلى الله عليه وسلم مصلون، وبواجب حقه العظيم قائمون ، ثم يختمون بقراءة سورة من قصار المفصل ، إلى إكمال الفاتحة ، ثم يقرؤون بعض ما ألف في توحيد الله تعالى،معانيها كلها واضحة لائحة ، ثم يدعو الشيخ بعد ذلك ،وعلى دعائه يؤمنون رافعين أكفهم راغبين، ثم يمسحون بها وجوههم ويصافحون أيضا شيخهم ، وينصرفون فهل رضي الله عنكم مايفعلونه في هذا المكتوب طاعة ترتجى من الله ثوابها ،فيدومون عليها ، أو معصية يتقى عقابها فيتوبون منها ؟ بينوا لنا ماقالته الأئمة المقتدى بهم في ذلك ، والعلماء المعول عليهم وأشياخكم. ضاعف الله لكم ولهم الحسنات ، وأعلا في الفردوس برحمته للجميع الدرجات ،والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته//.
وهدا السؤال الذي كان سببا في إصدار العقباني لرسالة الجواب يعكس مدى الحيرة التي انتابت فئة من المثقفين حول مشروعية حلقات الذكر والتصوف التي انتظمت بتلمسان ومحيطها خلال القرن الهجري التاسع ، ويمكن أن تصنف هذه الرسالة في عداد الوثائق التاريخية التي تبرز لونا من ألوان التصوف الذي ظل سائدا بمجتمع المدينة الزيانية .
ولم يذكر الونشريسي ما إن كان سؤال المستفتي جاء بهذه الصيغة أم أنه قد تصرف في السؤال بمقتضى البيان تأدبا مع مقام شيخه وأستاذه أبي الفضل العقباني، والظاهر أنه لم يتصرف في شيئ من أصل السؤال ، بل نقله بجميع صيغه التي ورد بها ، ويشهد لهذا الطرح مخاطبة السائل للمستفتى بطلب البيان والتوضيح المدعم بالدليل ومحاولة معرفة رأي سائر الأئمة المعتمدين " فهل رضي الله عنكم مايفعلونه في هذا المكتوب طاعة ترتجى من الله ثوابها ،فيدومون عليها ، أو معصية يتقى عقابها فيتوبون منها ؟ بينوا لنا ماقالته الأئمة المقتدى بهم في ذلك ، والعلماء المعول عليهم وأشياخكم. ضاعف الله لكم ولهم الحسنات ، وأعلا في الفردوس برحمته للجميع الدرجات ،والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."
وعلى هذا التقدير، يكون السائل على قدر واسع من المعرفة والثقافة ، وأن الذي ألجأه إلى هذا وجود الخلاف حول ماذكر ، والشبهات التي حامت حول بعض المسائل الفرعية الخلافية كالقراءة الجماعية والدعاء الجماعي واستعمال السبحة في الذكر والتسبيح والتحلق في المسجد بإثر الفراغ من صلاة الجمعة مع إنشاد الشعر والمديح ، بالإضافة إلى تسمي هؤلاء بالفقراء واتخاذهم شيخ يؤمهم ويقتدون به في كل حال من الأحوال.
ولم نستطع تحديد ما إن كان غرض السائل إثارة راي العقباني من أجل تعضيد الموقف المؤيد لحلقات الصوفية ، أم أراد إزاحة الشك والغموض الذي إكتنفه عن طريق الإسترشاد بإمام تلمسان ومفتيها كما جاء في وصفه
ومهما يكن من الأمر فتخصيص العقباني السائل بالجواب، وتشريفه بكاف المخاطبة ، بالإضافة إلى بيان أصل كل مسألة من مسائل الجواب ،يرجح أن السائل لم يكن من طبقة العوام، و قد يكون معلوما لدى العقباني، معروفا بمنزلته ومكانته الإجتماعية على قدر لا يستهان به من العلم والمعرفة الشرعية .
ولذلك بذل العقباني وسعه في إقناعه ، مستشهدا بأنه حضر مجلسين لمثل هذه الحلقات ولم ير بها أي محذور يجتنب ، ولم يكتف العقباني بالدفاع عما يفعله هؤلاء المتصوفة فحسب ، بل سعى إلى الترغيب في هذه الأعمال معللا ذلك ومصدرا إجابته بأن هذه الأقوال والأفعال كلها حسنة " و أكثره مثني عليه شرعا، و ليس فيه إن شاء الله موضع للنهي، بل هو دائر بين المرغب فيه و المندوب إليه"مدعما رأيه بما حفظه غير مرة عن والده الإمام: "إن هذا سداد و صواب، و طوع للسنة و الكتاب" ، عامدا إلى أسلوب الإقناع بالحجة والبرهان عن طريق الإستدلال بالنصوص الصريحة من القران والسنة وسيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم - وصالحي أعلام الأمة كمالك بن أنس وتلميذه سحنون بن سعيد المالكي
والملفت للإنتباه أن جواب العقباني جاء هذه المرة بعيدا عن الجدال العقلي ، خلافا لما عهد من بقية أجوبته المعتمد فيها على سرد الأراء الفقهية وأوجه الخلاف مع التنظير الفقهي والإستنباطات الأصولية ،لإدراكه أثر الصراع القائم حول التصوف وما نتج عنه من ظهور فئات من المتأثرين برأي المخالفين لحركة التصوف المنكرين لمشروعيته.
