لم تكلّ الفنانة عليا عداي ولم تملّ من توجيه أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لجمعية رياحين لإنجاز لوحات فنية، لمدة ثلاث سنوات كاملة. والنتيجة معرض يضم أربعين لوحة تسرّ الناظرين، وتقترب من الاحترافية، معروضة، حاليا، بقصر رياس البحر.تنظم جمعية رياحين لذوي الاحتياجات الخاصة، معرضا تشكيليا ثمرة ثلاث سنوات من العمل الجاد والطويل للفنانة عليا عداي، مع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ من التريزوميا، والتوحد، والإعاقة الذهنية تحت شعار " نحن والأمل أصدقاء "، وبعنوان "معرض فارس".
بالمناسبة، تحدثت المشرفة على هذه الورشة طويلة الأمد، الفنانة عليا عداي إلى " المساء "، عن حيثيات التجربة، التي تكللت بأربعين لوحة، كل واحدة منها وقّعها خمسون طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقالت عليا إن كل طفل من المركز شارك في اللوحات حسب مقدرته وإمكانياته؛ فهناك من لا يتمكن حتى من مسك ريشة، فأوكلت إليه مهمة ملء الفراغات والمساحات بالألوان، مضيفة أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة شعروا بسعادة كبيرة وهم يجسدون أعمالا فنية ذات قيمة. وتابعت: " في مركز الريحان تنظم ورشات أخرى في البستنة، وصناعة الصابون، والنجارة. وحينما يصل الطفل إلى سن معيّنة، ينتقل إلى ملحقتهم للتمهين؛ حتى يكون له مدخول مادي، يوفر له حياة كريمة "، مطالبة السلطات المعنية باعتبار فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل الأطفال الآخرين؛ لهم مكانتهم في المجتمع.
أما عن المعرض فقالت عليا ل " المساء "، " إن سمك اللوحات الكبير نوعا ما مرده احتضانها لمسات خمسين طفلا؛ إذ يرسم طفل رسمة أو يلوّن، ثم يأتي طفل آخر ويضع لمسته، أو يصحح ما يمكن تصحيحه، وهكذا دواليك ". واستطردت أن لكل طفل قدراته الخاصة، ممثلة بفارس، الذي سُمي المعرض باسمه، والذي أنجز لوحة، تقريبا، لوحده، وهو طفل مصاب بالتوحد، يبلغ من العمر 13 سنة.
أعمال شبه محترفة
واعتبرت المتحدثة أن كلا من يوسف وعبد الباسط وإسماعيل وروزة وغيرهم من أطفال مركز الريحان، قدّموا أعمالا قيّمة، وكأنها محترفة، مشيرة إلى أنها اختارت بعض مواضيع اللوحات حسب رغبات الأطفال؛ فمثلا تم انتقاء موضوع الطاسيلي؛ لأن الطفل يوسف كان يردد كثيرا هذه الكلمة.
كما قامت عليا في لوحة "زخارف " بوضع الخطوط الرئيسة للوحات والتقطيع، بينما قام الأطفال باختيار أماكن وضع المربعات والدوائر. وفي هذا قالت إن المدقق في هذه اللوحة يمكنه أن يستنتج قلة احترافيتها، لكنها خرجت في الأخير بشكل جميل.
أما لوحة " ميكس ميديا" فقد طالبت فيها المشرفة بوضع ثلاثة ألوان عليها، ليختار طفل اللونين الأسود والأحمر، ومن ثم تم إلصاق الورق المذهب عليها. كما قدّمت توجيهات أخرى؛ مثل التلوين باستعمال الريشة انطلاقا من أعلى إلى أسفل.
وتحدثت عليا عن الانتقادات التي طالتها من البعض حول توجيه الأطفال في الرسم، وعدم تركهم يرسمون أو يخربشون كما يشاءون، فقالت: " إن هؤلاء الأطفال بشيء من التوجيه، تمكنوا من تقديم أعمال جميلة وقيّمة، وهذا برهان على إمكانياتهم الفنية، خاصة أنهم استعملوا موادَّ يعتمد عليها الفنانون المحترفون ".
أما لوحة "سجادة" فأُنجزت بنسبة خمسين من المائة من عليا. والخمسون من المائة المتبقية من صنع أنامل الأطفال، لتكون النتيجة لوحة جميلة فعلا، أعجبت الكثير من الزوار رغم تحفّظ عليا؛ لأنها فنانة محترفة، ومع ذلك فهي سعيدة جدا بالوصول إلى هذه النتيجة.
وفي لوحة أخرى وضع الأطفال مرساما مختلف الألوان والأشكال، بيد أن عليا استغلت حب عبد الباسط للتلوين، فطلبت منه أن يلوّن خلفية اللوحة، بينما قام أطفال آخرون بإلصاق الأحجار الجميلة عليها.
قدرة كبيرة على الإبداع
بالمقابل، يضم المعرض سبع لوحات أُنجزت في عين المكان؛ أي في قصر رياس البحر؛ لكي يشاهد الزوار بأم عينهم، طريقة إنجاز هذه اللوحات من طرف الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة؛ مثل لوحة "مدينتي" التي أن رُسمت في أربع حصص، بمعدل ساعتين في كل حصة، ولكي يتعرف الزوار أيضا، على الصعوبات التي تلاقي الأطفال في تحقيق هذه المهمة، علاوة على لوحات أنجزتها مشرفات أخريات بالمركز، استفدن من تربصات، وأخرى رسمتها عليا؛ مثل الخاصة بالحلي التقليدية.
واعتبرت عليا أن السيطرة على طفل مصاب بالتوحد لكي يستمر في التركيز لمدة ربع ساعة، إنجاز حقا، وهو ما تمكنت من تحقيقه في هذه الفعالية، خاصة بالنسبة للوحات التي تم استعمال فيها قلم رولياف، الذي يتطلب الضغط عليه، وتحريكه في نفس الوقت، بالإضافة إلى صعوبة إعادة اللوحات التي تم تخريبها من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
ونوّهت عليا بقدرة الأطفال على المزج بين الألوان بشكل جميل، وبإمكانية استخراج اللون البنفسجي من طرف طفل آخر. كما أشارت إلى لوحة "العجار" التي استخدمت فيها ورق الأرز، الذي أُلصق بشكل يظهر أنه جزء من اللوحة، بينما تم في لوحة أخرى، إنجاز رسمة ثلاثية الأبعاد لجرة ماء، واستغرق ذلك مدة زمنية طويلة.
وقدّمت عليا ل " المساء" تفاصيل أوفر عن لوحة "فن تشكيلي "، التي وإن جاءت أقل احترافية من العديد من اللوحات إلا أنها فخر للمركز؛ لأنها، تقريبا، من إنجاز الأطفال لوحدهم. وفي هذا قالت: "تبدو اللوحات الأولى المعروضة أكثر دقة واحترافية من هذه اللوحة. والحقيقة أنني ساهمت بشكل ضئيل، في هذه الأخيرة؛ حتى يبرز جهد أطفالنا الجميل".
ويعرف المعرض، أيضا، عرض اللوحات المتبقية التي لم تُبع بعد؛ مثل اللوحة التي أنجزها فارس بشكل شبه كامل تحت عنوان: "فن تشكيلي 2".
وبالمقابل، رسم أطفال تريزوميا بعض اللوحات الزجاجية التي تتطلب ثقلا في الرسم بفعل مادة الزجاج الزلجة، في حين أطفال التوحد سريعون جدا، لا يمكنهم أداء هذه المهمة بنجاح.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : لطيفة داريب
المصدر : www.el-massa.com