الجزائر

آثار ومآثر التوبة أوسع من الذنب



آثار ومآثر التوبة أوسع من الذنب
الجزائري رغم الاضطهاد والظلم الذي سُلّط عليه طيلة الحقبة الاستعمارية الطويلة التي وصفتها إحدى الشخصيات الجزائرية الكبيرة في عنوان كتاب لها، ب “ليل الاستعمار”؛ تأكيدا منها على بطلان ما تدّعيه فرنسا الاستعمارية بأنها حملت إلى الشعوب التي احتلتها رسالة الحضارة وأخرجت هذه الشعوب من ظلمات التأخر إلى نور الحضارة والتمدن، تفطّن الجزائري لمكائد الاستعمار وتخطيطه لتخريب شبكة التواصل بينه وبين حضارته وتاريخه، وذلك منذ أن تبنّت طغمة الغزاة تحويل المساجد إلى كنائس وإسطبلات وغلق المدارس.الاستعمار الفرنسي وضع استراتيجيته لتدمير الذات الجزائرية وتمزيقها، محاولا في ذات الوقت إعادة بنائها على المجهول، فبدأ بتشويه هذه الذات في الأسماء ووصفها بالنعوت المدمّرة مثل الكسل، ووصف كل عمل قبيح ورديئ وغير صالح بعمل محمد، الذي هو عمل العربي، فيصف العربي بمحمد، ويصف العمل المذموم بالعمل العربي! وقد أشاع في أوساط الناس هذه المصطلحات، التي مازالت متداوَلة إلى يومنا هذا “العربي كحل الراس”، ويقصد به أن العربي عبارة عن ثعبان؛ سمّه في رأسه؛ أي ليس له في الرأس إلى المكر والخبث والسم القاتل!
هذه الصور القبيحة حاول الاستعمار تكريسها وغرسها في أذهاننا، وماتزال صلاحيتها تعمل وتتداول بيننا، والكثير منا يظنها أمثالا شعبية، فيستثمرها في خطابه المنطوق والمكتوب، ويستعملها في أدبياته وحياته اليومية، لكن هذه المصطلحات التي أنتجها الاستعمار وجعلها نسيجا اجتماعيا بغزل أنامل كولونيالية من أهدافها إبقاء هذا المجتمع مستعبدا فكرا وثقافة لا يعرف من هو، كما قال صاحب عنوان كتاب “ليل الاستعمار” سالف الذكر، وهو الرئيس فرحات عباس ما معناه: “بحثت عن الأمة الجزائرية فلم أجدها”، ليرد عليه رائد النهضة الجزائرية في قصيدته المشهورة: “شعب الجزائر مسلم .. وإلى العروبة ينتسب”، ويرد عليه أبو الحركة الوطنية الجزائرية ب “رسالة إلى الأمة الجزائرية”.
الشعب الجزائري تَنبّه منذ وطئت أقدام المستعمر الفرنسي، للغاية والهدف من الاحتلال، وهو انتزاع الجزائر من أصالتها وهويتها ومقوماتها، وذلك من خلال سياسة التجهيل ومحاربة الأصيل وجعل الضياع وعدم الانتماء هو البديل. وقد حدّثني الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس أطال الله في عمره أن رجلا جزائريا قدم إلى الشيخ عبد الحليم بن سماية إمام الجامع الكبير ومفتي الجزائر، يستفتيه في شأن توبته بعد أن قص عليه الجرائم البشعة التي ارتكبها في حق نفسه ومجتمعه ووطنه، ومنها أنه جندي في الجيش الفرنسي، أضف إلى ذلك ارتكابه المنكرات؛ من شرب خمر وانتهاك حرمة رمضان وعدم أدائه الصلاة المفروضة والزكاة وغيرها، فأجابه الإمام الكبير: “نعم الله يغفر لك هذه الجرائم والمنكرات المرتكبة؛ لأن التوبة تسعها جميعا شرط أنك إذا استيقظت من نومك كل صباح تنظر للمرآة ثم تلعن فرنسا”.
قد أدرك الإمام أن جرم فرنسا لا يُغتفر، وتوبتها لا تُقبل؛ فهي مثلها مثل توبة الذئب في المثل الفارسي، الذي لا يمكن أن تكون إلا في قتله؛ لأن الذئب طبيعته الغدر.
فهذه النصيحة التي نصح بها مفتي الجزائر السائل كانت مؤسسة على دراية الشيخ بالاستعمار الفرنسي، الذي لا يمكن أن نأتمن جانبه ونطمئن إليه.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)