الجزائر

''50 سنة أخرى لبلوغ الرشد؟''



 العودة إلى القاموس هي أولوية قد تسبق الحديث عن مصير الدستور. نحن في حاجة إلى تثبيت المصطلحات المستعملة، من قبل السلطة وبعض حلفائها، ومن قبل التيارات التي تقف خارج دائرة الحكم. والغاية أن نكون على نفس الخط في التعامل مع هذه اللغة .
فما معنى الحوار والحليف والشريك والمصالحة وفتح التلفزة والإذاعة بأمر من الرئيس؟ وما معنى رفض الالتزام بما ينص عليه القانون؟ وماذا يقصد بالأزمة، وهل الأزمة عندما تكون سياسية تدخل مجال المحرمات ويطبق عليها ما يطبق على عدم الاختلاط.. الاختلاط  بين الرجل والمرأة؟
كان يفترض أن تبادر الرئاسة لتعلن عن شكل مشاورات أو حوار أو لقاءات الرئيس وأن تبادر وتكشف عن محاور المواضيع. لكن بدلا من ذلك، تركت المهمة للوسائل الثقيلة التأثير في المجتمع وأقصد بها الإشاعة التي تأتي بالأخبار. وقد تناولت الإشاعة تفاصيل ومواضيع، لو تم بحث نصفها لعثـر الرئيس على مخرج واحد، على الأقل تخلص النظام من مسيرة دائرية، داخل حلقة غير منتهية العهدة.
لقد قيل الكثير. لكن الواقع، يكشف بأن كل ما قيل أ وكل ما نراه كثيرا، ما هو إلا  سراب. فما قيل لم يصل بعد إلى مستوى سطح التطلعات.
من غرائب الأمور أن تتناول الجهات الرسمية الملف السياسي (حتى لا أقول حوارا أو تشاورا..) وتستعرضه داخل نادي الحكم. ويفترض ممن يبحث عن حل، أن يفتح أبوابا للتواصل مع من يختلف معهم في الرأي . وأن يوسع دائرة قراءة رأي الآخرين. بطبيعة الحال هذ الأمر معروف ويبرز اتجاه مسيرة تناول القضايا السياسية التي تبقى بعيدة من أن يتم بحثها بشكل موسع وكأن المراد تحقيقه، هو تمرير أمر فوق الجميع.
قد نأخذ بكلام مسؤولين عند تبرير الاحتكار لكل ما هو سياسي، بأن الأمر مرتبط بضعف أداء الطبقة السياسية. وهذا بحد ذاته يعد اعترافا رسميا بفشل النظام في تجديد أطرافه، وفي تقوية وسطه وتدعيمه. فبعد نصف قرن لم نستح بعد من تبرير المستوى بضعف الآخرين .
وما نلاحظه نحن، غير المنتمين إلى حزب، أن الأحزاب تشكو فعلا من عدم تجديد الهرم ورأس الهرم. وإن سئل رئيس حزب عن عدد المنخرطين العام 2010 مثلا، لنكون كمن يوجه تهمة ثقيلة أو يحاول إفشاء سر خطير أو كم من الشباب تستقطب الأحزاب سنويا؟
إن عدد مناضلي الأحزاب والمنظمات من الطابوهات.
والأحزاب التي تقف خارج دائرة الحكم، وإن تكن معنية بالظاهرة، فلها ما يبرر لها بعض الشيء هذا التقصير المقصود. فهي مقصاة غالب الأوقات، ومحاصرة إعلاميا بشكل منتظم ومصغرة سياسيا بشكل شبه مستمر. ومن يكبر وينمو يعاقب بـ تصحيح خطه أو يهدد بذاك المصير إن لم يعد إلى الصف .. هي أحزاب ومنظمات وجرائد تعيش التعاسة..
لكن عندما نتوجه إلى أحزاب تمارس الحكم أو تشارك فيه، حسب تقدير كل طرف منها، نجد بأن العجلات لا تدور بما كان يجب أن تكون عليه أمور حزب بين يديه المال، وشيء من السلطة.
وأكثـر من ذلك، يشكو كل حزب منها من جروح كسور. وتشترك في انشطار المنتسبين إليها  إلى فرق وجماعات. فإذا كانت أحزاب الحكم غير مستقرة، فمن أين ستأتي بالاستقرار؟
أما العلاقات البينية فيما بينها، فهي تعكس حقيقة العلاقات غير الهادئة والتوازنات السياسية المضطربة والتي تعكس بدورها وجها من الأزمة السياسية.
قد يتم إعادة ترتيب الأولويات نتيجة تهديدات مصدرها سلاح القدافي الذي تركه في متناول الجميع، إلا أن الملفات السياسية ستبقى عالقة تنتظر تكفلا فعليا. فسنوات الإرهاب بكل أثقالها وأحزانها، أجلت كل ما هو سياسي.. كما أجلته الاشتراكية، و التصحيح الثوري وأجله التأميم بدعوى التكفل بما هو أهم وبما هو أكثـر حساسية.
لم تكن الـ50 سنة الماضية كافية لارتقاء الأداء، بحجة عدم جاهزية الأحزاب لممارسة حكم برلماني. فهل فعلا الجزائر في حاجة إلى خمسين أخرى لبلوغ الرشد السياسي والارتقاء إلى فوق سطح التطلعات؟ السؤال قد يوجه إلى السلطة وإلى النظام بشكل عام، ماذا كانت ستحقق الجزائر لو لم تتنكر لطبيعتها؟
عندما يرفع الخطاب الرسمي رسالة إلى الأدمغة المهاجرة داعيا إياها إلى العودة للمساهمة في بناء الوطن، فإنه ينتظر منه رسالة ثانية تخبر عن إزالة أسباب تشتيت القدرات المحلية. ونجاح المعادلة، يتم بوقف أسباب ضخ الهجرة، وفي نفس الوقت بتحسين فرص الاستقرار، وعدم التفكير في الهجرة كأنها صك عبور إلى الجنة .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)