روم في بحثنا هذا استنباط مظاهر المقامات الصّوفيّة في شعر سيدي لخضر بن خلوف ، منطلقين من فكرة استلهام المقام كدرجة روحية معلنة في شعر هذا الولي. و التي رأيناها بعد تحليلنا تشكِّل ظاهرة أسلوبية تفرّد بمقولاتها بنفسه، و تشكّلت رسوماتها عبر جموع قصائده. فكان منها مقام الحبِّ و العِشق ، و مقام التّـوبة ثمّ مقام الزّهـد، و ألحقنا بتلك المقامات تشكيلات شعريّة تنبئ القارئ عن بعض الكرامات التي وقعت لهذا الولي.
و قد توصّلنا من خلال دراستنا أنّ شعر سيدي لخضر بن خلوف قد خُصَّ بميزات نخالها رائدة في عصره، و هي مظاهر الصّلاة على النّبي و التّنويع في تراكيبها و تواترها عبر جموع قصائده ، ممّا جـعل قصائده في مدحِ سيّد المرسلين من الأناشيد التي أضحت تلقّن في الزّوايا الـجزائريّة، و التي تلقى الإعجاب من المريـدين و مشايخ الطّرق الصّوفيّة.
الكلمات المفتاحيّة: المقام، الحبِّ، العِشق ، التّـوبة، الزّهـد، الكرامة.
تـمهيد:
لا شكّ أنَّ شعر سيدِي لخضر· بن خلوف يـجمع فِي ثناياه نبرات ثوريّة وأخرى عقديّة، تنسجم الأخِيرة منها بطرق التصوُّف الإسلامِي؛ الرّاسِمة عبر تاريخهـا و لغتها الشّعريّة معالم روحيّة، تسعى عن طرِيقِها إلى تكوِين الإنسان تكوِيناً روحِيًّا، انطلاقا من قوله (ص):« إِنّ فِي الجسد مضغة إِذا صلحت صلح الجسد كلّه، و إِذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا و هي القلب»[1]؛ و لا ريب أنّ شعر سيدِي لخضر بن خلوف هو شعرٌ صوفيّ تظهر دلالته الصّوفيّة حِين حدِيثه عن مظاهر روحيّة؛ تبدو فِي عصرِنا هذا أحوج ما يحتاجه المرءُ فِي وقتٍ طفق فيه التفكير المادِّي يأخُذُ أبعادًا فِي غاية الخُطورة، و التي قد تقلِّلُ من إِنسانيّة الإنسان بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى.
إِنّنا حينما نرتاد شعر سيدي لخضر فِي لحظة من اللّحظات، تستوقفنا مظاهر الزُّهد فِي الدُّنيا، و الدَّعوة إلى الآخرة، و هذا هو المقصد الأسمـى الذي جاءت به الشريعة الإسلامية السّمحة؛ بل إِنّنا حِينما نعتلِي الكلِمة الشّعريّة لسيدِي لخضر بن خلوف، نجد أنّ عُمُرَ هذا الشِّعر طوِيل طولَ المرحـلة البشريّة، باعتباره ينطلق من الماضي ليخترق الحاضر برؤية مستقبليّة تنبئُ عن شطحات الصّوفيّة؛ بل قل: إِنَّ شِعرَ سِيدِي لخضـر تتجلّى فيه المقامات الصّوفيّة، من خلال كلماته التي تدعُ القارئَ يندمج في حضرة الوصف و المديح و العبـرة و الاعتبار.
حِينما نقرأ أمهّات المصادِر التي تخصُّ التصوُّفَ الإسلامِي[2]، ننتقِي عبر التّعابـير الشِّعريّة لسيدي لخضر -رحمه الله تعالى- مقامات صوفيّة، تبدو كمن ينـزاحُ من رتبة إلى أخرى، حسب نبوغه الرّوحِي؛ و نستشفُّ تلكم المقامات من خلال توظِيف العارف بالله بعض الأغراض التي ألِفناها فِي الشِّعر العادِي، و التي تُظهِرُ بقوّة البنية الرُّوحيّة و اللّغة العليا[3] التي نعتبِرُها الوجه الحقِيقِي لرحلة هذا التّألِيف.
والمقامُ – عند الصُّوفية« استيفاءُ حُقُوقِ المراسم على التَّمام، ولهذا صار من شُروطهم أنَّهُ لا يصِحُّ للسَّالك الارتقاء من مقام إلى مقام فوقه، ما لم يشوف أحكام ذلك المقام، فإنَّ من لا قناعة له لا يَصِحُّ منه أن يكون متوكِّلاً، ومن لا توكُّلَ له لا يَصِحّ له مقام التَّسليم وهكذا (…) وسُمِّيت هذه وما سِواها بالمقامات لإقامة النَّفسِ في كُلِّ واحدٍ منها لتحقيق ما هو تحت المُتَناوب ظهورها على النَّفس المسمّاة أحوالاً لتحوُّلِها»[4].
أمّا الأحـوال فهي« اسمٌ لعشرة منازل ينزلُ فيها السّائرون إلى الله عزّ وجلّ، وهي: المحبّة، والغيرة، والشّوق، والقلق، والعطش، والوجد، والدهش، والهيمان، والبرق، والذَّوق»[5].
وفِي هذا القِسْم ينْمَحِقُ التَعمُّل والكَسْب، ويترَقَّى القلْبُ إِلَى مَقَامِ السِرِّ، ويَكُونُ صَاحِبُ الحَال مَصْحُوباً، مَحْمُولاً فِي السَّيْرِ كراكِبِ البحْرِ يُسَارُ بِهِ، ولاَ يَدْرِي، قال تعالى:﴿سُبْحَانَ الذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ ]الإِسراء:الآية1[. و من هاهنا نجد أنّ الأحوال جزء من المقامات، لأنّ الأولى سيرٌ و الثّانية وصول..
المقامات الصّوفيّة في شعر سيدي لخضر بن خلوف:
من خلال تحليلنا لقصائد سيدي لخضر بن خلوف ألفيناها تستقطبُ مقاماتٍ، ذلك أنّ الشّاعرَ صوفيّ و تعابيره الشّعريّة تكشف- لمن تمعّن فيها- مظاهر مدارج السّالكين إلى حبّ ربّ العالمين، و تكشف أيضا عن روحانيّة الشّاعر من خلال شعره، ممّا يسلمنا إلى تبنِّي تلكم المقامات باعتبارها السّبل التي ينتهجها المحبّ في لحظات الترقِّي:
أوّلا:مقام الحبِّ و العِشق مرهونٌ بغرض المدح:
- نعتقِدُ أَنَّ مدح سيدِي لخضر للرّسُول (ص) لم يكن المدح الذِي أَلِفْنَاهُ ضمن الأغراض الأدبيّة( الشِّعريّة)؛ إِنّما كانَ مدحاً يُعَبِّرُ عن مقام من مقامات الصُّوفيّة، لأنّهُ ليس مقصُوداً بِهِ مدْحَ التكسُّب، أو مدحاً لخوف العِقاب، أو هيبة من حاكمٍ، إِنَّما المقصُودُ به صبابة الحُبِّ الرُّوحي الذي لا علّة فيه، و هو حُبُّ الله و حُبُّ رسُولِهِ (ص) و آل بيته الطّاهِرِين؛ اقتِداءً بِما جاءَ فِي الآية الكريـمة[6].
