الجزائر - A la une

آسفة باريس.. الصحراء أولى



آسفة باريس.. الصحراء أولى
إن الاعتماد على نخوة ووطنية سكان هذه المناطق ليس بالرهان الدائم، فمن انتقل يوما إلى الإليزيه ورفض التفاوض باسم سكان الصحراء، وقال إن ممثلنا الوحيد هو جبهة التحرير الوطني غير موجود اليوم، ومن يشبهه ويؤمن بقناعاته لن يكون غدا، ومن يحركه حب الجزائر والانتماء إلى هذا الشعب لن يكون غدا، وأي اختلال قد يعصف بكل التضحيات، ولهذا وجب التنبيه والتحذير..كتب أحد الشباب الغاضبين على صفحته في الفايسبوك: “منذ 1962 وهم يقولون لنا الجزائر دولة سائرة في طريق النمو، وإلى غاية 2015 مازالت دولة سائرة في طريق النمو، فلا أعلم هل الطريق نحو النمو طويل لهذا الحد، أم أننا أخطأنا الطريق؟”.. وبقدر ما يضحك هذا التعليق، بقدر ما يحمل حقيقة مرة، إننا في الواقع أخطانا الطريق والخيارات، فلم نصل إلا إلى الهاوية التي تعبر عنها الاحتجاجات المتواصلة، التي دقت حتى أبواب الصحراء الهادئة التي لم نسمع لها صوتا رغم ما تعانيه من تهميش.زرت لأول مرة صحراءنا الجزائرية في أواخر ديسمبر سنة 2010 وعدت يومها مذعورة من هول ما رأيت، كانت قد بدأت ثورة الياسمين في تونس، قلت يومها إن جاءت الضربة في الجزائر، ستأتي من ظهرها الجنوبي، ومن هذه الأراضي، كيف لدولة مستقلة منذ 1962، وتعيش على خيرات هذه المنطقة، تترك سكانها يعيشون في هذا الفقر والحاجة؟ كل التبريرات وقتها لم تقنعني، بعضهم قال لي إنهم يحبون حياة البساطة والخيم فلا نريد أن نتدخل في طبيعة الحياة هنا، لكنني رأيت عائلات تسكن ديارا غير لائقة وبعضهم قال “التوارڤ” يرفضون حياة المدينة، لكن رأيت “الترڤي” يقود “4x4” ويتاجر، ترڤي سنة 1962 ليس هو اليوم نفسه. مرضت يوم اكتشفت أن مدينة تمنراست لا تضم إلا طبيبا واحدا متطوعا.. شباب ضائع لا يجد حتى أين يمارس حبه للموسيقى، وملايير رميت من نوافذ وزارة الثقافة.. ولذلك وجب التنبيه.إن الاعتماد على نخوة ووطنية سكان هذه المناطق ليس بالرهان الدائم، فمن انتقل يوما إلى الإليزيه ورفض التفاوض باسم سكان الصحراء، وقال إن ممثلنا الوحيد هو جبهة التحرير الوطني غير موجود اليوم، ومن يشبهه ويؤمن بقناعاته لن يكون غدا، ومن يحركه حب الجزائر والانتماء إلى هذا الشعب لن يكون غدا، وأي اختلال قد يعصف بكل التضحيات، ولهذا وجب التنبيه والتحذير.. إن منطقة الصحراء العزيزة التي همشت كما همش أغلب التراب الوطني منذ 1962، لكن بدرجة أكبر، بالإضافة إلى قساوة الطبيعة تتوجب اهتماما أكثر ومراعاة أكبر، ليس فقط لأنها تشهد اضطرابات اليوم، بل هي رؤية إستراتيجية للحفاظ على التماسك الجغرافي والاجتماعي للمنطقة وحماية ظهر الجزائر. إن تواجد الإنسان الصحراوي في المنطقة تضحية في حد ذاته ووطنية ما بعدها وطنية، وجود هؤلاء السكان رغم قدرتهم ماديا على العيش في الشمال، وحفاظهم على طبيعتهم وتراثهم، أكبر ضامن للحفاظ على صحراء من أي اختراق، الجيش وحده لن يقدر على تأمين كل تلك الأراضي، وبالتالي فإن توفير كل الظروف اللازمة للحياة الحديثة والكريمة، ووضع كل المرافق الضرورية وتشجيع السكان على البقاء وغيرهم على الاستثمار، وفتح المجال أمام الاستثمار الفلاحي والسياحي في الصحراء، هي الخطوط العريضة لإستراتيجية الحفاظ على الجنوب. لا يكفي النفط من أجل توفير مناصب العمل، على الدولة التي بذرت ملايير الدولارات في “بنين ومالح” و”البنان والكيوي” أن تضمن استقرارا أكبر للأجيال القادمة في هذه المناطق، بتوفير موارد للعملة الصعبة، عن طريق تشجيع السياحة الصحراوية وزرع النخيل والحبوب في الصحراء التي إن تم استغلالها ستكفي سكان الجنوب والشمال، بدل التفكير في الغاز الصخري الذي لن يجلب لنا إلا الويلات، وسيؤدي إلى ضياع ثروة مائية باطنية هائلة، وتهميش ثروة طبيعية لا تنضب وهي الطاقة الشمسية، إن الصحراء الجزائرية تتعرض لإرهاب ما بعده إرهاب وهو الاستغلال غير العقلاني لثرواتها الباطنية.بدل أن تتوجه الأعناق والأقلام والأرجل والأيدي إلى باريس الخائفة من الإرهاب. بدل أن نتوجه إلى باريس للتنديد بحادثة “شارلي” (التي أرفضها جملة وتفصيلا، كما أرفض إلصاقها بالمسلمين)، علينا أن نتوجه إلى ما يحدث في الصحراء، وما يحاك ويخاط هناك، أمام ووراء أعين الجزائريين، ونصرخ كجزائريين ونحن الذين رضعنا من خيرات هذه المناطق العزيزة، كلنا الصحراء.. كلنا عين صالح، تمنراست، إين أمناس، إليزي، جانت، أدرار، تندوف، حاسي مسعود، عين ڤزام، بشار، بسكرة، غرداية، نعامة، تيميمون، ورڤلة.. كلنا الجزائر وكلنا ضد الغاز الصخري.. “كلوا الكسرة واشربوا الماء كأجدادكم، واتركوا الصحراء وشمسها للعيش فيها بسلام” ...




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)