الجزائر

2200 شاب معرضون لمرض السل الرئوي الفتاك



2200 شاب معرضون لمرض السل الرئوي الفتاك
لا يزال مرض '' نيوموكونيوز ''، الناتج عن مهنة صقل الحجارة بالآلة الكهربائية، يحصد أرواح عشرات الشباب بباتنة عموما والقاطن بمدينة تكوت خصوصا، والذين اختاروا هذه المهنة رغم مخاطرها وصعوباتها على الجلوس مكتوفي الأيدي في انتظار حل هو بمثابة المعجزة لمشاكلهم التي أصبحت حديث العام والخاص بالولاية.
بعد أن غادرنا مستشفى الأمراض الصدرية بباتنة، أين يقبع ضحايا هذا المرض والذي أصبح يمثل ظاهرة خطيرة بعد أن تجاوز عدد الموتى سقف ال87 المصرح بهم فقط توجهنا إلى هذه المنطقة المسماة ''تكوت'' وهي منطقة جبلية تقع جنوب ولاية باتنة وتبعد 100 كلم عن عاصمة الولاية، وبعد أن وصلنا بصعوبة كبيرة نظرا لتضاريسها الصعبة وتزامن الزيارة مع اضطرابات جوية، قمنا بجولة صغيرة في شوارع وأحياء تكوت، ''الشعب'' ورغبة منها في الوقوف على الأسباب والدوافع الحقيقية التي جعلت الشباب يقبلون على هذه الحرفة القاتلة وبشكل ملفت للانتباه، توجهنا إلى إحدى المقاهي الشعبية هناك، حيث تحدثنا ومطولا مع مجموعة من الشباب الذين ورغم إدراكهم لخطورة هذه المهنة ومعرفتهم الشخصية بالضحايا الذين لقوا حتفهم، إلا أنهم مازالوا متمسكون بممارستها، بحكم أنها تدر عليهم أموالا كثيرة تتراوح بين 100 ألف دج إلى 150 ألف دج شهريا وفي وقت سريع، وإن كان الموت فيها أسرع دائما من جمع تلك الأموال، كما أن معاناتهم التي لا تنتهي من الفقر والبطالة والحرمان من أبسط ضروريات الحياة أصبحت من السمات المميزة لهذه المنطقة، حتى أن المشاريع التنموية تكاد تكون شبه منعدمة رغم أن المنطقة زراعية ومعروفة بالأشجار المثمرة، إلا أن انعدام المستثمرين وغياب الدعم وشحّ الإمكانيات والمساعدات حالت دون تحقيق نهضة تنموية تقضي أو على الأقل تقلل من كابوس البطالة الذي يقض مضاجعهم، هذه المشاكل والمعاناة والموت ''المقنن''، حيث قامت البلدية مؤخرا بترميم المجمع الصحي بمركز البلدية الذي يتسع ل10 أشخاص وتجهيزه، إلا أن النقص في الخدمات يبقى الغالب.
.....من هنا تبدأ الحكاية؟
حسب شباب تكوت تدفعهم إلى التوجه ودون وعي إلى مهنة الموت كما يحلوا لهم تسميتها، هذه المهنة التي يعود تاريخ ظهورها في المنطقة إلى عقد من الزمن، ولعلّ ما سمح بانتشارها هو خصوصية منطقة تكوت، والتي تتوفر على مقالع كبيرة لاستخراج الحجارة والصخور من الجبال المجاورة وفي ظروف خطيرة جدا، حيث يقومون وباستعمال الآلات الكهربائية بصقل هذه الحجارة بغية تشكيل قوالب حجرية وتماثيل مختلفة الأشكال الأحجام والألوان لتستعمل في تزيين واجهات الفيلات والمساكن الفاخرة بباتنة وغيرها من المدن، هذا وأشارت مصادرنا الطبية من مستشفى الأمراض الصدرية بباتنة وعلى رأسهم البروفسور ''جبار '' إلى أن استنشاق الشباب وبصورة دائمة للغبار الدقيق المتطاير أثناء عملية الصقل وبعد أن يتغلغل في الرئتين يؤدي إلى صعوبة كبيرة في حركية الدم، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبات في التنفس، ينجر عنها إصابتهم بداء خطير وقاتل هو السل الرئوي الحاد '' نيوموكونيوز ''، وهو آخر محطة مرضية في حياة الشباب.
