الجزائر

16 مليونا في الواقع و مليونان بالبطاقة الفلاحون في مواجهة الطبيعة والبيروقراطية والديون



ضاع الفلاح الجزائري، خلال هذه السنوات، في متاهات الإجراءات البيروقراطية للاستفادة من مسح الديون التي أقرّها رئيس الجمهورية، وكذا للحصول على الأسمدة الكيماوية والقروض وتسديد فاتورة الكهرباء والمازوت، والبحث عن السبيل لإيصال منتوجه الزراعي إلى الأسواق، دون المرور على السماسرة. يحدث هذا في الوقت الذي كان هذا الفلاح يطعم كل الجزائريين، وحتى سكان البلدان المجاورة، عندما كانت الزراعة في بلدنا تعيش عزّ أيامها.

قطاع غير معني بالتكنولوجيا
الفلاحون رهينة القوانين وغياب الوسائل

مهنة فلاح في الجزائر لم تعد سهلة، على نحو ما يعتقد الكثير من الناس، بقدر ما أصبحت مرادفة لكل المتاعب الناجمة عن قلة الإمكانيات والعراقيل، إذ وإلى غاية الآن، يتساءل مئات الفلاحين عن أسباب عدم صدور عقود الامتياز، ما حال دون حصولهم على قروض الاستثمار، فيما لا يزال المئات منهم، بعنابة والطارف، يتحسرون على فقدان ماشيتهم وإتلاف هكتارات من محاصيلهم في الحبوب.
مهنة الفلاحة لم تعد حبيسة الأطر أو الوسائل التقليدية، حيث أضحت عملا تقنيا وتكنولوجيا أيضا، يستند إلى الخبرات والمهارات، نزولا عند متطلبات السوق. ولكن تحدّ من هذا النوع راح يطرح نفسه بشكل ملح على الفلاح في الجزائر الذي بات يطمح هو الآخر لتحسين منتوجه ورفعه، سواء تعلق بمجال الحبوب أو تربية المواشي أو إنتاج الفواكه. بيد أن المحيط العام للفلاحة في الجزائر ما يزال بحاجة إلى نوع من الليونة، ومزيد من الانفتاح، تسهل عمل الفلاحين وتتيح لهم طرق الحصول على فرص الاستثمار.
فإلى غاية الآن، يثير عشرات الآلاف من الفلاحين عبر التراب الوطني مشاكل عديدة، وفي مقدمة ما يتحسر عليه الفلاحون بولايتي عنابة والطارف، إثـر الخسائر التي تسببت فيها المياه الطوفانية هناك، قبل أسبوع، إذ هناك من فقد المئات من رؤوس أغنامه في انهيار الإسطبلات، والأمر نفسه بالنسبة لمربي الدجاج، فيما يشكو عدد كبير منهم من خسائر معتبرة بعد إتلاف هكتارات من محاصيل الحبوب والأشجار المثمرة. ويتساءل عدد كبير من الفلاحين عن الأسباب الخلفية وراء عدم استصدار عقود الامتياز الفلاحي، رغم مرور ثلاث سنوات عن صدور القانون المتعلق بالامتياز الفلاحي.
وصرّح بعضهم، لـ''الخبر''، أن التماطل في استصدار العقود وضع الفلاحين موضع الرهينة، ولم يعد في وسعهم فعل أي شيء، مادام أن أي عمل استثماري تربطه البنوك بمدى حيازتها على نسخة من عقد الامتياز، وهو ما جعل عشرات المستثمرات في وضعية مشتتة. ويضع هؤلاء الفلاحون الإدارة موضع المسؤول عن تعطيل المشاريع الاستثمارية للفلاحين كونها لم تلعب دورها، مثلها في ذلك مثل مديرية أملاك الدولة التي لم تلتفت من حولها، هي الأخرى، للمطالبة باستصدار هذه العقود. وفي غمرة هذه الظروف، لا يتردّد فلاحون آخرون في الإشارة إلى أن قرض ''الرفيق'' لم يستقطب إليه الفلاحون على نحو ما هو مطلوب، حيث لم يندمجوا فيه بقوة، لأن المستثمرات الفلاحية تشترط على المستثمر أن يكون عقده فرديا، لاسيما أن أحسن الأراضي بحوزة من استفادوا في وقت سابق من الأراضي.
وتختلف وتتنوع مشاكل الفلاحين من منطقة إلى أخرى ومن مجال لآخر، حيث يرى عديد الفلاحين من منتجي الحبوب أن جهد الفلاحين في مجال الحرث لابد أن يقابله جهد مواز من جانب المرشدين الفلاحين، خاصة أن الفلاحين يفتقرون للإمكانيات ويفتقدون لأعمال المرافقة، فيما يتساءل كثير من الفلاحين أيضا في سياق ذلك عن خلفيات عدم حصولهم على جرّارات، وهم الذين يقولون إنهم وقعوا على عقود منذ عامين لحيازة جرّارات، إلا أنهم لم يحوزوا عليها إلى غاية اليوم.
وموازاة مع ذلك، يواجه فلاحون بولايات الجنوب كأدرار، بشار، تندوف، تمنراست، واحدة من المشاكل التي لا تزال تؤرقهم إلى غاية الساعة، تتمثل في حرمانهم من الكهرباء، ما صعب من مهمة قيامهم بسقي محاصيلهم عن طريق ضخ المياه من الآبار. بينما يطرح مربو الماشية في تمنراست، خاصة الإبل، الغنم والماعز، فقدانهم للآبار، ما جعلهم يناشدون وزارة الفلاحة للالتفات من حولها قصد حفر مزيد من الآبار لتشجيع البدو الرحل على تربية المواشي. ومع ذلك، فإن الفلاحين ليسوا بمنأى عن ألاعيب السماسرة والمضاربين، حيث لايزال الفلاح، حسب عارفين بالقطاع، ضحية هذه المضاربة، مستغلين إياه في جانب عدم قدرته على تسويق منتوجه.
الجزائر: نوار سوكو

