أدرار - PATRIMOINE

الزوايا في إقليم توات



الزوايا في إقليم توات
الزوايا في إقليم توات:
ارتبط تاريخ توات الثقافي والعلمي والفكري بنشوء مراكز إشعاعية ثقافية، وكان لاستثمارها دور هام في نشر الحركة العلمية وقبلها الدينية، وهذا ما يجعلنا نتعرض لدراسة هذه المؤسسة العلمية المتمثلة في الزاوية، واضعين نصب أعيينا الدور الفعال الذي كانت تؤديه في مختلف المجالات الحياتية انطلاقا من تركيبتها المتميزة، وكيانها المنظم وهو ما سيأتي مفصلا في هذا الفصل.

I) تعريف الزاوية.
1. لـغـة:
الزوايا مفردها زاوية وهي مشتقة من الفعل “انزوى، ينزوي” بمعنى اتخذ ركنا، كما أنها مأخوذة من فعل “زوى” و “أزوى” بمعنى ابتعد وانعزل، كما في كتب اللغة سميت كذلك لأن الذين فكروا في بنائها أول مرة هم من المتصوفة والمرابطين، اختاروا الانزواء بمكانها والابتعاد عن صخب العمران وضجيجه طلبا للهدوء والسكون اللذين يساعدان على التأمل والرياضة الروحية، ويناسبان جو الذكر والعبادة، وهي من الوظائف الإسلامية التي من أجلها وجدت.[1]
- وفعل زوا الشيء يزويه زيا، أي جمعه وقبضه وفي الحديث “زويت في الأرض فأريت مشارقها ومغاربها”، وزوى ما بين عينه أي جمعه.
وقال الأعشى:
يزيد بعض لطرف عيني كأنما زوى عيناه على المعاجم
والزاوية من البيت ركنه لأنها جمعت قطرا منه، أي جمع زاوية،[2] والزاوية في الأصل ركن البناء، كانت تطلق في بادئ الأمر على صومعة الراهب المسيحي، ثم أطلقت على المسجد الصغير أو على المصلى، ولا يزال للكلمة هذا المعنى عند المسلمين في المشرق، واكتسب مصطلح الزاوية تغييرا في المفهوم منذ العصور الوسطى في العالم الإسلامي وتطورت من الدير إلى الخانقات أو النكة التي أصبحت تطلق بصفة خاصة من طرف الفرس على المنشآت الصوفية عند المسلمين.
والزاوية في شمال إفريقيا أكثر شمولا، إذ تطلق على البناء أو طائفة من الأبنية ذات الطابع الديني، وهي تشبه الدير أو المدرسة، وحسب محمد نسيب يقول دوماس: .[3]
والزاوية عند الشيخ محمد باي بلعالم: من فعل زوى أي جمع، لان فيها تتجمع الصفوف والفقراء وطلبة العلم، ويجمع فيها المال بطرق مشروعة قصد تمويلها وتسيير نظامها.[4]

2. اصطـلاحـا:
أما اصطلاحا: فيطلق اسم الزاوية ويراد بها مأوى المتصوفين والفقراء، والمسجد الغير جامع ليس فيه منبر، كما جاء في المعجم الوسيط، وقد أطلق هذا اللفظ قديما على موقع بالبصرة، كان له الوقعة بين الحجاج وعبد الرحمن بن الأشعث، وعلى بلد بالموصل وعلى قرية بالمدينة بها قصر انس، وعلى بلد بواسط، وقرية بالأندلس، كما جاء في أساس البلاغة لجار الله الزمخشري-رحمه الله- وفي القاموس المحيط، كما سميت بها مدينة من مدن القطر الليبي.[5]
والزاوية مؤسسة دينية إسلامية ذات طبيعة اجتماعية روحية، وهي تختلف حسب وظائفها ونشاطها.[6]
كما عرّفت الزوايا على أنها مؤسسة لرؤساء الطرق الصوفية، يجتمع فيها المريدون لتلقي الأوراد والذكر، وتتخذ فيها مأوى لطلبة القرآن والعلم والزوار الذين يقصدونها للاستفتاء و الصلح بين المتخاصمين، وكثر هذا النوع من الزوايا ابتداء من القرن العاشر الهجري، كما لها شأن عظيم ووجودا اجتماعيا قويا.
ويقول بن مرزوق في كلامه عن الزاوية في زمانه: <>.
كما خلفت الزاوية نظام الرباط، وأصبحت هي المجال الحيوي لتكوين المتصوفة، وتربية النفس بمنهج فكري وعقائدي خاص بكل طائفة أو طريقة دينية، وهي تعد مكانا للعبادة والزهد وتلقي الأوراد وللضيافة.
أما عن أهل توات، فتعرف الزاوية على أنها مسجد خاص بطائفة دينية من الصوفية أو ضريح لأحد الأولياء الصالحين، تتصل به غالبا مقبرة يدفن فيها بعض من لهم علاقة بالطريقة أو أقارب الولي الصالح.[7]
وفي تعريف آخر للتواتيين، يقصد بها تلك الصدقات الجارية التي يجسدها شخص ما في حياته، وتبقى قائمة بعد وفاته من خلال نص موثق تحدد فيه طبيعتها، وقيمتها لينتفع بها عامة الناس، ويشرف عليها صاحبها أثناء حياته وبعد موته، يتعاقب عليها ورثته أو المقدمين للطريقة أو للزاوية.
وما يميز الزاوية أنها أهم ركيزة للتصوف وانتشاره، ولصياغة منهجية حركية تهتم بعدة أمور تعجز عنها الدولة، فهي خلية اجتماعية يرتادها الأهلون لقضاء حوائجهم، كما أنها مكتفية بذاتها من جميع النواحي الاقتصادية، ويأم الشباب للزاوية باعتبارها جامعة عليا يتلقى فيها الدروس الشرعية على أيدي كبار العلماء والمشايخ للزاوية، وإلى جانب ذلك كانت الزاوية تغرس في نفوس الشباب روح الجهاد، لذلك كانت تهتم بعنصر التدريب العسكري.[8]
ومن خلال التعاريف السابقة الذكر، نلاحظ أن هناك تقارب واضح في تعريف كل واحد، وهذه التعاريف بدورها منبثقة من أصل واحد، ألا وهو الأسس العربية الإسلامية إن لم نقل عن اعتبارها مسيحية المنشأ، لكن الزاوية عند التواتيين كانت أكثر تجليا، وذلك من خلال عدة تعاريف سموها بأنفسهم واتخذوا من مبادئ الإسلام والعقيدة الصحيحة منهجا لهم في وضعها.
