تعتبر الزوايا بحق أفضل موجه من حيث التأطير الروحي وهي نموذج تربوي قائم على تهذيب النفس إضافة إلى أنها تحافظ على تطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية وتعمل على ترسيخ وتأكيد قول الله عز وجل: << إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ >>،[1] وتوطد دورها البارز في تكوين العلماء والأطر العليا، وهذا ما سنوضحه بالتفصيل من خلال دراستنا النموذجية لإحدى أهم وأشهر الزوايا في إقليم توات، هي زاوية سيدي احمد ديدي بمدينة تمنطيط.
I) التعريف بالزاوية:
تنتسب الزاوية إلى العائلة البكرية وتعرف عند العامة والخاصة بزاوية سيدي أحمد ديدي، وهي إحدى أقدم زوايا العلم والضيافة في إقليم توات، اكتسبت شهرة واسعة ومكانة عالية بين سكان المنطقة من خلال شخصية صاحبها سيدي أحمد ديدي، وبتأثير موقعها المتميز في مدينة العلم والعلماء بتمنطيط.
1. موقع الزاوية:
تقع الزاوية في أقصى الشمال الشرقي لمدينة تمنطيط على بعد حوالي 1كلم من وسط المدينة في القصر المسمى زاوية سيد البكري وبالتحديد قي قصبة كبيرة قديمة البناء، يحدها من الشرق المقبرة العامة لتمنطيط وضريح الولي الصالح سيدي ناجم وقصبة أولاد الحاج العربي، ومن الغرب حي تاوراريت وقصبة أولاد سيدي أحمد، ومن الشمال مساحة واسعة من بساتين المدينة منها ما هو ملك للزاوية حبوسا أو وراثة، ومن الجنوب يحدها قصر أولاد سيدي علي بن موسى وقصر أولاد الحاج مامون.[2]
أما مدينة تمنطيط التي تحتضن هذه الزاوية فهي من أقدم مدن إقليم توات تبعد عن مقر الولاية أدرارب12 كلم تقدر مساحتها بحوالي 6937 كلم2 ، يسكنها حوالي 8276 نسمة.[3]
وقد أجمع المؤرخون على أنها احتضنت عدة حضارات وجمعت الملل الثلاث (التوراة-الإنجيل-القرآن)، وكان أول من أسس عمرانها هم القبط، حتى إن المياه الجارية تحت مساكنها هي من هندستهم تقليدا لعمل هامان الذي احدث مجاري مائية تحت مساكن مصر بطلب من فرعون وفي ذلك كانت تمنطيط تابعة لمصر في تلك الأثناء،[4] وعلى الأرجح أن أول من سكنها هم البربر من قبائل زناته وكتامه ثم العرب أثناء الفتوح الإسلامية، ثم استوطنها لفترة اليهود الذين كان لهم تأثير كبير في تاريخ المنطقة.
ولقد عرفت تمنطيط شهرة واسعة من خلال الدور الحضاري الذي لعبته في شتى مجالات الحياة، حيث كانت منارة لا تنطفئ أنوارها في المجال العلمي والثقافي، كما ساهمت في نشر الإسلام وكانت ملتقى لحضارات وتقاليد مختلفة ومركز التقاء للقوافل التجارية من أنحاء عدة.[5]
2. وصف الزاوية:
تتربع الزاوية في وسط قصبة أولاد سيدي البكري، وهي ذات بناء قديم من الطين وجذوع النخيل كانت تعرف باسم (دار زقاق بوفادي)* وهي متوسطة المساحة تنقسم إلى دارين هما: دار القراية (القراءة)، ودار الخلوة.
دار القراية (القراءة) تشمل على قاعة خاصة بحصص التعليم والدروس اليومية وحفظ القرآن، متوسطة الاتساع على جدارها الخارجي فتحتين لإنارتها، والى جانبها يوجد بيت "غرفة صغيرة" (كان الشيخ سيدي أحمد ديدي يخصها لمعاقبة التلاميذ المخطئين بعد زجرهم وتنبيههم)، وتوجد مساحة صغيرة غير مسطحة تفصل بين المدخل الخارجي للدار وقاعة الدروس.