بورتريه

  الفلاح جمعي بن عطية من مستغانم لـ''الخبر''
''من الصعب اليوم أن تغامر في الزراعة''

 ينتمي السيد جمعي بن عطية، 48 سنة أفنى 28 منها في خدمة الأرض وإنتاج البطاطا، إلى عائلة عريقة من ريف بلدية سيرات الواقعة جنوبي مدينة مستغانم، تخصصت عائلته في زراعة الخضر والفواكه، واختار هو البطاطا، والتحكم في آليات تهيئة الأرض والحرث والزرع والإنتاج، بعامل التجربة والخبرة التي اكتسبها على مدى 28 سنة من العمل الشاق.
يقول جمعي إن زراعة البطاطا تحتاج جهدا مضاعفا، يبدأ بالنهوض على الساعة 6 صباحا وينتهي مع غروب الشمس، على مدار السنة، بتقليب التربة وتركها تستريح، وتحضير الغبار والمواد العضوية والمبيدات، واختيار النوع الجيد من البذور لدى المستوردين عند الاقتناء والبحث عن ذات المردود المرتفع في الهكتار الواحد الذي قد يصل إلى 600 قنطار.
ويزرع السيد جمعي ثلاثة أنواع من بذور البطاطا المستوردة، لمقاومتها للأمراض ومردودها الجيد في الهكتار الواحد، وهي ''سبوتنا'' التي قد يصل إنتاجها إلى 600 قنطار في الهكتار، و''امورونا'' و''بارتينا'' التي قد يبلغ منتوج الهكتار الواحد 500 قنطار.
ويعتبر السيد جمعي بن عطية أن وفرة المنتوج لا تكون إلا بعد جهد شاق وعناية فائقة واستعداد تام تحسبا للأمراض الفتاكة كـ''الميلديو''، كلما تغيرت الأحوال الجوية وزادت نسبة الرطوبة، وأحيانا أخرى خوفا من الطفيليات وإصابة التربة ببعض الأمراض.
ورغم كل هذه الأتعاب، إلا أن السيد جمعي يشعر بالسعادة وبراحة البال، رغم أن جهده مع مرّ السنين بدأ في العد التنازلي. ولو خيّر اليوم بين زراعة البطاطا ومهنة أخرى، لاختار مهنة ثانية، كما يقول، لأنه ''من الصعب أن تغامر اليوم في زراعة وإنتاج البطاطا لأسباب كثيرة، منها غلاء العتاد الفلاحي والمواد الكيماوية، من أسمدة ومبيدات، ونقص اليد العاملة وهيمنة السماسرة على سوق الجملة وجشع تجار الخضر، والضحية هما المزارع والمستهلك، في غياب قانون ردعي يحميهما''، معتبرا أن زراعة البطاطا قبل أن تكون مادة استهلاكية أساسية فهي مصدر رزق لضمان قوت أفراد عائلته الكبيرة، ولا علاقة له بالمضاربين والسماسرة، وخير دليل أنه لم يجرؤ يوما على جني المحصول قبل النضج الكامل، رغم الإغراءات المادية التي تعرض عليه مسبقا.
مستغانم: مدني بغيل