إِنَّ مقامَ العشق عند سِيدِي لخضر بن خلوف هو مقامٌ نراهُ يأخذُ أعلى نسبةٍ له فِي أشعار هذا المُتَرَوْحِن[7]؛ لأنَّنا نعتقِدُ أَنَّ بين سيدِي لخضر، و بين الرَّسُول (ص) كما بين المرءِ و ظلّه الدّالّ عليه، لأنّ هناك صلةً روحيّةً مستمدَّة من نظرة الأُبُوَّة، و نسل سيدِي رسول الله (ص)[8]، و إِذن، فمدحيّة الرّسول (ص) تبدو مدحيّةُ تضامٍّ كُلِّي، تنبُعُ من شجرةٍ مباركة، و لذلك تبدو العلاقة روحيّة فِي هذا المدِيح بالدّرجة الأولى، و تظهرُ تواتريّة هذا المدح- فيما نحسب- فِي حُبِّ التوحُّد بالذَّات المحمّديّة، و تقلِيدِها، و أكثر من ذلك الهُيام بِها، فشعرنا – و نحن نقرأ قصائِدَهُ الواحدة تلو الأخرى- أنَّهُ يُخَلِّلُ هذا المدحَ بِمِعراجيّة الوصُول، فنراهُ يمدحُ سيِّدَنا محمّد (ص)، و يمكُثُ عند أماكِن وصوله:( البُراق، سبع سماوات، العرش، الجنّة، الإسراء و المعراج…)، فمثلاً يقول فِي قصيدة ( العالم بالغْيُوبْ سيدي:
نَحْمَدْ ربّ السْمَا و الارْضِ رَاوِي عنْ لَقْطَابْ جُمْلَة
اللَّوْحْ و العَرْشْ بْشَوْفْ لَحْظِي و الحَرْفْ أَلِّي بْغَيْتْ يَتْلَى
السَّابَعْ دَرْتْ فِيهْ غَرْضِي نَنْظُرْ فَوْقْ البْسَاطْ الاَعْلَى
خلِّي الحَاسَدْ يْزِيدْ حَسْدِي يَا وَيْحُو مَنْ كَانْ يَغْتَبْ
و يقول فِي قصيدة (اختارك الواحد الأحــد):
النّاس صدقُوا بخبارك *** جهلُوا حقيقة المعرِفة
لو كان يعرفوا مقدارك *** يَا كامل البهَى و الصِّفة
يسْتحسنُوا بْصِهْر صهارَكْ *** عَسَى بْشَاعْرَكْ و الشُّرْفَة[9]
و المعرِفة فِي المنظور الصُّوفِي، تعنِي:« معرفة أسماء الله تعالى، و معرِفة التجليّات، و معرِفة خِطاب الحقّ بلسان الشّرع، و معرِفة كمال الوجود، و معرِفة الإنسان من جهة حقائقه، و معرِفة الكشف الخيالِي، و معرِفة العلل و الأدوِية.»[10]. و هاتِيكَ معارِفُ جلّت عن الفهم، إلاّ لأرباب الأحوال، و أهل الذَّوق ممّن تكشّفت لهم الأنوار، و تلاشت عن بصِيرتهم الحُجُب.
و ما دمنا قلنا إنّ النّبر المدِيحِي يدلّ فِي الأصل على نبرٍ تعشُّقِي، فحِينئِذٍ تظهر كشوفاته و إعلاناته من لدن سيدِي لخضر نفسه، حِينما قال: يا عاشقِين خُوذُوا بِيدِي دِيرُوا صْحُوفْكُم و اقراوا فِي لَسْوَارْ
قبلَ لاَّ يْنادِي المُنـََادِي عَزْرِينْ يَاكْ يَقْبَضْ فِي لَعْمَـارْ
العشْقْ بَانْ و فْضَحْ سِرِّي و ذَاتِـي فَــانْيَة مذهـولـة
يا زَايْرِينْ أَجُوا عندِي و نْقُولْ مرْحَبا بالضَّيْفْ إِذَا زَارْ[11]
و العِشقُ فِي المعتقد الصُّوفِي هو « آخر مقامات الوصول والقرب، فيه يُنكر العارفُ معروفَه، فلا يبقى عارفٌ ولا معروفٌ ولا عاشق ولا معشوقٌ ولا يبقى إلاَّ العشق وحده، والعشق هو الذَّات المحضُ الصِّرفُ، الذي لا يدخل تحت رسمٍ ولا نعتٍ ولا وصفٍ… فإذا امتحقَ العاشِقُ وانطمسَ، أخذَ العِشقُ في فناءِ المعشوق والعاشِق، فلا يزالُ يُفني منه الاسمَ ثمَّ الوصفَ ثمَّ الذَّات؛ فلا يبقى عاشق ولا معشوقٌ، فحينئذٍ يظهر العاشقُ بالصُّورتين، و يتَّصفُ بالصِّفـتين، فيُسمَّى بالعاشقِ ويُسمَّى بالمعشوقِ»[12]
و من هنا يظهـرُ العِشْقُ ممارسة حقِيقيَّةً فِي حياة سيدِي لخضر الرُّوحيّة، مادام يعنِي فناءً كليّاً فِي حضرة اللّطائِف الرّحمانِيّة، أو ليس هو القائِل: العشْقْ بَانْ و فْضَحْ سِرِّي و ذَاتِـي فَــانْيَة مذهولـة؟
و نلفِي فِي أبيات أخرى اجتماع لواعِج الحبّ بنِيران الشّوق، لتنتهِي بعِشقٍ روحانِيٍّ، يعزُبُ عن اللّغة أن تُصَوِّرَهُ، يقول العارِف: يَا رب العرْشْ هَزْنِي رِيح التَّشْوِيق لمْقَامْ الرسُولْ النَّبِي ما صُبْتْ طرِيقْ
عَشْقِي و مْحَبْتِي منْ شَقْ المَشْرِيقْ أَنَــا مـسْـكـِينْ قَــلْ زَادِي
مَا صَبْتْ مْنِينْ يَتْحَمَّلْنِي يَا سَاداتْ يَحْمَـلْ رُوحِـي مْـعَاهْ غَـادِي
أَنْشَمْ تْرَابْ أَرْضْ عُرْبَة دُونْ بْحَاتْ يَا سَعْـدِي بالـرْسُول سَـعْـدِي
محمّد تاجْ الأَنْبِيَّـا سِيدْ الأُمَّاتْ يَا سَعْـدِي بالـرَّسُولْ سَعْـدِي[13]
وإذن، فهذه بعض المظاهِر الرُّوحيّة التي تبرِّرُ حقيقَةَ الشّاعِر الشّعبِي الجزائرِي، و مدى اتِّساقه و انسجامه جسداً و رُوحاً مع تعالِيم الدِّين الإسلامي؛ و ما ذاكَ إلاّ لأنّ الشَّاعِرَ ابنُ بِيئَتِهِ، و فرعٌ من ذلكم المدّ الفكرِي القادِم من شبه الجزِيرة العربيّة، حِينما طَفِقَ الفتحُ الإسلامي يُبدِي تغيِيراً عارِماً لفهـم الوجود الإنساني؛ و اهتمَّ بالجانِب الرُّوحِي للإنسان، مثلما اهتم بالجوانِب الجسميّة فيه.
ثمّ إنّ هذا الوليّ أصبح مضربَ المثل فِي مدح سيّدِ الخلق(ص)، و مدحُهُ كانَ فِي الواقِعِ نقلاً أمِيناً لشخص سيِّدنا محمّد عليه الصّلاة و السّلام، و بالتّالِي أصبح شعرُ هذا العارِفِ المكرَمِ« فنًّا قائِمَ الكَيانِ ناضِجَ الصُّوَرِ، مكتمِلَ الخَصَائِصِ، تناول فيه سِيرةَ الرَّسُولِ(ص)، بما فِيها من صِفات و شمائِل»[14]
و قد رأينا سيدِي لخضر بن خلوف- مثلما شاء له القدر أن يكون- مرفوعَ الجنابِ و الجَنان، من خلال ارتفاع ذكره مشارِق الأرض و مغاربها، برغم من أنَّ شخصهُ الموقّر عاش فِي فترة القرن التّاسع الهِجرِي[15].