أما دار الخلوة فهي عبارة عن بيت صغير توجد فيه غرفة واحدة إلى اليسار في آخر رواق قصير من مدخل الدار (كان الشيخ سيدي أحمد ديدي يخصها لممارسته الصوفية وأحيانا يجتمع فيها مع بعض تلاميذه المتفوقين الراغبين في سلوك طريق السادة الصوفية فكان يعلمهم مناهج تزكية النفس وإصلاحها ويلقنهم دروس في التربية الروحية والذكر ويرتقي بهم درجات الإحسان بصدق التوجيه)، ويوجد في هذه الغرفة خزانة قديمة فيها بعض مخطوطات وأوراق الشيخ وعلى الجدارين المتقابلين يمينا وشمالا يوجد مدرجان لوضع سجادات وسبحات كان الشيخ وتلاميذه يستعملونها، وفي داخل الغرفة إلى الركن اليمني توجد خلوة الشيخ، وهي عبارة عن هوة صغيرة بشكل نصف دائرة لها جدار صغير يفصلها عن وسط الغرفة وبداخلها يوجد مجلس يشبه المصلى حالياً، لكنه على الأرض والى جانبه حجر ضخم يخرج من الجدار، وضعت عليه بعض أدوات الشيخ الخاصة، والخلوة ذات إضاءة حادة خافتة لا يكاد يُرَى فيها شيء، وباختصار فهي تشبه الكهف.
إلى جانب الزاوية على بعد بضعة أمتار يقع منزل الشيخ، وهو متوسط الاتساع ينقسم إلى قسمين: قسم خاص بعائلته وقسم خاص بإقامة التلاميذ الداخليين ويوجد فيه مرقد ومصلى وسطح على الطراز القديم داخل المرقد توجد خزانات جدارية (مدارج) لوضع الكتب وأدوات التلاميذ.[6]
II) التعريف بمؤسس الزاوية:
كان من الوافدين إلى تمنطيط عائلات ذات شأن عظيم أسهمت بشكل فعال في تنشيط الحركة العلمية فيها ونشر الثقافة الإسلامية في إقليم توات وخارجه، ومن أشهرها العائلة البكرية التي برز نشاطها وإسهامها على يد شيوخها الكرام منذ 890هـ/1423م[7] ومنهم شيخنا العارف بالله سيدي احمد ديدي مؤسس الزاوية.
1. نسب الشيخ ونشأته:
صاحب الزاوية هو الشيخ سيدي احمد ديدي بن الشيخ سيدي محمد العالم بن سيدي محمد الجازولي بن سيدي محمد بن سيدي عبد الكريم بن سيدي أمحمد بن سيدي محمد التواتي،[8] وتعددت الآراء حول مولده حيث أورد الحاج احمد الصديق في كتابه تاريخ توات الثقافي قوله:<<أن الشيخ سيدي احمد وليد عام1300هـ>>، في حين أورد مولاي التهامي في كتابه الإشراق الكبيرقوله:<<أن الشيخ وليد سنة 1298هـ/1878م>>، وعلى الأرجح انه ولد عام 1299هـ/1879م حسب ما ذكره حفيده عبد الحميد بكري في كتابه النبذة.[9]
نشأ سيدي احمد في وسط عائلي محافظ وفي بيئة العلم والعلماء، بدأ تعليمه الأول بتمنطيط حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ الطالب محمد بن الطالب عبد الواحد، وأخذ مبادئ الفقه والنحو على يد أخيه الشيخ البكري بن سيدي محمد العالم وكان آنذاك احد شيوخ الشورى في مجلس قضاء توات.[10]
ولما تمكن سيدي أحمد من استيعاب علومه الابتدائية واظهر تفوقه ورغبته في تحصيل المزيد من علوم الدين والتفقه فيها، توجه به أخوه سيدي عبد الله إلى قصر كوسام وكان في ذلك الوقت أحد مراكز العلم والعلماء خاصة من العائلة البلبالية، وهناك قدمه إلى الشيخ العلامة الفقيه والمربي سيدي عبد الله بن احمد البلبالي فمكث عنده ثمان سنوات تمكن خلالها من حفظ صحيح البخاري عن ظهر قلب، ودرس العديد من علوم الدين وحفظ المختصر مع الدرديري والعاصمية ومنظومة العمل الفاسي وألفية بن مالك، كما درس بعض المتون والفقه والنحو واللغة والصرف والمنطق والحساب..وغيرها من علوم عصره[11]، وأصبح عالما متفقها فيها فأجازه شيخه إجازة مطلقة وأذن له بالعودة إلى بلده.
