الجزائر

26 سنة تمر على انفجار قنبلة مقبرة سيدي علي بمستغانم



من منا لا يتذكر الفاجعة الأليمة التي وقعت يوم أول نوفمبر 1994 بمقبرة سيدي علي شرق مدينة بمستغانم، والتي راح ضحيتها 4 أطفال من الكشافة الإسلامية الجزائرية لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة.. ، وذلك إثر قنبلة فجرها الإرهابيون عندما كانت السلطات تتأهب لدفن رفات 8 شهداء في المقبرة ، من بينهم الشهيد بن عبد المالك رمضان الذي سقط شهيدا يوم 4 نوفمبر 1954 وبيده سلاحه بغابة سيدي العربي بمنطقة خضرة قرب بلدية سيدي علي .ففي ليلة 31 أكتوبر إلى 01 نوفمبر 1994 وبمقر الكشافة الجزائرية الإسلامية الكائن بحي العربي بن مهيدي (سان جول سابقا) ، نظم قادة فوج عمر الحق حفلا متواضعا للاحتفال بالذكرى ال 40 لاندلاع الثورة التحريرية ، حيث أحضر الكشافة الحلويات والمشروبات لقضاء ليلة بالمقر قبل التأهب للخروج إلى المسيرة الليلية المعروفة في قاموس الكشافة ب « مسيرة المشعل / la retraite des flambeaux « التي كانت مبرمجة من المقر الكشفي إلى غاية ساحة البلدية ، شارك فيها ما يفوق عن 80 كشفيا ، ..في الساعة الصفر رُفع العلم الوطني بحضور السلطات المحلية ، الأسلاك الأمنية ، فوج من الجيش الوطني الشعبي ، الأسرة الثورة و قليل من المواطنين نظرا للوضع الصعب الذي كانت تمر به البلاد ، بعد أداء مراسيم رفع العلم بساحة البلدية عاد الكشافة وقادتهم إلى مقرهم لمواصلة الاحتفال إلى غاية صبيحة يوم 01 نوفمبر 1994 ، الوفد الكشفي لم يكون مبرمجا للذهاب إلى بلدية سيدي علي التي كانت تتأهب لدفن رفاه 8 شهداء من بينهم عبد المالك رمضان، وبما أن الحافلات لم تملئ بالمواطنين طلب بروتوكول والي الولاية وكذا مدير النقل آنذاك من مسؤولي الكشافة الإسلامية مرافقتهم بأفواجهم إلى سيدي علي ، بعد استشارة الإطارات الكشفية تمت الموافقة على القيام بهذه الرحلة . ضمن هذه الخرجة التاريخية والترفيهية كان في الحافلة التي كانت تقل الكشافة الشهداء الأربعة « بوعلام ، شوارفية ، حشلاف و شوقي» .
بمنطقة الفنار ببلدية عبد المالك رمضان توقفت الحافلة دون سابق إنذار، فانزعجت قيادة الكشافة وانتابها القلق من التأخر عن حدث دفن رفات الشهداء ، سائق الحافلة بحث عن العطب مطولا فلم يجده و في محاولة يائسة وأخيرة تحرك المحرك وواصلت الحافلة طريقها إلى غاية بلدية سيدي علي . علما أن هذه الحافلة كانت آخر مركبة دخلت بلدية سيدي علي ، اختار السائق ركن حافلته بالقرب من مقر دائرة سيدي التي تبعد عن مقبرة الشهداء بعشرات الأمتار ، كان الطفل الكشاف مهدي بوعلام رحمه الله الوحيد الذي كان ينتابه الخوف ، حيث كان يشعر بحدوث أمر خطير ، لذا بقي ملتصقا بوالده « رايس بوعلام» دون تحرك ، هذا الأخير وهو قائد الفوج طلب من الكشافة الصغار البقاء في الحافلة ونزول الأشبال فقط ، في هذا التوقيت كانت المقبرة مملوءة عن آخرها بالمسؤولين و المجاهدين و فوج من جنود الجيش الوطني الشعبي ومواطنين ، ..الدركي الذي كان يحرس باب المقبرة لم يسمح إلا للكبار بدخول المكان نظرا لضيقه ، لكن أمام إصرار أطفال الكشافة الذين نزلوا من الحافلة رغم تحذيرات الرايس بوعلام فتح لهم الباب وطلب منهم الاصطفاف في جهة واحدة بنية حضور دفن رفاه الشهداء .
بعد ثواني قليلة من اصطفاف الكشافة انفجرت القنبلة التي كانت مخبأة بإحكام في إحدى الأماكن داخل المقبرة ، فارتفع الغبار وتطاير في السماء ، اعتقد من كان حاضرا بأن المجاهدين أو عناصر الجيش الوطني الشعبي هم الذين أطلقوا الرصاص الحي أو البارود احتفاء بدفن الشهداء ، ..إلا أن هذا الغبار امتزج بالصراخ وعمّ هلع كبير وسط الناس، فاختلطت الأمور على كل من كان حاضرا . فبدأ الكل ينادي الكل .. رايس بوعلام سمع ابنه محمد آخ مهدي يناديه ، تلاه صوت المرحوم شوارفية عبد الله الذي كان بالقرب منه ، حيث قال له «رايس لا أشعر برجلي..'» فضمه إليه ، ثم واصل قائلا « لا تتركني أموت» ، ..نقل رايس بوعلام الطفل شوارفية عبد الله إلى حافلة الإسعاف وعاد لإنقاذ الطفلة الكشفية سمية ، بعد فترة قليلة حضرت مروحية عسكرية ونقلت المصابين إلى مستشفى وهران وعين النعجة بالجزائر العاصمة .
في هذه اللحظة تدخل الإعلام، فانتشر الخبر كالنار في الهشيم ما زاد من الفزع والذعر وطنيا ودوليا ، خاصة بعدما تبين أن هذه الحادثة تسببت في استشهاد 4 أطفال وهم « مهدي بوعلام 9 سنوات ، عبد الله شوارفية 12 سنة ، محمد حشلاف 8 سنوات ، محمد شوقي 7 سنوات «، كما تم تسجيل 17 جريحا ، الشهداء ال4 دفنوا بثيابهم الكشفية بمقبرة سيدي بن حوة بمستغانم ، بحضور الأسر الكشفية التي تنقلت من كل أنحاء الجزائر، كما حضر مراسيم الدفن عدد من الوزراء الذين أبوا إلا المشاركة في مواساة العائلات المكلومة .
رئيس الجمهورية الأسبق السيد اليامين زروال لم يتأخر عن تقديم تعازيه الخالصة إلى العائلات التي فقدت فلذات أكبادها ، ومن خلالها إلى كل الشعب الجزائري ، بعد هذه الحادثة التفت الأسرة الثورة والمجاهدين و مسؤولي الصحة ، الشبيبة والرياضة حول هذه العائلات التي لم تشعر لحظة بأنها وحدها في هذه الفاجعة التي ألمت بكل الجزائريين .. بوعلام رايس الذي فقد ابنه مهدي وأصيب الثاني محمد في هذه الحادثة قال لجريدة الجمهورية : « ككشافة ، لا زلنا في الميدان ولا زلنا نحتفل بذكرى اندلاع الثورة التحريرية إلى اليوم ، لأن الكشافة مدرسة الوطنية دورها تكوين الكشاف لكي يعتمد على نفسه ، يحب وطنه ، يحب والديه ، يحترم الغير ، يساعد الضعفاء ويتحلى دوما بالانضباط ، هكذا نريد أن يكون أبناؤنا . أتمنى الخير للبلاد والعباد ، تحيى الجزائر والله يرحم الشهداء»


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)