ثانِياً: مقام التّـوبة:
التّوبـة فِي عُرفِ الصُّوفِيّة« أوّل مقـام من مقامات المنقطِعِين إلى الله تعالى»[16]، و قد سُئِلَ ذُو النُّون رحمه الله تعالى عن التّوبـة، فقال: توبة العوام من الذُّنُوب، و توبـة الخواص من الغفلـة[17]، و لمّا كانت التّوبة بِدايةَ السّالِكِين إلى الله تعالى، رأينا مظاهر هذا المقام متجلِّيةً فِي شعِرِ سِيدِي لخضر، على شكل أدْعِية محتواة فِي قصِيدة نُظِّمت لهذا الغرض، و أدعِية تتخلّل قصائِدَ المدِيح، فمن النّوع الأوّل قوله رحمه الله:
يَا مَنْ هُو حَقْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو (اغْفَرْ) ذَنْبِي بْتَوْبْة آدَم و حَوَّا
و بالحَرمَيْنْ و الصَّفَا و المَرْوَا (اقْبَـلْ) يَـوْمْ الحْسَـابْ عُـذْرِي
(اجْعَلْ) لِي مَا اسْعَيْتْ لَيْلَة هَنِيَّة و بالطَّـــاغُـوتْ كَانْ كُـفْـرِي
إِيمَــانِي بِيـكْ سَرْ و عَلاَنِـيَّة (ارْحَـمْ) يَــوْمْ أَنْـزُورْ قَـبْـرِي
(أَغْفَرْ) لِي مَا مْضَى بْغَافِرْ التَّنْزِيلْ و (اصْلَحْ) لِي مَا بْقَى بْفَضْلْ المُزَمِّلْ
و بالتَّوْرَاة و الزَّبُورْ مْعَ الانْجِيلْ و بالـفُـرْقَـانْ (حُـطْ) وزْرِي[18]
و من النّوع الثَّانِي، قوله:
يَا غَفَّارْ أَغْفَـرْ ذَنْبْ الشَّــاعــرْ و الحَاضْرِينْ و السَّامْعِينْ لَفْظْ انْشَادِي
يَا سَاتَرْ العْيُوبْ أَنَا عَبْـــدَكْ قَاصَرْ لاَ عِلْمْ لاَ اعْمــالْ مَا هَيَّــتْ زَادِي
رَبِّ حَنَّنْ لِي القَلْـْبْ القَــــاسَحْ يَا خَالَـقْ العبَــادْ أَنْتَ أَلِّـي تَرْعَانَا
عَبْدَكْ الضْعِيفْ مُذْنِبْ دْمُوعُو سْيَاحْ الجُودْ و العْفُو مَنْ فَضْلَكْ يَرْجَانَا
سَعْدِي مْعَ النْبِي بَتْ مْعَاهْ البَـارَحْ مْشَرَّفْ النْسَبْ جَابْهُولِي مُولاَنَا[19]
فالعارِفُ يتقرَّبُ إلى الله عزّ و جلّ بالطّاعات، فإِذا تمكَّنَ و تحقَّقَ بذلك السُّلوك، شمِلتهُ أنوار الهِداية، و أتته العِناية، و حوته الرِّعاية، و شاهد ما شِهدَهُ بقلبِهِ من عظَمَةِ سَيِّدِه، فتابَ عن الملاحظة و السُّكُون، و الالتِفات إلى ما كان من طاعته و أعماله و قرباته فِي حين إرادته و بداياته[20]، فشتّان بين تائِبٍ يتوب من الذُّنُوبِ و السيِّئات، و تائِبٍ يتُوبُ من الزّلل و الغفلات، و تائِبٍ يتُوبُ من رؤية الحسنات و الطَّاعات.
ثالِثاً: مقام الزّهـد مرهونٌ بغرض الحِكمة و الموعِظة:
و الزُّهد كما يرى الطُّوسِي رحمه الله تعالى:« مقام شرِيفٌ، و هو أساسُ الأحوال الرضيّة، و المراتِب السنيّة، و هو أوّل قَدَمِ القاصِدينَ إلى الله عزّ وجلّ، و المنقطِعِينَ إلى الله، و الرَّاضِينَ عن الله، و المتوكِّلِين على الله تعالى، فمن لم يُحكِم أساسه فِي الزُّهد، لم يصح له شيءٌ مِمّا بعدهُ، لأنَّ حُبَّ الدُّنيا رأسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، و الزُّهد فِي الدُّنيا رأس كلِّ خيرٍ و طاعة»[21].
إِذا تسنّى لنا معرِفة الزُّهد فِي رؤيته الصُّوفِيّة الصّافِية، أمكننا استخلاصُ بعضِ مظاهِرِه فِي شعرِ هذا العارِفِ الورِعِ؛ و نستخلِصُ- دون شكٍّ- نوازِعَهُ وأبعادَهُ التي قعَّدت لكينونته عند سِيدِي لخضر.
عند قراءتنا لشعر سِيدِي لخضر بن خلوف تستوقِفُنا- إضافة إلى مقامي: الحبّ و العِشق- مقام الزُّهد، الذِي رأيناه شدِيدَ الصِّلة بمظهري:الحِكمة و الموعِظة، اللّذان ينشآن عن مِراسٍ و عِبرة كَفِيلين بتوخِّي الحذر من الدُّنيا، و اعتلاء مقامات الآخِرة؛ و هذا المظهر الكائِنُ فِيها يقُودُ العارِفَ – فِي غِيابه الرُّوحي- إلى ارتياد مراتِب الزُّهدِ حسب الحال و التمكُّن[22]، لأنَّ التمكُّنَ مكمنُ الرُّسُوخ على شيءٍ، و عدم الانزِياح عنه مهما حصل من أمور تدعُو إلى التخلِّي عنه.
ألفينا مقامَ الزُّهدِ متمظهِراً فِي أبيات شعريّة عدِيدة، يبدو فِيها عُزُوفُ العارِفِ عن الدُّنيا، و الحثِّ على تهيِئة النَّفسِ و الاستِعداد للآخرة؛ غير أنّ هذا العُزُوفَ نراهُ عُزوفَ المتروحِن المتوجِّس الأثر الملائِكِي، و الغائِبِ بِكليّتِهِ عن الخلق، و إلاّ لكانت هذه الحِكَم يسُوقُها أيُّ إِنسانٍ خاض تجارِب فِي هذه الدُّنيا.
نعتقِدُ أنَّ الصِّفَةَ الزُّهدِيَّة لدى سيدِي لخضر تبقى زهدِيّة العِلم و اليَقِين، و ليس خشية العِقاب مثلما يعتقِدُ جلّ النّاس، وإلاّ لكان ما قاله من شِعر لا يقتصِرُ على مجرَّدِ عدِّهِ غرضاً فِي تجاربَ دُنيوِيّة فقط.
إنَّنا نُرجِّحُ هذا كون سيدِي لخضر رجُلاً صُوفِيّاً[23] بالدَّرجة الأولى، و هذا ما تُشِيرُ إليه أغلب قصائِدِهِ؛ و من هنا جاء الفرقُ واضِحاً بين تجرِبة الشَّاعِر فِي رِحلته الدُّنيوِيّة مع المجتمع و النّاس، و هو يدخُلُ ضِمن أهل الأدَبِ بِصِفةٍ عامّة، وتجربة الصُّوفِي فِي رحلتِهِ الأُخرَوِيّة، و يدخُلُ مع الخواص من أهل التَّعبِير.