غادر سيدي أحمد كوسام في اليوم الموالي، ولما وصل إلى تمنطيط قرر أن يشتغل بالتعليم فأحاط به أهل البلد صغارا وكبارا للتزود من نبع علمه الفياض، فكان يخص الصغار بتدريس القرآن الكريم وحروف العربية في حلقات يومية صباحا ومساء ما عدا يومي الخميس والجمعة، أما الكبار فكان يقيم لهم مجالس علمية فقهية ويجيبهم عن استفساراتهم في محاضرات عامة وخاصة.[12]
2. بعض صفات الشيخ الأخلاقية وتصوفه:
مما عرف عن الشيخ سيدي احمد ديدي انه كان قليل الكلام إلا في المفيد، يتحدث بوقار دون أن يرفع صوته، وكان كثير الاستحياء إلى درجة انه لا يطيل النظر في احد إلا تلاميذه عند جزره لهم، ولم يكن يحبذ الجدال والمشاحنات.
كان ميالا للزهد، كثير الخلوة بنفسه، وإذا دعاه احد لوليمة عامة اعتذر له بعدم الحضور، وان استحي منه لبّ الدعوة دون أن يطيل المكوث عنده، وبدأت نفسه التقية تقوده إلى الانعزال، واتجهت همته إلى سلوك طريق السادة الصوفية،[13] فلجأ إلى علماء وشيوخ أنجزمير ليأخذ عنهم مبادئ التصوف، وهناك تعرف على أهم الطرق الصوفية ومناهجها ودرس الحكم العطائية ووقف على شروحها وراح يتدرج استسقاء أحوال المتصوفة من ينابيعها بغية الوصول للحقيقة.
ثم قضى مدة بصحبة سيدي محمد بن عبد الرحمن يتزود من بحر أسراره ويرتقي في درج الكشف بعلمي الظاهر والباطن إلى أن أذن له شيخه بالرحيل، وأوصاه بان يفتح مدرسة قرآنية لتدريس الطلبة، وقال له سوف تجد كل شيء سهل ميسر بعون الله.[14]
رجع سيدي احمد ديدي إلى تمنطيط في جبة المشايخ الصوفيون، وكان له عدة أوراد وأذكار جمعها من مصادر عدة منها أوراد القادرية وأوراد الشاذلية وأوراد الموساوية إضافة إلى الأذكار والأدعية المأثورة.
وكان –رحمه الله- يؤديها بطريقة خاصة، وفي أوقات معينة، فمنها ما يؤديه بعد صلاة الصبح ومنها ما يؤديه بعد صلاة الظهر،[15] وله ورد خاص بالدرس يقرئه قبل البدء بإلقاء الدرس على تلاميذه.
ومن أوراده قوله: (اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا)، وقوله: (اللهم يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وفقنا إلى الخير وأعنا عليه يا ارحم الراحمين) مائة مرة، وقوله أيضا: (سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت، استغرفك وأتوب إليك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنب إلا أنت، وتب علينا انك أنت التواب الرحيم، وجد علينا انك أنت الجواد الكريم، واغفر لنا انك أنت الغفور الرحيم، وتقبل منا انك أنت السميع العليم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين).[16]
ومن القصائد الصوفية التي كان يرددها نذكر هذه الأبيات:
أيا نفحة الألطاف من لطف ربنا ويا سرعة اليسـر المشتت للعسر
ويا رحمة المولى السماوية التي تهب هبوب الريح من حيث لا أدري
إغاثة ملهوف أضرت بحــاله نوائب لا تخفاك يـا عالـم السـر
ولما دهاني الخطب واشتد حاله شكوت إلى رحماك يا رب من ضر
فمن ذا الذي أرجو سواك لحالة وفقري فدارك حالي يا مالك الأمر
وكان -رحمه الله- في الليالي المباركة مثل ليلة النصف من شعبان يقرأ الهمزية بالكامل وقصائد في مدح الرسول –صلى الله عليه وسلم- حتى مطلع الفجر، وفي شهر رمضان المبارك كان يقرأ صحيح البخاري رفقة صديقه القاضي سيدي محمد بن عبد الكريم بن عبد الحق منذ اليوم السابع عشر من شعبان، ويختموه يوم السادس والعشرين من رمضان في أوقات معينة (بعد صلاة الصبح وعند الضحى وبعد صلاة الظهر ومن بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب).
