الشيخ الإمام نخبة الفضلاء و واسطة عقد النبلاء حسنة الليالي و الأيام و واحد العلماء الأعلام سيدي أبو مهدي عيسى بن محمد الثعالبي الجعفري بهذا وصفة أبو سالم في فهرسته و قال في رحلته و أخبرني الشيخ الرواية أبو مهدي يعني صاحب الترجمة عن بعض أكابر مشايخه أن كلن يقول إن للقصائد خصوصا إذا كانت عن حضور قلب أثر عظيما في تفريج الكربات و نيل الرغبات أعظم من اثر الأوفاق و الدعوات و ترتيبها في الخلوات و قد جرب ذلك فظهر صدقه و لا يبعد أن يكون لترتيب الألفاظ على وزن مخصوص ينشرح معه الصدر للتضرع و اللجأ إلى الله و يقوي معها الرجاء في حصول المطلوب قال: و أغرب من ذلك ما رايته في بعض التقاييد بعد قول الشاعر:
و كنت إذا ما جئت سعدى أزورها
أرى الأرض تطوى لي و يدنو بعيدها
من الخفرات البيـض ود جليسـها
إذا ما انقضت أحدوثة لـو تـعيدها
قال ابن عريس رحمه الله: إن هذا الشعر ما قيل في طريق إلا سهلت و لا أمان مخيف إلا أمن فيه و لا مجاعة إلا و حصل الشبع و لا معطشة إلا وحصل الري و ذلك لخاصية في حروفه و هي ما سمع من كلام العرب، قال: و من هذا المهيع أن هذا الشعر الآتي ما قيل ثلاث مرات في ضيقة إلا فرج الله عنه قائله و هو:
كـم حاصـرتني شدة بجيشهـا
و ضاق صدري من لقـاها و انزعج
حتى إذا أيسـت مـن زوالهـا
جاءت لها الألطـاف تسعى بالفرج
قال: و ما ذكر من الخاصة في ترتيب الحروف قد ذكر نحو بعض أهل الطريق في كون بعض الأذكار يعزى إليها من الخواص ما ليس لغيره مع اشتماله على ما فيه و زيادة و الله أعلم ثم قال و ظفرت في بعض التقاييد بسر من اسرار أسماء الله الحسنى و ذلك إسمه تعالى الكافي الغني الفتاح الرزاق و من لازم ذكر هذه السماء و هو يتمنى شيئا حصل له بفضل الله اهـ كلام أبي سالم قي "رحلته".
و قال أيضا في فهرسته لقيته أعني صاحب الترجمة أول رحلتي و ذاكرته و لم آخذ عنه شيئا ثم لقيته بعد ذلك بأعوام في الوجهة الثانية بمصر و قرأت عليه واستفدت منه كثيرا و شاركته في كثير من مشايخه و سمعت منه بعض "مسند ابن حنبل" و أجاز لي بجميع مروياته عن جميع أشياخه، وكتب لي بذلك بخطه و من أشياخه سوى من شاركته فيه سيدي سعيد ين إبراهيم قدورة الجزائري و هو يروي عن سيدي سعيد المقري و غيره و منهم الولي الصالح سيدي عبد الرحمن بن محمد الهواري و هو يروي عن الشيخ خالد المكي عن الشيخ سالم السنهوري و منهم و منهم الشيخ عبد العزيز محمد بن عبد العزيز الزمزي المكي و هو يروي عن ولده عن أبي زكرياء و منهم الشيخ علي ابن جمال الشافعي نزيل مكة المشرفة يروي عن العلامة محمد بن أحمد بن عبد القادر القرشي الزبيري الشافعي إمام المحراب الشريف بالروضة المطهرة رضي الله عنهم و شيخنا أبو مهدي هذا مستوطن الآن أرض الحجاز يتردد بين الحرمين وله في القلوب أهلها محبة و إجلال نفعنا الله به أمين اهـ كلامه في "فهرسته".
و توفي صاحب الترجمة رابع و عشرين من رجب عام ثمانين و ألف (1080) على ما في "فهرسته" الشيخ سيدي الطيب الفاسي اهـ.