وكانت الزاوية في توات عبارة عن أبنية صغيرة منفصلة، موزعة في جهات مختلفة عن المدن والقرى والقصور التواتية في شكل دور (مسجد صغير)، يقيم فيه المسلمون الصلوات الخمس ويتعبدون فيها ويعقدون بها حلقات دراسية في علوم الدين، وما يتعلق بها من علوم عقلية ومنطقية ولغوية.
Ii) نشأة الزوايا وانتشارها:
يذهب الكثير من الباحثين والمؤرخين إلى أن الزاوية كانت في الأصل رباط تحول مع مرور الزمن لزاوية، وقد اكتظت تلك الرباطات بالنخبة من أبناء المسلمين، وأصبحت ابتداء من القرن الرابع الهجري تعرف تحولا كبيرا، فلم تعد مهمتها تقتصر على العبادة والجهاد كما كانت فيما مضى، بل أصبحت مؤسسة تعليمية يقصدها العلماء للتدريس بها وتأليف الكتب، والرسائل القيمة في مختلف العلوم والمعارف، أي منبع ومنهل فكري وديني قائم بذاته وبعد انقضاء الجهاد تحول بعض تلك الرباطات إلى زوايا وغادرها حينئذ بعض المتصوفة لإنشاء مراكز شبيهة بها قصد نشر العلم والمعرفة، ومحاربة الجهل وإيواء المرابطين المتفرغين للعبادة، لتكون مبعثا لأنوار الشريعة والطريقة، فكان لهم ذلك كما أرادوا، ومن بين الأسباب التي أوحت بفكرة إنشاء الزاوية، رغبة الشيخ الصوفي المربي في الاجتماع بمريديه وتلاميذه وهو ما لا يتسنى له في الرباط، حيث توجد مختلف شرائح المجتمع[9].

1. نشأتها بالمشرق وانتشارها بالمغرب:
يذكر المؤرخون أن بعض الخلفاء المسلمين الأوائل قد بنوا للمتصوفة بيوتا ملاصقة للمساجد خصصت للذكر والعبادة، والاعتكاف والانقطاع والتأمل والتفكير والرياضة الروحية، وأطلقوا على تلك البيوت اسم “الخنقاء” وهي التي تعرف عندنا في المغرب “الزاوية” وقد كثر إقبال الناس على تلك البيوت، وعرفت بمرور الزمن تطورا كبيرا فانفصلت عن المساجد وأصبحت قائمة بذاتها تستقبل الطلاب وتقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الدينية كالفقه والتفسير والحديث والتوحيد والعلوم اللغوية كالنحو والصرف والبلاغة، كما تقدم للطلبة الطعام وتوفر لهم الإقامة مجانا كما هو الحال عندنا في المنطقة.
وما أن جاء القرن الثامن عشر الميلادي حتى عرفت الزوايا انتشارا أوسع من ذي قبل، وأصبحت مؤسسات تربوية وتعليمية، تسهر على تربية المريدين وتعليمهم، كما تعمل على نشر التعليم العربي الإسلامي الصحيح بين الجماهير، وبث مكارم الأخلاق ومحاسنها، ومحاربة الجهل والأمية والآفات الاجتماعية التي كانت السبب المباشر في ضعف المسلمين وتناحرهم وانحطاطهم،[10] وابتداء من القرن الرابع الهجري وفي بعض الروايات، يذكر العلامة الجزائري “أبو عبد الله” في مقام كتبه عن الموضوع أن الملك الموحدي يعقوب بن المنصور الذي عرف بعلمه ودينه وسياسته بنى زاوية بدار الضيوف كتلك التي أسسها الملك المريني أبو عنان خارج مدينة سلا[11]، وقد تحدث عنها الرحالة المغربي ابن بطوطة والتي عرفت بزاوية “شالة”، وقد زارها لسان الدين بن الخطيب، كما نجد لفظ الزاوية قد ذكر في ترجمة للعلامة أبو الفضل قاسم ابن محمد القوشي القرطبي المتوفى سنة 661هـ ما يؤكد وجودها في ذلك التاريخ في بجاية.[12]
وتطورت وتنظمت أيام ملوك الدولة المرينية الذين عرفوا بحبهم للعلم والعمل على نشره وتشجيع العلماء وتقربهم منهم، وتطورهم الدائم في مجالسهم.
وبحلول القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين ازداد عدد الزوايا خصوصا في المغرب الأقصى الذي أصبح فيه عددها يوازي عدد المساجد، على غرار الجزائر أيضا ازدادت على مر السنين وعرفت انتشارا واضحا وذلك راجع لعدة أسباب منها:
- كثرة زوايا المرابطين في المغرب الأقصى.
- حجاج ورحالة المغرب الذين كانوا يعبرون الجزائر ويغذّون فكرة المرابطين وينشرون مبادئ زواياهم وشيوخهم.[13]
2. نشأتها وانتشارها بإقليم توات:
أما بتوات فقد نشأت الزوايا على يد رجال عرفوا بالعلم والتقوى والصلاح، والدارس لتاريخها في المنطقة ونشاطها بالإقليم يجده عريق عراقة الإقليم نفسه.
فتاريخ الزوايا يرجع إلى تاريخ نشأة المنطقة التواتية بمناطقها الثلاث (تيدكلت-توات- قورارة)، والباحث عن تاريخ نشأة الزوايا سيجد أول نشأتها في تاريخ نشأة توات فتوات هي الزاوية والزاوية هي توات، والأدلة على ذلك كثيرة ويتجلى في أن اسم الزاوية قد أطلق على الكثير من قرى البلديات، وهذا أكبر دليل على العناية التي كان يوليها سلفنا الصالح لهذه المؤسسة، ومثال ذلك:
1- زاوية حينون ببلدية أولف التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى دخول الإسلام للمنطقة وقد أسس مسجدها في القرن الثاني للهجرة سنة 164هجرية.
2- زاوية الشيخ أبي الأنوار المعروفة بزاوية مولاي هيبة ببلدية تمقطن.
3- زاوية سيدي سليمان بن علي التي ظهرت في بداية القرن السابع الهجري.
4- زاوية الشيخ مولاي عبد الله الرقاني ببلدية رقان.
5- زاوية كنتة التي أسسها السيد محمد الكنتي في بلدية زاوية كنتة.
6- زاوية الشيخ المجاهد الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي بزاوية كنتة.
7- زاوية سيدي بلقاسم بمنطقة قورارة بتيميمون.
8- زاوية الدباغ بدائرة تيميمون.