وقبل البدء بقراءته كانا يصليان على النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- بهاته التصلية: الحمد لله أفضل المحامد على كل حال، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون ورضي الله تعالى عن ساداتنا أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أجمعين، جبر الله صدر قلوبنا وغفر جميع ذنوبنا وجعل جميع استعدادنا لمعادنا وتوفر دواعينا فيما ينجينا ويقربنا إليه تعالى زلفى ويحيطنا بمنه وكرمه آمين.[17]
III) الشيخ سيدي أحمد ديدي في زاويته:
1. نظامه التعليمي:
لما رجع الشيخ سيدي احمد ديدي إلى تمنطيط فتح الله عليه وسخر له العون ليتم بناء مدرسة دينية خاصة به وكانت أول مدرسة تتكفل بالطلبة الداخليين.[18]
أي أن هذا الشيء جعل من مدرسته الصغيرة زاوية علم وإطعام وإيواء تستقبل الطلبة القاطنين في مناطق بعيدة، وتوفر لهم ظروف الاستقرار الملائمة لتحسن لهم التحصيل العلمي وفق نظام دقيق، بدءا من استقبال الطلبة وإرشادهم في الأمور الخاصة بالمدرسة والتعليم فيها وكذا السهر على شؤونهم الخاصة، ومراقبة مدى تحصيلهم العلمي في مناظرات خاصة.[19]
وكان الشيخ سيدي أحمد ديدي –رحمه الله- يطبق نظامه التعليمي جيدا يتمثل في: اهتمامه قبل كل شيء بمعرفة الطلبة الوافدين على مدرسته بعد استقباله لولي أمرهم أو المكلف بهم، وكان يقيم جلسة خاصة من خلالها يتعرف على كفاءة الطلبة ومستوياتهم حتى يتسنى له تخصيص مستوى بالدروس المناسبة لكفاءاتهم، مجرد جلوس الطالب في حضرة الشيخ يسأله هل ختم القرآن أم لا؟، فإن تبين له أنه حفظه بعد استظهار جزء منه تلاوة دون القراءة من الكتاب يوجهه مباشرة إلى الدرجة الثانية، حيث يقف على دراسة منها ابن عاشر والاجرومية.
وان وجده غير حافظ للقرآن يبقيه في الدرجة الأولى حتى يتمكن من حفظه جيدا مع دراسة جزء من متن ابن عاشر دون شرحه.
أما في المستوى الثاني يراقب مدى تمكن الطلبة من بعض الدروس الفقهية والمتون ثم يتدرج بهم إلى مستوى نهائي، حيث يخصهم بحلقات تدريسية يكون فيها إشرافه الكلي على تلقين دروس فقهية معمقة والمتون وشرح بعض المختصرات، مثل مختصر خليل ودراسة الألفية لابن مالك، وأيضا بعض الدروس اللغوية في النحو والصرف وشرح الأحاديث التفسير لكتاب الله تعالى.[20]
كما انه –رحمه الله- جعل وقته مخصص لتلاوة الحزب الراتب جماعة مع تلاميذه بعد صلاة المغرب إلى حين صلاة العشاء وذلك كل يوم.
-أما إذا كان يوم الأحد فإنهم يقرؤون متن الهمزية، ثم قصيدة الشيخ بن أب المزمري التي يتوسل فيها بالمشايخ الكرام والسادة العظام.
وفي يوم الأربعاء كان يختصر درسه، ثم يختمه بعد صلاة العصر بقصائد في مدح الرسول-صلى الله عليه وسلم- وفي مدح السادة الأخيار رفقة تلاميذه وبعض أعيان البلاد.
وفي يوم الخميس كانوا يقصدون المقبرة ويدخلون ضريح سيدي ناجم ويقرؤون السلكة ويختمونها بالأدعية المأثورة.
وفي يوم الجمعة كان يجلس مع تلاميذه بعد صلاة الضحى ويقرؤون قصائد في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام والتوسل بجاهه.[21]
2. طريقته التدريسية:
كان الشيخ سيدي أحمد ديدي يتوجه إلى مجلسه العلمي في مدرسته الصغيرة في حدود الساعة الثامنة صباحاً في فصل الشتاء، وفي السابعة صباحا في فصل الصيف، وكان مجلسه الأول في "دار القراية" أي لقراءة القرآن الكريم.
ولما يدخل إليه يجد الطلبة كلهم حاضرون مستعدون لمواصلة دروس يومهم، خاصة حفظ القرآن الكريم ليتلوه على الشيخ عن ظهر قلب، وكان الشيخ عند جلوسه في مكانه وسط القاعة يقول افتتاحا لدرسه: <<أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم>>.