و في الصفوة "العالم الكبير و المحقق الشهير أبو مهدي عيسى بن محمد الثعالبي نسبة إلى وطن الثعالبة من عمالة الجزائر الجعفري نسبة لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
نشأ رحمة الله في وطنه المذكور و تاقت نفسه للرحلة في طلب العلم بعد أن حصل ما عند أهل وطنه فدخل الجزائر فأخذ بها عن أشياخها و صادف أيام دخوله الشيخ العلامة حافظ وقته أبي الحسن علي بن عبد الواحد الأنصاري المتقدم الذكر بها فاتصل به ولازمه و كان أبو الحسن لما دخل الجزائر تصدى لنشر العلم فهرع الناس إليه وحصلت له وجاهة عظيمة عند أرباب الدولة و لم يزل أبو مهدي في صحبة أبي الحسن إلى أن زوجه ابنته فبقي معها مدة إلى أن وقع لهما أوجب تطليقها بإشارة والدها أبي الحسن نادته العناية إلى الحرمين فجاور بها سنين و درس العلم و حصل له إقبال عند أهلها لجودة فهمه و حسن تقريره و هناك تجددت له رغبة في علم الحديث و كان فيه قبل ذلك في الزاهدين فأخذ عن شيوخ الحرمين كالقشاهلي و الزين الطبري و الزمزمي و البالي و غيرهم ثم آد إلى مصر فأخذ بها عن الأجهوري و الخفاجي و الميموني و غيرهم و كان الشيخ البابلي يقول له: شنف الأسماع علما منه أنه لا يأتي إلا لسماع حديث أو رواية غريب و هكذا عادته ما دخل على أحد من المشايخ إلا استفاد و أفاد قال أبو سالم: و لو قيل: إن شيوخه كانوا يستفيدون منه إنما هي الرواية و هم يستفيدون منه الدراية و أخذ بالصعيد عن الشيخ الجامع بين علمي الظاهر و الباطن أبي الحسن على المصري ثم عاد للحجاز و ألقى بالحرمين عصى التسيار و بث هنالك ما تحمل عن أشياخه.
و بالجملة فهو نادرة الوقت و مسند الزمان و له فهرسة سماها "كنز الرواة" و سلك في ترتيبها مسلكا غريبا و هو أته رتبها على أسماء شيوخه فيبدأ بالتعريف بشيخه و ذكر مؤلفاته و مقروءاته و أسماء شيوخه ثم يذكر كل كتاب قرأه عليه فيذكر سنده إلى مؤلف الكتاب فيعرف بهذا المؤلف و يذكر طرفا من أول الكتاب و كان ينشد في عد أحاديث البخاري:
وعد أحاديث البـخاري خاصـا
من العود و التكرار ألفـان مع نصـف
وزد عشرة من بعدها و ثـلاثـة
أضفها إليها تنـج مـن شبـه الخلـف
وكان يستحسن قول حسان في مدح مولانا ابراهيم النبي صلى الله عليه وسلم:
مضى ابنك محمود العواقب لم يشب
بعيب و لم يذمم بقول و لا فعـل
رأى أنه إن عاش سـاواك في العلا
يصبـر على مصـه الصـديـدا
و فوائده رحمة الله كثيرة قال: و قد لقتني الشيخ البكري الذكرى و هو استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه ثلاثا و لا إله إلا الله ثلاثا و يدي في يده ورداؤه من اهـ. و توفي سنة ثمانين و ألف 1080.