وغيرها من الزوايا مع أن الزوايا في غير هذه القرى موجودة منها زاويا العلم والقرآن، وزوايا الإطعام والإصلاح.[14]
وهذا أكبر دليل على الأهمية التي تكتسبها الزاوية كوحدة أساسية ضمن البنية الاجتماعية لإقليم توات، وترجع نشأة الزاوية في الإقليم إلى المرحلة الأولى لدخول الإسلام، وبدايات انتشاره في أنحاء الصحراء الإفريقية الكبرى.
وهذا يعود إلى انتشار الإسلام في تلك المناطق عن طريق رجال الطرق الصوفية والفقهاء والتجار وقوافل الحجيج الذين كان لهم دورا رئيسيا في تثبيت دعائم الإسلام في معظم مناطق إفريقيا، وهذا الأمر ينطبق تماما على علماء توات ورجال الدين فيها الذين اهتموا ببنائها، وقد تطورت مابين القرن التاسع الهجري والخامس عشر ميلادي، وأصبحت تدعوا إلى الجهاد وأعمال الصلح والتكافل الاجتماعي،[15] كما أن عددها أصبح يقارب دائما عدد المساجد أو يفوقها.
Iii) أنواع الزوايا ومميزاتها:
دأب الباحثون في موضوع الزوايا وتحدثهم عن أنواعها على إبراز مختلف الصور التي تعرفها فيستفيضون في حقيقتها، وينعتون بعضها “بالخلوتية” والبعض الآخر بغير ذلك، وعلى غرار هذا المنطلق نستطيع القول أن الزوايا بمنطقة توات تنقسم إلى قسمين زوايا حسب النشأة، وزوايا حسب الوظيفة.
1.زوايا حسب النشأة: تنقسم الزوايا حسب النشأة إلى فرعين هما:
الفرع الأول:
زوايا تم بناؤها على ارض اشتريت من طرف مؤسس الزاوية خارج القصر أو القرية،
كما هو الحال بزاوية سيدي البكري التي بنيت قرب مدينة تمنطيط،[16] وزاوية تنيلان كذلك التي أسست في سنة (1058هـ/1613م)، وبعد أن غادر الحاج سيدي احمد بن يوسف قصر أولاد اونقال في تيمي، واتجه إلى تنيلان لبناء زاويته هناك، وكان مشهورا في توات “برزق الله الواسع” بعلمه وفضله وقد كتب تاريخا مطولا عن إقليم توات وتوفي سنة 1078هـ “بتنيلان”،[17] وقد كتبت منه ثمان نسخ لم يعثر عليها، ويظهر أن أحدها قد نقل من أولف إلى السودان، حسب “الكامانما ماركات” صاحب كتاب “الواحات الصحراوية” حيث أدرج نحو ورقة من الكتب عثر عليها في مخطوط آخر، وهذا النوع يمثل الأغلبية.
الفرع الثاني:
هي زوايا تبقى داخل القصر، حيث تكون أملاكها داخله، مثل زاوية “زاجلو”[18] شمال زاوية كنتة،[19] التي أسسها حسب المصادر الشيخ سيدي البكري الذي درس بأوقروت على يد الشيخ سيدي علي النحوي الأوقروتي، وأسس زاويته المشهورة بزاجلو، توفي سنة1118هـ.[20]
2.زوايا حسب الوظيفة: وتقسم كذلك الزوايا حسب الوظيفة إلى ثلاثة فروع وهي:

الفرع الأول:
وتتمثل في زوايا العلم ووظيفتها تعليم القرآن الكريم للأطفال بمختلف الأعمار وتكون عادة بقرب المسجد، وهي عبارة عن مجموعة من الأبنية في سائر القصور التواتية، ويطلق عليها أسماء مختلف كـ”الجامع” بتوات، و”الأقربيش” بتيديكلت و”المحضرة” بتينجورارين، وقد لعبت هذه الزوايا دورا بارزا في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم العلوم الشرعية واللغوية، وهي المتمثلة في القائمة التالية حسب إحصائيات مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية ادرار:[21]



1. زاوية الشيخ سيدي الحاج محمد بلكبير لمقدمها الشيخ عبد الله بلكبير بأدرار.
2. زاوية الشيخ مولاي التوهامي بأوقديم لصاحبها الشيخ التوهامي غيتاوي بأدرار.
3. زاوية جامع الجيلالي للشيخ بن إبراهيم الحاج سالم بأدرار.
4. زاوية أدغا لحماوي عبد القادر بأدرار.
5. زاوية المهدية للشيخ عبد العزيز سيدي أعمر بتيمي أدرار.
6. زاوية الشيخ الحاج عبد القادر بكراوي بنومناس بتمنطيط أدرار.
7. زاوية الشيخ الحاج عبد الكبير بلكبير ببودة أدرار.
8. زاوية سيدي أحمد ديدي للشيخ أحمد الحاج بكراوي بتمنطيط.
9. زاوية تسفاوت للشيخ بالحبيب الحبيب بفنوغيل.
10. زاوية زاجلو للشيخ محمد الحاج محمد العلامي بزاوية كنتة.
11. زاوية الشيخ الحاج لحسن للشيح الحاج الحسان الشيخ بأنزجمير.
12. الزاوية الكنتية للشيخ الحاج أمحمد الكنتي بزاوية كنتة.
13. زاوية الشيخ الدباغي بن علي للشيخ الحاج عبد الكريم الدباغي برقان.
14. زاوية الطاهري للشيخ مولاي عبد الله الطاهري بسالي رقان.
15. زاوية باحو للشيخ الحبيب عبد الكريم بسالي رقان.
16. زاوية الشيخ حلوات سلامي عبد القادر ببرج باجي مختار رقان.
17. زاوية الشيخ محمد باي بلعالم بأولف.
18. زاوية بوقندي للشيخ محمد بوقندي بتسابيت أدرار.
19. زاوية تنقلين للشيخ اوكادوا الصالح بأوقروت.
20. زاوية الشيخ بكاري محمد ببني مهلال بتيميمون.
21. زاوية سيدي بوغرارة للشيخ أحمد خليلي بتيميمون.
22. زاوية الحاج محمد الدباغي للشيخ الحاج محمد الدباغي بتنركوك.