ثم يتوجه الطلبة إليه واحد تلو الأخر لاستظهار ما حفظوه،[22] بدءاً بمستويات حفظ القرآن وكلما أخطأ الطالب يصحح له دون غضب حتى لا يربكه فيخلط الآيات بعضها البعض، وعندما ينتهي يرشده إلى الطريقة الصحيحة في الحفظ بتنبيهه للأخطاء اللغوية، ونطق الحروف، ثم يختمها له بإعطائه الإذن في الدخول إلى قراءة سورة جديدة، وكل ذلك يتم بعد أن يكون الشيخ قد راقب كتابة الآيات القرآنية على لوحة الطالب، ثم يأمره بمحيها أو إعادة كتابة ما بقي له من السورة القرآنية.
أما طلبة المستوى الثاني فكان يبدأ بأصحاب الوقفة الأولى في ابن عاشر يفصلها لهم ويشرحها بعد أن يستظهر الطالب حفظه لها عن ظهر قلب، ثم يتوجه إلى أصحاب المستوى الثالث قراءة العبقري والاوجلي والاخضري بنفس الطريقة السابقة الذكر.
وفي الأخير يختم جلسته بدروس في النحو والإعراب واعتماداً على الأجرومية وملحة الإعراب ثم دراسة ألفية ابن مالك، والرسالة لابن أبي زيد القيرواني.
وهذه الدروس الخاصة بالمستوى الثاني والثالث، عادة ما كان الشيخ يعقدها في مجالس بعد صلاة العصر.[23]
وما أوثر عن طريقته في مجلس الدرس أنه كان لا يتكلم إلا بالعربية الفصحى ولا يجند العامية ولو سهوا، لأنه كان يرى أنها من دواعي الاستيعاب، وترسيخ الدروس خاصة أثناء الحفظ في ذهن التلاميذ، ولتعويدهم على التحدث بها.
وكان عند إنتهائه من الوقفات في الدرس، يقرئهم حكم ابن عطاء الله ثم يختمها بالأدعية التي جمعها.
وعندما يخالف أحد الطلبة أوامر شيخه، مثلا عدم حفظه جيدا أو إثارة خلافات في المجلس العلمي فإنه يحدق فيه بنظرة شديدة حتى إذا لم يكترث به الطالب فإنه يغطه وينبهه، وان لم يتعظ يلجأ إلى حبسه فترة قصيرة في غرفته خاصة بجانب قاعة الدرس ويأمره بحفظ جزء من القرآن أو المتون، ثم يعود ليسأله عنها فإن حفظها سرحه، وإن لم يحفظها فانه يخضع لعقاب آخر، كأن يخدم المسجد أو يواصل الحفظ خارج الغرفة في أحد أجزاء الزاوية.[24]
* ومن ابرز الطلبة الذين تخرجوا على يد الشيخ سيدي احمد ديدي:
- إبنه الشيخ سيدي الحاج عبد القادر و أخوه الشيخ سيدي الحاج البركة.
- السيد الحاج محمد بن محمد سالم من بلدة أولاد سعيد بتيميمون و كان من اقرب الطلبة للشيخ.
- الشيخ سيدي محمد بن لكبير من قصر الغمارة بلدية بودة الذي أصبح فقيها وشيخا للزاوية المشهورة حاليا قرب الجامع الكبير.
- الشيخ سيدي احمد بن عبد الرحمن من قصر نومناس.
- الشيخ سيدي بلبكري من المنيعة.
- الشيخ سيدي عبد الرحمن يدا من تيميمون.
- الشيخ علي الشنقيطي.
- الشيخ مولاي عمار القايم من أولف.
- الشيخ مولاي سالم من زاوية كنتة.[25]
- الحاج عبد القادر بن الشيخ بلكبير.
- الحاج محمد العالم بكراوي.[26]
- الشيخ مولاي لحسن.
- الشيخ الحاج محمد معطا الله.......
وغيرهم الكثير من الفقهاء و المشايخ.
توفي الشيخ يوم الجمعة 16 شوال عام 1370هـ الموافق لـ 20 جويلية 1951م عن عمر يناهز 72 سنة، وصلى عليه صديقه الشيخ الحاج محمد بن عبد الكريم بن عبد الحق.[27]
وقد خلفه أبناؤه فحملوا رسالة العلم اقتداء بوالدهم وكما يقال << ذاك الشبل من ذاك الأسد>> ومنهم البار الفقيه سيدي الحاج عبد القادر، ولد عام 1918م وتوفي عام 2000م وكان رحمه الله محققا للمثل القائل << خير خلف لخير سلف>>، وهكذا كان أبناؤه من بعده.[28]
IV) زاوية سيدي احمد ديدي حديثا:
بفضل الله تعالى العلي القدير وجهود أبناء الشيخ سيدي أحمد ديدي وأحفاده وبعض أعيان المدينة ومشايخها الكرام، لا تزال الزاوية البكرية تواصل مهمتها التي تجمع بين التعليم والإيواء والضيافة، غير أنها عرفت بعض التغيير من حيث هياكلها المادية المعنوية، ونظامها الداخلي ومنهجها العلمي وفق التطورات الحديثة.