شاهد من أهلها

رئيس اتحاد الفلاحين الأحرار قايد صالح لـ''الخبر''
''البيروقراطية والتهميش أنهكا الفلاحين''

أكد رئيس اتحاد الفلاحين الأحرار، صالح قايد، أن عدد الفلاحين بالجزائر يبلغ 16 مليونا، رغم أن الحاملين للبطاقة المهنية لا يتعدى المليونين، إذا ما نسبت هذه الصفة لمن تكون أرضه مصدر دخله، موضحا أن هذه الفئة لاتزال تعاني التهميش وبيروقراطية الإدارة التي شجعت على الرشوة للاستفادة من أهم المشاريع التي تطلقها وزارة الفلاحة، كالامتياز الفلاحي.
 لماذا هذا التضارب في الأرقام حول العدد الحقيقي للفلاحين؟
- إذا نسبنا صفة الفلاح لمن يخدم الأرض وهي مصدر دخله الوحيد، فإن 16 مليون جزائري يمارسون هذه المهنة بالريف الجزائري. أما إذا اعتمدنا على إحصائيات الوزارة واعتبار الفلاح فلاحا ببطاقة الفلاح، فإن مليونين فقط يملكون هذه الأخيرة.
 ما هو موقفكم من الاستفادة من الامتياز الفلاحي؟
- حتى إن كانت هذه الصيغ جديدة وأكثـر فاعلية وبإمكانها منح الفلاح فرصة أكثـر لتطوير زراعته ورفع منتوجه من أجل الوصول إلى هدف يتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا أن هناك عراقيل تواجه المنخرطين في هذا المشروع، بسبب الملف الثقيل الذي تطلبه الإدارة، ويواجه الفلاحون مشكلا كبيرا في استخراج الوثائق المطلوبة، وهو ما دفع الكثير منهم إلى التخلي عن الانخراط به.
 وماذا تقترحون؟
- نحن نطالب أن تقتصر الملفات على استمارات يملأها الفلاح، يدوّن فيها كل معلوماته، وتسهل الإدارة له بعد ذلك العمل. ومن حق الوصاية، عبر لجانها الولائية، مرافقته ومراقبة عمله، وبعد مدة، تقيّم ما أنجزه، فإما تواصل دعمها له إذا حقق نتائج إيجابية وتساعده في تجاوز العراقيل المتبقية، أو يتضح أن المعني لا يستحق المساعدة، فتسلم المشروع لمن هو أكفأ منه. كما أن الفلاح يواجه مشكلا موازيا، يتمثل في الرشوة والمحسوبية.
أتقصد الرشوة للاستفادة من هذه الصيغ؟
- بالطبع، لأنه لا يمكن أن ننكر أن هناك فلاحين تحصلوا على الموافقة لإنجاز مشروع فلاحي ما، لأن أطرافا تعمل بإدارة الغرف الفلاحية أو الجهات المتخصصة في ذلك، ويدفعون مقابل ذلك رشاوى. فيما يعجز الفلاح البسيط الذي يطمح لتوسيع نشاطه فقط من نفس التسهيلات، لأنه يعجز عن تقديم هذه الرشاوى أو يمقتها أصلا. ولهذا، على الوزارة تسطير ملتقيات دورية بهدف الاحتكاك المباشر بالفلاح، عوض تركها فريسة لبعض الإدارات التي لا يهمها سوى الربح.
 وما هي العراقيل التي يواجهها الفلاح في خدمة الأرض؟   
- لايزال الفلاح البسيط يجد صعوبة في اقتناء مستلزمات الأرض، منها الأسمدة التي توزع بطريقة عشوائية، وأحيانا يسعى جاهدا للحصول عليها ولا يجدها، ما يهدّد محاصيله السنوية... وغيرها من العراقيل التي ينبغي إعادة النظر فيها.
الجزائر: رشيدة دبوب   


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)