وأسماء الرجال المذكورين أمام كل زاوية هم المشرفون على الزاوية والمسيرون لها.[22]

الفرع الثاني:
وتتمثل في زوايا التربية وهي مجموعة من الزوايا التي أسسها رجال التصوف مع بداية القرن الثامن الهجري كأماكن للعبادة والتربية والتعليم، باعتبار أن التصوف علم الباطن دون إغفال الجانب الظاهري في الشريعة، بل أقام الصوفية علم التصوف أو العلم الديني كما يسمونه على أسس علمية، وأخلاقية وهذا ما يتجلى في مجموعة المخطوطات التي تركها الشيخ المختار الكنتي في جميع الزوايا التي أسسها ويسكنونها، كما قال “بول مارتي” في كتابه “كنتة الشرقيون” تحقيق محمد محمود ولد ودادي عربه وعلق عليه، يقول في الصفحة(145-148): <>.[23]
الفرع الثالث:
وتتمثل في زوايا الإطعام والإيواء بحيث تقوم بهذه الوظيفة الزوايا بجميع أنواعها فتستقبل الضيوف والزوار وتوفر لهم الأكل والإيواء طيلة إقامتهم، وشعارها في ذلك قول الله تعالى: << إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُِريدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً>>.[24]
وهذه الوظيفة عظيمة الشأن بالنسبة للزوايا المشهورة لما ينتج عن ذلك من نفقات يومية، بحيث لا يمر يوم على الزاوية إلا وتستقبل فيه عدد معتبرا من الزوار يزيد وينقص بحسب المكانة التي تتبوؤها الزاوية وشيخها.[25]
iv) تنظيم وتسيير الزوايا في إقليم توات:
لتحديد الصورة الدقيقة لهذا الهيكل يقتضي الأمر تقسيمه إلى جانبين اثنين يمثلان بتكاملهما الهيكل التنظيمي لكل زاوية وهما: الجانب البشري والجانب المادي.
1. المؤسسات البشرية:
إذا راجعنا دور هذه الزوايا في مجال مؤسساتها البشرية نجدها تتمثل فيما يلي:
أ/- شيخ الزاوية: وهو يمثل منصب مهم في هرم الزاوية، بحيث يتبوأ القمة باعتبار الدور المسند إليه، فالفضل يرجع إليه في إنشاء الزاوية أو في تحمل رسالتها أو المحافظة عليها إن كان ورثها ممن أنشأها قبله.
وتبوء الصدارة في هرم الزاوية يقتضي أن يكون شيخها فقيها عالما بجميع الفنون التي تُعَلّمُ في هذه الزاوية حافظا للقرآن الكريم، لأنه يمثل بحق محور كل النشاطات التي تمارسها الزاوية ومن ثمة فإن صلاحياته متعددة وتشمل جونب مختلفة من حياة الزاوية نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:



- التدريس.
- السهر على حسن سير الزاوية.
- النظر في النفقات المتعلقة بإيواء الطلبة وتغذيتهم.
- الإمامة في الصلوات…[26]
- استقبال الضيوف والزوار والاعتناء بهم.
- النظر في طلبات التحاق التلاميذ الجدد بالزاوية.
ب/- هيئة التدريس: ويقصد بهذه الهيئة سلك المدرسين الذين يعينون من طرف شيخ الزاوية في مجال التدريس، وتتكون هذه الهيئة في البداية من شخص واحد ثم سرعان ما تتوسع، بحيث يكون عدده مناسبا مع عدد التلاميذ الذين ينتسبون إلى المدرسة، وتتكون هذه الهيئة عادة من الطلبة الأوائل للمدرسة، والذين وصلوا إلى أقصى مرحلة من التحصيل ومنحهم الشيخ إجازة التدريس، كما يمكن أن ينضم إليها مدرسون آخرون يوظفهم الشيخ، أو بطلب تعيينهم عنده للقيام بعمل التدريس باعتبار أن المهمة الأساسية لهذه الهيئة هي مساعدة الشيخ في تعليم القرآن الكريم والمتن الأولى في الفنون المختلفة للطلبة المبتدئين.
وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن تنصيب شيخ الزاوية لهذه الهيئة لا يفهم منه أنها تتكلف بالتدريس بدله، بل مهمتها هي مساعدة الشيخ في تدريس المبتدئين وإلحاقهم بالمستوى الأعلى الذي يؤهلهم لتلقي العلم مباشرة عن الشيخ نفسه، وهذا يعني أن شيوخ الزاوية في مناطق توات يتميزون بأنهم علماء يقومون بالتدريس بأنفسهم ولا يلجأون إلى إنشاء هيئة للتدريس، إلا عندما تتوسع المدرسة، ويزداد عدد تلاميذها، وتتباين مستوياتهم وهذا ما يجعلنا نقر بأنه لا يوجد شيخ لزاوية علمية غير مؤهل للتدريس ويقتصر دوره على الإشراف الروحي للزاوية كما هو موجود في بعض الزوايا في مناطق أخرى.[27]

ج/- جماعة البلدة:
وهي هيئة تتكون من سكان البلدة الميسورين والمرتبطين عادة بالزاوية وشيخها ويظهر دور هذه الهيئة في البلدة التي ليس فيها شيخ زاوية تتجسد فيه وحدة القيادة فتتولى هذه الجماعة جزءا من مهام الشيخ لا سيما في مجال استقبال الضيوف والزوار، ومساعدة الفقراء والمساكين وابن السبيل، عن طريق عمل جماعي تنظمه الزاوية.[28]



د/- هيئة الخدمات:
وتتكون هذه الهيئة إما من أشخاص يتطوعون لخدمة الزاوية وضيوفها وتلاميذها، أو يعملون مقابل ما اتفقوا عليه مع شيخ الزاوية، بحيث يكثر عددهم أو يقل حسب حجم الزاوية، كما يعملون بالتناوب حسب البرنامج المعمول به الذي يحدده لهم شيخ الزاوية.[29]
أما قديما فكانت للزوايا جماعة من الخدم يعرفون بالعبيد أو الخمّاسة، ويعتبرون من أملاك الزاوية، يعملون بها أو بالأراضي التابعة لها، وتعتبر هي مسكنهم وهم جزءا منها لا يبتعدون عنها طيلة حياتهم، إلا إذا سرحوا منها اضطرارا، وأحيانا نجد حتى أهلهم وذريتهم الذين يرثون الخدمة في الزاوية أباً عن جد.
هـ/- لجنة المسجد:
وهي هيئة حديثة العهد بالنسبة للمؤسسات البشرية التي تتكون منها الزاوية، ذلك أن لجنة المسجد يحكم نشاطها القانون الخاص بتنظيم الجمعيات، وصلاحيات هذه اللجنة تنحصر أساسا في النظر في حالة المسجد من حيث الصيانة والتأثيث.