والملاحظ أن المستفتى – أبو الفضل العقباني - قد استقى مادة جوابه من مصادر مشهورة ومعتمدة في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة كصحيحي البخاري ومسلم وموطأ مالك وروايات السنن والمسانيد وكتاب الشفا للقاضي عياض اليحصبي إشارة منه أن هذه الأفعال ليست خارجة عن دائرة السنة النبوية بالإضافة إلى مرويات الفقه المالكي ومصادره المعتمدة كالمدونة والواضحة والعتبية وفتاوى أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني ونوازل ابن رشد واختيارات القاضي أبو بكر بن العربي وتفاسير أبي عبد الله القرطبي المالكي وغيرها ، ساعده في ذلك سعة اطلاعه ومتانة حفظه ونشأته في أسرة توارثت العلم ،وممارسته مهنة القضاء التي أكسبته من دون شك معرفة وافية بأحوال الناس وإدراكا واسعا لمختلف البيئات الإجتماعية
وباستقراء رسالة المؤلف ،يلاحظ كثرة النقول والإستنباطات من كتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد ،فيصرح باسمه تارة ،ويومئ إليه بوصف الشيخ تارة أخرى ، كما يلاحظ أيضا أنه يعول في الكثير من الإستدلال بنصوص أبي محمد بن أبي زيد القيرواني والقاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي
ومن المؤكد جدا أن العقباني اعتمد في منهجه أسلوب التشويق والترغيب فيما يؤمن به مقدما نصوص القران الكريم في الإحتجاج فصحيح السنة النبوية ثم المشهور منها والمحفوظ عند الجماهير من الناس حينما يتعلق الأمر بالمروي في السنن والمسانيد
فالعقباني قد أدرك جيدا مدى ضراوة الخلاف الشديد حول مسائل التصوف سيما وقد وظهرت ردود فعل عنيفة من قبل طائفة غير يسيرة من العلماء الذين أثبت بعض فتاويهم الونشريسي في نوازله وبلغ الأمر حد الرمي بالبدعة والتفسيق خاصة ما كان من أبي الحسن الصغير وأبي عبد الله الحفار والشاطبي وابن مرزوق حتى أن "الونشريسي لم يورد في المعيار ممن أيدوا حلقات التصوف والزهد إلا أباالفضل العقباني وأبو العباس الغبريني "وكان ابن مرزوق الحفيد أكبر المخالفين للتصوف الرافضين لفتوى العقباني فلما انتهى الونشريسي م ن سرد أجوبة العقباني أردف معلقا بالقول وقد رد ابن مرزوق الحفيد على هدا في سبعة كراريس تركتها لطولها
ومن المفارقات العجيبة أن ابن مرزوق الذي حمل لواء المعارضة للتضوف بتلمسان منتصرا للمدرسة الحديثية هناك ، ينتمي في الأصل إلى سلالة لم تفارق التصوف طيلة حياتها، ترعرعت في مدارجه منذ استيطانها تلمسان ،ونهلت من مناهله الصافية، فجده الأول أبوبكر مرزوق العجيسي كان مصاحبا للشيخ سيدي أبو مدين وخادمه الوفي الذي لازمه ملازمة تامة، و ابنه محمد بن أبي بكر الملقب بمحمد الثاني صوفي زاهد مات في صومعة الزهد ودفن بقصر الراحة قريبا من قصر السلطان القديم بجوار يغموراسن بن زيان "
والواقع أن ابن مرزوق نفسه وضع ثلاثة شروح نفيسة لبردة البصيري إمام المتصوفة في وقته،وقد وصفه مترجموه بما كانت عليه سير النساك الصلحاء،فمما جاء عنه في رحلة القلصادي : "كانت له أوراد معلومة وأوقات مشهودة"وهذا مايرسخ الإعتقاد أن ابن مرزوق إنما وقف مع غيره ضد سلوكات لامشروعة تسربت إلى المتصوفين وشوهت مسار التصوف وازداد الأمر عندما صارت هذه السلوكات هي عنوان التصوف الشعبي كالوجد والسماع والرقص و طلب الكرامات ،ولذلك ظلت هذه المسائل " من بين أكثر المسائل إثارة للجدل بين الفقهاء والمتصوفة واختلفت المواقف منها وتردد طرحها في كتب النوازل وفي مناسبات عديدة"على ماصرح به الدكتور بوداود عبيد في كتابه ظاهرة التصوف في المغرب الأوسط
وكان من حكمة الأقدار الإلهية أن كلا من ابن مرزوق الحفيد وقاسم العقباني مع طول
إفتراقهما في مسائل التصوف قد دفنا في موقع واحد هو مقدم الجامع الأعظم الدي شيده سيدنا إدريس الكامل بتلمسان رغم فارق زمن الوفاة بينهما الدي يقدر بتسع سنوات



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)