الجزائر

يقضون نصف عمرهم في الطريق والتقاعد غير مضمون نصف مليون سائق شاحنة يتقاسمون المعاناة والمخاطر


أن تقود شاحنة مقطورة أو غير مقطورة، فهذا ليس بالأمر السهل، لأنك ستقود معها سنوات عمرك وأنت تختار مهنة محنتها من محن الطريق وما يخفيه من مفاجآت، أغلبها غير سارة.
وإن كانت ''الخبر'' أول جريدة ترصد مهنة هذه الفئة ''المنسية''، فإنها وجدت في قصص هؤلاء كتابا من المغامرات والمخاطر التي لا تحصرها الكلمات.

من أدرار إلى تمنراست وجانت
الطريق نحو المجهول لكسب لقمة العيش
 تحصي وزارة النقل حوالي 450 ألف شاحنة عبر الوطن، وهو رقم تضاعف بنسبة مائة بالمائة في ظرف وجيز، ويعادل عدد هذه المركبات عدد سائقي الشاحنات المقطورة وغير المقطورة عبر الوطن. ويقدّر متوسط العمر بالنسبة لحوالي 500 ألف سائق ما يعادل الثلاثين سنة، ولكل واحد من هؤلاء ''قصة'' مع الطريق والمهمة التي يسلكها.
يقول السائق ''حكيم'' بأن مهنته التي بدأها منذ الصغر لم تكن محفوفة بالمخاطر والصعوبات فحسب، بل هدّدت حياته بالموت في عدة مرات. ويتحدث ''حكيم'' الذي رسمت مسالك الصحراء والجبال تجاعيد وجهه رغم أنه لا يزال شابا، بنبرة يائسة ''عانيت الكثير وأنا أقود الشاحنات، لكني أحب هذه المهنة التي تسري في عروقي''. ويضيف المتحدث ''المسالك الوعرة التي سلكتها في أدرار وجانت وتمنراست كانت أكثر خطورة، حيث تحاصرنا الزوابع الرملية والمنعرجات الخطيرة، التي تجعلك غير قادر على التحكم في الشاحنة التي تكون محملة بآليات وعتاد ضخم''.
أما السائق ''خالد''، صاحب الخمسين سنة، فمعاناته تبدأ من ميناء العاصمة الذي يصطف فيه يوميا في طابور غير متناه، ويتسبب الوقت الكبير الذي يستغرقه تمرير الشاحنة عبر ''السكانير'' في قضائه ساعات طويلة تحت أشعة الشمس في انتظار دوره. يقول خالد: ''قبل أن أخوض مهمتي في الطريق، أعاني من طوابير الانتظار التي أجد فيها عذابا كبيرا، خصوصا وأننا مهدّدون بالاعتداءات والسرقات''.
ومن بين الحوادث التي عايشها ''خالد'' ما وقع له في أحد المواقف بمحطات الخدمات، حيث تعرض لسرقة هاتفه النقال وماله وعجلة النجدة، على الرغم من أنه سدّد مبلغ التوقف المقدر بـ200 دينار كمقابل لذلك، ويضيف ''من يحرس هو من يتفق مع عصابات السرقة التي تعتدي وتنهب كل ما لدينا''. ويتطلب عمل سائق شاحنة الوزن الثقيل الكثير من الصبر، والقدرة على التعامل مع الوضعيات الصعبة، خصوصا أن مفاجآت الطريق لا تكون سارة في أغلب الأحيان.
ويمر عمر السائق بسرعة، حسب ما يؤكده غالبيتهم، ليجدوا أنفسهم في سن التقاعد الذي يرهقهم فيه المرض المزمن والأجر المتدني، وهم من كانوا يتقاضون عن كل ليلة 1500 دينار ومنحا مغرية لم توفر لهم العيش الكريم في آخر العمر.