وتنبثق لجنة المسجد عن جمعية عامة تضم كافة المصلين بالمسجد لذلك يلاحظ أن إنشاءها لا يكون عادة إلا في المساجد التي يؤمها مصلون آخرون غير المنتمين نظاميا للزاوية.[30]
ومع هذا فإنه ينبغي أن نشير هنا إلى انه وبالرغم من الصلاحيات الواسعة لهذه اللجان في القانون الخاص بها فإنها بالنسبة للمساجد التابعة للزوايا ظلت تعمل تحت الإشراف المباشر لشيخ الزاوية، وجعلت من نفسها أداة مكملة للدور الذي تقوم به الزاوية في الاعتناء بالمسجد الذي يمثل هيكلا أساسيا من هياكلها.[31]
ويبقى أن نقول إن تكوين هذه الهيئة بمسجد الزاوية لا يتم إلا بالموافقة المطلقة لشيخها.

2. الهياكل المادية للزاوية:
بعد أن وقفنا على المؤسسات البشرية التي تميز تكوين الزوايا بمناطق توات، نتطرق الآن إلى سرد الهياكل المادية التي تطبعها، والجدير بالذكر في هذا المجال أن الزاوية بشكلها العام تمثل جزء من تصميم القرية التي تؤويها، فهي عادة تنشأ على مشارفها والقصد من ذلك توفير ما أمكن من الجو المناسب لطلبة العلم بإبعادهم عن ضوضاء القرية أو المدينة، غير انه ونتيجة تطور العمران الذي تشهده مدننا وقرانا أصبحت بعض الزوايا اليوم وكأنها بنيت داخل القرية أو المدينة فأحاطت بها جميع مرافقها الأساسية.
وبالرغم من ذلك فإنها ما زالت محافظة على دورها وفق ما تؤديه هياكلها المادية المتمثلة على الخصوص في:
‌أ.مسكن الشيخ: وهو يسبق كل هيكل يميز الزاوية، ذلك أنه يتوجب عليه الاستقرار للتفرغ للدور الذي ألزم نفسه به، ولا يتأتى له ذلك إلا بإنشاء منزل خاص يعد النواة الأولى للمرافق الأخرى التي ستعرف الوجود بتطور المؤسسات البشرية للزاوية.[32]
‌ب.المسجد: دور المسجد هام جدا، وتوضيح ذلك يعد من نافلة القول، فهو في بداية إنشاء الزاوية مسجد يحتضن جميع الطلبة، ويظل كذلك إلى أن تتوسع مرافق الزاوية، فيقتصر دوره حينئذ على أداء الصلوات المفروضة وإقامة الشعائر الدينية التي تتطلب حضور جمع كبير من الناس ثم تنتقل المهام التي كانت تؤدي فيه في البداية إلى المرافق الجديدة للزاوية كالتدريس مثلا.[33]

‌ج.حجرات الدراسة:
تضم زوايا مناطق توات عددا من الحجرات الخاصة بالدراسة والتي يزيد عددها بازدياد عدد المتعلمين بها، ووظيفة هذه الحجرات هي احتضان أفواج التلاميذ الذين يتوزعون عليها حسب مستوياتهم، ويتكفل بهم مدرسون يشرفون على تعليمهم الأول، سواء في حفظ القرآن أو استظهار المتون المتعلقة باللغة والفقه، ويتولى شيخ الزاوية تحديد المكان الذي يلقي فيه دروسه ومحاضراته بين هذه الحجرات، ونلفت الانتباه هنا إلى أن حجرات الدراسة بزوايا المنطقة ما زالت في معظمها خالية من التجهيز العصري الذي تعرفه حجرات الدراسة بالمدارس النظامية.
‌د.المرافق الداخلية: تسعى كل زاوية إلى تخصيص مرافق للداخلية التي يأوي إليها التلاميذ في الساعات القليلة من الراحة.
وتضم هذه المرافق على وجه الخصوص بيوتا للنوم، يختلف عددها وحجمها وطريقة هندستها من زاوية إلى أخرى، غير أن ما يميز جميعها هو توفرها على التهوية الضرورية خاصة وأن فصل الصيف هو الفصل الغالب في المنطقة.
ولقد تطورت هذه المرافق عما كانت عليه في العصور الماضية وتعددت، بحيث أصبحت تزود بالمكيفات التي ترطب الجو والمعدات الضرورية للحياة العصرية، وتشمل على مرافق إضافية للخدمات كدورات المياه المزودة بالماء الجاري والمطابخ التي تعد فيها الوجبات الغذائية للطلبة الداخليين[34].
‌ه.المكتبات: توجد بعض الزوايا التي تمتلك مكتبات غنية بأمهات الكتب تتضمن المؤلفات المخطوطة والمطبوعة، ويتجلى ذلك أكثر في الزوايا التي ورثت هذه الخزانات من شيوخها الأقدمين، أو الزوايا التي لها موارد متعددة تسمح لها باقتناء الكتب عن طريق الشراء، غير أن الملاحظ على منهجية بعض الزوايا في هذا المجال أنها لا تفتح المكتبات، وخاصة خزانة المخطوطات إلا لأشخاص معينين من هيئة التدريس أو الطلبة الكبار الذين تتسم منهم الاستفادة الفعلية من هذه المؤلفات.[35]
‌و.الكتاتيب القرآنية: توجد بعض الزوايا التي تشرف على كتاتيب قرآنية تعلم الصغار القرآن الكريم والمبادئ الأولية للغة والفقه، وخاصة الحروف الأبجدية إشرافا روحيا فقط لأن هذه الكتاتيب التي تسمى بالمنطقة “بالمحضرة” أو أقربيش” تعد المرحلة الأولى من مراحل التعليم، ولا يخلو حي أو قصر من مثل هذه الكتاتيب، فهي التي تزود الزوايا بطلبة العلم بعد أن يصلوا إلى مرحلة معينة من النضج ويتحصلوا على قسط مقبول من العلم في مجال حفظ القرآن والمتون اللغوية والفقهية المتداولة الدراسة في المنطقة.[36]
‌ز.بيوت الضيافة: ويتم إنشاؤها بعد تطور الزوايا وانتقالها من مرحلة استقبال الضيوف في بيت الشيخ إلى تخصيص بيت خاص لهم بمرافقه الضرورية، التي توفر لهم كل أسباب الراحة ووسائلها المطلوبة.
وهذا الهيكل يبقى تواجده مقرونا بمدى توفر الإمكانيات المادية اللازمة للزاوية وتواجده لا يصبح ضروريا إلا إذا وصلت الزاوية إلى مرحلة يكثر زوارها ويتوزعون بشكل يضيق بهم المقام في بيت الشيخ.