يقول سِيدِي لخضر- رحمه الله تعالى فِي قصيدته( آ سيدِي فارس المْنَعْ):
الله يْثَـبَّـتْ الشْــرَعْ يَوْمَ انْ نَضْحَى رْمِيمْ مَا بَيْنْ لْحَادِي
دَارْ الظَّلْمَة بْلاَ شْــمَعْ يَوْمْ فْـرَاقِي مْعَ احْبَـابِي و اولاَدِي
يُوقَعْلِي الخَوْفْ و الفْزَعْ صَلَّـى اللَّـه عْلِـيـكْ يَا حَمـَّدِي
و يقول أيضا:
يَا عَبْدْ إِذَا بْنَيتْ مَا يَبْقَى بُنْيَــانْ حِيطَانَكْ تَمْـسَى اخْــرَابْ
و انْتَايَا لاَبُـدْ منْ لَيْلـَة لَكْـفَـانْ عَظْمَكْ يَرشَى عْلَى التْـرَابْ
دِيرْ بالآيَة و جَانَبْ طْرِيقْ العِصْيَانْ و انْظُرْ مَا قَالْ فِي الكْتَـابْ
و قال: الحَدْ و الاثْنِينْ و الثلاثَة و الارْبْعَة و نَا بَيْنْ الجْبَالْ سَايَحْ طُولْ اللَّيْلْ
عَيْنِي يَا عَاشْقِينْ سَخْفَتْ بالدَّمْعَة تَرْعَى لَفْصَالْ مَنْ عْوَاقَبْ جِيلْ بْجِيلْ
دْخَلْتْ تْلَمْسَانْ فِي نْهَارْ الجَمْعَة فِي جْبَلْ حْنِيفْ بَتْ سَاجَدْ للجَلِيـلْ
غِيرْ أَناَيَـا و سَبْحْتِي[24]
تمعّن فِي مظاهِر الصِّفات الزّهدِيَّـة فِي الأبيات الثّلاثة الأخيـرة، لا شكّ أَنَّكَ ستجِدُ منهـا مظهر السِّياحة، و البُكاء على تعاقُب السِّنين، و الإكثار من السُّجُود باللَّيل فِي الخلوات، و حمل السَّبْحة، باعتبارها مظهراً دالاًّ على التمسُّك بالأوراد؛ و هذه الطَّرِيقة نراها بالخُصُوص عند أهل التصوُّف، الذِين يرون أنَّ الذِّكْـرَ لا يُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ لَدُن شيخٍ عارِفٍ، يقِي المُرِيدَ طَرِيقَ المَهَالِك.
و إِذا ما جمعنا بين حالتي: التصوُّف كممارسة روحيّة، و بين الزُّهد كمرحلة روحيّة من مراحله، أمكننا القول: إِنَّ زُهدَ سِيدِي لخضر هو زهد خاصّة الخاصّة المتمثِّل فِي إِعراضِهم عن كُلِّ ما سِوَى الله من الأغراض و الأعواض، الظّاهرة أوّلاً، و الباطِنة ثانِياً، و عن كلِّ ما هو غير ثالثاً، و هذا الزُّهدُ يتضمّن الرّجاء و الرّغبة و التبتُّل…و هي ما رأيناها كائِنةً فِي شِعرِ هذا الصُّوفِي.
انظر مثَلاً إلى قوله:
راغَبْ فِي الدُّنْيَا بْـزُهْـدِي فِي دِيـنِي شَفَّـيْتْ الاعْـدَا
يَا قَـطْعَانْ يْـدَيَّا بْـيَـدِّي مَا نَفَّـلْتْ حَتَّى بْسَجْــدَة
يَا مُحَمَّـدْ يَا سِـــيدِي صَلَّى الله عْــلِيكْ لَـبْـدَا[25]
ثُمَّ إِنَّ الزُّهدَ عند أهل الباطِنِ يُحِيلُ بالضَّرُورة إلى زهدٍ أرقى و أعظم، و هذا هو الزُّهدُ فِي الزُّهد، الذي معناه استِحقارُكَ لِما زهدت فِيه، و لهذا كان الزُّهدُ فِي الدُّنيا سيّئة فِي نظر الخَواص،لأنّه لا يوجد شيءٌ ما سوى الله أعظم حتّى يرغبَ العارِفُ فِيه أو عنه، و من تحقّق بِهذا النّظر استوت عنده الحادِثات، بتحقُّقِهِ شُمول إرادة الحق لِجمِيعِ المرادات.
رابِعاً: الكرامات مرهونة بالعطايا الإِلهِيّـة:
تعنِي الكرامة عند أهل الكشف: بُلُوغَ العبْدِ المُرَاد قبْلَ ظُهُورِ الإرادة[26] و هي بالتّالِي مَدَدٌ إلهِي يُلْهِمُهُ تعالى إلى من يشاءُ من عِبادِهِ، فلا تتعلَّق إِذن برياضة، و لا مُجاهَدَة، و إنَّما تتعلَّق بِعِلمِ الله بِعَبْدِهِ، بما لا دراية لهذا العبدِ بِهِ.
و قد قسَّمَ ابنُ عربِي الكرامة- فِي مؤلَّفِهِ( الفُتُوحات المكيَّة)- إلى قسمين: كرامة حسيّة، و كرامة معنويّـة، أمّا الكرامات الحسيّة: فهي كرامات العامّة، مثل: المشي على الماء، و طيّ الأرض، و الاطِّلاع على الكوائِن، و الإِخبار بالماضِي و الحاضِر و المستقبل، أمّا الكرامات المعنويّة: فهي كرامات الخاصّة من عِبادِ الله، و هي كرامة العمل بشرِيعة القُرآن و التمسُّك بِهـا[27]. و ممّا نعدّه له في ذلك:
1) كرامته بالصّلاة على النّبِي(ص) و رؤيته له عليه السّلام، و الدِّراية بالدِّين و الإِلهـام الشِّعرِي المتتالِي، و المُرصَّع بألوان الحِكم الدُّنيويّة و الأُخرَوِيَّة:
فمن كرامة الله له الصّلاة على النّبِي(ص):
نَـبَّهْنِي(لَـمْدِيـحْ سِـيـدِي) سْـقَـانِي مـنْ مَـاهْ كَاسْ طَيِّبْ
امْـلاَهْ (بَـمْدِيحْ طَـهَ الهَـادِي) أَحْلَى منْ العْــسَــلْ و عْـنَبْ
العَالَـمْ بَالغْيُــوبْ سِيـدِي سُبْـحَــانُـو فـِيهْ مَـا نَكْـذَبْ
و من كرامة الفهم في الدين قوله:
عَرْفُونِي كِي رْجَعْتْ جَايَــزْ (فِي دِيـنِـي كَامَـلْ الفْـهَـامَة
و اعْطَـانِي الله عِلْـمْ فَـارَزْ منْ كْـنُوزْ عَــالَمْ الـعُـلاَمَـا)
و من الإلهام الشّعري قوله:
أَعْطَانِي الله مَنْ المْخَــازَنْ و اعْطَـاهْ لـِي فـِيه مَـا نْضَـيَّعْ
(نُـوزَنْ شِعْرِي بَحْرُوفْ وَازَنْ) بِسْـمِ الله و بِسْـم الـمُـشَـفَّـعْ
الطُّـلْبَة يَكْـتْـبُوا و يَـمْحُـوا لَـخْضَرْ يَكْـْتَـبْ بْـلاَ قْـلُـومَـا
رَبِّي ذَا القَـوْلْ زَادْ شَـرْحُـوا مَحْـبُـوبِي صَاحَـبْ الغْـمَامَة[28]
فالنّباهة إلى حُبِّ النبيّ (ص) تُعدُّ فِي حَدِّ ذاتِهاِ لوناً من ألوان الكرامة، واجتِباء الله تعالى للعبد، لأنّه جلّ و علا قال:﴿ إِنَّ اللّهَ و ملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَبِي، يا أَيُّها الذِي آمَنُوا صَلُّوا عليه و سَلِّمُوا تسْلِيماً﴾[29]
فما بالُكُ- أيُّها القارِئُ الكرِيم- إِذا كانت هذه الصَّلاَةُ مُمارَسَةً يومِيّة عند سِيدِي لخضـر، حتَّى هام بِها فِي السرِّ و العلَنِ، و فِي بطون الأودِية و الشِّعابِ، و الجِبالِ، و فِي اللَّيل و النَّهارِ…و فِي سَائِر الوقتِ الذِي قَدَّرَهُ الله لهُ؛ وقد انتهت برؤيته لرَسُول الله(ص)، لتُتَرْجَمَ حَقِيقَةُ هذه الصّلاة، و تلك المحبَّة الرَّاسِخَة فِي عُمر هذا العارِفِ.