الـ''جي.بي.أر.أس'' لمراقبة السرعة والتحركات
 على الرغم من أن بعض المؤسسات التي توظف سائقي شاحنات تستعين بوضع أرقام هاتف من أجل الاتصال في حالة الإفراط في استعمال السرعة، إلا أن شركات قليلة أصبحت تعتمد على نظام ''جي.بي أر.أس'' من أجل مراقبة تحركات السائقين في كل متر من الطرق. ويقول مسيّر إحدى شركات النقل بأن هذا النظام يسمح بمعرفة كل تحركات الشاحنة، بدءا من موقعها، وإذا ما قامت باستعمال نظام الكبح بشدة، ما يعني حصول أي صدمة أو حادث مرور. بالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا النظام الذي يعمل عن طريق شبكة الأنترنت، بمعرفة وقت توقف السائق عن السير، وهو ما يمنع السائق من السير لمدة تفوق الأربع ساعات، التي قد تقوده فيما بعد إلى مرحلة الإرهاق وعدم القدرة على التركيز أثناء القيادة. ويفيد هذا النظام في الحفاظ على سلامة السائق، خصوصا أن الشاحنة ثمنها مرتفع، وتأمينها يصل حدود 100 مليون سنتيم للسنة الواحدة.         


النوم والأكل بجانب المقود
 أصبحت الشاحنات المقطورة وغير المقطورة توفر المرقد والثلاجة التي تسمح للسائقين الذين يسلكون طريقا تمتد على مدار أسبوع أو أكثـر، بالنوم والأكل بجانب المقود. ولا تفارق البطانية السائقين، الذين يضطرون مع الزوابع الرملية وحلول الظلام في مسالك وعرة ومناطق نائية إلى التوقف من أجل الخلود للنوم. ويضطر السائق في غالب الأحيان للمبيت في الفنادق والنزل، خصوصا أن النوم في الشاحنة باستمرار لا يكون مريحا.
ويجتمع أغلبية سائقي الشاحنات على تحضير بعض الوجبات في الصحراء، من خلال طهي الخبز تحديدا، خصوصا أن نقله معهم في مهمة تدوم أسبوعين يكون شبه مستحيل. ويبقى الماء الصالح للشرب والجبن أهم ما يجب ألا يفارق هؤلاء في كل طريق يسلكونه، خصوصا أن الثلاجة الصغيرة التي توفرها الشاحنة أصبحت قادرة على الحفاظ على المواد لمدة أطول.
 

3 شروط لتوظيف سائق شاحنة الوزن الثقيل
- أولا: أن يكون السن 25 سنة فما فوق.
- ثانيا: الحصول على رخصة سياقة من نوع ''هـ'' من الصنف الذي يجر مقطورة، ووزنها أكثـر من 750 كلغ.
- ثالثا: المعرفة الكاملة بالميكانيك.

 شاهد من أهلها
رئيس الاتحادية الوطنية للحافلات ونقل البضائع بوشريط عبد القادر
''سائقو الوزن الثقيل معرّضون للقتل والاعتداءات لغياب أماكن التوقف''
كشف رئيس الاتحادية الوطنية للحافلات ونقل البضائع، بوشريط عبد القادر، في تصريح لـ''الخبر''، بأن الارتفاع الكبير لعدد سائقي الشاحنات المقطورة ونصف المقطورة لم يصاحبه أي تحسين في ظروف عملهم، كما أن عددا كبيرا منهم لا يجد أي مكان يتوقف فيه، خصوصا في الموانئ والمدن، ما يجعلهم عرضة للسرقة والاعتداءات.
 هل ترى بأن مهنة سائق شاحنة في الجزائر تتضمن مخاطر أكثـر مقارنة بدول أخرى؟
  بالفعل، فسائق شاحنة مقطورة أو نصف مقطورة لا يتوفر على أدنى شروط في غالب الأحيان، من أجل سلامة السائق، حيث يبقى معرّضا للخطر في كل مكان، خصوصا أنه لا توجد أي مواقف خاصة لتوقفهم، أمام الموانئ تحديدا التي تزدحم أمام بوّابتها وبجوارها مئات الشاحنات التي تقل الحاويات. ويتسبب مثل هذا الوضع في تعرّض هؤلاء السائقين للقتل وللاعتداءات والسرقة والإرهاق الشديد.
 لماذا لا يتم تحديد وقت قيادة السائق للشاحنة، كما هو معمول به في دول أخرى، لتفادي التعب ووقوع حوادث مرور؟
 الأمر مخيف بالنسبة للجزائر، لأن السائق يتحوّل في غالب الأحيان إلى سائق متهور بسبب إفراطه في استعمال السرعة، إلى الحد الذي يجعله غير قادر على التركيز في الطريق، بسبب الساعات الطويلة التي يقضيها أمام المقود من دون توقف. ولهذا، نطالب بأن يتم وضع نظام، يتم من خلاله إلزام السائق بالتوقف بعد مدة سير تحدد أحيانا بأربع ساعات.
 هل يكفي اليوم أن تكون سائق شاحنة لتستفيد من أجر عال دون التفكير في التقاعد؟
لقد شهدت أجور سائقي الشاحنات ارتفاعا محسوسا، لكن أغلبهم لا يتحصل على الأجر القاعدي اللازم، وتكون أغلب عائداته من المنح ومصاريف المهمة التي يقوم بها. ولهذا، فإن التقاعد بالنسبة لهذه الفئة يكون أمرا صعبا، لأنهم لا يستفيدون في آخر المطاف من أجر تقاعد يحفظ كرامتهم.
لماذا نرى بأن الشاحنات تزاحم السيارات في حظائر المركبات في قلب المدن والأحياء السكنية؟
l الظاهرة لا تعيشها إلا الجزائر، خصوصا أن ارتفاع عدد الشاحنات لم يصاحبه في مقابل ذلك تخصيص مواقف لهذا النوع من المركبات، حيث يتسبب ذلك في إزعاج كبير للسكان، خاصة أن أغلب السائقين تبدأ رحلتهم مع الطريق في حدود الرابعة أو الخامسة صباحا، ما يدفع صوت محركاتهم إلى إيقاظ كل السكان ويسبب لهم الإزعاج.    