‌ح.أملاك الزاوية: تتوفر لجل زوايا مناطق توات أملاك خاصة بها تتمثل في الأراضي والبساتين والحيوانات ومختلف أنواع العقار، كما تمتلك بعض الزوايا مقادير محددة من مياه الفقارة التابعة للقصر.
وتعتبر أملاك الزاوية بمختلف أنواعها المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه في تمويل نفسها للإنفاق على الطلبة والمساكين وعابري السبيل، ويضاف إليه ما يقدمه المحسنون من ذوي الجاه واليسار، وبعض المساهمات التي تتلقاها من مصالح الدولة المختلفة، وكانت الزاوية فيما مضى تمول من المحصولات الزراعية التي تنتجها البساتين الموقوفة عليها، إذ يسخرها أصحابها لفائدتها، فكانت تستفيد من ثمار النخيل، والحبوب والقمح والشعير والذرة وحتى بعض الخضر، من بينها الطماطم والجزر وكان أرباب الزوايا والمسؤولون عليها يعملون جاهدين لتفجير الفقاقير وحفر الآبار التي تساهم في زيادة المحاصيل، وكان بعضهم يهتم بترحيل قوافل التجار في الداخل والخارج لجلب السلع الخاصة بحاجات الزوايا وأهل البلاد.[37]
‌ط. محل الزاوية: وظيفته تخزين المؤونة، إضافة إلى الوظائف السابقة[38].
والملاحظ أنه في وقتنا الحاضر معظم الزوايا لم تعد تعتمد على الزراعة والتجارة في تمويلها ونفقاتها نظرا لضعف الفلاحة وما تحتاجه من جهد شاق في خدمتها، ونظرا للتقدم الذي عرفته المنطقة في مختلف المجالات فقد أصبحت هذه الزوايا تتلقى التمويل وما تحتاجه من طرف المسيرين لها والمشرفين عليها، ومن طرف دعم الجمعيات الخيرية، ومن ذوي البر والإحسان والصدقات، وأحيانا من العشور والزكاة التي تجمع بها، أو من طرف دعم السلطات الوصية.[39]
وهذه هي اللمحة المختصرة التي توضح الصورة الحقيقية للهيكل التنظيمي الخاص بفئة الزوايا العلمية والإطعامية بجانبيه البشري والمادي.
V) دور الزوايا التواتية وتأثيرها الداخلي والخارجي:
لقد لعبت الزوايا في منطقة توات أدوارا هامة منذ ظهورها إلى غاية انتشارها وتفرعها في مختلف أصقاع البلاد الإسلامية، وبداية نأخذ الدور الحضاري الذي لعبته داخل منطقة توات، ونجد ذلك مجسدا بشكل واضح من خلال دراسة وظائف الزوايا داخل المنطقة.
1. الدور العلمي: وهو الأصل الأول في نشأة الزاوية ويتمثل فيما يلي:
أ- تعليم القرآن الكريم وحفظه: وذلك عن ظهر قلب بعد أن يكون المتعلمون قد حفظوا جزءا منه في المدارس القرآنية الأخرى، وذلك عن طريق البرامج المسطرة والأوقاف اليومية، وكذلك حضوره مجالس تلاوة الأحزاب عن ظهر قلب بإشراف الشيخ وهيئة التدريس، وهي وظيفة أساسية لنشر الدين الإسلامي، وفهم مصدره الأول وتواتره بتعليمه للأجيال الصاعدة، والموجه الأساسي للأمة الإسلامية، وأدت هذه الوظيفة الأساسية إلى تجسيد قوله تعالى: <>،[40] فتم حفظ القرآن ونشره بصورة مكثفة في وسط البيئة التواتية بفعل الزوايا.[41]
ب- تدريس السنة: تتم دراسة الأحاديث النبوية عن طريق الدروس الأخرى لا سيما السيرة النبوية ودرس الأخلاق والآداب العامة.
كما يخصص جزء من برنامج دراسة الطالب لسرد وشرح صحيح الإمام البخاري وموطأ الإمام مالك من طرف المدرسين، بالإضافة إلى شرح ما يستلزم شرحه من طرف الشيخ خلال مسيرة طويلة قد تدوم السنة أو السنتين تختم عادة بحفل كبير تقام فيه الولائم ويحضره جمع غفير من الناس حتى خارج محيط الزاوية، ويحدد تاريخ الاختتام مسبقا ليعلمه الناس الذين يرغبون في الحضور إلى الفاتحة التي يتوج بها.[42]
ج- الدراسات الفقهية: وهي استظهار لبعض المتن الفقهية يقوم الشيخ بشرحها بالوقفة ويأخذ كل تلميذ واحدة حسب مستواه، ويقوم هو بدوره بحفظها واستظهارها، ونذكر منها على سبيل المثال: (متن ابن عاشر- متن الأخضري- الرسالة لأبي زيد القيرواني- سهل المسالك- مختصر خليل- تحفة الحكام لبن عاصم)، كما يقوم الشيخ في جلساته العامة وهيئة التدريس في الحصص الخاصة بشرح ذلك وإجراء التطبيقات العملية عليه.
د- دراسة علم التوحيد: ويتم بحفظ المتون المتضمنة لذلك (كمتن السنوسية- الجوهرة -الأوجلي…) وشرحها في دروس خاصة وعامة، إضافة إلى ما يتعرض له الشيخ أثناء شرحه للمتون الفقهية السابقة الذكر في الأبواب المتعلقة بالتوحيد.
هـ- تدريس قواعد اللغة العربية: كان تعليم النحو والصرف وفقه اللغة لفهم القرآن الكريم الذي يحفظه الطلبة، ومن أهم المتون المعتمدة في هذا المجال (متن الأجرومية- ملحة الإعراب- ألفية بن مالك….)، والدراسة تكون بنفس الطريقة السابقة التي تدرس بها المتون الفقهية على آيات قرآنية وأحاديث نبوية وشواهد من كلام العرب.