هذا وأشارت ذات المصادر الطبية إلى أن أعراضه يمكن أن تكتشف بسهولة وبمجرد إجراء فحص طبي، وتتمثل الأعراض في الضعف والهزال والإصفرار والحكة، وقد تم إلى غاية اليوم تسجيل 42 ضحية، وفي سياق المتصل أكدت بعض الإحصائيات المحلية المتوفرة لدينا على أن أكثر من 2200 شاب بقرى بلديات باتنة يفضلون مهنة صقل الحجارة رغم خطورتها، حيث يتركون لأجلها ديارهم و أهاليهم و''يحجون'' إلى الولايات الكبرى، خاصة تيزي وزو، عين الدفلة، بجاية، قسنطينة...إلخ، ليمارسوا هذه المهنة التي لم ينجو منها أي مصاب إلى حد الآن، خاصة وأن أكبر الأطباء فشلوا في إنقاذ حياة المرضى وكل ما يمكن تقديمه لهم هو تخفيف الألم وإطالة عمر المريض لأسابيع أو شهور وهذا في أحسن الأحوال، خاصة بعد أن تبين للأطباء أن الأدوية الموجودة ليس لها مفعول كبير لعلاجهم خاصة بعد تسرب كميات كبيرة من الغبار الدقيق إلى رئاتهم كونهم لم يتخذوا الاحتياطات اللازمة لذلك،
وهذا رغم التحذيرات الجادة والمستمرة التي يأمر بها الأطباء الذين نقلوا لنا تخوفاتهم الكبيرة من أن يتضاعف عدد الضحايا في هذا العمل ''الإجباري'' والمفروض على شباب تكوت الأمر الذي دفع بوزارة الصحة وتحت ضغط والي باتنة السابق إلى إرسال لجنة تحقيق طبية لمعاينة المرضى الذين ينتظرون الموت المحتوم ويبلغ عددهم أزيد من 200 مصاب بأعراض هذا المرض فقدوا كل أمل في الحياة ولكن الوزارة المعنية إكتفت فقط بالمعاينة الطبية.
في «ايشمول» و«شناورة» و«كيمل» أين أصبح السكان يعيشون على إثر الصدمات المتتالية، حيث أصبحت مواكب الجنائز وبيوت العزاء المفتوحة دائما من سمات هذه المدينة، حيث توفي خلال العام الماضي 10 أشخاص مخلفين ورائهم ضحايا من نوع جديد هم اليتامى والأرامل الذين يتزايد عددهم بتزايد عدد الضحايا، هذه العائلات تمنت على المسؤولين في الدولة الرأفة بحالهم والتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث اشتكت عائلات الضحايا من غياب التكفل الاجتماعي والصحي والمادي بها.
حيث أكد لنا كل من التقيناهم حاجتهم إلى خزان الأكسجين بالمركز الصحي أو توفير إعانة مالية لشراء أجهزة فردية لتوليد الأكسجين لمرضى السيليكوز الذين يقدرون كمرضى بالمئات.
أمراض مزمنة يتوارثها الشباب
لعلّ أهم شيء أثار انتباهنا أثناء إعداد هذا الروبرتاج هو أننا وجدنا أبناءا في عمر الزهور تركوا مقاعد الدراسة ليسيروا على خطى الآباء، حيث تجدهم وفي غياب التوعية يقبلون على مهنة الموت، وذلك ليعيلوا أسرهم التي لم تشفى بعد من صدمة رحيل رب الأسرة ليتكرر سيناريو الموت من جديد، بعد أن أقدم عشرات الشباب على التوجه إلى بعض الولايات للعمل في صقل الحجارة، ليعودوا إلى أسرهم بأمراض مزمنة تؤدي في الغالب إلى تسجيل وفيات في أوساط الشباب، وفي حديثنا معهم عن خيارات أخرى تحميهم من المرض وتقيهم الحاجة أجابنا أحد الشباب قائلا: ''يا خويا هاذي هي الخبزة كشما عندك حل هاتوا..'' هذا وقد تميزت كل إجابات شباب تكوت بنوع من الإحباط واليأس والبرودة أثناء سؤالنا عن رؤيتهم لمستقبلهم في هذه المهنة، حيث اختاروا جميعا العيش في رغد ولو لشهور أو أسابيع معدودة على الحياة لعقود وهم جياع وأكدوا أنهم لن يتوقفوا عن ممارسة مهنة الموت ما لم تتغير الظروف التي أجبرتهم على ذلك.