1. الهياكل المادية للزاوية :
تتمثل أساسا في المدرسة القرآنية (دار القراية)، وهي المدرسة القديمة التي كان الشيخ سيدي احمد ديدي يلقي فيها دروسه اليومية ثم تحولت إلى مدرسة للقراءة والحفظ خاصة بالتلاميذ الكبار من المستويين الثاني والثالث،[29] أعيد بنائها على الطراز الحديث وأصبحت أكثر اتساعا حيث أضيفت لها مساحة من المرقد القديم.
- ثم مدرسة تعليم القران تقع غرب المسجد خاصة بالصغار من المستوى الأول، وهي متوسطة الاتساع بها قاعة الدرس ومساحة غير مسطحة، في احد أركانها يوجد حوض صغير مخصص لمحو ألواح التلاميذ وتوضع لتجف هناك.
- توجد أيضا مدرسة سيدي البكري حديثة النشأة تقع خارج القصبة في الناحية الجنوبية الشرقية لقصبة أولاد الحاج العربي، وهي مخصصة لمتابعة الدروس اليومية للتلاميذ الكبار من فقه وحفظ في جلسات ليلية.[30]
- تعتبر من الملحقات الداخلية في الجهة المقابلة لها غربا يوجد المرقد الذي يعرف بدار التلاميذ، ويتألف من ست غرف مجاورة لبعضها في رواق طويل يطل على ساحة ليست بالواسعة عند مدخلها يوجد سلم لسطح الدار، بالإضافة إلى دار الزاوية وهي أيضا حديثة النشأة مخصصة لاستقبال الضيوف والزوار وعابري السبيل تم بناؤها سنة 2004م.
2. الهياكل المعنوية:
- وهي الخاصة بإدارة شؤون الزاوية، و تتجسد في المجلس العلمي الذي يترأسه شيخ الزاوية الحاج سيدي احمد بن الشيخ سيدي الحاج عبد القادر وهو حفيد لسيدي احمد ديدي،من مهامه الإشراف الكلي على أمور الزاوية ونظامها الداخلي وعلاقاتها الخارجية والتدريس في الفترة الصباحية، أصبح شيخا للزاوية منذ عام 2000م إلى الآن، تخرج على يديه أكثر من ثلاثون طالبا منهم على سبيل المثال لا الحصر: بكراوي عبد الملك من تمنطيط، والسي عبد الله من تسابيت، و رحماني عبد الله من تيميمون.[31]
- ويأتي بعده الشيخ عبد الحميد بكراوي وهو مكلف بأعداد المحاضرات المسائية وإلقاءها منذ عام 1996م.
- ثم يأتي بعده الشيخ الحاج حلوط من تسابيت مدرس القرآن، كان أحد تلاميذ الزاوية منذ عام 1981م وتخرج منها بتفوق، ثم عاد إليها ليصبح شيخا فقيها ومدرسا حاذقا فيها منذ عام 1994 إلى الآن،[32] ويساعده في مهمته مدرسون آخرون منهم الشيخ عبد الكريم براهيمي من تمنطيط وأحيانا الشيخ احمد البكري.
3. التنظيم والإدارة:
تخضع الزاوية إلى نظام دقيق مستمد من طريقة الشيخ سيدي أحمد ديدي مع إحداث تغييرات وفق النظم الحديثة، والمسؤول عليها هو شيخ الزاوية الحاج احمد البكري، بدءاً من استقبال التلاميذ في الزاوية إلى غاية تخرجهم منها.