2) كرامته فِي رؤية الرّسول(ص):
يكْفِينِي صَدْقِي و نِـيَّة لَخْـضَرْ كِيفْ يكُـونْ خَاطِي
(تِـسْعَة و تِسْعِينْ رُؤْيَة) و العَـاطِـي مَا زَالْ يَعْـطِي
كَافَـانِي مُولْ الهْـدِيَّة و اقْبَـلْ لِي مُـولاَيَا شَرْطِي
و قوله:
ما هُو شْـرَا مِنِّي و لاَّ بَـيْعَة و لاَ منْ الفَارْسِيـنْ رَاكَبْ غَوَّارْ
بَيـنِي و بَيْنْ مُـحَمَّدْ شْرِيعَـة هُو يـشُوفْ و نَا نقْرَا لَسْطَـارْ
كِيـمَا يْحَبْ سِيدِي لِيه المُطِيعَـة يَوْمْ الخْمِيسْ بَاتْ مْعَايَا فِي الدَّارْ
ذِكْـرْ الرْسُولْ طَـهَ فِـيه وْزِيعَة أَنْـدْهُوا نْـوَزْعُوا مَنُّوا يَا لَنْظَارْ
ذِكْـرْ الرْسُولْ طَـهَ فِـيه وْزِيعَة صَلُّوا عْلَى رْسُول الله يَا حُضَّـارْ[30]
أَيَّةُ لُقْيا هذه؟ بل أَيَّةُ بُشْرَى يا تُرَى؟ لَعَمرِي، إِنَّهـا بُشْرَى اللِّقَاءِ بسيِّدِ الأَوَّلِين والآخِرِين، و أشرَف خَلْقِ الله ما دامت السّمواتُ و الأرَضِين؛ و تلكم الرُّؤية تُؤَكِّدُ- عن كثب- أَنَّ الطَّرِيقَ الذِي انتهجَهُ العارِفُ فِي حياتِهِ طرِيقٌ لا مِراءَ فِيه، و لا ريب فِي مِصْدَاقِيَّتِهِ، عمَلاً بقول المُصْطَفَى الكَرِيم:« من رآنِي فَقَدْ رآنِي حَقِيقَةً، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي»[31]
3) كرامته فِي اللِّقاءِ بِسِيدِي أَبِي مدين شُعيب:
يَوْمْ الجَمْعَة طْلَعْتْ سَـارِي للعُبَّادْ ثَمَّ نَادَى و هَبْ لِي بُومْكَــحْـلَـة
نْصِيبْ مْغَارَة مْجَاوْرة سِيدِي عَابَدْ وَ قفيتْ عْلَى السْجُودْ مَـا نَحْو القَبْلَة
نْظَرْتْ خْيَالْ جَا يْفَدْفَـدْ كالفَدْفَادْ يَامَا حُسْنَه زَيْنْ مَكْمُـولْ الطُّولَــة
و مَكَّنْتْ لَهْ بْرَيْـتِي
مْنِينْ قْرَاهَا أَنَا و ايَّـــاهْ تْسَـالَمْنَا و عَجْــبَــاتَهْ جْــمَاعْــتِي
قْضَيْتْ مَنَّهْ مْسَـايْـلِي و تْعَاهَدْنَـا آهْ يَا سَــعْـدِي و فَــرْحْـتِـي
مُحَمَّدْ الفْـضِيلْ مَفْـتَـاحْ الجَـنَّة مُحَمَّــدْ رُوحِي و رَاحْـتِـــي
بَتْـنَا مَتْجَادْلِـينْ اللَّـيْلْ و مَا طَالْ عْلَى دِينْ النْبِي أَحْمَدْ طَـهَ المَبْرُورْ
قال: أنا بُومَدْيَنْ أَصْلِي مَنْ لَفْضَالْ منَ الأَنْدَلُسْ هَمْتِي فِيهَـا مَذْكُـورْ
فقُلْتْ لَهْ: أَنَا بَنْ خْلُوفْ مَدَّاحْ المُرْسَـالْ هَاوِينِي بالحْدِيثْ يَا مَصْبَاحْ النُّـور
أَبْقَى يَنْظُرْ فِي صِيفْتِي
بَعْدْ كْمال الحْدِيثْ قَالْ لِي يَا لَكْحَـلْ: خُوذْ الأَمَانَة و سِيرْ بِهَـا بِإِذْنِ الله
مِيَّة و عِشْرِينْ شَيْخْ مَنْ وَالِي كَامَلْ طَبْعُوا لَكْ بالنْصَافْ هَـا الكَاغَطْ قْرَاهْ
و كَمَّـلْ الخَتْمَة الشْفِـيعْ المُفَـضَّلْ سْقَاكْ بالسََّـرْ الزَّمْزَمِي رَسُول الله
ادِّيتْ منَّهْ أَمَانْتِي[32]
لقد تعرَّضَ عددٌ من العُلماء إلى سِيرة سِيدِي أبِي مدين شُعيب دفين تلمسان، حياةً و نشأةً و تعلُّماً و سياحةً، فهو الشَّيخُ الزَّاهِد، العارِفُ بالله، قُطبُ التصوُّف، القُدوة، أبو مدين شُعيب بن الحُسين الأنصـارِي، الأندلُسِي[33]، الإِشبِيلِي، المالِكِي، الصُّوفِي، الفقِيه، المُحدِّث؛ و كُنيتُهُ: « أبو مدين، تكنَّى بابنه مديـن»[34] ذِي الخِصـال الحمِيدة، دفِين مصر.
و يُرجِّحُ بعضُ المؤرِّخِين أَنَّ سِيدِي أبِي مدين وُلِد سنة[509ه- 1115[ [35]، و توفي سنة 594ه- 1200م، بعـدما خاض فترات ذهبيّة فِي حياته، كانت مليئة بالعِلم و الحِلم، و الموعِظـة الحسنة، و الكرامات التي لا زالت تُردَّدُ إلى يومِنا هذا.
و إِذا كُنّا نُقدِّرُ الفارِق الزَّمنِي بين سِيدِي أبِي مدين شُعيب، و سِيدِي لخضـر بن خلوف، فإنّهُ يُقدَّر بأربعة قرون تقرِيباً؛ و هي فتـرة تبدو- فِي اعتِقادِنا- قرِيبة فِي حياة سِيدِي لخضـر من أخبار سِيدِي أبِي مدين، الذي ذَاعَ صِيتُهُ آنذاك مشارِقَ الأرْضِ و مغارِبِها، فكان و لازال- فِي تلك الحقبة- يُؤثِّرُ فِي رُوحِ سِيدِي لخضر التّائِقة إليه، و الشَّائِقة إِلى لُقْيَاه؛ فكان أن حصلت تلك الرَّغبة، حِينما هام على وجهِهِ، و فيضُ الوُجْدِ يَحمِلُهُ، و الوارِدُ يُبَشِّرُهُ، بالتقائِهِ بأبِي مدين شُعيب يَوْمْ الجَمْعَة فِي سفح الجبل عند مركز العُبَّادْ( يَوْمْ الجَمْعة طْلَعْتْ سَارِي للعُبَّادْ ثَمَّ نَادَى و هَبْ لِي بُومكَحْلَـة)، و تصِيرُ هذه المرحلة الرُّوحيّة مرحلة يتوقّفُ فِيها الزّمنُ الصُّوفِي، و تتعاضدُ فِيها الذَّاتان الصُّوفِيَّتان تعاضُداً رُوحِيًّا، لتنتهِي ببُشارتين سعِيدتين:الأولى: رضا أولياء الله تعالى عن سيدِي لخضر، و نلفِيها فِي قوله:( مِيَّة و عِشْرِينْ شَيْخْ مَنْ وَالِي كَامَلْ طَبْعُوا لَكْ بالنْصَافْ هَـا الكَاغَطْ قْرَاهْ) و الثّانِيّة: رِضى رسول الله (ص) عنه، من خلال قوله:( و كَمَّـلْ الخَتْمَة الشْفِـيعْ المُفَـضَّلْ سْقَاكْ بالسََّـرْ الزَّمْزَمِي رَسُول الله).