بورتري
السائق مخباط محمد أمين
''أصغر سائق يحدث طوارئ في قصر زين العابدين بن علي''
 يعترف السائق مخباط محمد أمين، 28 سنة، بأنه ''لا يفكر أبدا في أن يبتعد عن الشاحنات''. ويضيف بأنه عاش مواقف صعبة لم يتصورها وهو يسلك الطريق نحو كل مدن الجزائر وصولا إلى تونس، التي أحدث فيها طوارئ في قصر زين العابدين بن علي، بعد أن أغلقت شاحنته الحدود مع الجزائر ليوم كامل. بدأ المتحدث مشواره مع قيادة الشاحنات المقطورة ونصف المقطورة في سن مبكرة، حيث كان أصغر سائق في الجزائر، فقد قاد أول شاحنة من الوزن الثقيل بداية من سن العشرين، وقادته رحلاته إلى جانت وتندوف وأدرار. ويقول مخباط محمد أمين بأن ''مع كل قيادة ومهمة، تبدأ مغامرة مجهولة المعالم''. ومن بين ما حدث له العام 2009 عندما سلك الطريق نحو تونس، وتحديدا نحو ولاية بن عروس، وهو يقود عربة الآليات. وفي طريق العودة في مسالك قريبة من المركز الحدودي بوشبكة بتبسة، كادت ''عربة الآليات'' تنقلب بعد مروره في منعرج خطير جدا، وتسبب ذلك في غلق الطريق من الساعة السابعة صباحا إلى الثالثة والنصف مساء.
ويؤكد محمد أمين بأن قيادات عليا في الجيش التونسي أبلغته بأنه يجب الإسراع في فتح الحدود، خصوصا أن شاحنة الجيش كانت تسلك نفس الطريق، ويضيف ''حتى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يومها يكون قد سمع بما حدث، خاصة أني أغلقت الحدود بشكل تام. وقال لي أحد المسؤولين كنا نظن بأنك شخص ضخم مثل الشاحنة التي تقود، وإذ بك شاب صغير''. ويتحدث السائق الذي ورث المهنة عن أبيه، بأنه استطاع اليوم رفقة إخوته أن يوظف عددا من السائقين لقيادة الشاحنات التي أصبحت تزدحم في الطرقات بشكل كبير، مؤكدا بأن ذلك تسبب في انخفاض التكاليف. ولا يجد أمين أي مانع في أن يمتهن أبناؤه سياقة شاحنات الوزن الثقيل، مؤكدا بقوله ''هي مهنتي التي أعيش منها، وأكتشف فيها يوميا الكثير من الأمور''. وفيما يتعلق بصغر سنه عندما قاد الشاحنة لأول مرة وتغير القوانين الجزائرية، قال المتحدث ''لقد اضطررت إلى إعادة اجتياز الامتحان الخاص برخصة السياقة من الصنف الذي يجر المقطورة ووزنها أكثر من 750 كلغ، العام الماضي، رغم أني حصلت على الرخصة عام .''2003   
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)