فيما يخص التحاق التلاميذ الجدد بالزاوية، إذا كان داخلي يطلب منه إحضار ولي أمره مرفقا بشهادة ميلاد وشهادة الإقامة ومعلومات خاصة به وبوالده، ويشترط ألا يكون عمره أقل من 15 سنة، بعد قبوله يتم تسجيله ضمن قائمة التلاميذ الداخليين، ويأذن له بالدخول إلى الزاوية والبدء في مزاولة تعليمه حسب المستوى المؤهل له (المبتدئين- حفظة القرآن- المتفوقين).[33]
- فإذا لم يكن حافظا للقرآن الكريم يوجه إلى المستوى الأول- المبتدئين- حتى يتمكن من حفظه جيدا، ويتم ذلك وفق منهجية متداولة منذ القدم تعرف "بالتكرار"، حيث يقوم التلميذ بكتابة آيات من القرآن على لوح مخصص لذلك، وبعد مدة من قراءتها تكون قد ثبتت في ذهنه فيتوجه بها إلى الشيخ (الطالب) ويقرأها عليه دون النظر فيها، ولما يتم القراءة دون أخطاء يأذن له الشيخ بمحوها وكتابة ما يليها وهذا يحدث كل يوم، كما يطلب من التلميذ تكرار ما حفظه عن ظهر قلب كل يوم مساءا وأحيانا في نهاية الأسبوع حتى لا ينسى ما مر عليه من الآيات، وبذلك يتأهل إلى المستوى الثاني (حفظة القرآن الكريم) وهم الذين أتموا الحفظ إما قبل الدخول إلى الزاوية في مكان آخر، أو بعد اجتيازهم المستوى الأول في الزاوية.
وفي هذه المرحلة يختصون بقراءة بعض المتون ودروس في النحو واللغة وبعض الشروح والتفسير، وبعد أن يجتاز التلميذ المرحلة السابقة بتقدير من شيخه يوجه على المستوى الثالث (المتفوقين) لمتابعة دروس الفقه بتعمق ومعرفة شرح بعض المختصرات مثل: مختصر خليل، والتفسير والحديث وعلم البلاغة والترتيل...والتوحيد بدراسة متون خاصة به.[34]
أما فيما يخص أوقات الدراسة فهي محددة وفق التنظيم القديم للزاوية مع شيء من التغيير على فترات طيلة اليوم، فترة صباحية تبدأ من الثامنة إلى الواحدة بعد الزوال يحضر فيها كل المستويات، يشرف عليها شيخ الزاوية الحاج احمد البكري يقرأ فيها القرآن الكريم ويقدم توجيهات حول الحفظ ودروس في اللغة بمساعدة مدرس القرآن (الطالب)، وعند حلول الساعة الحادي عشر يخرج تلاميذ المستوى الأول ويبقى الآخرون لمواصلة دروسهم في الفقه والنحو والتصوف...بإشراف شيخ الزاوية فقط.
ثم فترة ما بعد الظهر تبدأ بعد الصلاة إلى صلاة العصر، وهي خاصة بالمتفوقين يتم فيها تقديم دروس فقهية والميراث والنحو بإشراف الشيخ عبد الحميد البكري، وبعدها تأتي الفترة المسائية بعد صلاة العصر حيث يجتمع تلاميذ المستويين الثاني والثالث في دار القراءة ويقومون بترتيل القرآن جماعة مع شيخ الزاوية (قراءة الحزب الراتب) إلى حين صلاة المغرب.
وبعد قضاء صلاة المغرب تعقد جلسة عامة، يتم فيها إلقاء محاضرات في السيرة النبوية الشريفة وسيرة بعض الصحابة والتابعين الكرام، وتكون مفتوحة لجميع المستويات وعامة الناس في المسجد الكبير وسط المدينة، يقوم بإعدادها الشيخ عبد الحميد بكري بمساعدة المجلس العلمي للزاوية وبعض التلاميذ المتفوقين أصحاب الإجازات، وفي يوم الأربعاء مساءا تتم قراءة الأحزاب وبعض القصائد في مدح النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- ورثاء بعض الشيوخ ذوي الفضل، وليلا نقرأ بعض المتون مثل: متن بن عاشر والخليدة في التوحيد والعقائدي، وفي يوم الخميس ليلا تقرأ ألفية بن مالك.[35]
هذا فيما يخص النظام، أما جانب التمويل وتسيير أمور الزاوية ماديا من إطعام وتهيئة المرافق الضرورية فهو من اختصاص شيخ الزاوية بدعم من ذوي الإحسان والصدقات وأيضا بالاستفادة من أملاك الزاوية المتمثلة أساسا في الحبس للبساتين، وفي الزاوية تخصص أوقات لإجراء فحوص طبية للتلاميذ من طرف الفريق الصحي المتنقل مفوض من الهيئات المعنية.