4) و من كراماته الجـزْم بِوُقُوع شيء فِي المُستقبل، و حُدُوثه فِعْلاً حتّى فِي زماننا هذا:
إِذَا طَالَتْ عُمْرَكْ تْشُوفْ مَا تْـــشُوفْ تَتْفَكَّـرْنِي و لَوْ كُنْتْ فِي الْـكْفـانْ
و تْقُولْ مَا قَـالْ الشَّاعِرْ وَلْدْ الخْلُـوفْ الله يَرْحـمْ عْظَامَهْ يَا أَهْلْ الحْسَـانْ
تْغِيبْ نَاسْ البَرْ و تَبْقَى أَهْل الخْـزُوفْ تَابْعِينْ الرِّبَـا و خْدَايَـمْ الجْـفَـانْ
المْسَالَـة مَنْ دُونْ جْهَـارْ صَـافْـيَة مْشَمْتِينْ الضَّحْكَـة تَمْثِـيلْ القْـرُودْ
لاَ حْدِيثْ يْوَالَــمْ لاَ قْـلُوبْ صَافْـيَة مْخَيْـبِينْ العَاهَدْ نطْفَة مْنَ اليْهُـودْ
عْلِيكْ صَلَّى اللهُ يَا سَعْدْ السْعُـودْ
الخْدِيعَة تَكْثَرْ فِي جْوَامَعْ البْــلاَدْ و العْبَادْ يَاكْ تْعُـودْ خَــايْفَـة
الإمام يْشَمَّـرْ ذْرَاعُ عْلَى الزْنَـادْ نَاكْرِينْ الأُصُول فِي الصفْ وَاقْفَة
سَاجْدِينْ بْغَيْرْ وْضُو مَنْ اولاَدْ عَادْ أَصْلْهُمْ مَنْ أَصْلْ الحَيْة التّالْــفَة
المْسَاجَدْ تَعْمَرْ باهْلْ المْخَــالْيَـة الخْدِيعَة فِي الجْوَامَعْ وَقْتْ السْجُودْ
لاَ عْمَلْ لاَ مَعْمـولْ لاَ قْلُوبْ رَاوْية الْمْفَاتَة تَرْجَفْ مَا كَانْ من يْجُـودْ
فِيكْ رَاهُمْ يَرجَاوْا لَعْبَة و رَاضْـيَة يَا عْرُوسْ الجَنَّة يَا فَارَسْ الخْلُودْ
عْلِيكْ صَلَّى اللهُ يَا سَعْدْ السْعُـودْ[36]
نخلص من هذا التّحليل إلى جملة من النّتائج التي نخالها تخدم المعنى الذي ابتغيناه من هذه المقاربة، و منها أنّ الشّعر الشّعبي الصّوفي الجزائري ظلّ لأمدٍ طويل يستلهم مبادئ الدِّين الإسلامي، و يستثمرُ أوامره و نواهيه في تقويم السّلوك الإنساني؛ و السّير به من الاهتمام بالجسد إلى تهذيبِ الرّوح، و قد خصّ شعر سيدي لخضر بن خلوف بميزات نظنّها رائدة في عصره، و منها الإعلان بالكلمة عن الكرامة كما لو كان يخاطبُ قارئًا صوفيًّا…ثمّ إنّ مظاهر الصّلاة على النّبي و التّنويع في تراكيبها و تواترها عبر جموع قصائده كلّها ميزات خُصَّ بـها شعر سيدي لخضر، ممّا جـعل قصائده في مدحِ سيّد المرسلين من الأناشيد التي أضحت تلقّن في الزّوايا الـجزائريّة، و التي تلقى الإعجاب من المريـدين و مشايخ الطّرق الصّوفيّة.
و لله الحمدُ من قبل و من بعد.
مكتبة البحث:
* القرآن الكريم
أوّلا: المراجع
- أحمد محمّد معتوق:
1- اللّغة العُليا، دراسات نقديّة فِي لغة الشِّعر، المركز الثّقافِي العربي، الدّار البيضاء- المغرب، ط1، 2006م.
الإِمام أحمد بن حنبل الشَّيبانِي:
2-الزُّهـد، خرّج أحادِيثَهُ: محمّد بن عيَّادِي بن عبد الحلِيم، مكتبة الصّفا، القاهرة، ط1- 2003م.
3- المسند، شرحه و وضع تعاريفه: أحمد محمّد شاكر، دار المعارف-مصر، ط 1396ه- 1976م.
- البُخارِي( محمّد بن إسماعيل الجعفي):
4- صحيح الإمام البخاري، طبعة دار إحياء التراث العربي( د.ت)-.
- جمال الدِّين خيّارِي:
5- أغراض الشِّعر الشّعبِي فِي الجزائِر، مجلّة الثّقافة، عدد43-1978م.
- عبد الرزَّاق القاشاني:
6- لطائِف الأَعلاَم فِي إِشَارات أهل الإلهـَام تح: أ.د/ أحمد عبد الرَّحيم السَّايح و المستشـار توفيق علي وهبة و أ.د عامـر النجَّار، مكتبة الثَّقافة الدِّينيّة، ط1- 2005م
- الإمام الترمذي:
7- السنن تح: أحمد محمّد شاكر، دارالفكر: بيروت- لبنان، ( د.ت).
- أبو حيّان التّوحيدي:
8- الإشارات الإلـهيّة،تح: عبد الرّحمن بدوي، وكالة المطبـوعات- الكويت و دار القلم، بيـروت- لبنان ط1. 1981م.
- الطُّوسي:
9- اللَّمع فِي التصوُّف، تح: عبد الحليم محمود و طه عبد الله سرور، دار الكتب الحديثة، القاهـرة، و مكتبة المثنَّى، بغداد، 1960م.
- عبد الكريـم الـجيلي:
10- الإنسان الكامل في معرفة الأواخـر و الأوائل، تح: أبو عبد الرّحمـن صلاح بن محمّد بن عويضـة، دار الكتب العلـمِيّة، بيـروت- لبنـان، ط1، 1997م.
- مسلم:( أبو الحسن بن الحجّاج القشيري النّيسابوري):
11- صحيح الإمام مسلم، دارالكتب العلميّة: بيروت- لبنان، ط 1992م.
- محمّد أحمد علِي:
12- مقامات العِرفان، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت- لبنان، ط 2007م.
- منشورات جمعيّة آفاق مستغانم:
13- سيدِي لخضر بن خلوف، حياته و قصائِدُهُ، منشورات دار الغرب للنّشر و التّوزِيع- وهران-، ج1(د.ت).
- محمّد الطّاهر علاَّوِي:
14- أَبِو مدين شُعيب، دار الأمّة، برج الكيفان- الجزائِر، ج1، ط1-2004م.
- عامر النجّار:
15- الطّرُق الصُّوفيّة فِي مصـر: نشأتها و نِظامها و روَّادُها، دار المعارِف- مصر، ط5(د.ت).
- ابن عربي:
16- الفتوحات المكيَّة( أربـعة عشـراً سفـرا)، تح: د. عثمان يحي، تصدِيـر و مـراجـعة د. إبـراهِيـم مدكور، الـمجلِس الأعـلى للثَّقافـة بالتّـعاون مع معهـد الدِّراسـات العليـا بالسّربون، الـهيئـة الـمصـريّة العامّـة للكتاب، 1985م.
17- المعرِفة، تح: محمّد أمِين أبو جوهـر، دار التّكوِين، حلب- دمشق، ط2- 2006م.
- القُشيري أبو القاسم:
18- الرِّسالة القشـيريّة في علم التصوُّف، تح:معروف مصطفى رزيق، المكتبة العصـريّة للطِّباعة و النّشـر، بيروت- لبنان، ط 2003م.
-عبد الوهّاب الشَّعـرانِي:
19- الطّبقات الكبرى( لواقِح الأنوار فِي طبقات الأخيار)، دار الفكر بيروت- لبنان، ج1/(د.ت).
- يوسف بن يحي بن الزيَّات:
20- التشوُّف إلى رِجالِ التصوُّف، تح: أحمد توفِيق، منشورات كليّة الآداب و العلوم الإنسانية، الرِّباط، 1984م.
ثانيا:
المواقع الإلكترونية:
sidiali.ibda3.org و كذلك: montada.echoroukonline.com.