و في "الخلاصة الأثر": عيسى بن محمد بن أحمد بن عامر جار الله أبو مكتوم المغربي الجعفري الثعالبي الهاشمي نزيل المدينة المنورة ثمن مكة المشرفة إمام الحرمين و عالم المغربين و المشرقين الإمام العامل الزاهد المتفنن في كل العلوم الكثير الإحاطة و التحقيق ولد بمدينة زواوة من أرض المغرب و بها نشأ و حفظ متونا في العربية و الفقه و المنطق و الأصلين و غيرها و عرض محفوظاته على شيوخ بلده منهم: الشيخ عبد الصادق و عنه أخذ الفقه ثم رحل إلى الجزائر و أخذ بها عن المفتي الكبير الشهير الشيخ سعيد قدورة و حضر دروسه وروى عنه الحديث المسلسل بالأولية و الضيافة على الأسودين الماء و التمر و تلقين الذكر و لبس الخرقة و المصافحة و المشابكة و لازم دروس الإمام الشهير و الصدر الكبير أبي الصلاح على بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي مدة تزيد على عشر سنين فشارك ببركته في فنون عديدة و اخذ عنه الصحيح "الصحيح البخاري" إلى نحو الربع منه على وجه من الدارية بديع التزم الكلام فيه على إسناده بتعريف رجاله من ذكر سيرهم و مناقبهم و مواليدهم و وفياتهم و ما في الإسناد من اللطائف، من كونه مكيا أو مدنيا و فيه رواية الأكابر عن الأصاغر و الصحابي عن الصحابي و نحو ذلك و على متنه بتفسير غربيه و بيان محل الاستدلال منه و مطابقته للترجمة و ما يحتاج إليه من إعراب و تصريف و ما فيه من قواعد الأصولية و ما يبنى عليها من الفروع و الإلماع بما فيه من الإشارات الوفية و غير ذلك مما يبهر العقول و سمع عليه جميع الصحيح غير مرة على طرق مختصر بين الدراية و الرواية و سمع عليه طرفا من "الشفاء" تفقها فيه بمراجعة شروحه: التلمساني و الدلجي و الشمني و غيرهم و أخذ عنه في علوم الحديث ألفية العراقي تفقها فيها و في شرحها للمنصف و شيخ الإسلام و في الفقه جميع "مختصر خليل" تفقها فيه بمطالعة شروحه بهرام و النتنائي و الموافق و ابن غازي و الحطاب و غيرهم و "الرسالة" إلى نحو النصف منها تفقها فيها كذلك بمراجعة شروحها الجزولي و أبي الحسن و غيرهما و نبذة من "تحفة الحكام في نكت العقود و الأحكام" لإبن عاصم و في أصول الفقه جميع "جمع الجوامع" للسبكي مرتين قراءة بحث و طرفا من "أصول ابن الحاجب" مع نبذة من شرحه للعقباني و شرحه للقاضي عضد الدين و"حاشية المحقق التفتزاني" عليه و في أصول الدين "أم البراهين" بشرحها للسنوسي من قوله: ويجمع معاني هذه العقائد كلها قول لا إله إلا الله إلى آخره و جميع المقدمات بشرحها له وطرفا من "الكبرى" له و طرفا من "اختصار الطوالع" للبيضاوي و في النحو "الألفية" لإبن مالك سماعا من لفظه من أولها إلى ترجمة الكلام و ما يتألف منه، مع الإلماع بلطائف و نكت و "اللامية" من أولها إلى باب أبنية الفعل المجرد و تصاريفه و في فن البلاغة جميع "تلخيص المفتاح" بشرحه "المختصر" و في المنطق جميع "الجمل" للخونجي مرتين بمراجعة شروحه: التلمساني و من "ايساغوجي" من القياس الخ و من "البردة" من أولها إلى قوله: نبينا المر الناهي و كان يأتي فيها بالعجائب و الغرائب و ربما يمر عليه الأيام في البيت الواحد منها بمراجعة شرحها لابن مرزوق الحفيد و غيره و في التصوف "المباحث الأصلية" نظم ابن البنا في "آداب السلوك" و غير ذلك مما لا يحصى في فنون شتى كالرسم و الضبط و البديع و العروض و القوافي و التفسير و أخازه مرات بل أنابه عنه في مباشرة وظيفة التدريس له و زوجه و ابنته و اختص به و لم يفارقه حتى مات و ماتت زوجته فرحل عن الجزائر و تعبه للقراءة عليه في المنطق شيخنا العلامة المحقق المدقق يحي بن محمد بن محمد بن محمد بن عيسى بن أبي البركات الشهير بالشاوي، و