وهناك مهام تقوم بها الزاوية خارج إطارها الداخلي مثلا في المناسبات التاريخية والدينية التي تقوم بإعداد ندوات في المسجد الكبير، ويشارك بعض تلاميذها في المسابقات الدينية التي تقام خارج المدينة مثل مسابقة رمضان الموسمية، وتمنح إجازات للناجحين بتفوق في الزاوية للذهاب إلى مدارس خارج توات قصد إتمام تحصيلهم العلمي كما تشرف على إقامة سلكة الشيخ سيدي احمد ديدي في الموسم الكبير يوم 15شوال لمدة أسبوع، تقام خلاله ندوات و محاضرات خاصة حول مآثر الشيخ ومواضيع أخرى على غير العادة، تشارك فيها جمعيات ولائية مثل جمعية الدراسات و الأبحاث التاريخية ويتم خلالها تكريم وإجازة التلاميذ المتفوقين، وفي اليومين الأخيرين 15-16 تختم السلكة عند ضريح الشيخ في المقبرة العامة بتمنطيط.
والزاوية حاليا تشرف على ما يقارب 261 طالبا من مختلف أنحاء إقليم توات خاصة من تيميمون وتسابيت وقصور توات الوسطى، وحتى من خارج الولاية من تلمسان و وهران ومعسكر ومن إليزي....
وهذا كله راجع إلى الشهرة التي اكتسبتها الزاوية وعرفت بها منذ تأسيسها لأول مرة على يد الشيخ سيدي احمد ديدي وما قام به أبناءه وأحفاده من بعده.[36]
[1]- سورة آل عمران، الآية 19.
[2]- من خلال زيارة شخصية إلى المنطقة و التعرف على الزاوية، تمنطيط يوم: الاثنين 17مارس 2008م.
[3]- الحاج احمد الصديق، المرجع السابق، ص17
[4]- سيدي محمد بن عبد الكريم بن عبد الحق، تقييدات حول تاريخ تمنطيط، مخطوط بخزانة سيدي احمد ديدي، ص3، أعيدت كتابته باليد.
[5]- الحاج الطيب بن عبد الرحمن، المصدر السابق، ص3.
* زقاق بوفادي هو طريق يقطع القصبة كان يمر فيه الناس القاصدون قصر بوفادي، عن الشيخ سيدي احمد البكري.
[6]- وصف من خلال زيارة شخصية إلى الموقع: تمنطيط يوم: الاثنين 17 مارس 2008م.
[7]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص102م.
[8]- محمد بن عبد القادر بن عمر، المصدر السابق، ص12.
[9]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص174.
[10]- الحاج الطيب بن عبد الرحمن بن عبد الكريم، المصدر السابق، ص04.
[11]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص175.
[12]- مولاي التهامي غيتاوي، سلسلة النواة، المرجع السابق، ص15.
[13]- محمد بن عبد الكريم بن عبد الحق، المصدر السابق، ص13.
[14]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص176.
[15]- محمد بن عبد الكريم بن عبد الحق، المصدر السابق، ص14.
[16]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص180.
[17]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص ص185، 186.
[18]- نفسه، ص177.
[19]- رواية شفوية لعبد الحميد البكري، يوم : الثلاثاء 18 مارس 2008م.
[20]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص177- 178.
[21]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص185.
[22]- نفسه، ص177.
[23]- رواية شفوية لعبد الحميد البكري حفيد سيدي احمد ديدي، يوم: الخميس 20مارس 2008م.
[24]- الطيب بن عبد الرحمن بن عبد الكريم البكري، المصدر السابق، ص6.
[25]- مولاي التهامي غيتاوي، المرجع السابق، ص19.
[26]- الحاج احمد الصديق، المرجع السابق، ص82.
[27]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص ص189، 190.
[28]- مولاي التهامي غيتاوي، المرجع السابق، ص17.
[29]- رواية شفوية للشيخ سيدي احمد البكري(شيخ الزاوية حاليا)، تمنطيط، يوم: السبت 22مارس 2008م.
[30]- نفس المصدر.
[31]- حديث عن الشيخ عبد الحميد البكري، تمنطيط، يوم: السبت 22مارس 2008م.
[32]- عبد الحميد بكري، المرجع السابق، ص171.
[33]- حديث للشيخ عبد الحميد البكري، تمنطيط، يوم: السبت 22مارس 2008م.
[34]- حديث للشيخ عبد الكريم براهيمي، تمنطيط، يوم: السبت 22مارس 2008م.
[35]- حديث مع لشيخ عبد الحميد البكري، تمنطيط، يوم: الأحد 23مارس 2008م.
[36]- حديث مع لشيخ عبد الحميد البكري، المصدر السابق، يوم الأحد 23مارس 2008م.
__________________
تاريخ الإضافة : 18/11/2011
مضاف من طرف : soufisafi
صاحب المقال : BEKRI
المصدر : www.algeria-tody.com