· – سيدي لخضر بن خلوف واسمه الحقيقي أبو محمد لكحل بن عبد الله بن خلوف المغراوي، ينحدر من قبيلة الزعافرية ذات الأصول الشريفة، وهو من أشهر وأكبر الأولياء الصالحين في الجزائر، ولد في حدود سنة 899 هجرية (1479 ميلادية) وتوفي في سنة 1024 هجرية الموافق لـ(1585 ميلادية)، عاش 125 سنة وستة أشهر في القرن التاسع الهجري وهو ما أكده في إحدى قصائده، حيث كان شاهدا على واقعة مزغران. قضى بن خلوف، الجزء الأكبر من حياته في بلدة مزغران، ، تزوج امرأة تدعي “غنو” ابنة الولي الصالح سيدي عفيف شقيق سيدي يعقوب الشريف المدفون بغرب مدينة سيدي علي، ورزق منها ببنت اسمها حفصة، وأربعة ذكور، أحمد، محمد، أبو القاسم، الحبيب، وهي كلها أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، وسمي هذا الولي الصالح، “لخضر” بدلا من اسمه “لكحل” تفاؤلاً بالأخضر الذي يعتبر لون السلام .
و قد جادت قريحة بن خلوف بتراث أدبي في الشعر الملحون منذ القرن السّادس عشر ، لا زال يؤدّى في مجالس الذّكر و الزّوايا و مجالس الشّعر، و قد أشارت الرّوايات المتواترة أنه كتب نحو سبعمائة قصيدة كاملة خبأها في أماكن مجهولة، بيد أنّ الكثير منها اندثر، و قد ألّف الحاج بوفرمة – وهو واحد من سلالة سيدي لخضر بن خلوف- ديوانا تحت عنوان “الوجيز المعروف في حياة سيدي لخضر بن خلوف”، حيث أنه وبالنظر لتعلقه بشعر سيدي لخضر حاول في تجربته الثانية في تأليف هذا الديوان الذي سبقه بديوان أول سماه ديوان سيدي لخضر بن خلوف..حياته وقصائده يحتوي على 49 قصيدة ، كما يتحدث فيه عن حياة الشاعر كاملة، مضيفا بأن لديه حوالي 110 من قصائد سيدي لخضر .
[1] – أخرجه البُخارِي فِي كتاب الإِيمان/ باب فضل من استبرأ لِدِينه. الحدِيث 50، و فِي كتاب البُيُوع34، باب الحلال بيِّن و الحرام بيِّن، الحدِيث 1910، و مسلم فِي كتاب المسـاقاة/ باب أخذ الحلال و ترك الشُّبُهات، حديث2997.
[2] – و من أهمّ هذه المؤلّفات:
- ابن عربي:
- الفتوحات المكيَّة( أربـعة عشـراً سفـرا)، تح: د/ عثمان يحي، تصدِيـر و مـراجـعة د. إبـراهِيـم مدكور، الـمجلِس الأعـلى للثَّقافـة بالتّـعاون مع معهـد الدِّراسـات العليـا بالسّربون، الـهيئـة الـمصـريّة العامّـة للكتاب، 1985م
- القُشيري أبو القاسم:الرِّسالة القشـيريّة في علم التصوُّف، تح:معروف مصطفى رزيق، المكتبة العصـريّة للطِّباعة و النّشـر، بيروت- لبنان، ط 2003م
- عبد الرزَّاق القاشاني:
- لطائِف الأَعلاَم فِي إِشَارات أهل الإلهـَام تح: أ.د/ أحمد عبد الرَّحيم السَّايح و المستشـار توفيق علي وهبة و أ.د/ عامـر النجَّار، مكتبة الثَّقافة الدِّينيّة، ط1- 2005م
أبو حيّان التّوحيدي:الإشارات الإلـهيّة،تح: عبد الرّحمن بدوي، وكالة المطبـوعات- الكويت. و دار القلم، بيـروت- لبنان.ط1. 1981م
[3] – نعني بالشِّعر العادِي، الشِّعر الذي ألفناه منذ العصر الجاهِلِي إلى يومنا الحالِي، و الذي يُعبِّرُ فيه صاحبه عن رؤية كونيّة( دنيويّة) بالخُصُوص، و هو بالتّالِي غير الشِّعر الصُّوفِي، لأنّ صاحِبَهُ يُوظِّف عناصِر التّعبير الشِّعرِي العادِي، مُعبِّراً به عن رغبة فردوسيّة، و بالتّالِي نجد هذا اللّون من الشّعر يعتلِي خوارِق الوضع اللُّغوِي من ناحية التّصِوِير؛ و من ثمَّ فلغته- فِي تقدِيرِنا- أقرب من أن نُنعِّتَها باللُّغَةِ العُليا، لأنّ هذه الأخِيرة تعمل على” إلغاء محدُودِيّة الدَّلالة فِي لغة الشِّعر، و التحوُّل إلى الرّمزيّة المطلقة، و إلى مبدإِ التَّجاوز و الاتِّساع المُطلق، و خرق مثاليّة الوضع و العُرف، أو الخُرُوج المتواصِل على قوانِين البِناء المنطِقِي المحدود، و مد عمليّة الاسناد و إطلاق سراح المعنى إلى حدِّ التحرُّر من فكرة عقلانيّتِهِ، و الانتِقال به من حدود الوظِيفة الذِّهنيّة أو التّمثِيليّة المتعارفة، إلى الوظِيفة العاطِفيّة الانفِعاليّة أو المِزاجيّة غير المحدودة”.
( يُنظر: د/ أحمد محمّد معتوق: اللّغة العُليا، دراسات نقديّة فِي لغة الشِّعر، المركز الثّقافِي العربي، الدّار البيضا- المغرب، ط1، 2006م، ص 11.
[4]- عبد الرزَّاق القاشاني: لطائِف الأَعلاَم، مج2/ ص 660. ويُنْظَر أيْضًا: القُشيري أبو القاسم: الرِّسالة القشـيريّة في علم التصوُّف، تح: الإِمام الدّكتور عبد الحليم محمود والدُّكتور محمود بن شريف، دار المعارف- القاهرة (مصر)، ط/1995م، ج1/ ص 153.
[5]- عبد الرزَّاق القاشاني: لطائِف الإِعلاَم ، مج1/ ص 158.
[6] – لقوله تعالى:﴿رحمـة الله و بركـاته عليكم أهل البيت، إنّهُ حمِيدٌ مَجِيد[سورة هود، الآية 73] ﴾، و قوله جلّ و علا: ﴿إِنّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عنكُم الرِّجْسَ أهلَ البيتِ و يُطهّركم تطهِيـراً [سورة الأحزاب، الآية: 33]﴾
[7] – و قد قــال: مدحِي مفروز كالحلِيب بيض صافِي صافِي من عزّاة القطوف
نمدح سيـد العباد طه المقـطافِي ما دامـت عينِي تشـوف
فلا تكاد تقرأ قصِيدة من قصائِده خالية من مدح سيّد المرسلِين.( للاطِّلاع، يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، سيدِي لخضر بن خلوف، حياته و قصائِدُهُ، منشورات دار الغرب للنّشر و التّوزِيع- وهران-، ج1/ ص 47.)
[8] – لقولـــه: الله يرحـم قايل لبيات لكحل و اسم باباه عبد الله
المشهور اسمه فِي لنعات مغراوِي جدّه رسول الله
و أمّه جات من القرشيّات اليعقوبيّة لالاّ كلّة.
(يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ج1/ ص 24.)
[9] – المرجع نفسه، ص94،67.
[10] – ابن عربي: المعرِفة، تح: محمّد أمِين أبو جوهـر، دار التّكوِين، حلب- دمشق، ط2، 2006م، ص 21.
[11] – يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ج1/ ص 162.
[12] – عبد الكريـم الـجيلي، الإنسان الكامل في معرفة الأواخـر و الأوائل، تح: أبو عبد الرّحمـن صلاح بن محمّد بن عويضـة، دار الكتب العلـمِيّة، بيـروت- لبنـان، ط1، 1997م، ص 85.