لم يعد شباب تكوت المصابون بالسيليكوز يثقون في العلاج بمستشفيات الجزائر، حسبهم وهو ما لمسناه عند أحد الشباب الذي صرّح لنا وبتأثر شديد: ''كرهنا من الطبة كل مرة اجربوا فينا دواء...حاسبينا فيران؟؟''، وهو نفس ما ذهب إليه شخص آخر الذي مارس المهنة مدة 07 سنوات، فتمكن منه المرض وقصد العيادات المتخصصة، فنصحه أحد الأطباء باستعمال الأكسجين وبينت التحاليل التي أجراها في مستشفى آخر انخفاض نسبة الأكسجين في جسمه، ما نفاه أحد أشهر الأطباء في تونس، وقد نصحه الطبيب باتخاذ الحيطة من أن يصاب بنزلة برد، وممارسة نشاطه كأي شخص عادي، وقبل أن نغادرهم أكدوا لنا بصوت عال ''نريد حلا جذريا لمشكلتنا التي أنهكت كاهلنا''، فيما دعا آخرون إلى تسهيل إجراءات الحصول على جوازات السفر متمسكين بشعار لا أمل في الشفاء'' ما دامت هذه المهنة اللعينة مستمرة في بلديتنا وتأكل مزيدا من الأرواح والشهداء وختمنا لقاءنا معهم باتفاقهم على أن ''ما يحس بالجمرا غير إلي عفس عليها''.
.... والضحية رقم 85 لمرض السيليكوز
ما يزال مرض السيليكوز بتكوت بولاية باتنة يحصد مجموعة من الأرواح، حيث ارتفعت نهاية الشهر المنصرم حصيلة ضحايا مهنة صقل الحجارة بتكوت إلى 85 ضحية بعد أن لفظ الضحية ''م ب'' أنفاسه الأخيرة بمستشفى باتنة الجامعي ويبلغ من العمر 37 سنة يقطن بمنطقة '' تاغيت''، وذلك بعد صراع مرير مع مرض السيليكوز القاتل.
وقد علمت جريدة ''الشعب'' من مصادر محلية متطابقة من بلدية تكوت، أن الضحية لزم الفراش منذ مدة طويلة، بعد تكلس غبار صقل الحجارة برئتيه ليجد صعوبة كبيرة في التنفس، استدعت خضوعه للعلاج الطبي عن طريق أجهزة التنفس الاصطناعي التي فشلت في إنقاذ حياته بعد استفحال المرض المميت.
والجدير بالذكر أن الحصيلة مرشحة للارتفاع أكثر وخاصة أن العشرات من الضحايا يقبعون بمنازلهم وكذا بمستشفى باتنة الجامعي، في انتظار التفاتة السلطات الولائية والمركزية للتخفيف عنهم، ولكن تجاهل هذه الأخيرة لأوضاعهم الاجتماعية،خاصة أن أغلبهم بعد موتهم يتركون أرامل وأيتام لا معيل لهم.
لم يتمكن كل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارت الصحة والتضامن والوطني وحتى وزارة التشغيل على إيجاد حل لكارثة تكوت، حسب كل من تحدثنا إليهم، حيث تعاقب على وزارة الصحة فقط 5 وزراء تحدثوا كثيرا عن شباب تكوت ولم يفعلوا شيئا لهم، مؤكدين في مناسبات كثيرة على ضرورة إيجاد حلول سريعة وناجعة لإيقاف الموت الزاحف على شباب باتنة، وما أكثر حسب مصادر من مفتشية العمل التحقيقات الموجهة إلى الوزارة بغية إيجاد حلول جذرية وإجراءات وقائية لهذه المهنة أو إيقافها نهائيا في حال فشلت الاحتياطات المتخذة، بعد أن تفشت ظاهرة الموت بشكل أخاف الجميع وفي المقابل لم يتحرك أحد لوقف قوافل الشهداء، خاصة وأن غياب مخطط استعجالي واضح من طرف السلطات الرسمية بولاية باتنة والمركزية بالعاصمة حال دون وقف مهنة الموت، أو على الأقل توفير أدوات وأجهزة حديثة تقي ممارس هذه المهنة من خطر الموت، حيث أن رئيس البلدية ''أمحمد بنشوري'' أكد ''للشعب'' وجود أزيد من 900 شاب يمتهن هذه المهنة القاتلة رغم النداءات المتكررة لكل الجهات الوصية للمعنيين بالتخلي عن ''مهنة الموت''، إلا أن غياب البديل جعل المسؤولين يغردون خارج السرب ويبقى إيقاف شبح الموت بتكوت يبقى مستمر إلى إشعار آخر... ؟؟!




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)