يشهد المجتمع الجزائري جملة من التغيرات السوسيو ثقافية التي تستقطب الباحثين، وتدفعهم إلى التساؤل عن الوجهة التي يمكن أن يأخذها المجتمع في ظل الظواهر التي تجتاحه، والتي يصر الكثيرون على اعتبراها دخيلة عليه مثل تغير سلم القيم وتغير أيضا الأدوار الاجتماعية وتقسيم العمل ومكانة المرأة والعلاقات بين الزوجين، النفقات وتقاسم الأعباء المنزلية، بما في ذلك أشغال البيت كلها.. ظاهرة يخضع تسييرها إلى سلم قيم معين غالبا ما يخلق توترات ويهدد النسيج العائلي بالانفجار إذا حدث تصادم بين الطرفين.كانت هذه جملة من الظواهر التي تطرقت إليها دراسة جديدة، حيث نوقشت مؤخرا مذكرة ماجستير في علم النفس من خلال دراسة استقصائية أجريت في عين الدفلى من خلال مقابلات مع عينة من 100 شخص يمثلون عائلات من مختلف الخلفيات الاجتماعية، استعرضت الحواجز التي تحول دون التواصل داخل الأسرة الجزائرية. الدراسة كما تناولها مؤلفها حاولت التركيز على الجوانب التواصلية الغير مادية في علاقات الأفراد أكثر من تركيزه على العلاقات المادية والاجتماعية، لأن العلاقات السيكولوجية والحميمية هي التي تلعب أدوارا مهمة في خلق التوازن داخل الأسرة وتوفير محيط نفسي سليم للفرد، فأحيانا كثيرة يلعب حتى الصمت و لغة الجسد دورا كبيرا في خلق دينامكية التواصل بطريقة معينة وفقا للأشكال و للأدوار التي يقوم بها كل عضو من أعضاء الأسرة، وتستمد قوتها من مرجعيتها التي تختلف باختلاف الأفراد ومحيط النشأة الاجتماعية .
خلص الباحث من خلال دراسته إلى أن الأسرة الجزائرية تعاني من ازدواجية بين مظاهر تبدو حداثية وبين بينية تقليدية مازالت تتحكم في تسيير نمط العلاقات، وعلى أساسها يتحدد تقسيم العمل اجتماعيا وإسناد الأدوار. لهذا تبدو الأسرة الجزائرية - تقول الدراسة - متصارعة عبر نموذجين، الأسرة النووية التي تحاول أن تجسد قيم الحداثة والعصرنة، وأسرة ممتدة تلك التي ما تزال تفرض نمط إنتاج القيم مثل طريقة التربية ومكانة المرأة وعملها، وآداب التعامل وتواصل العادات والتقاليد. هذا في مقابل أنماط أخرى من السلوكيات تفرضها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع و التي تفرض بدورها مجموعة من أنماط العيش، مثل الفردانية والاستقلال الذاتي الذي يعرف كل فرد من أفراد الأسرة، ليس استنادا إلى دوره ضمن الجماعة لكن دوره كفرد وما يقدم للأسرة كذات مستقلة. هذه التغيرات تؤثر على النسيج ألعلائقي، وتغيير عملية الاتصال بينما تظهر عقبات جديدة، خاصة في الأسرة الممتدة.
الدراسة ركزت على الاستراتيجيات المستخدمة من قبل أفراد الأسرة وتحديدا في علاقات الزوجين وعلاقة المرأة بأهل زوجها، وكذا علاقات الآباء بأبنائهم. و قد أكدت الدراسة أن التحولات العميقة التي عرفها المجتمع الجزائري أثرت مباشرة على تنظيم الأسرة وطريقة التواصل داخل الأسرة، حيث بدأت الأجيال الجديدة تفرض نوع من دمقرطة العلاقة خاصة بين النساء والرجال، لكن هذا لا يعني أن النمط التقليدي في العلاقات قد فقد سيطرته على الأسرة الجزائرية التي تمر بمرحلة انتقالية يطبعها الصراع بين نمطين ونموذجين، تقليدي وحداثي، يحاول أن يبني هوية جديدة، حيث يحاول كل نموذج التوسيع من دائرة سيطرته.
النموذج الحداثي من خلال فرض أو تعديل الوظائف القديمة في الأسرة وإعادة تقسيم العمل وإسناد الأدوار ونموذج تقليدي يحاول الحفاظ على القيم الدينية وثقافة التضامن الاجتماعي والمساعدة والإبقاء على الروابط بين الآباء و الأبناء حتى بعد الزواج. الدراسة لم تغفل الضغوطات التي تفرضها الظروف الاقتصادية والاجتماعية على الأدوار داخل الأسرة والأزمات الناتجة عن ذلك. فالبطالة وأزمة السكن واقتسام الأعباء المالية في الأسرة الممتدة وظهور متطلبات جديدة مثلا لدى الأسرة كانت في السابق تعتبر من الكماليات عادة ما يخلق التصادم ويحدث المشاكل.
خلصت الدراسة إلى أن المشاكل التواصلية التي تحدث داخل الأسرة تعود في غالب الأحيان إلى غياب الإنصات لكل الأطراف، لأن النمط التقليدي يفرض على الجميع محاولة تلبية احتياجات الأسرة كنوع من الواجب، لكن هذا النمط يتجاهل مصالح الأفراد زيادة على غياب الصراحة والمواجهة والحديث الصريح، الأمر الذي يشكل إحدى العقبات التواصلية التي تنتج التناقض والتشويش داخل الأسرة، وقد تؤدي إلى تفجيرها.
ما طرحته هذه الدراسة يتماشي تماما مع ما سبق أن طرحه الباحث الاجتماعي، سليمان مظهر، الذي حلل في أكثر من مناسبة أنماط إنتاج القيم داخل الأسرة الجزائرية، حيث يؤكد مظهر أن الأسرة في الجزائر تغتصب الحياة الخاصة للفرد، حيث هي التي تعيد إنتاج القيم وتوزيع الأدوار وفرض نمط الحياة، فالجزائري داخل الأسرة، خاصة بالنسبة للمرأة والأطفال والرجل بدرجة أقل لا يعيش حياته لكن يعيش حياة الآخرين.
ويخلص مظهر إلى التأكيد أن الأسرة الجزائرية التي تحطمت بنتيها منذ الاستقلال، وكانت عرضة لكل أنواع الهزات التي عاشها المجتمع هي في الأساس وفي البنية أسرة تقليدية محافظة، حتى وإن غلفت مظاهرها بقشور الحداثة والعصرنة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/09/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : زهية م
المصدر : www.al-fadjr.com