وإتمام الدراسة في هذه الزوايا غير محدد بسنوات معينة فإذا آنس الطالب من نفسه كفاءة استأذن شيخه في البحث عن عمل إن لم يجد ذلك في الزاوية نفسها.[43]
أما خارجيا فقد كان للزاوية التواتية في إفريقيا الغربية الفضل الأكبر في تحقيق التعريب الشامل، فقد نشرت الفصحى وغرست حبها في النفوس، وبثت معارفها بين الناس، وقد قص علينا التاريخ نتفا من الدور العلمي الذي لعبته القبائل التواتية في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال قبيلة كنتة التي كانت لها مكانة مرموقة في بلاد السودان الغربي وذلك بما قامت به من مهام تعليمية أسهمت بها في نشر اللغة والحرف العربي، وفي تأليف العديد من المصنفات اللغوية والفقهية والأدبية وفيما أنجبته من علماء أفذاذ كان لهم الفضل في المحافظة على الثقافة الإسلامية.[44]
2. الدور الاجتماعي: الدور أو الوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها الزوايا التواتية كثيرة بشكل يصعب حصرها إلا أن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى بعضها وفق الخدمات التالية:
أ. مساعدة الفقراء والمساكين: تقوم بها الزاوية تجاه فقراء ومساكين القرى التي توجد بمحيطها، بل قد تساعد حتى الفقراء القادمين إليها من كل الاتجاهات، ويلعب شيخ الزاوية بسخائه دورا مهما في إدخال السرور على الفقراء والمساكين.
ب. مساعدة المنكوبين وأبناء السبيل: تساهم الزاوية التواتية في مساعدة من تصيبه نكبة من نكبات الدهر، وتواسي ابن السبيل الذي يلجأ إليها وقد انقطع به الحبل، وهو أمر يقوم به الشيخ أو من يتولى عملية الإنفاق نيابة عنه أو تقوم به جماعة البلدة في حالة انتهاج أسلوب النوبة،وتخرج هذه النفقات من إرادات أملاك الزاوية المحفوظة لمثل هذا الغرض.
ج. تنظيم الختان الجماعي: تتولى بعض الزوايا القيام بتنظيم ختان جماعي لفائدة أبناء المحتاجين، وتغتنم في ذلك المناسبات السعيدة والظروف المناخية المناسبة، وتصنع لذلك وليمة يحضرها الأطفال وأولياءهم.
د. تنمية روح الاتحاد والمحبة والأخوة: وتعمل على تحقيق ذلك بفضل التوجيهات الدينية التي ما فتئ الشيوخ يكررونها في كل التجمعات العلمية أو الاجتماعية، وتعمل على محو الفوارق الاجتماعية بين الناس ويتم ذلك نتيجة تلاحم الأغنياء بالفقراء وانصهار مختلف الطبقات الاجتماعية في بوتقة واحدة، شعارها الاتحاد والمحبة والإخوة والشعور بأن الذئب إنما يأكل من الشاة القاصية.
هـ. بث روح التعاون: تعمل كل زاوية من الزوايا التواتية على بث روح التعاون وتزكيته بين سكان القرية، بدعوتهم وباستمرار إلى التزام الجماعة والتعاون على البر والتقوى وتُجسد بإشرافها على تنظيم هذا التعاون عن طريق العمل الجماعي المتمثل في القيام بالحملات التطوعية، عن طريق التويزة في خدمة الفقارات وإصلاح السواقي وتجديد مصدات الرياح والزوابع الرملية.
و. تنظيم ركب الحجاج: تقوم بعض الزوايا لا سيما تلك الواقعة على حافة الطرق الرئيسية بالولاية بتنظيم ركب الحجاج ذهابا وإيابا، مثل ما هو الحال بالنسبة لزاوية الشيخ محمد باي بالعالم بأولف، وزاوية الشيخ الحاج بلقاسم بمنطقة تنجورارين بتيميمون، بحيث تقوم بالإجراءات العملية للتوديع والاستقبال الجماعي لحجاج منطقتها أو المارين بها وتتكفل بكل ما يترتب عل ذلك من إنفاق في إطعام وإيواء الحجاج ومرافقتهم.[45]
ي. الصلح بين الناس: تقوم الزوايا التواتية بعمليات الصلح في حالة وقوع نزاعات أو خصومات، فكان يتم الانتقال من الزاوية بالتهليل إلى القصور المجاورة لإقامة الصلح وكان لشيوخ الزوايا دور في فك الخصومات والنزاعات بين مختلف القبائل، وحسب الروايات فان ظاهرة التقاء الألوية في الحفرة الموجودة بزاوية الحاج بلقاسم بتنجورارين في اليوم السابع من المولد النبوي الشريف دليل على ذلك.[46]
3. التأثير الداخلي والخارجي للزاوية التواتية:
أ- داخلياً: كانت الزاوية التواتية صمام الأمان في مجال العقيدة، وقد ملأت الفراغات الإيديولوجية، وبالتالي وقفت أمام الاندثار الحضاري للمجتمع القائم على مؤسسات هامة كيف لا وفي أحضانها بعثت الدولة وبويع الشيخ وأمن المخلوع والمهزوم والمظلوم وحرر العبد، وفك الأسير،وأكرم الجائع، وأجيب السائل، وفيها انطفأت نيران الفتن وسويت النزاعات، وأبرمت الأحلاف، بالإضافة إلى تطوير العمران، وازدهار الفنون اللغوية كالشعر الملحون، والحفاظ على التوازن الروحي والذاكرة التراثية للأمة.[47]
كما كانت الزاوية التواتية تمثل بحق محلا لالتقاء المجاهدين وتمرير رسالة الجهاد تحت مظلتها، بل تعدى الأمر من مجرد التوجيه والتعبئة إلى المشاركة الفعلية، كما هو الشأن في معركة “الدغامشة”[48] التي كان في مقدمتها الكثير من شيوخ الزوايا أمثال: مولاي عبد الله الرقاني بن مولاي العباس الذي كان قائد هذه المعركة يوم 04 جانفي 1900م.