[13] – يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ج1/ ص 232.
[14] – جمال الدِّين خيّارِي: أغراض الشِّعر الشّعبِي فِي الجزائِر، مجلّة الثّقافة، عدد43-1978م، ص 49.
[15] – يُنظر: المرجع نفسه، ص21.
[16] – الطُّوسي: اللَّمع فِي التصوُّف، تح: عبد الحليم محمود و طه عبد الله سرور، دار الكتب الحديثة، القاهـرة، و مكتبة المثنَّى، بغداد، 1960، ص68.
[17] – المصدر نفسه، ص 68.
[18] – منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ص 74.
[19] – المرجع نفسه، ص 141.
[20] – لا يستدعِي المقام هنا تبسِيط معنى مقام التّوبة و تذلِيله بسهولة، و لذلك أُشِيرُ على من يبتغِي معرِفَةَ هذا المقام أن يُعرِّجَ على كتاب اللّمع فِي التصوُّف للطُّوسِي، ص 68-69، و بشرحٍ أكثر تفصِيل فِي كتاب: لطائِف الإِعلام فِي إِشارات أهلِ الإِلهام للقاشانِي ج1/ من ص 287 إلى ص 296.
[21] – القاشانِي: لطائِف الإِعلام، المصدر السّابِق، ج2/ ص 415، و انظر: محمّد أحمد علِي: مقامات العِرفان، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت- لبنان، ط 2007م، ص 76، و هذا فصل يتحدَّثُ فِيه المؤلِّفُ عن مقام الزُّهـد، بشيءٍ من التَّفصِيل، و للتّفصِيل أكثـر، يُنظر:الإِمام أحمد بن حنبل الشَّيبانِي، الزُّهـد، خرّج أحادِيثَهُ: محمّد بن عيَّادِي بن عبد الحلِيم، مكتبة الصّفا، القاهرة، ط1- 2003م.
[22] – التمكّن-كما قال القاشانِي فِي مؤلّفه السّابِق ج1/ ص282 -: عبارة عن غاية الاستقرار فِي كُلِّ مقام، بحيث يَصِحُّ لِصاحِبِهِ القُدرة على التصرُّف فِي الفِعلِ أو التّرك، و أكثر ما يُطلق فِي اصطِلاحِ الطَّائِفة على من حصل له البقاء بعد الفناء. و تارة يُطلقُ التمكُّن على ما قبل ذلك من المقامات، و لهذا جعلُوا التمكُّنَ على مراتِب ثلاث: – تمكّن المُرِيد- تمكّن السّالك- تمكُّن العارِفِ.
[23] – و الصُّوفِي يلجأُ فِي أغلب الأحيان إلى التوسُّل بالقرآن الكرِيم، و الكتب المنزّلة، و بالأنبِياء و الصّالِحِين و بالأماكِن المقدّسة، فانظُر إلى قول سِيدِي لخضـر:
إِِذَا اسْتَوْفَيْتْ يَا الله الْطُفْ بِيَّا ارحَمْ يَـوْمْ انْـزُورْ قَــبْرِي
اغْفَرْ لِي مَا مْضَى بْغَافِرْ التَّنْزِيلْ و اصْلَحْ لِي مَا بْقَى بْفَضْلْ المُزَمِّلْ
و بِالتَّوْرَاةْ و الزَّابُورْ مْعَ الإِنْجِيلْ و بِالفـــُرْقَـانْ حُـطْ وِزْرِي
فِي حقِّ المُصْطَفَى و سِيدْنَا جِبْرِيلْ و مِيكَائِيلْ و إِسْرَافِيلْ و عَزْرَائِيلْ
و إِبْراهِيمْ و إِسْحَاقْ و اسْمَاعِيلْ و بـِيَـعْـقُـوبْ و المَـوَارِي
و بْعِيـسَى المَسِيـحْ و زَكَـرِيَّا ارْحَـمْ يَوْمْ نْـزُورْ قَــبْرِي
( يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ج1/ ص74- 78.)
[24] – يُنظر: المرجع نفسه، ج1/ ص63،67، 161، 177، 198. ومن أجمل ما قاله أيضاً:
دار الدُّنْيَا أَلاَّ غْــرُورَة مَنْ يَتْـبَعْهَا حْـقِـيقْ يَـنْـذْكَـرْ
تَعْطِيـلَكْ عَـامْ بالسْـرُورَا و كْـثِيرْ لَـخْيَـامْ لـيْكْ يَنْعَـمْ
خَـرْتَـكْ تَـرْمِيكْ لَلْـحْدُورَة لثُـولَبْ ذِيـبَـانْ يَـــبْـرَمْ
[25] – نفسه، ص 91.
[26] – الطُّوسِي: المصدر السّابق، ص 265.
[27] – نقلاً عن: د/ عامر النجّار: الطّرُق الصُّوفيّة فِي مصـر: نشأتها و نِظامها و روَّادُها، دار المعارِف- مصر، ط5، ص 48.
[28] – ( يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ج1/، ص 92، 95، 96.
[29] – سورة الأحزاب، الآية56.
[30] – نفسه، ص 136، و من الأبيات الأخرى، التي تُبرِّرُ كراماته، قوله:
يوم الخْمِيسْ بَاتْ مْعَايَا سِيــدِي مُحَمَّدْ الفْـضِيلْ جَـدَّ الحُسَيْـنِـينْ
و النُّورْ منْ جْبِينُو بَايَنْ يَـقْـدِي والشَّـمْسْ و القْمَرْ منْ فُـوقْ الخَدَّيْن
مُــحَالْ مَا سْعَـدْ وَاحَدْ كِي سَعْدِي سَالِي و مَنْطْرَبْ فِي بْهَـا نُورْ العَيْنْ
[31] – رواه أبو هريرة مرفُوعاً، بلفظ: ( فإِنَّ الشَّيطانَ لاَ يتمثَّلُ بِي)، و قال بنُ الفُضيل مرَّةً: ( لا يتخيَّلُ بِي)، و هذا الحدِيث أخرجه الإِمام أحمد فِي المُسند، ج2/ رقم 332. عن أبِي هرير ة عن عاصم بن كُليب عن أَبِيه؛ و فِي رواية أخرى له، فِي مجلّد رقـم 2، ص 342 من طرِيق عبد الواحِد بن زياد: حَدَّثَنَا عاصـم بن كليب به؛ و أخرجه التّرمِذِي فِي الشَّمائِل برقـم 346، من هذا الوجـه، و كذا الحاكِم فِي ج4/ ص 393، و قال: صحِيحُ الإسناد، و وافقه الذََّهَبِي، و كذا ابنُ حجـر العسقلاَنِي.
[32] – يُنظر: منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ص 178.
[33] – يُنظر على سبيل التّمثِيل لا الحصـر: يوسف بن يحي بن الزيَّات: التشوُّف إلى رِجالِ التصوُّف، تح: أحمد توفِيق، منشورات كليّة الآداب و العلوم الإنسانية، الرِّباط، 1984م، ص 319.
[34] – عبد الوهّاب الشَّعـرانِي: الطّبقات الكبرى( لواقِح الأنوار فِي طبقات الأخيار)، دار الفكر بيروت- لبنان، ج1/ ص 133.
و قد ذكر الإِمام الشَّعرانِي فِي مؤلَّـفِهِ هذا أَنَّ مدينَ هو المدفون بمصر بجامع الشّيخ عبد القادر الدّ َشطُوطِي ببركـة القرع خارج السُّور، مِمّا يلِي شرقي مصر، عليه قبّة عظِيمة، و قبره يُزار.
[35] – نقلاً عن: محمّد الطّاهر علاَّوِي، العالـم الربَّانِي سِيدِي أَبِي مدين شُعيب، ج1دار الأمّة، برج الكيفان- الجزائِر، ط1-2004م، ص 14.
[36] – منشورات جمعيّة آفاق مستغانم، المرجع السّابِق، ص 238.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 05/03/2016
مضاف من طرف : boukerroucha
صاحب المقال : حاكمي لخضر
المصدر : jilrc.com