أهليل قورارة هو أحد الكنوز الثقافية الجزائرية التي تحظى بمكانة فريدة على الصعيدين الوطني والعالمي، وهو مدرج ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو. يمثل هذا الفن الشفهي أحد أبرز معالم التراث الشعبي الموروث عن قبائل زناتة الجزائرية، ويتركز وجوده في منطقة قورارة بواحات تيميمون، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من الجنوب الجزائري.
يعتبر أهليل أكثر من مجرد شكل فني، فهو عبارة عن فسيفساء متكاملة تمزج بين الغناء والشعر والرقص، حيث تلتقي ألحانه المتعددة النغمات بالقصائد والأناشيد الصوفية والدينية التي تُؤدى باللغة الأمازيغية الزناتية. وتروي نصوصه الشعرية تاريخ سكان المنطقة، ملقية الضوء على بطولاتهم وملاحمهم، بما يعكس ذاكرتهم الجماعية الزاخرة بالأحداث والتقاليد.
اشتق اسم 'أهليل' من منطقة 'قورارة'، الواقعة بولاية أدرار في عمق الصحراء الجزائرية. وهذه التسمية ليست مجرد إشارة جغرافية، بل تعكس الهوية الثقافية للمجتمع الذي تبناه واحتضنه لقرون عديدة. فالقوراريون عبروا من خلال هذا الفن عن ارتباطهم العميق ببيئتهم، وعن قدرتهم على تحويل الصحراء القاحلة إلى فضاء يعج بالحياة والإبداع.
يتسم أهليل قورارة بتنوع عناصره الفنية، فهو يدمج الشعر الشعبي بالإنشاد الديني، مصحوبًا بإيقاعات موسيقية متناغمة وحركات راقصة تنقل المشاهد إلى أجواء من الروحانية والجمال. هذه الفسيفساء الفريدة تعكس التراكمات التاريخية والثقافية التي ساهمت في تشكيل الهوية الجزائرية عبر الأجيال.
لا يقتصر دور أهليل على كونه تراثًا فنيًا فقط، بل إنه يعبر عن القيم الإنسانية العميقة التي يقوم عليها المجتمع الجزائري. فهو يعكس التضامن بين الأفراد، ويبرز دور الجماعة في الحفاظ على هذا الإرث الذي يمثل أصالة المجتمع وتقاليده. كما يشكل أهليل عنصرًا أساسيًا في الهوية الوطنية، حيث يجسد التفاعل بين مختلف الثقافات والتأثيرات التي مرت بها المنطقة عبر التاريخ.
رغم قيمته الثقافية الكبيرة، فإن أهليل يواجه اليوم تحديات تهدد استمراريته، أبرزها العولمة التي تؤدي إلى تراجع الفنون التقليدية، وابتعاد الأجيال الجديدة عن التراث الشفهي. لهذا، تُعد المبادرات الرامية إلى توثيق هذا الفن وتعليمه ونشره بين الشباب أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ عليه كجزء من الهوية الثقافية الجزائرية.
من خلال إدراج أهليل ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، توجه الجزائر رسالة إلى العالم بأهمية التراث الثقافي كجسر يربط الماضي بالحاضر، ويعزز الحوار بين الثقافات. إنه ليس مجرد إرث جزائري، بل هو هدية إنسانية تحمل في طياتها قيم الجمال والسلام.
أهليل قورارة، بتاريخه العريق وجماليته الفريدة، هو شهادة حية على ثراء التراث الجزائري، ودعوة مفتوحة للغوص في عوالم الصحراء وأسرارها الفنية والثقافية.
تاريخ الإضافة : 23/12/2024
مضاف من طرف : patrimoinealgerie