وكما هو الشأن أثناء فترة المقاومة الشعبية للشيخ بوعمامة الذي وصل إلى إقليم توات في بداية 1882م حيث وجد هناك المناخ المناسب لجمع الأعوان والمال لاستئناف كفاحه من الجنوب، وكان عليه أولا كسب المزيد من الرجال الأنصار لصفه وبصفته رجلا من رجال الدين انشأ زاوية له في قصر أولاد عبو بمقاطعة زوا الدلدول بمنطقة تيميمون عن أتباعه أولاد سيدي الشيخ الشراقة، وفتح أبواب زاويته لاستقبال المسافرين والأتباع حيث يجدون الراحة وكرم الضيافة، ويلقن أتباع زاويته أسرار طريقة أولاد سيدي الشيخ ولم يلبث أن جاءته الوفود من كافة المقاطعات التواتية تبايعه على الكفاح وتسانده بالرجال والمال.[49]
ب- خارجياً: وبما أن الزاوية التواتية نجحت في بلوغ الهدف الذي اتبعته داخل منطقة توات، فقد طمحت إلى أن تنقل عطائها وإشعاعها الروحي إلى الخارج، فكان لها أثرا كبيرا في نشر الإسلام في إفريقيا الغربية بوصول رجالها إلى مختلف شعوب القارة الإفريقية مبشرين بمبادئ الدين الإسلامي ومعالمه الحضارية السامية، كما عم الإسلام كل الطوارق، ودخلت أقوام الوثنية من الزنوج والسود في دين الله أفواجا، فوصلت بذلك مناطق عديدة من بلاد هوسا، وتمبكتو، وشنقيط، كما ساهمت في العلاقات التي كانت بينها وبين هذه البلدان، من خلال مخازنها واحتضانها للقوافل التجارية، وإشرافها على الطرق المؤدية إليها، وهذا ما يجعل من المبادلات التجارية تزدهر بين الزوايا التواتية وزوايا البلدان الأخرى من شنقيط والساقية الحمراء و ولاته، وهذا ما دفع بالمستدمر الفرنسي في الكثير من الأحيان إلى تجفيف المنابع المادية للزاوية، وإلحاق الدمار على مستوى هياكلها، كإحراق المخطوطات، وإبادة المنتمين إليها بشتى الوسائل، وتخصيص بعثات للإطلاع على حقيقة الزوايا، خاصة بعد مقتل “دوفولكو” الذي كان جاسوسا يرصد أعمال تلك الزوايا.[50]
وهكذا نرى أن الزاوية التواتية نشأت من أجل أهداف دينية خالصة، أهمها ترسيخ الإسلام الصحيح وأحكامه في نفوس المسلمين الجدد الذين ظل إسلامهم ناقصا، نتيجة جهلهم وبعدهم عن مراكز التوجيه الإسلامي، هذا بالإضافة إلى متابعة نشر الرسالة بين الشعوب التي لم تبلغها بعد، وقد ظلت العلوم الدينية بمختلف أنواعها العمود الفقري للزاوية والمحور الذي تدور عليه، وحقق الأدب تطورا واضحاً في ظل هذه الزاوية الدينية، وكانت من أدواتها الهامة لحمل الرسالة وتبليغ الدعوة الإسلامية.[51]

المراجع
[1]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص301.
[2]- بحيدي حسان و محمد عبد القادر، الزوايا و دورها في حفظ المخطوطات، مذكرة ليسانس علم المكتبات و الوثائق، بإشراف: أصحى محمد، كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية، جامعة السانية وهران 2000، 2001م، ص04.
[3]- محمد نسيب: زوايا العلم والقراءة بالجزائر، الجزائر، دار الفكر- سوريا، دار الفكر العربي بوزريعة، ص27.
[4]- محمد باي بلعالم: أهداف نشأة الزوايا وواقعها في المنطقة، الملتقى الوطني الأول للزوايا بأدرار، أيام 1، 2، 3 ماي 2000م، ص01.
[5]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص301.
[6]- محمد نسيب، المرجع السابق، ص31.
[7]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ص02.
[8]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص302.
[9]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص304.
[10]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ص03.
[11]- أبو عبد الله الأنصاري: فهرست الرصاع، تحقيق محمد العنابي، المكتبة العتيقة، تونس، د-ت، المكتبة الوطنية القديمة تحت رقم 44201، ص127.
-[12]صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص ص328-330.
-[13]صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص ص 303-305.
[14]- محمد باي بلعالم، الرحلة العلية لمنطقة توات، ج1، الجزائر، دار هومة، 2005، ص ص319-320.
[15]- عبد الله عباس، المرجع السابق، ص ص78-80.
[16]- عبد الغني العزواي، عبد الحليم بولغيتي، التربية النظامية و الغير نظامية، مقارنة بين ثانوية وزاوية، مذكرة ليسانس تخصص علوم التربية، بإشراف بوفلجة غيات، كلية علم النفس جامعة السانية، وهران، 2004/2005م، ص49.
[17]- تينلان، مدينة تقع شمال مدينة ادرار، تبعد عن مقر الولاية بـ02 كلم، تأسست سنة 1078هـ. الحاج احمد الصديق، المرجع السابق، ص85.
[18]- احد قصور توات يقع جنوب ولاية ادرار يبعد عن مقر الولاية بـ70 كلم وهي تابعة إداريا لبلدية زاوية كنتة، انظر،نفسه، ص126.
- [19]محمد حوتية، المرجع السابق، ص153.
[20]- الحاج احمد الصديق، المرجع السابق، ص126.
[21]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج2، ص216.
[22]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ص17.
[23]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج1، ص401.
[24]- سورة الإنسان، الاية09.
[25]- أحميدة بن زيطة، الهيكل التنظيمي والوظيفي للزوايا بمنطقة توات، الملتقى الوطني الأول للزوايا، الجزائر، وزارة الثقافة، مديرة الثقافة لولاية ادرار، أيام:1، 2، 3ماي 2000م، ص17.
[26]- محمد السالم نواري، المدارس القرآنية و آثارها في التعليم المدرسي بمنطقة توات خلال القرن 14هـ، مدرسة الشيخ محمد بلكبير نموذجا، مذكرة ليسانس، قسم اللغة العربية و آدابها بإشراف الأستاذ احمد الأمين كلية الاداب و اللغات، جامعة الجزائر 2003/2004م، ص67.
[27]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص05.
[28]- نفسه، ص10.
[29]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق ، ص06.
[30]- نفسه ، ص05.
[31]- نفسه، ص07.
[32]- محمد سالم نواري، المرجع السابق، ص71.
[33]- نفسه، ص71.
[34]-أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص07.
[35]- نفسه، ص08.
[36]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق ، ص09.
[37]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج1، ص ص318-319.
[38]- محمد سالم نواري، المرجع السابق، ص72.
[39]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج1، ص318.
[40]- سورة الحجر، الآية 09.
[41]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص12.
[42]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص12.
[43]- نفسه، ص13.
[44]- عبد الله عباس، المرجع السابق، ص124.
[45]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص ص17-18.
[46]- نفسه، ص19.
[47]- محمد حوتية، المرجع السابق، ص197.
[48]- الدغامشة: قرية قديمة في جنوب عين صالح تبعد عنها بحوالي 04كلم. انظر، محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج2، ص13.
[49]- نفسه، ص ص13-14.
[50]- عبد الله عباس، المرجع السابق، ص124.
[51]- نفسه، ص123.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)