يدخل يوسف بن تاشفين والمرابطون أرض الأندلس، ويدخل إلى إشبيلية والنّاس يستقبلونه استقبال الفاتحين، ثمّ يقصد إلى بطليوس، حيث كانت على مقربة من الزلاقة الّتي كان قد نزلها ألفونسو السادس، فتوجَّه إليه أمير المسلمين بجيوشه، واجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية. وكان المعتمد قد جمع عساكره أيضًا، وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير، وقصده المطوِّعة من سائر بلاد الأندلس، ووصلت الأخبار إلى ألفونسو فجمع عساكره، وحشد جنوده، وسار من طليطلة.
بدأ يلحق بركب يوسف بن تاشفين المجاهدون المتطوعة من قرطبة وإشبيلية وبطليوس، وهكذا حتّى وصل الجيش إلى الزلاقة في شمال البلاد الإسلامية، وعدده يربو على الثلاثين ألف رجل. وتحرَّكوا بقيادة يوسف بن تاشفين ليصلوا إلى الزلاقة، وهو ذلك المكان الّذي دارت فيه موقعة هي من أشهر المواقع الإسلامية في التاريخ.
كان النّصارى قد استعدُّوا لقدوم يوسف بن تاشفين فجمعوا عددًا ضخمًا من المقاتلين، بلغ في بعض التقديرات أكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل، على رأسهم ألفونسو السادس، بعد أن جاءه العون من الممالك النّصرانية فرنسا وإيطاليا وغيرها، وقَدِمَ ألفونسو السادس يحمل الصلبان وصور المسيح، وهو يقول: بهذا الجيش أقاتل الجنَّ والإنس، وأقاتل ملائكة السّماء. فهو يعرف تمامًا أنّها حرب صليبية ضدّ الإسلام.
وفي محاولة ماكرة لخديعة المسلمين أرسل ألفونسو السادس يُحَدِّدُ يوم المعركة، فأرسل أنّ: غدًا الجمعة، ولا نُحِبّ مقاتلتكم فيه؛ لأنّه عيدكم، وبعده السبت يوم عيد اليهود، وهم كثيرون في محلَّتنا، ونحن نفتقر إليهم، وبعده الأحد عيدنا، فلنحترم هذه الأعياد، ويكون اللقاء يوم الإثنين. فتَسَلَّم يوسف بن تاشفين الرسالة، وكاد ينخدع بها لأنّه كان يعتقد أنّ الملوك لا تغدر، ولقد كانت هذه أولى جولاته مع النّصارى، إلاَّ أنّ المعتمد بن عباد فهم الخديعة ونبَّه يوسف بن تاشفين إلى ما قد يكون فيها من الغدر.
بحذر تامٍّ لم يلتفت يوسف بن تاشفين إلى ما جاء في رسالة ألفونسو السادس، وقام بتعبئة الجيش وتجهيزه يوم الخميس، ووضعه على أتمِّ الاستعداد.
كان المعتمد بن عباد يراقب معسكر المرابطين خوفًا عليهم من مكائد ابن فرذلند. وفي اللّيل جاء فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنّهما أشرفَا على محلة ألفونسو وسمعَا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة، ثمّ تلاحقت بقية الطلائع محقِّقين بتحرُّك ألفونسو. وبعد ترتيب الجيش وصلاة فجر يوم الجمعة الموافق 12 من شهر رجب 479 هـ/23 أكتوبر 1086م، نقض ألفونسو السادس عهده، وبدأ بالهجوم في ذلك اليوم؛ إذ الغدر والخيانة ومخالفة العهود هو الأصل عندهم، حيث صُدم الجيش الإسلامي، وفوجئ بالفعل وانحطَّ عليه جيش النّصارى بكتائب ''تملأ الآفاق''.
هجم ألفونسو السادس بجيشه الضخم على الجيش الأوّل للمسلمين، حيث مال ألفونسو السادس على المعتمد بجموعه وأحاطوا به من كلّ جهة فاستحرّ القتل فيهم، وصبر ابن عباد وجيشه الأندلسي صبرًا لم يُعهد مثله لأحد، واشتدَّ البلاء، ثمّ ما هو إلاّ أن انضم إليه القسم الأول من جيش المرابطين وقائده داود ابن عائشة، وكان بطلاً شهمًا فنَفَّس بمجيئه عن ابن عباد.
إلاّ أنّ ألفونسو كان قد قسَّم هو الآخر جيشه إلى قسمين، فانهال بالقسم الآخر على جيش المرابطين الّذي يقوده داود ابن عائشة بأعداد ضخمة، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا، وبدا المعسكر الإسلامي في حالة الهزيمة. وهنا بدأ تحرّك الجيش المرابطي الرئيسي الّذي يقوده ابن تاشفين، وذلك بعد أن كانت قد أُنهكت قوى الطرفين من المسلمين والنّصارى، وبعد طول صبر ينزل يوسف بن تاشفين بالقسم الرئيسي من جيش المرابطين الّذين كانوا معه، وهم في كامل قوتهم، فيحاصرون الجيش النصراني. وحين علم النّصارى أنّ المسلمين من ورائهم، وأنّهم محاصَرون، ارتاعت قلوبهم، ورجعوا قاصدين محلّتهم، فأمدَّ الله المسلمين بنصره، وقذف الرعب في قلوب المشركين. ثمّ لجأ ألفونسو إلى تل يحتمي به كان قريبًا من معسكره ومعه نحو الخمسمائة فارس كلّهم مكلوم، ولمّا جاء اللّيل تسلّل وهو لا يلوي على شيء، وأصحابه يتساقطون في الطريق واحدًا بعد واحد من أثر جراحهم، فلم يدخل طُلَيْطلَة إلاّ بأقل من الثلاثين. وغنم المسلمون كلّ ما لهم من مال وسلاح ودواب وغير ذلك. واستشهد من المسلمين فيها حوالي ثلاثة آلاف رجل.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/07/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : الدكتور راغب السرجاني
المصدر : الخبر 28-07-2012