قال: أنه سار معه نحو ثماني مراحل حتى أكمل قراءته عليه ودخل تونس و أخذ عمن بها من أجلائها، كالشيخ زين العابدين و غيره و لما دخل إلى قسنطينة أخذ بها عن الشيخ المعمر عبد الكريم اللفكوني و لم يزل على ذلك كلما اجتمع بأحد من العلماء استفاد منه و أفاده حتى وصل إلى مكة المشرفة و حج في سنة اثنين و ستين و ألف 1062 و جاور بها سنة ثلاث و ستين و سكن بخلوة في رباط الدواوية و أخذ عنه إذ ذاك الشيخ غلي باحاج و قرأ عليه "الصحيحين" و "الموطأ" ثم رحل إلى مصر و أخذ بها عن أكابر علمائها كالنور على الأجهوري و القاضي الشهاب أحمد الخفاجي و الشمس محمد الشوبري و أخيه الشهاب و البرهان المأموني و الشيخ سلطان المزاحي و النور الشبراملسي و غيرهم مم بطول ذكر أسمائهم و أجازوه برواياتهم و أثنوا عليه بما هو أهله بل اتفق له مع شيخ الشافية محمد الشوبري و آخيه شيخ الحنفية أحمد أ،ه اجتمع بها في وليمة عند بعض الكبراء فقدم إليها استدعاء بخطة فلما رآه الكبير منهما و هو الشمس محمد قال معتذرا عن كتابه الإجازة قد جاء في الحديث "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" الخ و إني لا أحسن الكتابة عليه فقال: أنا على مذهب الأخ و كتب له البرهان المأموني في إجازته أنه ما رأى منذ زمان من يماثله بل من يقاربه و رحل إلى منية ابن الخطيب و أخذ بها عن الشيخ علي المصري و هو الشيخ العارف بالله تعالى الورع و الزيد الزاهد المشهور بالولاية العظيم القدر الجامع بين الشريعة و الحقيقة صاحب التصانيف منها "تحفة الأكياس في سحن الظنّ بالناس" و رسالة الأنوار في بيان فضل الورع من السنة و كلام الأخيار" و غير ذلك ثم رحل إلى مكة شرفها الله تعالى و أخذ بها عن أجلائها كالقاضي تاج الدين المالكي و الإمام زين العابدين الطبيري و الشيخ عبد العزيز الزمزمي و الشيخ علي ابن الجمال المكيين و أجازوه بمروياتهم و لازم بها خاتمة المحدثين الشمس البابلي و خرج له فهرسة بمقروءاته و اشتغل بالتدريس في المسجد الحرام في فنون كثيرة و كان يزور النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء كل سنة و يتردد على الأستاذ الصفي أحمد القشاشي و يأخذ عنه و كان يقول ما رأيت مثل سيدي الشيخ أحمد يكتب ما أراد من غيره احتياج إلى تفكر قال: و كان شيخنا علي بن عبد الواحد يقول: ما دام القلم في يدي و مدته فيه كتبت به فإذا جف احتجت إلى التأمل و الاستحضار و أما سيدي الشيخ أحمد فلا يقف وراده عند جفاف قلمه و مكث بمكة سنين عزبا ثم ابتنى له دارا و اشترى جارية رومية و استولدها وحصل كتبا كثيرة و كان للناس فيه اعتقاد عظيم حتى إن العارف بالله السيد محمد باعلوي كان بقول في شأنه إنه زروق زمانه و كان السيد عمر باحسن باعلوي يقول: من أراد أن ينظر إلى شخص لا يشك في ولايته فلينظر إليه و كفى بذلك فخزاله من شهد له خزيمة فحسب و قد شوهدت له كرامات و كانت سائر أوثاته معمورة بأنواع العبادة .
و انتفع به جماعة من العلماء الكبار منهم الأستاذ الكبير ابراهيم بن حسن الكوراني و شيخنا الحسن علي العجمي و شيخنا أحمد بن محمد النخلي فسح الله تعالى في أجلهما و السيد محمد الشلي باعلوي و السيد أحمد بن أبي بكر شيخان و السيد محمد بن شيخنا عمر شيخان و الشيخ عبد الله الطاهر العباسي و غيرهم.
و له مؤلفات منها "مقاليد السانيد" ذكر فيه شيوخه المالكيين و أسماء رواة الإمام أبي حنيفة و "فهرست البابلي".
و كانت وفاته يوم الأربعاء لست بقين من رجب سنة ثمانين بعد الألف و دفن بالحجون عند قبر الأستاذ المشهور الشيخ محمد بن عراق.
تاريخ الإضافة : 28/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف