الجزائر

أجراس العهدة الرابعة أو معركة في غرفة مظلمة.. بوتفليقة خضع لمطلب تأجيل تعديل الدستور؟



أجراس العهدة الرابعة أو معركة في غرفة مظلمة.. بوتفليقة خضع لمطلب تأجيل تعديل الدستور؟
عاد بوتفليقة بعد صحوته من عطلته المرضية الطويلة إلى الواجهة السياسية، ترافقه ثلاث عمليات كان لها أثرها العميق والصادم في حينها، وهي عملية الإرتباك الشديد الذي أحدثه داخل جهاز الإستعلامات من خلال التغييرات التي مست بعض الضباط السامين،والتخلي عن القسم المتعلق بالعلاقة مع الصحافة والأحزاب السياسية. وحاول المتجاوبون مع هذه العملية التي لقيت صداها في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية / البصرية وداخل صفوف الأحزاب والعصب السياسية، أن يتركوا الإنطباع أن بوتفليقة قام بذلك ليعبر عن تحكمه في مقاليد الأمور وإنهاء حقبة وصفت بلعبة التوازنات الحساسة بين الرئيس وحلقته الضيقة ودوائر الذين كثيرا ما وصفوا بالنواة العتيدة للنظام، والقصد من وراء ذلك الضباط السامون من أصحاب النفوذ والتأثير. أما العملية الثانية فهو التغيير الحكومي شبه الراديكالي، والذي حمل دلالات توحي بميل الكفة لصالح الرئيس والزمرة الموالية له، خاصة الوزارات الحساسة والإستراتيجية، والتي بإمكانها أن تؤكد الوسائل الناجعة والفعالة لتغليب كفة الرئيس إذا قرر الذهاب إلى عهدة رابعة. وفي الحقيقة انتبه المراقبون إلى أن اعتماد بوتفليقة على موالين من أبناء منطقته ووضعهم على رؤوس وزارة الداخلية والعدل والمجلس الدستوري يعني سياسيا قراره الذهاب إلى ولاية رابعة. أما العملية الثالثة فتتعلق بفرض عمار سعيداني، صاحب السمعة المتدنية، على رأس حزب جبهة التحرير وضد إرادة حتى الموالين لزمرة الرئيس الذين ابتلعوا احتجاجاتهم الخفية وتجرعوا سم الخنوع، فأبدوا بيعتهم على مضض خشية أن تتسرب إلى النواة الصلبة للزمرة شكوك وارتيابات تجاههم. ولقد خلفت هذه العمليات الثلاث مجتمعة حالة من "الفورسينغ" لإخماد كل الأصوات التي كانت متململة، من أن يتخذ الرئيس قرارا بالتوجه إلى عهدة أخرى. لكن هذا المشهد العاصفة الذي أثارته عودة بوتفليقة إلى الواجهة أثار أكثر من تساؤل، ويتعلق التساؤل الأول إن كان ما حدث يعبر عن إرادة بوتفليقة الشخصية أم أن الأمر يعود إلى زمرة صاعدة ينسب المعلقون قيادتها وديناموها إلى شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، الذي تمكن من توظيف رصيد الرئيس إلى قوة رادعة وفي الوقت ذاته ضامنة لاستمرار الزمرة الصاعدة التي تمكنت من وضع أرجلها داخل دهاليز النظام حتى ما بعد بوتفليقة، إذا نجحت على إضعاف الفريق المخضرم لجهاز الإستعلامات الذي من شأنه أن يقف أمام طموحاتها وتعاظم نفوذها المتكئ على تحالف شبه خفي بين رجال النفوذ السياسي الوافدين إلى سرايا الحكم ورجال المال الذين ارتبطت مصالحهم بتعاظم نفوذ الحلقة المستمدة قوتها من شرعية الرئيس نفسه. ولقد راهن المنضوون تحت سلطة الزمرة الصاعدة أن هذه الأخيرة قادرة على حسم الصراع لصاحلها قبل الموعد التاريخي للإنتخابات، وهذا ما جعل أحد مريديها ومخلوقاتها يذهب بعيدا في إعلانه حرب نفسية ضد جهاز الإستعلامات.. لكن هذه العزيمة التي أظهرتها هذه الزمرة سرعان ما راحت وتيرة سرعتها تنخفض، وربما يرجع ذلك في نظر أحد المعلقين إلى خشيته من رد فعل من قبل جزء من نواة النظام قد يقلب الطاولة عليها، وبالتالي يسحب البساط من تحت أرجلها. ولذا تكون الزمرة المتحلقة حول الرئيس قد جنحت إلى هدنة، خاصة بعد أن لاحظت أن الفريق المخضرم المشكل لنواة الإستعلامات حافظ على ضبط النفس، وذلك بالحفاظ على ولائه للرئيس، وهذا ما ترك الإنطباع لدى عدد من المراقبين أن الإنطواء على النفس الذي أبداه فريق المخابرات يعبر عن كمون تكتيكي وإخفاء مريب للأوراق التي قد يلعبها في الوقت المناسب.. أما التساؤل الثاني الذي راح يردده عدد من المراقبين، هو إن كان هذا التراجع الظاهري لزمرة الرئيس يكشف أيضا عن شكوك من لدنها حول قدرتها على مواصلة خطتها، خاصة أن النتائج المرجوة من عملياتها الثلاث لم تحظ بتأييد شعبي ولا حزبي، بل أثارت شكوك وترددات ومخاوف، ما جعل هذه الزمرة تصبح فريسة الشك حتى من الكوادر المحسوبين على الرئيس. وربما ضمن هذا السياق يمكننا أن نقرأ قرارات بدت للكثيرين مفاجئة وغير مفهومة، مست عددا من الكوادر والوزراء المحسوبين على بوتفليقة، مثل عمار تو، حراوبية وعبد القادر واعلي، المسؤول السامي بوزارة الداخلية، ومؤخرا رئيس المحكمة العليا قدور براجة. أما التساؤل الثالث.. هل يعني هذا الجدال الأخير على أعمدة الصحافة وفي الأوساط السياسية حول مسألة تعديل الدستور قبل أو بعد الرئاسيات يعبر عن وجه من أوجه الصراع بن متنافسين في الخفاء أم يدخل ذلك في إطار تكتيكي يسعى وراءه أنصار العهدة الراغبة في إلهاء الخصم لمباغتته حيث لا يكون ينتظر أي سيناريو شبيها بسيناريو التشكيل الحكومي الأخير؟!وما يلاحظ أن كل ما يحدث من تراشقات وصراعات غامضة تفتقر إلى لغة واضحة يشبه معركة تحدث داخل غرفة غارقة في ظلام وعتمة شديدين. ومهما طالت هذه المعركة التي لا يرى فيها المتصارعون أنفسهم وخصومهم، فإن لحظة إنارة المصباح قد تكشف عن ضحايا لم يكن لينتبه إليهم أحد، وقد تكشف عن أشياء مثيرة لم يكن لينتظرها أحد..




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)